تحت حرارة الشمس وسيرا على الأقدام.. بيسان أول ساعية بريد فلسطينية

تشعر بيسان اليوم أنها بدأت تكسر الحواجز النفسية المختلفة التي تعيشها.

بيسان حميد تقوم بعملها داخل مكتب بريد بيت لحم جنوب الضفة الغربية استعدادا لعملها ساعية بريد في مدينتها بيت ساحور شرق المحافظة (الجزيرة)

بيت لحم- بدأت بيسان تعتاد شيئا فشيئا على المناطق التي تتحرك فيها وعلى الناس الذين تتعامل معهم أثناء عملها، فهي اليوم أول ساعية بريد فلسطينية، وتعمل منذ أكثر من شهر في هذا المجال بمدينتها بيت ساحور شرق بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة.

بيسان حميد (27 عاما) نالت شهادة الدبلوم في إنتاج الأفلام الوثائقية من جامعة دار الكلمة للثقافة والفنون في بيت لحم عام 2014. توفيت والدتها قبل عدة سنوات، وهي تعيش مع والدها وشقيقها الصغير في منزلهم ببيت ساحور.

شاغرٌ وظيفي

تنقلت الفتاة الشابة بين أعمال مختلفة، كان أبرزها أنها عملت مندوبة مبيعات لدى شركات خاصة في محافظات عدة بالضفة الغربية المحتلة، حتى تلقت اتصالا هاتفيا من أحد معارفها نهاية عام 2019 بأن هناك شاغرا وظيفيا في البريد الفلسطيني.

بدأت تسأل عن العمل الجديد بالنسبة لها، والذي لم يكن لديها تصور كاف عنه، خاصة أنها وظيفة حكومية وفيها -كما تصف للجزيرة نت- أمان وظيفي أكثر من الأعمال الحرة الأخرى، ولكن الفكرة جُمدت مع دخول العام الجديد وبداية جائحة كورونا التي عطلت الكثير من مناحي الحياة.

حاولت بيسان البحث عن عمل طوال الجائحة التي أثرت بشكل كبير على الحالة الاقتصادية وخاصة القطاع الخاص، قبل أن تعود إليها فكرة العمل في البريد نهاية عام 2020، وتتسارع الأحداث معها لتكتشف أنها ستكون أول ساعية بريد فلسطينية إذا ما وقعت عقد العمل الحكومي.

عملٌ مكتبي

بدأت تتدرب في مركز البريد الحكومي الرئيس ببيت لحم، وكانت هي وفتاة أخرى تعملان وسط قرابة 20 موظفا آخرين، مما كسر الحاجز النفسي لها وأعانها أن تعمل وسط أعداد من الرجال. تعرفت على الأقسام المختلفة للبريد الفلسطيني، من استقبال وإرسال الطرود وتوزيع الرسائل والكتب إلى المنازل، وكذلك الترميز البريدي، وصعوبات العمل في بريد بدولة تحت الاحتلال.

كان عمل بيسان طوال هذه الفترة مكتبيا، حتى بداية حزيران 2021، عندما وقعت عقد العمل وانتقلت إلى مركز بريد بيت ساحور، وبدأت بالفعل الخروج من المكتب وتوزيع البريد. تقول للجزيرة نت "إن شابا زميلا لها ساعدها في أن يكون تحركها في مركز المدينة، وأن يكون التوزيع بشكل متقارب، حتى تتعود على الأمر ولا يكون العمل مجهدا بالنسبة لها، خاصة أن ما توزعه يقتصر على المغلفات الورقية والطرود الصغيرة".

كانت تشعر باستهجان من الناس في البداية: كيف لفتاة شابة أن تسير وسط الأجواء الحارة وأن تعمل ساعية بريد؟ ولكن هذه الانطباعات بدأت تتبدد شيئا فشيئا، فالناس -كما تقول للجزيرة نت- بدأت تتعود عليها وعلى عملها، وقد واجهت صعوبة السير على الأقدام وتحت الشمس، ولكن الحياة بحاجة إلى تحدي، كما تقول.

مكتب بريد بيت لحم الذي تدربت فيه بيسان حميد استعدادا لتكون أول ساعية بريد فلسطينية (مواقع التواصل)

تحديات وآمال

ترى بيسان بعد قرابة شهر ونصف من عملها ساعية بريد فلسطينية، أن هناك أعمالا يمكن للفتاة أن تقوم بها كالشاب تماما، وأن هناك تحديات يجب كسرها، مشيدة بتشجيع والدها لها في العمل بسبب عدم وجود بدائل، وأيضا وجود أمان وظيفي في هذا العمل الحكومي، وهو ما دفعها أكثر على الاستمرار.

تصف الفتاة الفلسطينية عملها في البريد تحت الاحتلال بأنه يُصعِّب الأمور، وفي أحيان أخرى يعقدها؛ فعدم وجود حدود فلسطينية ومستقلة ومطارات وموانئ يُؤخِر البريد الخارج والوارد، خاصة في ظل التوجه العام للتجارة الإلكترونية التي تطورت بشكل كبير في ظل جائحة كورونا، وكذلك وجود حواجز احتلالية قريبة من المناطق التي تتنقل فيها يجعلها تشعر بالقلق، ولكنها ستبقى مستمرة.

تشعر بيسان اليوم أنها بدأت تكسر الحواجز النفسية المختلفة التي تعيشها، وتسعى لتحدي النظرات السلبية المتعددة التي لن تجعلها معيقا لها في عملها، خاصة أنه في فلسطين وخارجها عملت المرأة في مجالات كثيرة كانت حكرا على الرجال، وتبين أن الفتاة تستطيع؛ إذا لم يمس الأمر بها بشكل شخصي أو يؤذيها نفسيا وجسديا.

وهي سعيدة اليوم في عملها وتريد إيصال رسالتها بأنها قادرة على خوض معترك الحياة، خاصة مع قلة الوظائف ومصادر الدخل في فلسطين، والتبدلات الاقتصادية نتيجة التغيرات الحاصلة سواء السياسية أو في ظل جائحة كورونا التي أثرت على كل مناحي الحياة.

المصدر : الجزيرة