من مذبحة نيوزيلندا إلى ستة أيام بالفلوجة.. كيف أسهمت الألعاب في تحويل العنف فيها لحقيقة؟

تستمد لعبة "ستة أيام في الفلوجة" أحداثها من المعركة الثانية التي شهدتها المدينة في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2004

Six Days in Fallujah
دعاية اللعبة تظهر رقيبا في مشاة البحرية الأميركية في أحد أزقة الفلوجة، وتندفع نيران مدفع رشاش من حوله (مواقع التواصل الاجتماعي)

تزايدت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 الأفلام التي صوّرت العرب والمسلمين على أنهم إرهابيون وقتلة، ولعبت هوليود (Hollywood) الدور الأكبر في هذا المجال، ولكن الدور الذي تلعبه بعض ألعاب الفيديو في الوقت الحالي قد يكون أسوأ بكثير من دور هوليود بالنسبة للعرب والمسلمين.

"ستة أيام في الفلوجة".. عندما تستوحى اللعبة من الواقع

نشرت صحيفة "تايمز" (Times) البريطانية مقطعا دعائيا للعبة تحاكي معركة مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار غربي العراق بين القوات الأميركية ومسلحين عام 2004، وهي لعبة فيديو يشارك فيها اللاعب في معارك نارية تستند إلى قصص حقيقية؛ وأثار ذلك غضبا في صفوف عراقيين في المدينة التي حوصر فيها كثير منهم مع احتدام المعركة في شوارعها.

وتستمد لعبة "ستة أيام في الفلوجة" (Six Days in Fallujah) أحداثها من المعركة الثانية التي شهدتها المدينة في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2004، وتظهر دعاية اللعبة انطلاق رقيب في مشاة البحرية الأميركية في أحد أزقة الفلوجة، وعندما يستدير تتعالى تكبيرات (الله أكبر) وتندفع نيران مدفع رشاش إلى الجدران من حوله، ويصرخ الرقيب مطالبا بـ"إخماد النيران"، وتتضاءل الشاشة إلى الأسود.

تعليقا على هذه الانتقادات، زعمت شركة "فكتورا آند هاي واير غيمس" (Victura and Highwire Games) التي طوّرت اللعبة، أن الهدف منها لم يكن تلطيخ ذكريات الفلوجة أو اختزالها.

ودافع مصمم اللعبة خامي جريسمير عنها قائلا إن "ألعاب الفيديو لم تعد مجرد ألعاب للتسلية، لقد أثبتت بالفعل قدرتها على التعامل مع موضوعات جادة، ونحاول معرفة ما إذا كانت قادرة على توثيق التاريخ، فضلا عن أن ألعاب الفيديو يمكن أن تكون أدوات فعالة لخلق التعاطف".

هذه اللعبة التي تصوّر المسلمين على أنهم إرهابيون وقتلة وتربط بين التكبير (الله أكبر) والهجوم على الجنود الأميركيين هي في الواقع واحدة من العديد من الصور التي شاهدناها في أفلام هوليود منذ التسعينيات من القرن الماضي.

ولكن الاختلاف بين الألعاب والأفلام هو التفاعل العميق مع هذه الصور، وقدرة المستخدم على أن يكون له دور، وهو ما أثبتته جميع الدراسات المتعلقة بدراسة ظاهرة زيادة العنف لدى المراهقين نتيجة ألعاب الفيديو العنيفة.

من الشرير الأول.. المسلم أم العربي أم الروسي؟

وجدت دراسة أن الألعاب التي تحاول ربط الإسلام والثقافة العربية بالإرهاب على قلتها تؤثر تأثيرا كبيرا، فقد وجدت الدراسة أن المراهقين الذين لعبوا هذه الألعاب لمرة واحدة على الأقل كانت لديهم أفكار متحيزة حول العرب والمسلمين استمرت معهم حتى أثناء لعبهم  لعابا أخرى.

فقد وجدت الدراسة عند سؤال مجموعة من المراهقين عن الأشرار في لعبة عنيفة عادية لا تحمل أي تحيز ضد المسلمين عن أصولهم، أن أغلبهم يرون أنهم مسلمون أو عرب، وفي المرتبة الثانية روس وأخيرا صينيون.

لماذا الألعاب أخطر من الأفلام؟

من المحتمل أن الآلية الأكثر وضوحًا التي يمكن أن تسهم بها الألعاب في تسهيل عمليات التطرف  هي أن ألعابَ القتال، من منظور المستخدم، تُسهم في إزالةِ الحساسية تجاه العنف، وبالتالي فكّ الارتباط الأخلاقي.

وفي حين أن العلاقة السببية بين ألعاب الفيديو العنيفة والسلوك العنيف لا تزال موضعَ نزاع، فقد أظهرت البحوث أن ألعابَ الفيديو العنيفة ترتبط بانخفاض التعاطف، وإزالة الحساسية تجاه العنف على كلٍّ من المستوى العصبي والسلوكي، والحد من الاستجابات المعرفية والعاطفية للمحفزات العنيفة.

