نصائح للأمهات: الطبيعة خير معلم للطفل واللعب فيها ينمي مهاراته الجسدية والحسية

الألعاب الداخلية والنشاطات المنظمة في الداخل أكثر من الخارج، واللعب في المنزل والأماكن المغلقة والإلكترونيات تأخذ حيزا كبيرا من اللعب في الطبيعة والشارع

النشاطات الخارجية تنمي مهارات الأطفال وتمنحهم خبرات مختلفة تساعد في بناء الدماغ وصقل الحواس (الجزيرة)

كانت الطبيعة والأحياء والزواريب ملعب الأطفال الدائم، ولطالما ارتبطت المساحات هذه بأصواتهم وركضهم وفرحهم، ولكن مع التطور التكنولوجي أصبح مرتع الأطفال إما الأماكن التي تقدم الألعاب الإلكترونية أو شاشات اللوائح الإلكترونية والهواتف النقالة.

بين الطبيعة والألعاب الإلكترونية

تقول ثريا عبدو إن ابنها 7 سنوات لا يحب أن يلعب مع الأطفال، ولا في المساحات الخارجية، وإنها تشعر أنه يخاف قليلا من التواصل، ويفضل اللعب على "التابليت" (الجهاز اللوحي) الخاص به، لدرجة أنه أصبح لديه هوس في بعض الألعاب. وهي تحاول دمجه مع الأطفال للعب خارج الشاشة.

الطبيعة تعزز الحواس وتنشط الدماغ لدى الأطفال (الجزيرة)

التواصل مع الأرض والتراب

من جهتها تروي جوسلين أبي راشد أن جدتها كانت تقول إن المرأة عندما تلد كانوا يرمون الخلاص (المشيمية) في بستان أو في التراب، لتبقى صلة الرحم بين الإنسان والأرض. من هذا المنطلق ربت جوسلين أطفالها على التواصل مع الأرض والتراب، فاكتسبوا المناعة وعاشوا مغامرات في اكتشاف النباتات والحشرات التي تحرص ابنتها على جمعها، وخاصة الجنادب والدعاسيق. كما يحبون جمع الحطب والتمويه بالوحل، وبناء المواقد.

عائلة جوسلين أبي راشد في الطبيعة، حيث يحب أطفالها اللعب في الطبيعة (الجزيرة)

يحبون الطبيعة كثيرا

رانيا توما تقول إن أولادها يحبون الطبيعة كثيرا، ولا يعني ذلك أنهم لا يحبذون الألعاب الإلكترونية، لكنهم مرنين جدا في الطبيعة، ويتعاطون معها بمسؤولية وحب، وتقوم العائلة بمخيمات في الطبيعة، حيث يفرّغ الأطفال طاقتهم ويبدعون.

رانيا توما مع عائلتها في إحدى رحلاتهم العائلية إلى الطبيعة (الجزيرة)

تنمية الحواس

معالِجة الأطفال النفسية واختصاصية العلاج بالطبيعة مهى غزالي تقول للجزيرة نت إنه يوجد انفصال اليوم بين الأطفال والطبيعة، حتى إن بعض الأطفال يلمسون النباتات بتردد ولا يشعرون بالراحة بالمشي حفاة أو اللعب بالوحل أو بتسلق شجرة أو لمس حشرة. وهذا النوع من الانفصال عن الطبيعة يؤدي برأيها إلى قلة المرونة وازدياد القلق عند الطفل.

وتَعتبر غزالي أن الطبيعة مصدر غني جدا لنمو الحواس وتراكم خبراتها، من الحركة إلى اللمس والسمع وعمق الرؤية والشم والتذوق، كلها موجودة في الطبيعة و"هذا التفاعل الحسي بمثابة "انفجار حسي" (sensory explosion) يؤدي إلى درجة عالية من نشاط الدماغ المفيد جدا للأطفال ولنموهم وتعلمهم".

وتقول إن هذا الجيل معرض بشدة للإعلام ومعلومات أكبر من أعمارهم، والمعلومات التي تصلهم تركز على الدعاية المادية التي تربك أدمغتهم، بدل مشاركتهم بتجارب مناسبة لأعمارهم. كما أن الألعاب الداخلية والنشاطات المنظمة بالداخل أكثر من الخارج واللعب في المنزل والأماكن المغلقة والإلكترونيات تأخذ حيزا كبيرا من اللعب في الطبيعة والشارع.

المعالِجة باللعب في الطبيعة مهى غزالي: الانفصال عن الطبيعة يؤدي إلى قلة المرونة وازدياد القلق عند الطفل (الجزيرة)

أهمية اللعب في الطبيعة

تَعتبر غزالي أن اللعب في الطبيعة فيه حرية ومساحات يستطيع فيها الطفل الانتقال من مكان إلى آخر بسلاسة، مع تدفق وانسيابية في الحركة.

