يصدر من غزة.. ألبوم غنائي يوثق التراث الفلسطيني مستعينا بذاكرة المعمرات

فلسطينيات من غزة يسهمن بتوثيق أغنيات تراثية مستوحاة من الحياة الفلسطينية (الألمانية)

تبدي الفلسطينية عبلة أبو عيسى -من غزة- في الخمسينيات من عمرها سعادتها الغامرة لمشاركتها في ألبوم تراثي لتوثيق ما حفظته من والدتها من أغانٍ تراثية يعود بعضها إلى عشرات السنين.

الألبوم الغنائي حصاد مبادرة شبابية استمرت لأكثر من 3 أعوام في غزة يستهدف إحياء التراث الثقافي، في سابقة تعد الأولى من نوعها في الأراضي الفلسطينية. ويتضمن الألبوم الذي تم إطلاقه حديثا 8 أغنيات تراثية، تحاكي قصصا مستوحاة من الحياة الفلسطينية منذ مطلع القرن الماضي، في مسعى يستهدف حفظ التراث الشعبي الفلسطيني القديم.

الألبوم يستهدف حفظ التراث الشعبي القديم من الضياع ويظهر في الصورة طقس الحناء في العرس الفلسطيني (الألمانية)

أغاني الجدات

وتشير عبلة إلى أنها أسهمت في الألبوم بتوثيق ما حفظته من أغنيات رصدت كلماتها قصص الحياة التراثية القديمة في قطاع غزة من أجل نقلها إلى الأجيال الحالية والمقبلة.

وتذكر أنها حفظت على مدار سنوات كلمات أغان تراثية من والدتها وعماتها المسنات، فيما أسهم انخراطها في مبادرة جمع وتوثيق التراث الشعبي في فهم واستيعاب الكثير من المصطلحات القديمة.

إرث تاريخي

وأشرف على إنتاج الألبوم الذي يحمل عنوان (دابا يا قلبي) جمعية (نوى) للثقافة والفنون التي تتخذ من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة مقرا لها، بفضل تنسيق مع مؤسسات فلسطينية وأوروبية.

واحتوى الألبوم على أغان تعكس تراث وعادات وتقاليد قطاع غزة بما يحمل إرثه التاريخي من تنوع ثقافي ومجتمعي، تأثر بمرور العديد من الحضارات على مر الزمن.

وخرج الألبوم إلى النور بعد جهد شبابي استمر 3 أعوام لجمع وتوثيق كلمات الأغاني وتجميعها من كبار النساء المعمرات في مناطق متفرقة من قطاع غزة الذي يقطنه زهاء مليوني نسمة.

وتقول أماني النجار عضو فريق المبادرة الشبابية، إن الفريق المكون من 8 شبان وشابّات عمل بشكل مكثف على تتبع التاريخ الشفهي والتراثي للنساء المعمرات لجمع وتوثيق تراث الأغاني الشعبية.

الألبوم الذي تم إطلاقه حديثا يضم 8 أغنيات تراثية فلسطينية منذ مطلع القرن الماضي (الألمانية)

غناء تراثي قديم

وتوضح أماني أن الشباب المشاركين في المبادرة تنقلوا في أحياء وأزقة مناطق متفرقة من قطاع غزة، ولاسيما مدينة دير البلح، للاستماع إلى القصص والأغاني التراثية وتوثيقها في ألبوم فني.

وتشير إلى أن الألبوم تضمن موضوعات مختلفة عبر كلمات الأغاني التي شملها "إذ كنا نتجمع ونقيم حفلات صغيرة حتى نكسر الجمود ونمهد لبدء السيدات كبار السن في الغناء من التراث القديم، ومن ثَم توثيقه".

وحظي مشروع جمع وتسجيل كلمات الألبوم التراثي بدعم مالي من مؤسسة دروسوس (Drosos Foundation) السويسرية، والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC).

