مطلقات مصر بلا نفقة.. متضرر جديد من كورونا

النساء يدفعن فواتير الطلاق بشكل مضاعف. (صورة من أحد التجمعات النسائية من أجل الضغط على الحكومة بشأن أوضاعهن)
قضايا النفقة تمثل 70% من إجمالي دعاوى الأسرة في مصر

ما ضر الشاة أن تسلخ بعد ذبحها، لم يكن أحد يتوقع أن يكون الضرر بهذا الحجم، فما فعله فيروس كورونا في شهور قليلة أضاع جهود سنوات مضت.

لقد تضررت العمالة ذات الدخول المحدودة، وكذلك الشركات ذات رأس المال الضخم، وتوقفت المدارس، وتغير شكل التعليم، واستمرت الكوارث الصحية إلى حد الإصابة بالفيروس الغامض.

لكن ما لم يتوقعه أحد أن يؤثر الفيروس القادم من الصين على حياة أم محمود ذات الـ35 ربيعا، والتي سكنت الشرابية الشعبي بالقاهري حيث بيت عائلتها بعد طلاقها من زوجها، وتفرغت لتربية طفليها، وتسعى وراء طليقها في المحاكم لنيل نفقة لا تسمن ولا تغني من جوع.

وفي كل ليلة تدعو أم محمود على فيروس كورونا الذي أذلها بعد أن توقفت نفقتها الشهرية، بسبب توقف المحاكم وإيقاف تنفيذ الأحكام القضائية.

قضايا النفقة

قضايا النفقة في مصر من أكثر القضايا التي تشهدها محكمة الأسرة، ووفقا إحصائية أصدرها المجلس القومي للمرأة في عام 2018،  فقد تخطت نسبة دعاوى النفقة المنظورة أمام محاكم الأسرة على مستوى البلاد حاجز 70% من إجمالي دعوى الأسرة، في حين لم تتعد قضايا الرؤية 4%.

وتقطع المطلقات المصريات طريقا طويلا لنيل حقوق أطفالهن، ما بين بلاغات وتحريات وإثبات وطعون، وفي النهاية يأتي كورونا ليكون القشة التي تقصم ظهر البعير.

وتقول ياسمين منصور  للجزيرة نت إنها ومنذ فبراير/شباط الماضي لم تصرف لأطفالها نفقتهم بسبب توقف محضري المحاكم عن التحصيل، ورغم الوعود الأسبوعية بإنهاء إجازة المحاكم فإنها في كل مرة تفقد الأمل من جديد مع تمديد حظر العمل بسبب كورونا.

ورغم إلغاء الفصل الدراسي الثاني في المدارس هذا العام والاعتماد على التعليم عن بعد فإن مصروفات المدرسة لا تزال تؤرق بال نرمين شاهين التي رفعت القضية منذ عام وما زالت حتى الآن لم تحصل على حكم، حيث فاجأتها أزمة كورونا -قبل جلستها الأخيرة للنطق بالحكم- بتأجيل القضية لأجل غير مسمى.

محامي نرمين أخبرها أكثر من مرة أن المحاكم ستعود قريبا، لكنها لا تعلم متى يحدث ذلك، خاصة أن المدارس لم تعترف بكوفيد-19 وقررت تحصيل المصروفات كاملة دون مراعاة لأي ظروف طارئة.

"هددونا في المدرسة بحجب ابني عن الدروس عن بعد إذا لم يتم دفع المصروفات خلال شهر، وفشلت في كل الطرق الودية مع والده، ولا سبيل أمامي سوى الدعاء بنهاية كورونا أو نهاية العالم" تقول نرمين.

blogs الطلاق و الأطفال
المطلقات المصريات يقطعن طريقا طويلا لنيل حقوق أطفالهن (مواقع التواصل)

وبموجب عقد اتفاق ودي، استمر طليق فاطمة هشام في دفع النفقة لمدة أربعة أشهر، لتتسلمها من مكتب البريد المجاور لمنزلها، لكن منذ بداية تفشي كورونا وتوقف أعمال متابعة تحصيل النفقة توقف الزوج عن الدفع، ولم تحصل فاطمة وابنتها على نفقتهما الشهرية ولا أجر المسكن الذي كان ملزما به، وباتت مهددة بالطرد لولا مراعاة صاحب المنزل لظروفها.

وتقول فاطمة "لقد راعت الدولة عمال اليومية وصرفت لهم إعانات شهرية، و(لكن) ماذا عن المطلقات؟ ولماذا تخلت الدولة عنهن وحتى المجلس القومي للمرأة لم يسمع له صوت في هذه الأزمة وهو أعلم الناس بمعاناتنا؟".

لا حياة لمن تنادي

منذ سبتمبر/أيلول 2018 بدأت رحلة ندى أمام القضاء للحصول على نفقة لأطفالها الثلاثة بعد أن طلقها زوجها وتخلى عن الأبناء وتزوج من أخرى، وبعد النطق بالحكم في المرحلة الأولى من التقاضي استأنف الزوج -الذي يبلغ دخله الشهري 9 آلاف جنيه- مطالبا بتخفيض النفقة من خمسمئة جنيه للطفل الواحد إلى ثلاثمئة.

وكان من المفترض صدور الحكم في أبريل/نيسان الماضي، ولكن بسبب كورونا تم تأجيل الجلسة حتى الآن، وفي كل مرة يهاتفها الزوج قائلا "خلي المحاكم تنفعك".

ولا تعرف ندى لمن تلجأ، خاصة مع تخفيض راتبها من الشركة الخاصة التي تعمل فيها، ولم تجد بدا من الانصياع لقرار تخفيض الراتب.

وتقول "لا أملك حرية التصرف في قراري، فأنا من أعول أطفالي، أما والدهم فلا حياة لمن تنادي".

الطلاق من بيكسابي
الحكومة المصرية لم تلتفت إلى تحصيل النفقات في قضايا الأسرة أثناء أزمة كورونا (بيكسابي)

خسائر متوقعة

عدم تحصيل النفقة ليس هو الأثر الوحيد لفيروس كورونا على حياة المطلقات في مصر، بل قد ينضاف إليه احتمال تخفيض قيمة هذه النفقة كما يؤكد ذلك المحامي بالنقض عماد السيد الذي يباشر عددا من دعاوى الأسرة، فقد يوافق القضاة على تخفيض النفقة في القضايا المنظورة حاليا نظرا للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والتي أثرت على قطاعات متعددة.

ويقول السيد "كورونا أثر بالسلب على كثير من إجراءات التقاضي في مصر، وعطل صدور آلاف الأحكام، وإن ما حدث في النفقة مع الأمهات حدث مثله مع الآباء، حيث أثر كورونا على تأجيل الرؤية بسبب إغلاق مراكز الشباب والحدائق العامة التي كان يتم فيها تنفيذ حق الرؤية، فبات الآباء أيضا ممنوعين من لقاء أطفالهم".

ويضيف عماد "إن عودة المحاكم غير مؤكدة حتى الآن، فرغم التحذيرات بضرورة (ارتداء) الكمامة و(التزام) التطهير فإن ذلك لم يمنع ظهور كورونا في أول يوم بعد عودة المحاكم، وسرعان ما تم إغلاق محكمة زنانيري المختصة بأحكام الأسرة".

ويتابع محامي الأسرة "مشكلة تنفيذ الأحكام ليست متعلقة بالمحاكم ومباشرة القضايا، لأن وحدة تنفيذ الأحكام موجودة في أقسام الشرطة، وقد تسبب حظر التجول في تعطيل عمل هذه) الوحدة، ليس فقط في قضايا النفقة، ولكن في عموم الأحكام".

المصدر : الجزيرة