عقيلة الرئيس لا تظهر.. أين السيدة الأولى في العراق؟

يرى محللون أن ثقافة الهيمنة الذكورية في المجتمع العراقي تقف وراء غياب دور السيدة الأولى

الرئيس العراقي برهم صالح مع زوجته اثناء جولة سابقة في شارع المتنبي في بغداد
الرئيس العراقي برهم صالح مع زوجته أثناء جولة سابقة في بغداد (مواقع التواصل)

خلافا للبرتوكولات الرسمية المتبعة في دول العالم يختفي دور السيدة الأولى في العراق بلا أي مقدمات، فمنذ تغيير النظام السياسي ببلاد الرافدين عام 2003 طرحت تساؤلات خجولة عن غياب عقيلات رؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا على الحكم.

هذه الأسئلة سرعان ما تختفي نتيجة عوامل عدة، أبرزها الأعراف الاجتماعية والتعقيدات السياسية والأزمات الأمنية والاقتصادية، ولأن السيدة الأولى في الدول الأخرى تتصدى لملفات العنف الأسري و تمكين المرأة و رسم خطط اجتماعية من جانبها بهدف تقويم المجتمع ومساره، إلا أن هذا الدور بات مختفيًا تمامًا في العراق على وجه التحديد.

وتعزو مستشارة رئيس مجلس النواب العراقي لشؤون المرأة -رحاب العبودة- الأمر إلى اقتران دور السيدة الأولى بمنصب رئيس الجمهورية. وقالت -في حديث للجزيرة نت- إن منصب رئيس الجمهورية منصب تشريفي وصلاحياته تقتصر على قضايا وملفات محددة، لذلك فإن فاعلية دور السيدة الأولى يأتي عبر ما يُمنح من صلاحيات لشخص الرئيس، وتشاطرها الكاتبة والصحفية زينب الغانم هذا الرأي، وترى أن تفعيل دور السيدة الأولى يأتي عبر تبنّيها مشروعات تربوية وتعليمية واجتماعية وتنموية.

رحاب العبودة / مستشارة رئيس البرلمان العراقي لشؤون المرأة
العبودة ترى أن فاعلية دور السيدة الأولى مرتبط بالصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية (الجزيرة)

الاحتكار والتهميش

ولأن منصب السيدة الأولى في بعض الدول يعدّ وظيفة رسمية لها صلاحيات محددة إلا في العراق الذي اعتاد غالبية قادته تغييب دورها، بل لا تُعرف حتى أغلب أسماء أولئك السيـدات اللائي تعاقبن على المنصب.

وتؤكد الغانم -في حديثها للجزيرة نت- أن الصراعات والأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية لها الدور الأكبر في تهميش المرأة عمومًا، لكن دور السيدة الأولى يحتاج إلى وعي كبير من جهات عدة أولها رئيس البلاد وفريقه الإعلامي فالمأمول إدراكهم أهمية دورها الذي يحتاج إلى تقبّل من المجتمع له، ورغم أن الدستور العراقي لم يمنح المرأة سوى نسبة تمثيل 25% في مجلس النواب فإن مستشارة رئيس البرلمان أكدت في حديثها أن نساء رؤساء الجمهورية بعد 2003 لم يضطلعن بدورهن في القضايا التي تمسّ المجتمع وتحديدًا تنمية وتمكين النساء العراقيات، ومحصلة ذلك أن دور السيدة الأولى بحاجة إلى معالجة سياسية ومجتمعية.

زينب الغانم / كاتبة وصحافية عراقية
الغانم تعزو تهميش المرأة العراقية إلى الصراعات والأزمات التي تعصف بالبلد (الجزيرة)

ذكورية سائدة

ومع أن نسبة مشاركة المرأة العربية في الحياة السياسية تختلف من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر حسب منظومة القوانين والقيم والأفكار التي تسود المجتمع، إلا أن الإعلامية ختام الغراوي ترجع غياب دور السيدة الأولى إلى ثقافة الهيمنة الذكورية؛ فلا تُعامَل المرأة بجدية حتى وإن منحت منصبا سياسيا شغلته عن جدارة واستحقاق أو كانت سيدة العراق الأولى.

وترى الغراوي -في حديثها للجزيرة نت- أن دور المرأة سواء كانت سيدة أولى أو في أي منصب آخر يحتم عليها جمع قضايا النساء ومشاركتهن في صنع القرار، خصوصًا أن ما ذُكر يقع ضمن الصلاحيات المنوطة بها وليس فقط مرافقة الرئيس في جولاته أو زياراته الخارجية.

ريزان شيخ دلير / عضوة لجنة المرأة والطفل في البرلمان العراقي
ريزان شيخ دلير ترى أن دور المرأة العراقية مهمش بسبب ذكورية المجتمع (الجزيرة)

وفي المقابل، ترى عضوة لجنة المرأة والطفل في مجلس النواب العراقي ريزان شيخ دلير -في حديث للجزيرة نت- أن دور المرأة في العراق والشرق الأوسط بوجه عام مهمش بسبب ذكورية المجتمع الذي لم يمنح تمثيلًا مناسبًا للنساء في الحكومة ومراكز القرار والقيادة، رغم إقرار نسب التمثيل في الدستور.

وتضرب شيخ دلير مثالًا على ذلك في أن لدى رئيس الجمهورية فريقا من المستشارين عددهم يقارب 40 لا تتجاوز نسبة تمثيل النساء فيه امرأتين تحملان صفة مستشار.

ختام الغراوي / اعلامية عراقية
الغراوي أكدت الحاجة إلى توعية المجتمع للتمهيد لتقبل دور المرأة في المناصب التنفيذية (الجزيرة)

موازاة الدور

وتسعى النساء العراقيات إلى ضمان مشاركة واسعة في الحياة السياسية، فحتى مع دخول المرأة إلى البرلمان بنسبة التزام دستوري بلغت 83 مقعدًا من مجموع 329 في 3 دورات تشريعية متتالية، بقي طموحهن في الوصول إلى مناصب صناعة القرار قائمًا، لكنه يصطدم دائمًا بمعوقات اجتماعية و سياسية كبرى.

وهنا -حسب الغراوي- تكمن الحاجة إلى توعية تمهد لتقبل دور المرأة في المناصب التنفيذية، مشيرة إلى أن العراق بحاجة إلى إصلاح فكري وثقافي لكسر المحرمات التي تبرمج المجتمع على إيقاعها من ذكور وإناث، فضلًا عن الحاجة إلى مبادرة نسوية جريئة تلقي الحجارة الأولى في مياه السياسات الراكدة لإحداث التغيير وكسر القيود.

وتخلص الغراوي إلى القول إن تحقيق ذلك يبدأ من إيمان النساء بأنفسهن وقدراتهن القيادية ودعم الرجال الواعين، وإن على الحكومات أن تفرض بروتوكولا ملزما في التطبيق والاحترام لتفعيل دور السيدة الأولى في العراق.

المصدر : الجزيرة