شاهد: تطبيق "تحدث بثقة".. أطفال فلسطين يتفوقون عالميا في الذكاء الاصطناعي

فازت فلسطين بالمركز الثاني في مسابقة الذكاء الاصطناعي العالمية "تكنوفيشن فاميليز" (Technovation Families) عن جائزة أفضل تطبيق له أثر مجتمعي، ونُظمت في الولايات المتحدة الأميركية مطلع العام الجاري وأعلنت نتائجها مؤخرا.

وتُوِّجت مدرسة "الطيرة بيت عور الفوقا الثانوية المختلطة" بمديرية تربية وتعليم مدينة رام الله بالضفة الغربية في المشروع التقني الأول من نوعه فلسطينيا وعالميا.

أطفال فلسطين يبدعون بثقة

وجاء المشروع بعنوان "تحدث بثقة" وأطلقه الطلبة خالد عاصي والحارث دار بدر ومريم سليمان ويوسف محمد، وبدعم من المعلمين رويدة عاصي وسامر دار بدر لمساعدة الأشخاص ولا سيما الطلبة من ذوي الاضطرابات النطقية.

بمجرد دعوة وزارة التربية والتعليم المدارس لطرح أفكارها والمشاركة في المسابقة لم تدخر المعلمة رويدة عاصي جهدا في البحث عن عمل ريادي جديد ونوعي ويُمكِّنُها أيضا من مساعدة طلبتها في المدرسة وطفلها الصغير جمال الدين.

وما شغل بال شقيقه الأكبر خالد هو أن يلفظ جمال الدين الكلمة جيدا ودون تلعثم، وهو كذلك الأمر الذي كان يقلق والدتهما معلمة التكنولوجيا رويدة عاصي التي توصلت مع ابنها الأكبر -وبرفقة طلبة آخرين- لإنتاج تقنية تخفف من معاناة جمال وأمثاله ممن يعانون صعوبة بالنطق.

ينطق الطالب اللفظ فيصححه التطبيق الذكي وينطقه الطالب مجددا- الطالب مصطفى محمد داخل صفه- الضفة الغربية- رام الله- مدرسة الطيرة بيت عور الفوقا- الجزيرة نت5
الطالب مصطفى محمد داخل صفه مع زملائه طلاب مدرسة الطيرة بيت عور الفوقا (الجزيرة)

آلية التطبيق ومزاياه

تقوم فكرة التطبيق الذكي الذي أُعد كنموذج أولي على الكلام الخاطئ بلفظ المضطرب في النطق إلى شكله الصحيح، بحيث أدخل المصممون كلمات عدة في اللغتين العربية والإنجليزية ولا سيما الأكثر شيوعا في صعوبة نطقها ليقوم التطبيق بإعادتها مصححة ومن ورائه يلفظها المستخدم بشكل صائب أكثر.

قبل أن تفكر رويدة بحال طفلها الذي أضحى بوضع أفضل مما كان عليه في لفظ الكلمات والتلعثم بها انصب مسعاها في إنقاذ مصطفى محمد الطالب في مدرستها الذي لم يستطع مرة توصيل أفكاره مما وضعه بحرج شديد وعزلة عن أقرانه.

وحين حددت وفريقها الهدف لجأت للبحث مع الاختصاصيين الاجتماعيين للحصول على أهم المعلومات حول هذه الفئة من الناس وأبرز احتياجاتها فوصلت بفكرتها للعالم.

تقول رويدة في حديثها للجزيرة نت إنها أسقطت التطبيق مباشرة على الطالب مصطفى وانخرط في المشاركة الصفية والتفاعل مع زملائه في توصيل فكرته بشكل سهل وسلس، "وهذا ما جعله سعيدا وأدخل إلى نفسه فرحا شديدا".

ومثل معلمته رويدة سخّر الطالب خالد عاصي معرفته التقنية وإلمامه باللغة الإنجليزية في سبيل مشروعه النادر خاصة أن الحاجة له تطلبت ذلك كعائلة لإنقاذ شقيقه الصغير أولا ولمساعدة زملائه في المدرسة.

يقول خالد إنه سعيد بوصول العالمية عبر التطبيق كما أراد وفريقه، وبرأيه أن إتاحة الفرصة أمامهم كطلبة يساعدهم في التفكير والإبداع، وبالتالي توسيع مداركهم وقدراتهم وتفوقهم دراسيا.

ويرى نجاحه في تطوير التطبيق ليتفاعل معه الكم الأكبر من الناس، ويضيف "اليوم أخي جمال يتحدث 90% من الكلمات بطلاقة، وهذا أملي لمساعدة الآخرين أمثاله".

ويمكن للتطبيق تحليل الصوت غير المفهوم عند الشخص الذي يُعاني من اضطرابات نطق إلى صوت مفهوم ونص، ويمكن للأهل تدريب أبنائهم من خلاله على اللفظ الصحيح وبالتالي تقليل عدد جلسات العلاج لدى الاختصاصيين وتوفير المال، كما يمكن للاختصاصي نفسه أن يستخدمه كأداة مساعِدة في علاج الحالة لديه.

