تخرج فيها النصيري وأوناحي.. تعرف على أكاديمية محمد السادس لكرة القدم منجم المواهب الكروية بالمغرب

ملاعب أكاديمية محمد السادس لكرة القدم (الجزيرة)

الرباط ـ "يا إلهي، من أين أتى هذا الفتى؟" بهذه الكلمات وصف المدرب الإسباني لويس إنريكي اللاعب المغربي عز الدين أوناحي، مبديًا إعجابه بمهارته وأسلوب لعبه خلال المباراة التي جمعت أسود الأطلس والمنتخب الإسباني، في ثمن نهائي المونديال، وانتهت بفوز المغرب.

فمع التألق الكبير للاعبي المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022، اتّجهت الأنظار إلى أكاديمية محمد السادس لكرة القدم التي تخرج فيها ثلاثة لاعبين، ضمن التشكيلة الرئيسية لأسود الأطلس؛ وهم: وسط الميدان عز الدين أوناحي، والمهاجم يوسف النصيري، والمدافع نايف أكرد، إلى جانب الحارس الثالث للمنتخب رضا التكناوتي.

لاعب نادي أنجيه الفرنسي عز الدين أوناحي هو ثمرة تكوين مغربي، إذ انضم إلى أكاديمية محمد السادس لكرة القدم سنة 2015، وتلقّى فيها التدريب حتى عام 2018 تاريخ انتقاله للاحتراف في نادي ستراسبورغ الفرنسي، ومنه إلى نادي يو إس أفرانش سنة 2020، ليوقّع العام الجاري مع نادي أنجيه.

والتحق مهاجم أسود الأطلس يوسف النصيري بهذه الأكاديمية سنة 2011 قادمًا إليها من نادي المغرب الفاسي، واستمر فيها إلى سنة 2015 وهي السنة التي تعاقد فيها مع نادي ملقا الإسباني، ومنه انتقل إلى ليجانيس سنة 2018، ثم إشبيلية سنة 2020، وحقّق نتائج مشرّفة في مونديال قطر؛ إذ أصبح أول لاعب مغربي يسجّل في نسختين متتاليتين من المونديال، وأكبر هدّاف في تاريخ المغرب في المونديال، بثلاثة أهداف، بنسختي 2018 و2022.

ومدافع المنتخب المغربي نايف أكرد هو من خريجي الأكاديمية كذلك، إذ انضم إليها قادمًا من النادي القنيطري سنة 2011 ليغادرها سنة 2014 نحو نادي الفتح الرباطي، وبعدها انتقل إلى نادي ديجون سنة 2018 وقضى معه موسمين قبل أن يغادره نحو نادي رين في موسم 2020، ويلعب حاليًا مع نادي وست هام يونايتد في الدوري الإنجليزي الممتاز.

أما رابع خريجي الأكاديمية ضمن عناصر المنتخب الوطني، فهو الحارس الثالث للمنتخب وحارس الواد البيضاوي والمنتخب المغربي للمحليين أحمد رضا التكناوتي.

ملاعب أكاديمية محمد السادس لكرة القدم (الجزيرة)

إعادة البناء

تأسست أكاديمية محمد السادس لكرة القدم في سياق اتّسم بالركود الكروي، وكان الملك محمد السادس قد وجّه رسالة إلى المناظرة الوطنية للرياضة التي احتضنتها الصخيرات سنة 2008، انتقد فيها التراجع الذي شهدته الرياضة المغربية.

ولتجاوز الأزمة دعا إلى وضع نظام عصري وفعال لتنظيم القطاع الرياضي يقوم على "إعادة هيكلة المشهد الرياضي الوطني، وتأهيل التنظيمات الرياضية للاحترافية، ودمقرطة الهيئات المكلّفة بالتسيير"، حسب نص الرسالة.

وشكّلت هذه الرسالة نقطة تحوّل في المجال الرياضي، حيث انطلقت بعدها عدد من مشروعات الإصلاح وإعادة هيكلة القطاع، وتم على إثرها إنشاء أكاديمية محمد السادس لكرة القدم بمدينة سلا بضواحي الرباط.

جانب من تدريبات المنتسبين لأكاديمية محمد السادس لكرة القدم (الجزيرة)

تنقيب وتكوين

دشّن العاهل المغربي الأكاديمية سنة 2009 وكان هدفها اكتشاف المواهب الكروية ضمن الفئات الصغرى، وتكوين جيل جديد من لاعبي كرة القدم، وفق نظام تربوي يجمع بين الرياضة والدراسة، وفي سبتمبر/أيلول 2010 فتحت الأكاديمية أبوابها لاستقبال المرشّحين.

وأنجز هذا المشروع -الذي بُني على مساحة تقدّر بنحو 18 هكتارًا، وكلّف 140 مليون درهم مغربي (13 مليون دولار) بتمويل من فاعلين خواص (مصارف وشركات كبرى)، كما خصّص العاهل المغربي دعمًا ماليًا سنويًا من ماله الخاص لهذا المشروع، حسب ما أعلنت حينها وكالة الأنباء الرسمية.