في هذا الصدد، يرى عالم النفس الكندي باندورا أنه يمكن تفعيل السيطرة الأخلاقية وتعطيلها بشكلٍ انتقائي. ويمكن خداع المنطق الأخلاقي أو تعطيله عن وعي من خلالِ إيجاد مبرراتٍ أخلاقية للعنف، وتوظيف مقارنات مواتية (مثل النموذج الكلاسيكي "ولكنّ أعداءنا فعلوا أسوأ")، وتوظيف الوسم المُلطف ("تحييد" الأهداف وليس قتلهم)، وتجاهل أو تشويه عواقب العنف (في الألعاب، على سبيلِ المثال، من خلال عدم إظهار كميّة دقيقةٍ من الدماء أو حجم الجروح) أو إلقاء اللوم على الضحايا.

وقد ثبتَ أن العديد من أعلى ألعاب القتال  تصنيفًا تستخدم هذه الأدوات لفكّ الارتباط الأخلاقي، وبالتالي يمكن أن تسهم ليس فقط في قبول العنف، ولكن في تحسين القدرة على تعطيل آليات الرقابة الأخلاقية للأشخاص. وقد ثبت أن فكَّ الارتباط الأخلاقي يسهّل عمليات التطرف.

علاوةً على ذلك، يمكن للألعاب أن تسهّل التطرف من خلال تعزيز الكفاءة الذاتية المتصورة للاعبين في القيام بأعمالِ العنف. الكفاءةُ الذاتية المتصورة هي الإيمانُ بقدرة المرء على تحقيق النتائج المرجوة؛ وباختصار هي الاعتقاد الذاتي في قدراته.

اقتحم منفذ مذبحة نيوزيلندا المسجد وشرع في إطلاق النار وكأن الأمر لا يعدو أن يكون بالنسبة إليه سوى لعبة فيديو (مواقع التواصل الاجتماعي)

في نيوزيلندا جسّد متطرف أحداث اللعبة على الأرض

ربط كثير من المتابعين طريقة تنفيذ الهجوم على مسجدين في نيوزيلندا يوم 15 مارس/آذار 2019 بألعاب الفيديو التي تلقى إقبالا كبيرا، على الرغم من احتوائها مشاهد عنيفة.

وكان المسلح الأسترالي برينتون تارانت قد قتل 51 شخصا وأصاب العشرات بجروح عندما فتح النار على مصلين مسلمين في الهجوم على مسجدين في مدينة كرايست تشيرتش.

وقام المهاجم، الذي وصفته السلطات بـ"المتطرف"، ببث مقطع فيديو مباشر، يوثق فيه مراحل عمليته الإرهابية من بدايتها إلى نهايتها.

ويظهر التسجيل المصور مطلق النار مرتديا ملابس سوداء ويضع خوذة على رأسه، مما منحه مظهرا عسكريا، وكان المهاجم يضع كاميرا "غو برو" (GoPro) على خوذته من أجل تسجيل تفاصيل عمليته البشعة ونقلها بشكل مباشر.

وخرج الرجل من سيارته حاملا بندقية نصف آلية، ثم اقتحم المسجد وشرع في إطلاق النار على كل المصلين بشكل عشوائي، وبدم بارد، تلذذ مطلق النار بقتل المصلين، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون بالنسبة إليه سوى لعبة فيديو.

وخلال عملية القتل الجماعية التي نفذها، استخدم الرجل موسيقى في خلفية الفيديو الذي بثه على فيسبوك، ويبدو أن منفذ العملية "استوحى" كل التفاصيل المذكورة سلفا من ألعاب القتال والعنف، المنتشرة على الهواتف الذكية، وفق ما ذكر موقع "يو إس نيوز" (US News).

وأوضح المصدر أن الطريقة التي نفذت بها العملية تشبه لعبة "كاونتر سترايك" (Counter Strike) أو "دوم" (Doom)، حيث يتجول المهاجم في مختلف زوايا منطقة معينة ويطلق النار بشكل عشوائي على كل ضحاياه، ولا يغادر مكانه حتى يتأكد من وفاتهم جميعا.

إن وضع شعار أو اسم ما على شخصية في لعبة عنيفة قد يراه البعض على أنه عمل تسويقي يراد به جذب جمهور معين، ولكن المشكلة تكمن في أن هذه الأسماء والشعارات لا تنتهي بنهاية اللعبة، بل تستمر في عقل اللاعب وقد تتحول فيما بعد لحقيقة مأساوية لا تنتهي عند الضحايا بظهور جملة "انتهت اللعبة" (Game Over) في نهاية اللعبة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية