عراقيات يطالبن أمهاتهن بالطلاق.. كل فتاة بأبيها معجبة سوى متعددي الزوجات

ميس- تقرير تعدد الزوجات
ميس تقول إنها وأمها تتعرضان للتعنيف والضرب المبرح من الأب (الجزيرة)

أعيش مع أمي وحيدة منذ طفولتي ولا نرى والدي إلا نادرا، يقضي معظم وقته في بيته الثاني، وأشعر تجاهه بالكره لسلوكه العنيف معنا باستمرار، لم أنم في حضنه يوما ما، وعندما يزورنا كضيف أظل أترقب الساعة التي يُغادرنا فيها بسبب سلوكياته التي لا تطاق وممارسته العنف ضدنا بصور وأشكال مختلفة، هكذا تحدثت رؤى عن والدها.

وتضيف رؤى (17 عاما) "في أحد الأيام اصطحبني إلى المقبرة حيث يدفن إخوتي المتوفين وهددني بالدفن هناك إذا لم أكشف أسرار أمي وما تتحدث به عند غيابه، ولا يمكنني نسيان تلك اللحظات طيلة حياتي".

فتيات مراهقات يعشن أوضاعا مأساوية نتيجة لغياب وضع العائلة الطبيعي وتعايشهن مع مسألة تعدد الزوجات، التي تعد من الظواهر المثيرة التي ترتبط بكثير من المفاهيم والانفعالات، فالبعض مؤيد ويرى هذه الظاهرة حلا لمشكلة عزوبية الفتيات ولمشروعيتها في الإسلام، وآخرون معارضون يرون أن الأصل في الزواج زوجة واحدة وأن هذا هو الوضع الطبيعي للأسرة وتماسكها، ورغم شرعية الظاهرة فإن مشاكلها بدت تتفاقم لتؤدي لانهيار بعض الاُسر.

تصف رؤى "حدوث مشاكل" بين أبيها وأمها، وأنه "لا يكتفي بمقاطعتها وهجرها لأيام وأشهر، بل يضربها ويطلق النار في أرجاء البيت ويتعمد كسر أثاثه ويأخذ أموال أمي التي تعمل في القطاع الخاص هنا وهناك لتوفير لقمة العيش وتلبية متطلباتي".

وتضيف "نُطالب أمي بالطلاق دوما ولكنها لا تجرؤ على القيام بذلك ولربما تخشى تشويه وجهها -كما يهددها دوما- إذا ما قدمت طلبا رسميا في المحكمة، ولكني سئمت الحياة بهذه الطريقة والحياة المشتركة مع أسرة أخرى، وأقارن نفسي بصديقاتي فأزداد كرها وحقدا له ولعائلته الثانية التي يفضلها دوما والتي أعيش مأساتي بسببها ولا أسامحها يوما عن كل ما عشته منذ طفولتي ولحد اليوم، ورغم كل ذلك فإني اقتدي بأمي في كل خطواتي وأحاول الاجتهاد في المدرسة وأسعى لإثبات نفسي وجعلها سعيدة بي".

ميس تقول إن أمها عانت من مرض نادر فتزوج والدها امرأة أخرى (الجزيرة)

نموذج سيئ
ولا يختلف حال ميس (14 عاما) عن رؤى، فقد تركت المدرسة منذ سنوات لأن أسرتها نازحة من منطقة بيجي بمحافظة صلاح الدين شمال بغداد حيث اندلعت معارك بين القوات العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية، وتقول إن أوضاعهم المادية متردية، ولديَها 3 أخوة وفقد أبوها عمله، وعانت أمها من مرض نادر، وقصدت الأطباء بدعم أهلها دون جدوى وصبرت وتحملت الألم.

وتتابع ميس "نتيجة لذلك بدأ أبي منذ سنتين يُعنفها ويعنفني بالضرب المبرح بالأدوات الحادة ويهين كرامتنا دوما ويرافقه تفاقم حالة أمي الصحية والنفسية، يُشفق الناس علينا فيقدمون المساعدات لنا ويقوم أبي بأخذ الأموال والإنفاق على نفسه دون أي تفكير في متطلباتنا".

