ممارسة الديمقراطية في الوطن العربي

An Arab man walks to a bus stop near a billboard for election candidate Mohammed al Asfoor in the Bahrain town of Budaiya October 23, 2002. Bahrain holds its first parliamentary elections in nearly three decades on October 24, overshadowed by an opposition boycott and fears of sectarian discord. REUTERS/Chris Helgren


* إعداد: عبد الحكيم طه

انقضى العام 2002 ولم تشهد المسيرة الديمقراطية في الوطن العربي تقدما كبيرا رغم محاولات إصلاح سياسي في بعض البلدان، كان أبرزها في البحرين وقطر والمغرب. بينما شهدت بعض الدول انتخابات تشريعية أو استفتاءات رئاسية لم تسلم من الشوائب والانتقادات.

ورأينا البدء بمنطقة الخليج العربي خاصة البحرين وقطر، لما تتميز به تلك المنطقة من أنظمة سياسية لم تكن تقبل أي مشاركة ديمقراطية في السابق، بل كانت تتكرس السلطات كلها بيد الأسرة الحاكمة. لذا فإن تحول هذه الدول واحدة تلو الأخرى إلى إشراك شعوبها في السلطة -وإن كان محصورا حتى الآن في المجالس التشريعية وإطلاق الحريات- إلا أنه يمثل إلى حد كبير نقلة في توجهات أو رغبات حكومات دول هذه المنطقة الغنية بالنفط.

البحرين وقطر
فقد شهدت البحرين العام 2002 أول انتخابات تشريعية منذ حل المجلس الوطني عام 1975. وجاءت هذه الانتخابات التي قاطعها عدد من الجمعيات السياسية في إطار الإصلاحات السياسية التي أعلنها أمير البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، قبل أن تتحول البحرين إلى مملكة دستورية في الرابع عشر من فبراير/ شباط من نفس العام وينصب هو ملكا عليها.


undefinedوقد أدت مقاطعة قوى المعارضة الإسلامية الشيعية للانتخابات التشريعية إلى إفساح المجال أمام الإسلاميين السنة للدخول بقوة إلى البرلمان. وكان أبرز الرافضين للمشاركة في هذه الانتخابات رئيس جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان الزعيم الشيعي البارز الذي انتقد أيضا نتائج هذه الانتخابات، واتهم الحكومة بإجبار الشعب على المشاركة فيها. إلا أنه تعهد بألا تؤدي خلافات الجمعيات السياسية الأربع -التي قاطعت الانتخابات- مع الحكومة إلى حدوث عنف مماثل لاضطرابات عامي 1995 و1998.

وقد كان للتعديلات الدستورية التي جاءت بمرسوم أميري وتغير بمقتضاها شكل الدولة من إمارة إلى مملكة، أكبر الأثر في رفض هذه القوى المعارضة المضي قدما مع مشروع الإصلاحات السياسية الذي باركوه بداية، خصوصا أن التعديلات دعت إلى تشكيل سلطة تشريعية من مجلسين بدلا عن مجلس واحد.

ورأت المعارضة أن وجود مجلس معين يملك سلطة الرقابة ويتساوى في عدد أعضائه مع المجلس المنتخب يحدث انكماشا كبيرا في صلاحيات الأخير، وبالتالي لن يكون له أي دور تشريعي حقيقي. كما اعتبرت أن الإصلاحات الديمقراطية اقتصرت على بعض الإصلاحات الأمنية ولم تنتقل إلى الممارسة السياسية.

أما قطر فقد أعلن أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أكثر من مرة أن بلاده تتجه لمزيد من الديمقراطية، خصوصا بعد تسلمه مسودة الدستور الجديد في يوليو/ تموز 2002. وقد أشاد الشيخ حمد بالدستور باعتباره "يرسي الدعائم الأساسية للمجتمع القطري وينظم سلطات الدولة ويجسد المشاركة الشعبية ويضمن الحقوق والحريات لأبناء الوطن".

