أم علاء.. أم لتسعة أطفال.. نموذج لمأساة السوريين المخبأة خلف الجدران
سيلا الوافي-الجزيرة نت
"لقمة العيش صعبة"، كلمات تختصر معاناة البسطاء من السوريين في ظل الحرب الضروس التي يتعرضون لها، كلمات تحمل معها واقعا مؤلما لفئة بقيت بعيدة عن أنظار المجتمع والمنظمات الإنسانية، وسلّمت نفسها مجبرة لقسوة الحياة، ومشقة البحث عن مصروف يومي تسد به حاجتها، ويكفيها مذلة السؤال.
أم علاء فقدت إخوتها السبعة
فاطمة الحلبي الملقبة "بأم علاء" امرأة سورية فقدت قدمها، وإخوتها السبعة إثر عمليات القصف؛ محاولة النجاة بأولادها لبر الأمان عبر طرق عديدة لتأمين مصروفها اليومي كالتسول والحياة على نفقة أهل الخير.
نزحت أم علاء من قريتها في ريف حماة بعد اقتحام جيش النظام لها وهدم بيتها سنة 2014 إلى مخيم عابدين الذي تعرض لقصف جوي أودى بحياة العشرات من المدنيين والأطفال، إلا أن الحظ حالفها وقتها فلم تفقد حياتها، وإنما فقدت قدمها لتصبح شبه عاجزة، وابنها الكبير البالغ من العمر 16 عاما أصيب في قدمه.
تعيش أم علاء مع أبنائها التسعة في بيت لا يصلح للسكن، حيث الجدران غير المحمية، والسقف الذي لا يمنع تساقط الأمطار ولا يقيهم برد الشتاء القارس، وذلك بعد عودتها من تركيا إثر تلقيها خبر أن زوجها ترك الأطفال وحيدين وغادر دون أن يترك أي أثر له، فاضطرت لقطع علاجها وتعود من أجل رعاية أبنائها.
معاناة وألم
لا تستطيع أم علاء العمل لفقدها قدمها وإصابتها بشلل جزئي في يدها، فتلجأ للتسول لتأمين لقمة خبز لأطفالها الصغار المحرومين من طفولتهم وأبسط حقوقهم كالتعليم لأن أمهم لا تستطيع تأمين مستلزمات المدرسة.
تقول أم علاء -والدمعة تنزل من عينيها حافرة أخدودا من القهر على خدها- "بعد أن كان لي منزل وكنت بصحة وعافية أصبحت الآن متسولة أمام الجوامع وفي الشوارع، أستعطي المارة ثمن رغيف من الخبز يسد رمق أطفالي الصغار". واصفة أن كل ليرة تأخذها تشعرها بالذل، ولكن ليس بيدي حيلة أو وسيلة أخرى؛ فأنا أحتاج كل يوم لـ1500 ليرة سورية ثمن خبز فقط، فكيف أستطيع تأمين هذا المبلغ وأنا امرأة عاجزة، مشيرة إلى أن أطفالها في أحيان كثيرة لا يأكلون لعدم حصولها على المال أثناء التسول أو يرفض البعض تسليفها النقود، "وهذا من حقهم لأن ديوني تراكمت ولا أستطيع تسديدها".
أين المنظمات؟
تقول أم علاء أسمع كثيرا عن المنظمات التي تقوم بمساعدة المحتاجين والمتضررين من الحرب، إلا أنني لم أر هذا الشيء على أرض الواقع؛ فالمنظمات لا تأتي إلا من أجل التصوير وتقديم وعود بالمساعدة.
تستشهد أم علاء بأحد الأمثال الشعبية "إن كان جارك بخير فأنت بخير"، "بينما أعيش أنا وأبنائي التسعة، وفي كل ليلة أسمع نواح أطفالي من الجوع والبرد فلا يسعني إلا البكاء حتى تجف دموعي".
الإنسانية باتت مجزأة
وتستذكر أم علاء حادثة الطفل الذي غرق أثناء هجرته إلى أوروبا، والتي اهتزت فيها مشاعر الملايين من البشر في العالم، إذ تقول إن الإنسانية في وقتنا الراهن باتت مجزأة، فأنا كل أحلامي أن يكون لي بيت صالح للسكن يأويني مع أطفالي وبقرة نعيش من خيرها ومدفأة مليئة بالوقود نجلس بالقرب منها لننعم بشيء من الدفء، ولكن ما من مجيب لنا ولا أحد يشعر بأبنائي الصغار.
وتبقى مأساة السوريين مخبأة خلف الجدران، لا أحد يعلمها أو يدرك حجم المعاناة التي يعانونها كل يوم، وأم علاء أحد الأمثلة الكثيرة لآلاف العائلات والأطفال المغيبين عن المجتمع والعالم.