ويُسهّل التطبيق تواصل هذه الفئة مع البيئة المحيطة سواء المدرسة أو محيط الأسرة، كما يساعد المعلم على فهم الطالب وبالتالي زيادة تحصيله الأكاديمي وتعزيز ثقته بنفسه وتجنب الإحراج الناجم عن هذه المشكلة وبالتالي التواصل مع أقرانه بسهولة.

ويقول سامر دار بدر مدير مدرسة "الطيرة بيت عور الفوقا" والداعم للمشروع، إن قيمة التطبيق وأهميته تكمنان "بعالميته" ومعالجته لقضية نفسية واجتماعية غاية في الأهمية، وبالتالي سينعكس ذلك في الدور الإنساني الذي يقدمه التطبيق.

وتشير إحصاءات جمعها الفريق المصمم للتطبيق إلى أن 250 ألف حالة في الأراضي الفلسطينية تعاني من اضطراب في النطق، وأن معظمها في الفئة العمرية المدرسية.

خلال عرض المشاركين لمشاريعهم عبر تطبيق زوم-الجزيرة نت4
خلال عرض المشاركين لمشاريعهم عبر تطبيق زوم (الجزيرة)

تطبيق ريادي وإنساني

يُقر دار بدر أن مشاركة الطلبة الذين يعانون صعوبة في النطق تكاد تكون معدومة رغم ذكائهم وقدراتهم الأخرى ويقول، "لدينا طالب رفع من الصف الأول للخامس بشكل تدريجي دون أن يتكلم، وهو ما دفعنا للعمل على إنتاج التطبيق، والآن بات يشارك في الصف ويقدم الامتحانات دون الحاجة لمعلم مساند كما في السابق".

وشملت المسابقة في موسمها الثاني لهذا العام مشاركة الآلاف من الأطفال والآباء والمعلمين من 13 دولة حول العالم، إذ بلغت نسبة مشاركة فلسطين في المسابقة حوالي 50% من عدد المشاركات العالمية.

واللافت أن المنظمين للمسابقة انبهروا بهذا التطبيق ووصفوه بـ"الريادي"، وكيف أنه يُقدم حلا "إنسانيا" لمشكلة عالمية، فضلا عن إمكانية ترويج المشروع بالتعاون مع شركات عالمية لتحقيق أرباح مادية كوضعه على محرك البحث "غوغل".

سامر دار بدر المعلم المشرف لجانب المعلمة رويدة عاصي على مشروع التطبيق الذكي تحدث بثقة-الضفة الغربية- رام الله- مدرسة الطيرة بيت عو الفوقا الثانوية المختلطة-الجزيرة نت6
سامر دار بدر مدير المدرسة والداعم لمشروع التطبيق الذكي (الجزيرة)

الاستثمار الحقيقي للفلسطينيين

بدورها، شكّلت وزارة التربية والتعليم جسرا للمشاركة بهذه المسابقة عبر مدارسها المختلفة وبالتواصل مع المؤسسة الأميركية (تكنوفيشن) التي تسعى للتعريف بالذكاء الاصطناعي واستخدام أدواته لتوظيفها في حل مشكلات تواجه مجتمعات المشاركين فيها.

ويبرهن الفوز برأي مروان عورتاني وزير التربية والتعليم على أن الفلسطيني مصمم ومُصرّ دائما على التميز والتألق في عالم المعرفة رغم المعوقات والتحديات التي تواجهه خاصة الاحتلال.

ويضيف عورتاني أن تعزيز مثل هذه النجاحات يضع فلسطين دائما في المقدمة على صعيد المعرفة، باعتبار العلم هو المخزون والاستثمار الإستراتيجي للشعب الفلسطيني.

في المساحة المجانية التي أتيحت له عبر الإنترنت سعى أعضاء فريق التطبيق "تحدث بثقة" لفرض أنفسهم وبقوة، وهم الآن -ولا سيما المعلمة رويدة عاصي التي سبق لها أن شاركت بمسابقات وأبحاث عدة- يسعون لتطويره بشكل أوسع بما يخدم أكبر فئة من الناس.

مسابقة تكنوفيشن للذكاء الاصطناعي.. تحدي العائلات

مسابقة تكنوفيشن للذكاء الاصطناعي هي مسابقة عالمية تتحدى العائلات لحل مشكلة في مجتمعهم باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وتتعلم العائلات خلال المسابقة عن المفاهيم الأساسية للذكاء الاصطناعي من خلال المشاريع التفاعلية، وبعد ذلك تطبق ما تعلمته على اختراعها. وتقدم العائلات بعد ذلك مشاريعها إلى مسابقة عالمية للحصول على فرصة للفوز برحلة إلى البطولة التي تعقد في الولايات المتحدة الأميركية.

ويذكر موقع المسابقة على الويب أن مهمتها هي تمكين الأطفال وأسرهم ليصبحوا قادة ومبتكرين في المستقبل، وليحصل كل طفل على فرصة لبناء المستقبل، لذلك فإن الاشتراك في المسابقة مجاني.

ويضيف الموقع أنه سواء كنت ترغب في القيام بتحديات تعليمية عالية الجودة في المنزل أو في المناهج الدراسية لفصل دراسي من المتعلمين المتحمسين، فإن عائلة تكنوفيشن هي مصدر إلهام مثالي لإثارة الفضول والإبداع والمثابرة أثناء التعرف على العلوم والتكنولوجيا التي ستقود المستقبل.

المصدر : الجزيرة