هذا ما يفعله الرجال.. عندما تحكم النساء ليوم واحد في إيران

قرية آب اسك
آب أسك واحدة من القرى التي تشهد اختيار الملكة ووزيراتها ليوم واحد سنويا (مواقع التواصل)

                                                                                                                      محمد رحمن بور-طهران

لا يمثل انتهاء فصل الشتاء في إيران وتحديدا بالنسبة لسكان أهل الشمال بداية فصل جديد وحسب، بل إنه الموعد السنوي الذي تبدأ فيه النساء تحضيراتهن لليوم الذي سيسيطرن فيه على الحكم في المدن، فيتم اختيار الملكة ووزيراتها ليوم واحد في السنة. أما الرجال فيعزفون عن أداء مهامهم داخل المدن والقرى، ليتوجهوا خارجها لأداء مهمة أخرى.

النشأة والأصول
يعود تاريخ هذا التقليد القديم إلى ما قبل ستمئة سنة تقريبا، حيث يجتمع سكان منطقة لاريجان في شمال البلاد مع قدوم الربيع من أجل الاحتفال بطقس تقليدي يعرف باٌسم ورف جال (varf chal) والذي يقضي بخروج جميع الرجال من القرية لتحكمها النساء ليوم واحد فقط.

وفي هذا اليوم، يجتمع الرجال من مختلف المدن والقرى بالقرب من جبل دماوند، ليقوموا بجمع الثلوج المتبقية من الشتاء، وحملها لمئات الأمتار ورميها في بركة كبيرة تحفظ المياه خلال الصيف، ليستخدمها المارة أو المواشي طيلة السنة.

‪يعود تاريخ يوم
‪يعود تاريخ يوم "ورف جال" لحكم النساء بالقرية إلى قبل ستمئة سنة تقريبا‬ (وكالات)

ماذا يفعلون؟
يقول حسن دهقان مختار قرية آب أسك في منطقة لاريجان للجزيرة نت: بعد ملء البركة بالثلوج، يجتمع الرجال مع بعضهم للاحتفال والتسلية ببعض الألعاب التقليدية، قبل جلوسهم لتناول مأكولات تقليدية حول مائدة كبيرة.

وأضاف: بالرغم من عدم إمكانية النساء القدوم إلى احتفال الرجال، إلا أنهن في الوقت عينه منشغلات في بسط نفوذهن على القرية، فيخترن لأنفسهن الملكة والوزيرات وحارسات القرية، وذلك ليمنعن السماح لأي رجل بالدخول إلى القرية طوال اليوم حتى العصر.

ففي مطلع الصباح الباكر وبعد خروج الرجال من القرى، تجتمع النساء في الساحة الكبيرة وسط القرية بملابسهن التقليدية مكشوفات الرأس، لاختيار الملكة ووزرائها والحارسات، ليبدأ بعد ذلك الاحتفال بأمر من الملكة.

ملكة القرية
وتقول روحي أمير صالحي ملكة قرية آب أسك للجزيرة نت: أقوم بدور الملكة في القرية منذ ستين عاما، ونحتفل بهذا التقليد الذي ورثناه عن الأقدمين من أجدادنا، ويصبح هذا التقليد اليوم جاذباً للسياح من مختلف المناطق، للمشاركة في احتفالاتنا عند الرجال أو النساء.

وأشارت إلى أن التنسيق مع الأرصاد الجوية يبدأ قبل الاحتفال بأسبوع، لأجل اختيار الزمان المناسب، وكذلك القيام بجمع النذور من الأهالي لأجل الاحتفال أو توزيعها بين الفقراء.

‪يجتمع الرجال من مختلف القرى والمدن بجانب جبل دماوند في شمال إيران ويحتفلون بورف جال‬ (وكالات)
‪يجتمع الرجال من مختلف القرى والمدن بجانب جبل دماوند في شمال إيران ويحتفلون بورف جال‬ (وكالات)

يوم التسامح
تقوم النساء خلال الاحتفال بالرقص والضرب على آلة الكاسور، إضافة للألعاب التقليدية وتبادل النكات والطرائف وفن الوهم (ألعاب الخفة السحرية) كما تقوم بعضهن بارتداء الملابس الرجالية، وترتدي الفتيات العازبات الأكبر سنا ملابس العروس.

أما الحارسات فيرتدين الزي العسكري لحراسة القرية، وذلك لأداء مهمتهن التي تقضي بعدم السماح بدخول أي رجل إليها، أما في حال دخول أحدهم للقرية عن طريق الخطأ، فيتم ضربه أو وضعه على الحمار وجلبه إلى الساحة وإجباره على الرقص أمام جميع النساء.

وأضافت أمير صالحي "تؤلف هذه الطقوس بين القلوب وتقوي صلة الرحم، ففيه نساعد في حل الخلافات، وكذلك نساعد المساكين بالنذور التي جمعت سابقا في حال طلبت مني النساء ذلك" بحكم كونها ملكة القرية.

ويصعب نشر صور توثق للاحتفالات النسوية، إذ لا تسمح النساء بالتقاط الصور من داخل القرية بسبب عدم لبسهن الحجاب وملابسهن الخاصة.

زراعة المحاصيل
وكذلك الأمر بالنسبة لمدينة أفوس قرب مدينة أصفهان وسط إيران، والتي كانت تقام فيها الاحتفالات في الماضي القريب، فـتحكم النساء المدينة في وقت يخرج الرجال نحو النهر لأداء العبادات وتبادل الشورى لأجل مستقبل المدينة.

ويقول هدايت الله فرح بخش أستاذ التاريخ بمدينة أفوس للجزيرة نت: كانت تحكم النساء المدينة ويخرج الرجال منها مع نهاية فصل الربيع، وذلك بعد الانتهاء من زراعة المحاصيل، بغية الراحة لمدة يوم والتوجه للخالق بالدعاء ليبارك في محاصيلهم.

وكذلك الأمر في مدينة أفوس، فإضافة للاحتفالات وتنصيب الملكة واختيار الوزيرات، كانت النساء تشرحن للفتيات الكثير من جوانب وأساليب الحياة وإدارة البيت، ويعلمنهن بعض الحرف الضرورية بشكل عملي، ليستفدن منها في مستقبلهن العائلي.

‪يجتمع الأهالي والضيوف لتناول الغداء‬ (وكالات)
‪يجتمع الأهالي والضيوف لتناول الغداء‬ (وكالات)

6 أسباب
ويعتقد فرح بخش بأن هناك ستة أسباب تقف وراء هذه الاحتفالات وهي:

1- استراحة الرجال والنساء بعد زراعة المحاصيل.

2- التخطيط لمستقبل المدينة.

3- حل النزاعات بين المتخاصمين ومساعدة الآخرين.

4- تقسيم مياه الري للأراضي الزراعية بشكل متساوٍ بينهم.

5- مراسلة المسؤولين والحكومة لإيجاد حلول للمشاكل.

6- نشر الأجواء الثقافية وتعليم الأطفال وبناة المستقبل.

وبعد إلغاء هذا التقليد من أفوس بسبب توسعة المدينة وصعوبة السيطرة عليها، يتداول الحديث حاليا عن إعادة إحياء هذا الطقس، خصوصاً بعد مشاهدة الإقبال الواسع بين أوساط الشباب لمثل هذه الطقوس لما فيها من رسائل وحكم جميلة في طياتها، كما تجعل من المدينة مركزا للسياحة وبالتالي إنعاش الاقتصاد المحلي.

المصدر : الجزيرة