وجرى بناء وتجهيز الأكاديمية وفق معايير تجعلها تضاهي مراكز التكوين العالمية، بهدف توفير الظروف المناسبة لتكوين المواهب الكروية تكوينًا رياضيًا وعلميًا، يتيح لها اللعب في أكبر الأندية الكروية، سواء بالمغرب أو أوروبا.

وتتكوّن الأكاديمية -التي يرأسها الكاتب الخاص للعاهل المغربي ورئيس فريق الفتح الرباطي محمد منير الماجدي- من منطقتين رئيسيتين: المساحة المفتوحة وتضم ملاعب ومساحات خضراء، والقرية الرياضية وتضم خمسة أبنية مخصّصة للسكن والتعليم والمركز الطبي والمقصف.

يستعيد المدير السابق لأكاديمية محمد السادس لكرة القدم ناصر لاركيت البدايات الأولى للتأسيس، ويقول للجزيرة نت، إنه قام برفقة بعض كشّافي المواهب والكوادر بجولة في المملكة المغربية في الفترة ما بين 2007 و2009 للتنقيب عن المواهب الكروية، مشيرًا إلى أن الأكاديمية خلال انطلاقتها بدأت بتكوين 39 طفلًا، تتراوح أعمارهم ما بين 12 و 17 سنة.

الأكاديمية تضم ملاعب ومساحات خضراء، والقرية الرياضية (الجزيرة)

نتائج مبهرة

وأوضح لاركيت أنه بعد سنوات من العمل حقّقت هذه المؤسسة نتائج مبهرة، فمن بين 57 طفلًا تلقّوا التكوين فيها، أصبح 47 منهم لاعبين محترفين يمارسون في فرق وطنية، بينما احترف 12 منهم في أوروبا.

وحول شروط اختيار المنتسبين للأكاديمية، قال لاركيت إن اللاعب يُفترض أن تتوافر لديه مهارات فنية ومؤهلات في اللياقة البدنية، مشيرًا إلى أن التكوين يتم على يد فريق طبي ومعدّين بدنيين، لتدريب المستفيدين فنيًا وتكتيكيًا وبدنيًا ونفسيًا وذهنيًا.

ولفت المتحدث -الذي يشغل حاليًا منصب المدير الفني للاتحاد السعودي- إلى أن نجاح الأكاديمية في اكتشاف المواهب وتكوينها وتغذية المنتخبات الوطنية والفرق المحلية بلاعبين ماهرين، شكّل دفعة قوية للنوادي الكروية ما جعلها تقرّر إنشاء مدارس وأكاديميات لتكوين الفئات الصغرى، بعد أن كانت تهتم بالفئات ما بين 16 و17 سنة فقط.

 الأكاديمية رصدت إمكانيات لوجيستية وتعاقدت مع كوادر ذوي كفاءة عالية (الجزيرة) 
الأكاديمية رصدت إمكانات كبيرة وتعاقدت مع كوادر ذوي كفاءة عالية (الجزيرة)

جوهرة كرة القدم

وأشاد الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في تقرير مفصّل عن الكرة الوطنية نشره على موقعه الرسمي في يوليو/تموز الماضي بهذه الأكاديمية، موضحًا أنها "تضم بين جنباتها أحدث المرافق والمعدات التي تتوافق كلها مع معايير فيفا".

ويؤكّد الخبير الرياضي بدر الدين الإدريسي أن أكاديمية محمد السادس لكرة القدم رصدت إمكانات كبيرة، وتعاقدت مع كوادر ذوي كفاءة عالية في مختلف التخصصات لتخريج عدد من المواهب الكروية، التي لفتت الانتباه خلال مونديال قطر، وأسهمت في صنع الإنجاز التاريخي للمنتخب الوطني بتأهله لمستويات متقدمة من البطولة العالمية، إلى جانب دورها في تزويد جميع الفئات العمرية للمنتخب الوطني بلاعبين من مستوى عالٍ.

وأكّد الادريسي -في حديث مع الجزيرة نت- أن النتائج المحققة -حاليًا- تؤكّد أن الأكاديمية أعطت ثمارها في زمن قياسي، ولا تزال تشتغل على تحقيق أهدافها، مشيرًا إلى أنها اليوم لم تَعُد وحدها تكوّن المواهب الكروية، بل أُضيفت لها أكاديميات أخرى؛ مثل: أكاديميات نوادي الجيش الملكي، والوداد، والرجاء، والمغرب الفاسي، ونهضة بركان، وغيرها.

التحدي يكبر

إلى جانب الأكاديميات، يشير الإعلامي الرياضي يونس الخراشي إلى أهمية برنامج "دراسة ورياضة" الذي أطلقته وزارة التربية الوطنية والتعليم في اكتشاف المواهب وتكوينها.

ويهدف هذا البرنامج الذي أطلقته وزارة التربية الوطنية سنة 2019 إلى تمكين التلاميذ في المدارس الحكومية من الجمع بين ممارسة الرياضة ومتابعة الدراسة.

وأكّد الخراشي -في تصريح للجزيرة نت- أنه بعد النتائج الكبيرة التي حقّقها المنتخب في المونديال، فإن المسؤولية ستزيد على عاتق أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، والتحدي سيصير أكبر، بعد جذب الأنظار إلى اللاعب المغربي، الذي سيصبح مطلوبًا عبر العالم.

المصدر : الجزيرة