القصف الإسرائيلي يستهدف كل شيء ولا حصانة لأحد.. صحفيات فلسطين في تغطية تحت النار

الفلسطينيات الصحفيات يواجهن الموت مرات ومرات.. وكن هدفا مباشرا لفوهات البنادق كما حال الصحفية المقدسية ميساء أبو غزالة

الصحفية فداء ابو العطا خلال تفقدها اليوم للصحفيين والمؤسسات الصحفية التي قصفها الاحتلال-
الصحفية فداء أبو العطا خلال تفقدها للصحفيين والمؤسسات الصحفية التي قصفها الاحتلال في غزة مؤخرا (الجزيرة)

لوهلة تظن نفسك أنك محمي من أي هجمات أو ضربات من الجنود الإسرائيليين الذين ينتشرون في محيط أي حدث، وفجأة تجد نفسك أنك المصاب من بين الجموع بنيران رصاصهم القاتل، فتدرك حينها أنك في دائرة الاستهداف وأن بزة الصحافة والخوذة الواقية ليست شارة كافية ولا درعا مانعا لنار الجيش صواريخه.

ما تقدم وصف يسقط على واقع الحال الذي يعيشه الصحفيون والصحفيات الفلسطينيون وهم يغطون أحداثا ومواجهات تحت لهيب بنادق الاحتلال الإسرائيلي، وتعيشه بمعاناة أكبر الصحفيات اللواتي واجهن الموت مرات ومرات وكن هدفا مباشرا لفوهات البنادق كما حال الصحفية المقدسية ميساء أبو غزالة.

فجر العاشر من مايو/أيار الجاري الموافق 28 رمضان المنصرم؛ أعدت ميساء السحور لزوجها وأطفالها وانطلقت صوب المسجد الأقصى للتغطية الميدانية هناك، فالأحداث ملتهبة في حي الشيخ جراح وممتدة للمسجد والموعد المذكور أعلنه المستوطنون لزحف الآلاف منهم للأقصى لإحياء يوم "توحيد القدس" (يوم احتلالها).

- رغم أن الصحفيين يتخذون احتياطهم ويبتعدون عن الجنود إلا أنهم لا يسلموا من أذاهم -الضفة الغربية- نابلس- جنوب نابلس- الجزيرة نت3
رغم أن الصحفيين يتخذون احتياطهم ويبتعدون عن الجنود فإنهم لا يسلمون من أذاهم (الجزيرة)

استهداف مباشر

بين مجموعة من 10 صحفيين، كانت ميساء تتحضر مع زملائها فوق سطح قبة الصخرة قبل أن يدعوهم الجنود لإخلاء المكان وباغتوهم بوابل من قنابل الصوت، فأصيبت بواحدة في ركبتها وانفجرت الثانية في صدرها وأحدثت حروقا ورضوضا أقعدتها 10 أيام عن العمل.

تقول ميساء التي تعمل مع وكالة معا الإخبارية في روايتها للجزيرة نت إنها مكثت منذ الصباح وحتى الثانية ظهرا لتصل إلى منزلها بسبب الإصابة، حيث كانت تتلقى العلاج في المراكز الطبية.

لم يكن الخبر سهلا على عائلة ميساء، لا سيما أطفالها الثلاثة الذين خافوا عليها بعد أن سمعوا وهم على مقاعد الدراسة بسخونة الأوضاع في القدس وذهابها نحو الأسوأ.

 

وتضيف قائلة إن أطفالها وخاصة أكبرهم مها (12عاما) لم يصدقوا أن إصابتي كانت شظايا فقط كما أخبرتهم عبر الهاتف، وعندما رأت مها جرح والدتها أصيبت "بصدمة وانفعال شديدين" لا تزال تحاول الخروج منها.

من ناحيتها تحاول ميساء أن تشرح لأبنائها طبيعة عملها الذي لا تستطيع التخلي عنه وعن واجبها، ومن داخلها تستشعر حجم الخطر الذي يحدق بها وبزملائها في القدس، وقد تجاوز المضايقات اليومية الى إطلاق النار المباشر صوبهم، فضلا عن قمعهم وإبعادهم عن الحدث ومكانه لمنع تغطيتهم، كما جرى في باب العامود والشيخ جراح.

صحفيون خلال مواجهات جنوب نابلس بين جنود الاحتلال والشبان-الضفة الغربية-
صحفيون خلال مواجهات جنوب نابلس بين جنود الاحتلال والشبان (الجزيرة)

انتهاكات صارخة

ويشترط على الصحفيين إبراز البطاقة الصحفية والتصاريح اللازمة للتغطية وتحديد أماكن وجودهم، إضافة للدفع المتعمد والضرب بالهراوات والاستهداف المباشر عبر المياه العادمة التي تصيب بحرقة وتقيؤ ورائحة كريهة قد تستمر أياما.