وتضيف "قبل مدة تفاجأنا بزواج والدي من امرأة ثانية، مما تسبب في صدمة لنا، فأبي لا يعمل فبدل التفكير في علاج والدتي ذهب للزواج بأخرى متجاهلا وضعنا، أصبحنا نكرهه ولا نتحمل وجوده، وفشل إخوتي في الدراسة، وأخشى أن أتزوج شخصا يكون سيئا كأبي، ونقول لأمي اطلبي الطلاق للخلاص من وجوده في حياتنا ولكنها ترفض، أفكر في وضعنا، فكله خارج إرادتنا، أصبحت أكره الوجود في البيت فأقضي وقتي في الشارع هنا وهناك هربا من الواقع".

ياسين رأى أن قضية تعدد الزوجات تعتمد على قدرة الزوجين على احتواء مشاكلهما (الجزيرة)

قضية مجتمعية

وتعليقا على هذه الحالات، يرى الباحث الاجتماعي الدكتور عدنان ياسين أن "تعدد الزوجات يعتمد على طبيعة المجتمع وأجواء التفاعل الأسري لا سيما في المجتمع الحضري الحديث، إذ هناك زواجات متعددة دون المشاكل، فالقضية تعتمد على قدرة الزوجين على احتواء مشاكلهما ومستويات الوعي وإدراك العواقب والتداعيات الوخيمة التي يفرزها الوضع المتشنج في الأسرة لا سيما في عالم متغير تحكمه تكنولوجيا الاتصال وتؤثر على استقرار الأسرة وتماسكها".

ويؤكد الباحث العراقي أن "العدالة أساس لنجاح تعدد الزوجات وتحقيق العائلة المتماسكة، إذ إن الشعور بالغبن لدى الفتيات المراهقات يقود إلى تبرير للسلوك المنحرف، إذ تبدو فيه حياة المراهقات رخيصة كونهن في بيئة محبطة ظالمة، مما يقود إلى تفكك الأسرة ويترك بصمات عليهن وينذر بعواقب وخيمة قد تؤدي إلى انحرافهن وتشردهن والعيش في ظروف صعبة".

أما الباحث النفسي ومدير مركز أبحاث الطفولة والأمومة الدكتور صالح مهدي صالح فيقول إن "الأبناء ضحية الزواج الثاني للأب وخاصةً المراهقات لارتباطهن بالأم ويقمن بالدفاع عنها، وهنا تنشأ الكراهية ضد الأب وتتعرض الأسرة إلى تفكك وضياع، إذ لا يمكن اعتبار سلوكيات الأب القائمة على التفرقة بين زوجاته وأبنائه مقبولة، وعند عجز الأب عن تحقيق العدالة يلجأ إلى استعمال العنف ضدهم".

صالح قال إن الأب يلجأ إلى استعمال العنف ضد أفراد أسرته عندما يعجز عن تحقيق العدالة (الجزيرة)

إعادة تأهيل

ويخلص صالح إلى أن "المراهقات نساء المستقبل المربيات والمشاركات في مجالات المجتمع، فإذا خسرهن المجتمع ينعكس ذلك عليه ويؤثر على العلاقات الاجتماعية، ولا يمكن أن تنجح المؤسسات الاجتماعية في ظل وجود نساء خلفت المراهقة لديهن مشكلات تتعلق بالحرمان المادي والمعنوي".

وشدد على أهمية قيام الجهات المعنية بالمرأة وحقوقها بإعادة تأهيل نفسي واجتماعي للمراهقات من أجل إعادتهن إلى السلوك القويم وإبعادهن عن ممارسة أساليب قاسية وعنيفة، فضلا عن قيام وسائل الإعلام بالتثقيف التربوي والاجتماعي من أجل حث المراهقات على التعامل مع أسرهن بالحكمة وعدم اللجوء إلى العنف للحد من السلوكيات السلبية للمراهقات.

المصدر : الجزيرة