في ذكرى وفاة هدى شعراوي.. رائدة الحركة النسائية المصرية التي قادت مظاهرات 1919

انتمت هدى شعراوي لعائلة أرستقراطية ثرية، وناضلت ضد الاحتلال الإنجليزي، ودعمت القضية الفلسطينية، وكانت تحمل حفيدتها لرفع علم مصر في مواجهة ثكنات الإنجليز.

هدى شعراوي. المصدر: صحيفة البلد المصرية https://www.elbalad.news/4376133
هدى شعراوي نادت بحقوق المرأة المصرية وتغيير واقعها وحقها في التعليم والعمل كما لم تفعل امرأة قبلها (الصحافة المصرية)

القاهرة- في عصر تحتم تقاليده ألا يختلط الرجال والنساء، علا صوت سيدة مصرية تنتمي لصعيد مصر وعائلة سياسية ثرية، لتعترض على العادات والتقاليد العتيقة، وتؤسس الحركة النسائية المصرية وتقود مظاهرات النساء ضد المحتل الإنجليزي، وتنادي بحقوق المرأة المصرية وتغير واقعهن وتمنحهن الحق في التعليم والعمل كما لم تفعل امرأة قبلها؛ هذه هي السيدة هدى شعراوي.

اسمها نور الهدى محمد سلطان، ولدت في قرية تابعة لمدينة المنيا (جنوبي مصر) في 23 يونيو/حزيران 1879، وكان والدها محمد سلطان باشا رئيس المجلس النيابي الأول في مصر في عهد الخديوي توفيق، ورحلت في 12 ديسمبر/كانون الأول 1947، الذي يوافق تاريخ اليوم.

أخذت اسمها من زوجها وابن عمتها "علي شعراوي"، الذي تزوجته وهي في سن مبكرة لا تتجاوز 13 عاما، وكان يكبرها بنحو 40 عاما، ولم تستطع رفضه بسبب تقاليد العائلة.

تقول جريدة الأهرام إن هدى شعراوي عاشت ظروفًا اجتماعية قاسية نتيجة غياب الوعي الكامل في الأسرة الشرقية، وغضبت من تفضيل شقيقها الأصغر في المعاملة رغم كونه يصغرها بـ10 أعوام.

حرمها الزواج من ممارسة هواياتها، وأصابها الاكتئاب الشديد، فسافرت إلى أوروبا للاستشفاء، لتتعرف على قيادات الحركة النسائية الفرنسية، مما ألهمها في نشاطها لتحرير المرأة المصرية.

عرف هذا العصر "بعصر الحريم"، حيث الفصل بين الرجال والنساء في المجالس والمنازل، وحيث يتم منع النساء من التعليم أو الظهور العلني، وفي الأغلب لا يخرجن من بيوتهن.

منعت هدى من التعليم النظامي كشقيقها، لكن مستواها الاجتماعي الراقي منحها ميزات لا تتاح عادة لباقي بنات جيلها، حيث تلقت دروسها في المنزل وتعلمت اللغة العربية والتركية والفارسية والخط والبيانو.

نضال سياسي

كانت شعراوي أبرز النساء المشاركات في الحياة العامة، وأسست جمعية لرعاية الأطفال عام 1907، وبذلت جهودا لإقناع الجامعة المصرية الوليدة بتخصيص قاعة لمحاضرات السيدات عام 1908، وافتتحت مدرسة للفتيات عام 1910.

وقادت مظاهرات النساء عام 1919 ضد المستعمر الإنجليزي، متأثرة بنشاط زوجها علي شعراوي السياسي خلال الثورة، وخلال الثورة أسست لجنة حزب الوفد للسيدات وأشرفت عليها.

وبينما يستقبل المصريون البطل القومي سعد زغلول عام 1921، قامت هدى شعراوي بالدعوة لرفع سن زواج الفتيات إلى 16 عاما، كما دعت لرفع سن زواج الفتيان إلى 18 عاما، وأطلقت دعوتها لوضع قيود على طلاق الرجل للمرأة من طرف واحد.

كما جاهدت هدى ضد ظاهرة تعدد الزوجات، وجاهدت لتلقي النساء التعليم وخروجهن للعمل المهني والسياسي وتثقيفهن، وتوجت جهودها بإنشاء الاتحاد النسائي المصري عام 1923، وظلت تشغل منصب رئاسته حتى عام 1947.

دافع الاتحاد عن حقوق المرأة المصرية، ودعا لإصلاح القوانين التي تحد من حريتها، مثل القوانين المنظمة للزواج والحضانة والطلاق.

لم تلبث شعراوي أن استقالت من حزب الوفد عندما وجدت سياسييه يتنكرون لدعواها بإصلاح أحوال السيدات والفتيات المصريات، وفقا لجريدة الأهرام.

شاركت في تأسيس "الاتحاد النسائي العربي"، وتولت رئاسته عام 1935، كما تولت منصب نائبة رئيسة لجنة اتحاد المرأة العالمي في العام نفسه.

كما شاركت هدى شعراوي في مؤتمرات دولية حول العالم، أبرزها مؤتمر باريس عام 1926، ومؤتمرا أمستردام وبرلين عام 1927.

