الصحفية الفلسطينية مجدولين حسونة.. حرة عالميا ومحاصرة في بلدها

حلمي الأعرج مدير مركز الدفاع عن الحريات: قد يمتد المنع من السفر وقد يفرض الاحتلال مزيدا من التضييق على مجدولين حسونة، لكنها ستظل تفضح ممارسات الاحتلال القمعية وتتصدى لها خاصة تلك المتعلقة بالحريات الإعلامية.

مجدولين حسونة تواصل عملها من منزلها بعد منعها من السفر- الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت
الصحفية حسونة تواصل عملها من منزلها في نابلس بعد منعها من السفر (الجزيرة)

نابلس- بينما كانت مجدولين حسونة تجلس بمنزلها في مدينة نابلس تنتظر سماع اسمها كمرشحة للفوز بجائزة حرية الصحافة (الصحفي الحر) التي تطلقها منظمة "مراسلون بلا حدود" العالمية؛ كان زوجها الصحفي محمد خيري يلملم أغراضها الشخصية ويزيل صورتها من على جدار منزلها بمدينة إسطنبول التركية لتسليمه إلى مالكه بعد تعذر دفع أجرته الشهرية، فحلم السفر معا والعمل هناك بددته سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمنعها من السفر.

مجدولين حسونة صحفية فلسطينية تنحدر من مدينة نابلس (شمال الضفة الغربية) وتنشط بالدفاع عن الصحفيين والمضطهدين فلسطينيا وإسرائيليا على خلفية مواقفهم السياسية أو عملهم الصحفي، وهو ما أدى بها للاحتجاز والاستدعاء مرات عديدة عند الأمن الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي الذي يمنع سفرها منذ أغسطس/آب 2019.

وحال المنع دون حضور مجدولين واستلامها للجائزة التي أعلن عنها قبل أيام، فتعزز شعورها بظلم الاحتلال وسياسته العنصرية بمنع سفر مئات الفلسطينيين بحجج "بائسة وواهية"، وأطلقت صرختها مجددا رفضا لذلك ولوضع حد لممارسات الاحتلال وإمعانه بانتهاك حرية الفلسطينيين.

مجدولين حسونة خلال احدى مرات استدعائها للتحقيق في معسكر حوارة جنوب نابلس- الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت3
مجدولين حسونة خلال إحدى مرات استدعائها للتحقيق في معسكر حوارة جنوب نابلس (الجزيرة)

تضييق من كل جانب

وعن معاناتها التي لم تنته تقول مجدولين للجزيرة نت إنها بدأت قبل أكثر من 10 سنوات ولا تزال، وتمثلت باستدعاءات للتحقيق ومحاولات للاعتقال عند أجهزة الأمن الفلسطينية، فاتهمت "بإطالة اللسان وقدح مقامات عليا وإثارة النعرات" واعتقال لأشقائها للضغط عليها.

وأثناء عودتها من السفر عام 2014 حقق الاحتلال معها بعد احتجازها لساعات حول تضامنها مع الأسرى ومصادر معلوماتها والأخبار التي تنشرها، وأبلغها أنها "معتقلة" لكنه أفرج عنها بعد ساعات.

لم تستسلم مجدولين واعترضت لدى المحاكم الإسرائيلية لإزالة المنع، فرفضت المحكمة ذلك وتذرعت أن ملف اتهامها "سري" وأنها "خطيرة على أمن المنطقة"، لتزداد معاناتها بعد ذلك لا سيما أنها رسمت طريقا لطموحها بالعمل والدراسات العليا والزواج خارج الوطن والذي تم قبل نحو عام بنابلس.

وبعد زواجها لم تتمكن مجدولين من الانتقال للعيش مع زوجها الذي يحمل الهوية الإسرائيلية، فهي وبحكم القانون الإسرائيلي ممنوعة من دخول أراضي فلسطين 48، ولا تستطيع السفر والعيش معه خارج فلسطين، وهو لا يمكنه العيش بالضفة الغربية بشكل دائم لأنه يفقد حقوقه كمواطن فلسطيني داخل إسرائيل.

وكل هذا يجعل من حياة مجدولين "غير مستمرة" سواء في عملها بقناة "تي آر تي" (TRT) التركية الذي تتابعه الآن من منزلها ودون استلام لراتبها، وما تلا ذلك من تراكم ديون منزلها المستأجر هناك.

وتضيف مجدولين "ناهيك عن محاولات تشويه سمعتي وتهديدي، والتشهير بي عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

وتتكون جائزة مراسلون بلا حدود العالمية من 3 فئات (الشجاعة، والتأثير، والصحفي الحر أو المستقل) وكل فئة يترشح فيها 4 صحفيين أو مؤسسات إعلامية غير حكومية وغير ربحية، ومجدولين كما تقول هي الفلسطينية والعربية الوحيدة التي نالتها.

مجدولين خلف (الأولى من اليمين) خلال مشاركتها في وقفة احتجاجية للدفاع عن الحريات ولا سيما للصحفيين
مجدولين خلف (الأولى من اليمين) خلال مشاركتها في وقفة احتجاجية للدفاع عن الحريات ولا سيما الحرية للصحفيين (الجزيرة)

استثمار الفوز

وكان ترشح مجدولين "مفاجئا ووسط تنافس كبير"، واعتبرت أن فوزها انتصار لفلسطين ولها على المعاناة، وأهدته "لكل صحفي معتقل بسجون الاحتلال والسلطة، ولنزار بنات الذي دفع ثمن حريته بدمه".