ويضم الألبوم أغاني منها (ما بريدو) و(نهورة) و(صف البراري) التي تتميز بها مدينة دير البلح ولها رقصة خاصة، تغنى في مناسبة ليلة حنة العروس، ويتم فيها الاحتفاء بالعروس التي تزين كفيها بالحناء بحضور النساء من الأهل والأقرباء والأصدقاء.

طقوس خاصة

كما تتميز الأغنية التراثية بطقوس خاصة بحيث تصطف النساء في صفين متقابلين مناصفة وتتشابك الأيدي على الأكتاف، ويتبادلون الأدوار بغناء الأبيات بالتتابع، لتقوم النساء في الصف الثاني المقابل بالرد وبترديد الأبيات، ويقومون بأدائها طوال الليل حتى الفجر لكثرة الأبيات المغناة.

وعادة ما يتذكر كبار السن في قطاع غزة أغانيهم التراثية بكثير من السعادة وطاقة الفرح كونها تعود بهم لعقود طويلة إلى الوراء من أعمارهم.

وبفضل المبادرة الشبابية لتوثيق تلك الأغاني التراثية فإنها تضمن مكانا لها في زحمة هموم الحياة اليومية لسكان قطاع غزة، كما يقول القائمون على المبادرة.

مبادرة شبابية استمرت لأكثر من 3 أعوام في غزة لإنتاج الألبوم (الألمانية)

بحث وتوثيق

وتلفت ريم أبو جبر مديرة جمعية نوى للثقافة والفنون إلى أن معظم النساء اللواتي تم لقاؤهن لحفظ وتوثيق الأغاني التراثية توفين لاحقا، ما يؤكد أهمية المبادرة الشعبية في إنقاذ تلك الأغاني في آخر لحظة.

وتوضح ريم أن ألبوم "دابا يا قلبي" يعد العمل الفني الأول على صعيد التراث الشعبي القديم في الأراضي الفلسطينية وحفظ الأغاني ذات الارتباط بعقود ماضية بما لها من طابع مميز من السحر والسعادة.

وتلفت إلى أن الكثير من كلمات الأغاني التراثية القديمة احتاجت إلى إجراء أبحاث عديدة للوصول إلى جذورها ومعانيها، ومن ثم جمعها وترتيب سياقها، ولاسيما أن الكثير منها مرتبط بمدلولات تاريخية وبعضها يتجاوز عمرها الـ100 عام وتعود إلى فترة العهد العثماني في فلسطين.

وتنبه ريم إلى أنه عندما تم إصدار ألبوم الأغاني فإنه حظي بتجاوب الكثير من النساء المعمرات في قطاع غزة واللاتي تجاوبن معه بدلائل عملية عبر مقتنيات قديمة ورثناها من أمهاتهن وجداتهن.

القائمون على إصدار الألبوم يأملون في توثيق المزيد من الأغاني والرقصات الشعبية الفلسطينية (الألمانية)

خطوة أولى

وتعد الأغنية الشعبية أحد عناصر التراث الثقافي غير المادي الذي يوثق القصص والعادات المرتبطة بكل مناحي الحياة في أوقات الفرح والحج والاحتفاء بالمولود وجميع المناسبات.

وبالوقوف على محتواها نجده يساعد في التعرف على طرائق الحياة والعادات والشخصيات المؤثرة في ذلك الوقت، حيث إن بعض هذه الأغنيات مثلت فلسطين في مختلف عصورها القديمة منذ بداية القرن الماضي.

ويأمل القائمون على إصدار الألبوم الغنائي أن يمثل خطوة أولى في توثيق المزيد من الأغاني والرقصات الشعبية للتراث الفلسطيني لمنع اندثارها والإبقاء عليها حية في زحمة الأغنيات المعاصرة الرائجة في الأفراح الفلسطينية.

وهم يؤكدون أنه على أهميتها في الحفاظ على التراث الفلسطيني القديم بتنوعه، فإن أمثال مبادرتهم فردية كانت أم جماعية بحاجة ماسة إلى دعم رسمي جاد بما يضمن توسيع دائرة العمل الفني الثقافي وديمومته.

المصدر : وكالة الأنباء الألمانية