ويرى مراقبون أن إعلان الدستور القطري الجديد سيكون بمثابة تتويج للمسيرة الديمقراطية، في دولة قطر التي بدأت قبل بضع سنوات بإلغاء الرقابة على الصحافة وانطلاقة عمل المجلس البلدي المركزي المنتخب.

استفتاء رئاسي في العراق
وفي وقت أكدت فيه الولايات المتحدة عزمها على الإطاحة بنظام حكمه على خلفية الأسلحة غير التقليدية المزعومة، حصل الرئيس العراقي صدام حسين على نسبة 100% من الأصوات في الاستفتاء الرئاسي الذي جرى في أكتوبر/ تشرين الأول 2002.

وأعلنت بغداد أن نسبة المشاركة في هذا الاستفتاء بلغت أيضا 100% من مجموع الناخبين البالغ عددهم نحو 11 مليون ناخب، كلهم صوتوا من أجل ولاية رئاسية جديدة للرئيس صدام حسين.

وبينما أرجع محللون هذه النتيجة إلى رغبة العراقيين في إثبات ولائهم لوطنهم ضد التهديدات الأميركية، وردا على ما تردد من أنباء تفيد بأن واشنطن ترغب بتعيين حاكم عسكري أميركي للعراق، فقد اعتبر المؤتمر الوطني العراقي –أبرز حركات المعارضة العراقية ومقره لندن- أن نتائج الاستفتاء "غير شرعية" لأن العراقيين صوتوا خشية تعرضهم لأعمال انتقامية.

ومن جانبها اعتبرت الولايات المتحدة أن الاستفتاء الذي نظم في العراق لمنح صدام حسين سبع سنوات رئاسية جديدة "غير جدي". وقالت الإدارة الأميركية على لسان المتحدث باسم خارجيتها آري فلايشر "لا يمكن حصول انتخابات حرة عندما يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع مع علمهم أن ثمة مرشحا واحدا لمنصب الرئيس، وعندما يكون هذا المرشح قد استخدم أسلحة دمار شامل ضد شعبه، وأنه اعتاد على اغتيال معارضي نظامه وتعذيبهم، وأن العقوبة التي يواجهونها في حال انتقاد هذا المرشح هي قطع اللسان".

الجزائر
وننتقل إلى الجزائر حيث حققت جبهة التحرير الوطني انتصارا كبيرا، بإحرازها الأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية التي قاطعتها أحزاب المعارضة الرئيسية وخيمت عليها الاضطرابات. وحصلت الجبهة على 199 من أصل 389 مقعدا يتألف منها البرلمان الجزائري.


قال محللون سياسيون إن إحجام أكثر من نصف الناخبين الجزائريين عن المشاركة في عملية الاقتراع يؤكد أن ديمقراطية التعددية السياسية في الجزائر مازالت مقيدة

وقد تمكنت جبهة التحرير الوطني التي حكمت البلاد لنحو ثلاثين عاما من التقدم على التجمع الوطني الديمقراطي الذي حصل على 48 مقعدا، في حين حصلت حركة الإصلاح (إسلامية) التي يتزعمها عبد الله جاب الله على 43 مقعدا، وشغلت حركة مجتمع السلم بزعامة محفوظ نحناح 38 مقعدا، ثم بعد ذلك جاء المستقلون ليكسبوا 29 مقعدا ثم حزب العمال التروتسكي (الشيوعي) الذي حصل على 21 مقعدا.

وقد بلغت نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع 46.09% بما في ذلك الناخبون الجزائريون في الخارج، وهي أدنى نسبة تسجل في اقتراع بالجزائر منذ استقلالها عام 1962. وقال دبلوماسيون ومحللون سياسيون إن إحجام أكثر من نصف الناخبين المسجلين البالغ عددهم 18 مليون ناخب عن المشاركة في هذه الانتخابات، يؤكد أن ديمقراطية التعددية الحزبية في الجزائر مقيدة.