ووعدت أنها ستجعل من الفوز سبيلا لإعلاء صوتها أكثر بالدفاع عن الحريات ومن يتعرضون لقمع لا سيما الصحفيين.

وأمام هذا "الإنصاف العالمي" كما تقول مجدولين، لم تتدخل الحكومة الفلسطينية لإنصافها "للضغط من أجل إزالة منع السفر عنها وعن آلاف الفلسطينيين".

وعلى الشق الآخر من المعاناة يعيش محمد خيري زوج مجدولين "مصيرا مجهولا وحياة غير مستقرة" أمام استمرار منع سفر زوجته، وعليه مواجهة تحديات جسام تتعلق بعمله بالخارج والغياب عن زوجته وترك وطنه، وهو أمر ساومه عليه الاحتلال فرفض "حتى لو اضطررنا للبقاء بفلسطين بلا عمل".

ويصف خيري -الذي قصد إسطنبول قبل أيام لرد منزل مجدولين المستأجر لصاحبه- بأن سفره وحده من دون زوجته "خيانة" وكأنه يجلد ذاته ويعبر عن عجزه لكونه يترك زوجته "الملاحقة والمستهدفة بما يقال وما لا يقال، من الذين يتحدثون العبرانية والعربية على السواء، لأنها قالت لا، في وجه من قالوا نعم".

ويضيف خيري قائلا للجزيرة نت -بينما يجمع ملابسها التي أوصته بالتبرع بها- "حزين أنا، وأنا ألملم أغراضها وأرتب حقائبها بدلا منها، تعب أنا من فرط الظلم المستمر، ومن منع السفر المجحف بحقها".

مجدولين وزوجها الصحفي محمد خيري.. لم يتمكنا من الانتقال للعيش معا بشكل دائم في أي مكان بعد
مجدولين وزوجها الصحفي محمد خيري لم يتمكنا من الانتقال للعيش معا بشكل دائم في أي مكان بعد (الجزيرة)

ورغم فخره بفوز مجدولين؛ فإن شعورا بالقهر ينتابه لمنع الاحتلال سفرها خاصة أنهما سارا معا لتفعيل قضيتها إعلاميا محليا وعالميا باللجوء للمؤسسات الدولية الحقوقية والإعلامية.

ويقول خيري ومجدولين إنهما لن يستسلما وسيناضلان "لإزالة المنع" فالسفر بحد ذاته ليس غاية عندهما لأن الوطن يبقى الخيار الأول والأخير، "وسنعمل تحديدا ضد ملف الاتهام السري" الذي تسوقه إسرائيل لأجل عقاب الفلسطينيين فقط.

ويشير تقرير للمركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) -نشر مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري- إلى أن إسرائيل ارتكبت 20 نوعا من الانتهاكات ضد الصحفيين الفلسطينيين بما مجموعه 1845 انتهاكا (منها 786 اعتداء جسديا) منذ 2016 وحتى نصف العام الجاري، وأن السلطة الفلسطينية ارتكبت 81 انتهاكا جسديا بنفس الفترة.

حلمي الأعرج - مدير مركز حريات
حلمي الأعرج مدير مركز حريات: تهدف إسرائيل عبر منع السفر لتعطيل حياة الفلسطينيين في رسالة مفادها "أن من يقاوم سيدفع الثمن" (الجزيرة)

أبشع عقاب

وبلا شك فإن الملاحقة والمنع من السفر أحد أشكال هذه الانتهاكات التي يصفها حلمي الأعرج مدير مركز الدفاع عن الحريات (حريات) بأنها "أوسع وأبشع" وسيلة عقاب جماعية ينتهجها الاحتلال بعد سياسة الاعتقال.

وقال الأعرج للجزيرة نت إن إسرائيل تهدف عبر منع السفر تعطيل حياة الفلسطينيين وإشعارهم بأنها المتحكم بحركتهم وسفرهم، ولابتزازهم والضغط عليهم لتبعث برسالة مفادها "أن من يقاوم سيدفع الثمن".

وترفض إسرائيل وفق الأعرج توضيح أسباب المنع من السفر وتدعي أنها "أمنية" وهذا ما دفعهم كمؤسسات حقوقية لتسليط الضوء على تلك القضية محليا وعالميا عبر عقد العديد من المؤتمرات وعبر المحاكم الإسرائيلية.

ويقول الأعرج إنهم يسعون لتحويل القضية من فردية لوطنية لطرحها على المجتمع الدولي بثقل، وقد فعلوا ذلك وقدموا نداءات للمفوض السامي لمجلس حقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة.

وينصب سعيهم الآن وفي ظل عشرات آلاف الممنوعين من السفر وبالتعاون مع مكونات المجتمع الفلسطيني الرسمية والأهلية والشعبية لحصر كل الأسماء لتوثيقها، لافتا إلى أنهم وثقوا 8 آلاف اسم منهم 650 امرأة.

وقد يمتد المنع من السفر وقد يفرض الاحتلال مزيدا من التضيق على مجدولين حسونة لكنها ستظل تفضح ممارسات الاحتلال القمعية وتتصدى لها خاصة تلك المتعلقة بالحريات الإعلامية، بحسب الأعرج.

المصدر : الجزيرة