يظهر بيان لجنة الحريات في نقابة الصحفيين وصل إلى الجزيرة نت نسخة منه أن الاحتلال وخلال الأسبوعين الماضيين ارتكب أكثر من 180 جريمة وانتهاكا ضد الصحفيين؛ حوالي 80 منها في قطاع غزة وأدت لاستشهاد الصحفي يوسف ابو حسين، كما أصيب 10 صحفيين جراء القصف الصاروخي والمدفعي من قبل جيش الاحتلال، ودمرت الصواريخ حوالي 37 مؤسسة صحفية، منها 26 مؤسسة دمرت دمارا كاملا.

وأكد البيان أن نحو 100 صحفي بالضفة الغربية والقدس، بينهم عرب وأجانب، قمعهم الاحتلال بالضرب ومنع العمل ومصادرة المعدات والاستهداف المباشر بالسلاح، كما سجلت عشرات الانتهاكات بحق المحتوى الفلسطيني وتقييد حسابات على اليوتيوب والواتساب.

- صحفيون خلال مواجهات جنوب نابلس بين جنود الاحتلال والشبان-الضفة الغربية- نابلس- جنوب نابلس- الجزيرة نت1
صحفيون خلال مواجهات جنوب نابلس بين جنود الاحتلال والشبان (الجزيرة)

القصف مرتين لا يكفي

وفي غزة كانت معاناة الصحفية فداء أبو العطا أكبر وأشد، فقد دمرت صواريخ الاحتلال منزلها عام 2014 وسوته بالأرض؛ وظلت محاصرة وعائلتها لعدة أيام تحت الأنقاض، قبل أن تخرج مستغلة تهدئة لعدة ساعات، وأعيد قصفه ثانية في الحرب الأخيرة ودمرت أجزاء منه.

كانت غرفة فداء الخاصة والمجهزة حديثا آنذاك بأفضل الأثاث والمعدات الصحفية من كاميرات وجهاز حاسوب وأدوات أخرى قد سويت بالأرض؛ لكن ذلك لم يفقدها عزيمتها في تغطية الأحداث ونقل معاناة الناس "ونقل أشلاء الشهداء من بين الركام في تلك الحرب وما سبقها".

تحدثت فداء مع الجزيرة نت من الميدان فقد خرجت مع زملائها الصحفيين أول أمس الأحد لتفقد زملائهم المتضررين، وتقول إنها شاركت بتغطية الحروب الأربعة، وعاشت على وقع القصف أياما طويلة خلال الحرب الأخيرة، وحرمت من العمل بشكل متواصل "فالقصف استهدف كل شيء ولا حصانة لأحد، حتى الصحافة".

وترفض فداء اقتناء أي شيء يمكن استذكاره بعد فقده تماما، كما ترفض العودة لغرفتها التي أعيد بناؤها منذ أكثر من 6 سنوات.

في الميدان يخصص الصحفيون "مناطق آمنة" ليتمكنوا عبرها من تغطية الحدث وتجنب رصاص الجنود وقمعهم، ورغم ذلك يتعرضون للأذى والملاحقة.

وتظهر صفحة الصحفية نجوان سمري وحالة التضامن معها صعوبة العمل الصحفي في فلسطين.

 

عنف غير مسبوق

ومن غزة إلى شمال الضفة الغربية كانت الصحفية "رنا دبابرة" على موعد مع عنف جنود الاحتلال، عندما ذهبت لتغطية "حدث أمني" مع بداية أحداث القدس قبل نحو 3 أسابيع قرب حاجز عسكري قرب مدينة جنين.

وتقول رنا للجزيرة نت إن الجنود خرجوا من الحاجز وتوجهوا لها ولزملائها مباشرة وأطلقوا عليهم قنابل الغاز مباشرة ودون تحذير، مما أدى لإصابتهم باختناق شديد فقدت الوعي على أثره، بل إنهم اعتدوا ببنادقهم على صحفيين آخرين دونما ذنب ارتكبوه.

تقول رنا التي تعمل بحقل الصحافة منذ أكثر من 10 سنوات للجزيرة نت إنها المرة الأولى من بين عشرات الاعتداءات عليها التي توصف بأنها "الأعنف"، وتضيف أنه لم يكن هناك أية مواجهات أو أحداث تستدعي كل هذا العنف من جنود الاحتلال.

وأمام تحذير نقابة الصحفيين الفلسطينيين من "حملة مسعورة" يتعرض لها أفرادها على أيدي جنود الاحتلال والمستوطنين، يعكف عدد منهم ممن تعرضوا لاعتداءات أخيرة بالقدس لمقاضاة الاحتلال.

كما طالبوا المنظمات الدولية والاتحاد الدولي للصحفيين برفع الحصانة عن جنود الاحتلال وتجريمهم.

المصدر : الجزيرة