فتسلق الأشجار وطمر اليدين بالرمل والتراب يعطي شعورا بالارتياح، ويعد لعبا ناعما ومريحا واكتشافيا، ويساعد الطفل في تعلم أمور عديدة في حل المشاكل وفي اكتشافات بسيطة وتحليلات، مما يمر به بكل تلقائية، فهو ينتقل من تجربة إلى أخرى، لأن الدماغ يتواصل ويتعلم بطريقة طبيعية ومتدفقة من دون جهد مثل تدفق الطبيعة تماما، فتتعزز الرؤية وحل المشاكل واللعب الخطر والفوضوي والاكتشاف.

وتعطي غزالي مثالا على ذلك، وهو تسلق شجرة، حيث يحتاج الطفل من أجل تسلقها إلى أن يفكر ويحلل ويأخذ قرارا ويستخدم قدرته الجسدية والعقلية ويقدر المخاطر ويفهم الحدود.

كريس ابن جوسلين أبي راشد يجمع الحطب كنشاط في الطبيعة (الجزيرة)

لا تقولوا لا

تشير غزالي إلى أن الأهل هذه الأيام يطلبون من الولد مثلا ألا يتسلق أو ألا يوسخ نفسه، من أجل عدم "حصول فوضى" (get messy)، وهذه الـ"لا" تمنعه من الحصول على التجارب الحسية الغنية والتي تعد مهمة في بناء النمو الحسي الصحي، وهي بمثابة حواجز أمام تدفق النمو وتصبح أساسيات في ذهنه تعيق نموه وتحده.

وتضيف أن اللعب في الطبيعة أيضا يساعد الأولاد على نمو جهاز عصبي سليم، حتى إنها تعمل على "علاج الأطفال الذين لديهم مشكلة في الحواس التي لا تقتصر على الحواس الخمس المعروفة، بل على الحواس الخفية أيضا، مثل التوازن وفهم الجسم والجاذبية.

كما يستفيد الأطفال المصابون بـ"اضطراب المعالجة الحسية" (Sensor processing disorder) من اللعب بالطبيعة".

ووفق الاختصاصية مها غزالي فإن قلة التعرض للطبيعة واللعب فيها قد يكون واحدا من عوامل التأثير السلبي على من يعانون من هذا الاضطراب.

ننار ابن رانيا توما يلعب في الطبيعة مع طفلة أخرى (الجزيرة)

اللعب في الداخل

اللعب داخل المنزل أو الأماكن المغلقة تعتبره مهى غزالي أنه أحد مشاكله المسافة البصرية المحدودة والضوء الاصطناعي، أما في الخارج فتتنوع الحواس من الملمس والحرارة والظلال والمسافات، وهي صحية جدا للطفل وبوجودها يطور نظاما عصبيا أكثر تعقيدا بالمعنى الإيجابي، فالأطفال بحاجة للتوازن واللعب في بيئتهم والتفاعل مع أطفال آخرين لتحفيز حواسهم.

كما يوجد ما يسمى "اضطراب عجز الطبيعة" (nature deficit disorder)، وهو -كما تقول غزالي- لا يصنف طبيا على أنه اضطراب، لكن قضاء الناس كبارا وصغارا وقتا أقل في البيئة الخارجية يؤدي إلى مشاكل، منها مشاكل سلوكية لدى الطفل، وفق قول غزالي.

وكلما قضى الطفل وقتا أكثر في الطبيعة انضبط أكثر، لأنه يتعامل مع أوساط وخبرات مختلفة تساعد في بناء دماغه وصقل حواسه، فيستطيع حينها التركيز بشكل أفضل والاستماع لأهله.

المخيمات بيئة صحية لتفاعل الأطفال مع الطبيعة بشكل مباشر (الجزيرة)

دعوا أطفالكم يختارون ألعابهم

ولإرشاد الأهل إلى كيفية تعليم الطفل اختيار أنشطته وألعابه الخاصة، أقامت مهى غزالي نشاطا توعويا للأهل في مساحة بالطبيعة، تُظهر فيه أهمية اللعب في الطبيعة وتأثيرها على الأطفال، واستخدمت فيه المعدات التي يمكن أن يلعب بها الأطفال كدلاء مليئة بالماء، وألوان للرسم والتلوين وصابون، وغيرها.

 

"لاحظ" وليس "انتبه"

عن خوف الأهل تقول غزالي إن الكل يحب ألا يتأذى طفله في أثناء اللعب، لكن الأذى جزء كبير من تعلم الطفل الكثير من الأمور عن جسمه وتوازنه والحدود الواجب الانتباه لها وإمكانية جسده وتقدير الخطر، وهي كلها مهارات الحياة.

وتعتبر غزالي أن مسؤولية الأهل هي جعل الطفل يلاحظ ما حوله من خلال عبارات: "لاحظ طرف الطاولة فهو حاد ويمكن أن يؤذي"، أو "لاحظت أن الحجر ليس ثابتا، معناه أنه يجب الانتباه كيف تقف؟"، وذلك لفتح حوار معه ليفكر ويحلل، من دون التحذير واستخدام كلمة "انتبه".

أما الجروح التي قد يتعرض لها الطفل فمن الممكن أن يتأقلم معها ببساطة، على اعتبار أنها جزء من اللعب ويتعلم منها، وليس على الأهل منعه عن التعبير عن ألمه أو بكائه.

المصدر : الجزيرة