وقاطعت الانتخابات أربعة أحزاب معارضة، بينها حزب جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية. وقد استجابت هذه الأحزاب لتنسيقية العروش التي دعت إلى المقاطعة. وهو ما شهدته فعليا وبالخصوص منطقة القبائل، إذ لم تتجاوز نسبة الإقبال على التصويت 2.6%.

ورأى محللون سياسيون أن إحجام الناخبين الجزائريين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع عكس استسلاما للوضع العام في البلاد، مع استمرار أعمال العنف التي تمارسها جماعات مسلحة، والاحتجاجات المناهضة للحكومة، والهوة المتسعة بين أغلبية الشعب والصفوة الحاكمة. وأشار المحللون إلى أن سجل الانتخابات السيئ والتزوير في انتخابات عام 1997 عمقا من تشكيك الرأي العام في المؤسسة السياسية.

المغرب
undefined
وفي المملكة المغربية، وقف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية بقيادة رئيس الوزراء عبد الرحمن اليوسفي على رأس القوى السياسية في البلاد، بعد حصوله على 49 مقعدا من أصل 325 في الانتخابات البرلمانية التي جرت في سبتمبر/ أيلول. بينما حصل حزب الاستقلال على 47 مقعدا، يليه حزبا العدالة والتنمية الإسلامي والتجمع الوطني للأحرار بواقع 41 مقعدا لكل منهما. وقد انتقد حزب العدالة والتنمية عملية الاقتراع، وقال إن مخالفات عديدة تخللتها. غير أنه أكد أن هذه المخالفات لم تؤثر كثيرا على نتائج الانتخابات.

ولا يخفى على المتتبع للانتخابات المغربية التقدم الذي حققه الإسلاميون هذه المرة، بعد أن كانوا يشغلون في المجلس المنتهية ولايته 14 مقعدا فقط. وهذا ما دفع وزير الداخلية المغربي إدريس جطو لأن يعترف بأن حزب العدالة والتنمية الإسلامي بزعامة عبد الكريم الخطيب قد سجل "تقدما مهما" في هذه الانتخابات.

ورأى البعض أن الانتخابات البرلمانية مثلت اختبارا لمساعي العاهل المغربي محمد السادس الحذرة باتجاه المزيد من الديمقراطية. وقد حث الملك على إجراء انتخابات نزيهة، وهو الأمر نفسه الذي كان يفعله والده. غير أن دبلوماسيين يقولون إن الأمر بين ما قاله العاهل الراحل الحسن الثاني وابنه مختلف، حيث يعني الأخير ما يقول.

وكانت أحزاب المعارضة وجماعات حقوق الإنسان قد أدانت في الماضي الانتخابات البرلمانية السابقة، متهمة وزير الداخلية بالتلاعب في النتائج لصالح الأحزاب الموالية للحكومة.

جزر القمر
undefined
وفي جزر القمر، تمكن الرئيس غزالي عثمان من الحصول على 100% من الأصوات في انتخابات جرت في أبريل/ نيسان، ليصبح أول رئيس للاتحاد الجديد الذي يضم جزر الأرخبيل.

وقد شهدت هذه الانتخابات إقبالا ضعيفا، رغم أن الفائز فيها سيكون أول رئيس لاتحاد جزر القمر الذي يهدف لإعادة توحيد جزر القمر الكبرى وموهيلي وأنجوان. وجاءت هذه الانتخابات كإحدى ثمار الاتفاقية الموقعة في فبراير/ شباط 2001، الهادفة إلى إنهاء سنوات من الاضطرابات السياسية في الجزر الثلاث التي أدت لإعلان جزيرة أنجوان انفصالها من جانب واحد عام 1997، ووقوع انقلاب عسكري أوصل غزالي إلى السلطة عام 1999.
_______________
* الجزيرة نت

المصدر : غير معروف