من الهندسة إلى حماية الطيور المهاجرة.. شابة مصرية تحقق حلمها بمراقبة السماء

منذ 10 سنوات بدأت مهمة فريق مراقبة الطيور المهاجرة، كانت البداية بفريق أجنبي، ولكن توفيرا للنفقات، قررت الهيئة المشرفة الاستعانة بالمصريين.

منال أول مراقبة للطيور المهاجرة في مصر (الجزيرة)

"رأس غارب" منطقة في مصر تحيطها الجبال والبحر الأحمر، يعرفها أغلب المصريين من كتب الجغرافيا التي درسوها في مراحل التعليم المختلفة، فهي أرض خصبة بمصادر الطاقة المتجددة وغير المتجددة، يعمل أغلب سكانها في مجالات البترول والطاقة.

رغم ذلك اختارت منال عبد الوهاب، المهندسة المعمارية، ابنة الصعيد التي تنتمي لرأس غارب، أن يكون عملها مختلفا، لا يقترب من الهندسة ولا يمت للمعمار بصلة، لكنه كان الأقرب لروحها الهائمة، فاختارت صاحبة الـ 35 عاما أن تراقب الطيور.

من رأس غارب بدأت الشابة رحلتها، وقد باءت جميع محاولاتها للعمل مهندسة معمارية بالفشل، في مدينة صغيرة تحتل فيها شركات البترول رأس الهرم الوظيفي، لم تكف منال أبدا عن السعي، خاصة بعد انفصالها عن والد طفلها الوحيد، بدأت مشروعا الخاص في تصميم وإنتاج الحلي والإكسسوار.

وبرغم محاولاتها للنجاح، فإن شيئا ما بداخلها كان يخبرها أن شغفها لم يتحقق بعد، تروي منال للجزيرة نت أن الصدفة لعبت دورا كبيرا في حياتها "في جلسة مع صديقة بالنادي، أخبرتني أن هيئة الطاقة المتجددة التي يعمل بها زوجها تحتاج للمتدربين لمراقبة الطيور المهاجرة، في البداية لم أفهم شيئا، لكن بعدما شرحت لي لم أتردد لحظة".

أثناء الدورة التدريبية التي تلقتها منال لمراقبة الطيور المهاجرة (الجزيرة)

المدينة الصغيرة تفتح ذراعيها للشابة لتبدأ رحلتها الجديدة في عالم الطاقة، لكن هذه المرة ليس في البترول، ولا استخراج المعادن النفيسة، بل في طاقة لا تنفد، هيئة الطاقة المتجددة والتي تدير في رأس غارب أكبر محطات توليد الكهرباء من طاقة الرياح، في جبل الزيت في صحراء البحر الأحمر، لكن ماذا ستفعل خريجة الهندسة المعمارية في جبل الزيت؟ وما علاقة الطيور بالطاقة المتجددة؟

تقول منال "علمت أنه بعد إنشاء المحطة لاحظ المراقبون أن التوربينات الضخمة تتسبب بقتل الطيور المهاجرة، في شهور هجرتها من برد أوروبا لدفء مصر. واليابان صاحبة منحة إنشاء المحطة قررت التراجع عن استكمال التمويل، رفضا للتسبب في إضرار بالبيئة، فقررت مصر أن تعين فريقا متخصصا مهمته الوحيدة مراقبة الطيور المهاجرة أسرابا وفرادى، ورغم تشكك الخبراء اليابانيين فإن الخطة نجحت".

منذ 10 سنوات بدأت مهمة فريق مراقبة الطيور المهاجرة، بحسب ما تحكيه منال، كانت البداية بفريق أجنبي، ولكن توفيرا للنفقات، قررت الهيئة الاستعانة بالمصريين، وكانت هذه هي الصدفة التي مرت بالجلسة النسائية لتنتهي باسم منال مسجلا في فريق التدريب القادم لمراقبة الطيور، وواحدة من 3 نساء شاركن بالدورة وكان لها أولوية الاختيار بسبب قربها من المحطة في رأس غارب.

التدريب الذي استمر شهرا انتهى بحصولها على فرصة العمل في البداية ضمن الفريق، ثم تدرجت بعد ذلك لتتولى رئاسة فريق من المتدربين الجدد. لم يكن الأمر سهلا على منال، ولا على غيرها من المشاركين، لكن المتعة كانت تفوق أي تعب.

تحكي منال عن مهمتها بصحراء البحر الأحمر "أثناء التدريب عرفنا جميع أنواع الطيور المهاجرة، وأوقات نزوحها إلى مصر، أحجامها وأعمارها، الفرق بين الذكر والأنثى، كل هذا لابد من دراسته جيدا حتى نستطيع أن نتبين كل ذلك والطير في السماء، والمنظار المخصص للمراقبة والقفازات المؤمنة، والأحذية المخصصة للحماية من لدغ العقارب والأفاعي، وكذلك الملابس المخصصة لمواجهة الصحراء وتقلباتها، كل ذلك نتسلمه قبل أن نواجه مهمتنا في حماية طيور العالم لمدة 8 ساعات يوميا، ويالها من مهمة جليلة".

مهمة منال عبد الوهاب حماية الطيور المهاجرة من أوروبا إلى مصر (الجزيرة)

المهمة -التي وصفتها الشابة بالجليلة- للأسف مدتها تنتهي بالشهر المحدد لكل متدرب، ثم يحل محله متدرب جديد، حتى الموسم التالي من هجرة الطيور، تقول منال "من حسن الحظ أنه خلال مدة عملي تم إغلاق التوربينات لمرور سرب من الطيور المهاجرة، ونُشر الخبر بوسائل الإعلام، فعرف الناس مدى أهمية المهمة الإنسانية التي نقوم بها في الحفاظ على البيئة".

تحكي الشابة أنها عانت من محاولات البعض تسفيه ما تقوم به، وتشبيهه بتربية الدواجن، لكن بعد انتشار الخبر وردود الأفعال العالمية حوله فهم الكثيرون لماذا قررت ترك الأرض ومراقبة السماء.

المصدر : الجزيرة