هدى شعراوي شاركت في تأسيس "الاتحاد النسائي العربي" وتولت رئاسته عام 1935 (الصحافة المصرية)

لم تبتعد عن التقاليد

يحكي برنامج "حكاوي الجوادي" -على شاشة الجزيرة مباشر- أن هدى شعراوي لم تبتعد أبدا عن تقاليد نشأتها في الصعيد، كما أنها لم تكن تتباهى بنسبها لوالدها السياسي الشهير، بسبب بعض الشكوك في وطنيته، وأنها فضلت النسب لاسم زوجها، الوطني المشهور وأحد أشهر المناضلين الوطنيين مع سعد زغلول.

وحيث دعت السيدة صفية زغلول الوطنيين للمشاركة في الاجتماع ببيتها في بيت الأمة، كانت شعراوي توحد جهود السيدات للمشاركة السياسية من خلال الاتحاد النسائي، وتميزت بتشجيع الناس، وكانت ترسل المصريين للتعليم في فرنسا على نفقتها الشخصية، ومن هؤلاء رئيس تحرير الأهرام الأسبق أحمد الصاوي.

وأضاف البرنامج أنها كانت ثرية النفس والوجدان، سيدة ذات موقف، لم تزعم لنفسها أبدا دورا ليس لها، لم تكن خطيبة وكانت تستدعي إحدى سيدات الجامعة لقراءة خطبها.

القضية الفلسطينية

لم تغب القضية الفلسطينية عن هدى شعراوي، حيث نظمت مؤتمرا نسائيا للدفاع عن فلسطين عام 1938، ودعت لتنظيم الجهود النسوية من جمع المواد واللباس والتطوع في التمريض والإسعاف، وعندما صدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وتدويل القدس في نوفمبر/تشرين الثاني 1947، أرسلت السيدة المناضلة خطاب اعتراض شديد اللهجة إلى مقر الأمم المتحدة، وفقا لموقع المجلس القومي للمرأة.

حفيدتها تتذكر

تقول حفيدتها الكاتبة سنية شعراوي إن التطور والإيجابية اللذين تتمتع بهما المرأة المصرية اليوم ثمرة طبيعية لكفاح هدى شعراوي والمستنيرين من رجال عصرها، كما تفخر بدور المرأة المصرية في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، كما كانت مشاركة جدتها في ثورة 1919.

وتتذكر الحفيدة -التي رحلت جدتها وعمرها 3 سنوات فقد- "عندما كانت تحملني كنت أشعر بالصلابة والطيبة في آن واحد، وكانت تطلب منا أن نصعد لسطح المنزل على ناصية شارعي شامبليون وقصر النيل في مواجهة ثكنات الجيش الإنجليزي لكي نرفع علم مصر".

درست سنية الأدب الإنجليزي في مصر، وكتبت كتابا بعنوان "كشف النقاب عن حياة هدى شعراوي رائدة الحركة النسوية المصرية" تحدثت فيه عن دور جدتها ونضالها.

مسار مستقل

وفي مقدمة كتابها، دافع الكاتب طارق النعمان عن اتهام هدى شعراوي بتبني خطاب استعماري غربي في دعوتها لتحرير المرأة العربية، وهو الاتهام الذي واجهه من قبلها الكاتب قاسم أمين.

ويرى النعمان أنه لا يمكن حصر خطاب شعراوي ومقولات قاسم أمين في سياق التأثر بالاستعمار، مشيرًا إلى "أنها سياقات ذاتية ناتجة عن مسار مستقل تفاعل مع سياق آخر. ويدلل على المواقف الوطنية التي تبنتها هدى شعراوي، ويؤكد أنه تم اختزالها في صور لا تتفق مع طبيعتها".

هدى شعراوي. المصدر وزارة الثقافة المصرية: https://www.gocp.gov.eg/userdir/Gocp/Attachments/131810/6376454753082919950.jpeg
هدى شعراوي حفرت اسمها بحروف من نور كأول رائدة للحركة النسائية المصرية (مواقع إلكترونية)

جزء من تاريخ مصر

وترى الكاتبة عائشة عبد الغفار -في مقال بجريدة الأهرام الرسمية- أن تاريخ هدى شعراوي جزء من تاريخ مصر المضيء، رغم أنه كاد ينطفئ بسبب مناهضة ومحاصرة إنجازاتها لأنها تنتمي إلى عائلة سياسية عريقة وأصيلة وثرية.

وتضيف عائشة عبد الغفار أن هدى شعراوي تأثرت بالتيار النسائي والمطالبة بالعدالة بين الجنسين، الذي لم يكن قاصرا على العالم الغربي فقط، بل كان حركة دولية انتشرت في العالم أجمع، "وإذا كانت هدى شعراوي تأثرت بهذا التيار فهذا يعود إلى ثقافتها الرفيعة واتصالها بالعالم وأصحاب الفكر".

وفاتها

توفيت هدى شعراوي عن عمر بلغ 68 عاما، وذلك في 12 ديسمبر/كانون الأول 1947 بعد مسيرة حافلة بالنضال لقضية المرأة العربية، وبعد أن حفرت اسمها بحروف من نور كأول رائدة للحركة النسائية المصرية.

وفي عام 2004 قدمت الفنانة فردوس عبد الحميد شخصية هدى شعراوي في مسلسل "مصر الجديدة" من تأليف يسري الجندي وإخراج محمد فاضل.

المصدر : الجزيرة