الكنائس المعارضة للصهيونية المسيحية

undefined

محمد عبد العاطي

رغم قوة وفعالية الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة فإن هذا لا يعني أن الساحة خالية لها تعمل دون معارضة، فهناك كنائس مسيحية كثيرة تتخذ مواقف رافضة لهذا التيار ومحذرة من خطورته، داخل الولايات المتحدة وخارجها.

موقف الكنيسة الإنجيلية

"
رفضت الكنيسة الإنجيلية الصهيونية المسيحية واستقوى المجلس الوطني لكنائس المسيح بالإنجيليين الليبراليين الرافضين لهذا التيار
"

رفضت الكنيسة الإنجيلية في الولايات المتحدة الصهيونية المسيحية، وأوكلت تحويل الرفض لأساليب عملية إلى المجلس الوطني لكنائس المسيح الذي يضم 34 طائفة يمثلون حوالي 40 مليون عضو.

بنى هذا المجلس إستراتيجته للتعامل مع الصهيونية المسيحية على استقطاب الإنجيليين الليبراليين الذين يرفضون التفسير الحرفي للكتاب المقدس ويرفضون الصهيونية اللاهوتية في الكنيسة.

واستطاع المجلس التواصل مع عدد كبير منهم عبر مجلاته "القرن المسيحي" و"المسيحية والأزمات" و"القيمون" و"المصلح". ولم يغفل هذا المجلس أهمية تنسيق مواقفه الرافضه للصهيونية المسيحية مع كنائس أخرى تتشابه معه في هذا الأمر ولو بنسب ودرجات مختلفة مثل الكنيسة المشيخية والكنيسة المنهجية والمعمدانية والأسقفية.

موقف الكنيسة الكاثوليكية
لم تكن الكنيسة الكاثوليكية في الولايات المتحدة بعيدة عن جبهات الرفض المتنامية ضد الصهيونية المسيحية، بل إنها سارعت وأعلنت موقفها الرافض منذ أكثر من 100 عام، ففي مايو/ أيار 1897 لاحظت هذه الكنيسة أن التيار المقصود يهدف في النهاية إلى السيطرة على فلسطين بمسوغات دينية مسيحية، فأصدرت بيانا قالت فيه "إن إعادة بناء القدس لتصبح مركزا لدولة إسرائيلية يعاد تكوينها يتناقض مع نبوءات المسيح نفسه الذي أخبرنا أن القدس سوف تدوسها العامة حتى نهاية زمن العامة أي حتى نهاية الزمن".

ولم يختلف موقف الفاتيكان في روما عن موقف الكنيسة الكاثوليكية داخل الولايات المتحدة، فكما رفض أفكار الصهيونية المسيحية رفض كذلك مساعيهم السياسية وتحالفاتهم مع الصهيونية اليهودية لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبرر رفضه بأسباب عدة، منها أن دعاوى الصهيونية المسيحية مخالفة للكتاب المقدس ولروح المسيحية وأنها ستلحق ضررا بالمسيحيين الشرقيين خاصة إذا نجحوا في إقامة دولة في فلسطين.

وفي العام 1917 قال البابا بنديكت الـ15 معلقا على وعد بلفور "لا لسيادة اليهود على الأرض المقدسة".

وفي 15 مايو/ أيار 1922 وجه الفاتيكان مذكرة رسمية لعصبة الأمم تنتقد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وقال "إن الحبر الأعظم لا يمكن أن يوافق على منح اليهود امتيازات على غيرهم من السكان". ولم يختلف الموقف كثيرا بالنسبة للبابا بيوس الـ12 الذي خلف بنديكت الـ15.

واستمر هذا الرفض حتى قيام دولة إسرائيل عام 1948، بعدها حدث تغير لاهوتي في موقف الكنيسة الكاثوليكية بعد أن استطاع الإسرائيليون/اليهود أن يقنعوا كبار رجال الدين في الكنيسة الكاثولكية أن وجودهم في الشرق الأوسط مهم لمحاربة الشيوعية "الإلحادية" ووقف امتدادها.

وازداد هذا الموقف تماسكا في ولاية جون كيندي أول رئيس أميركي كاثوليكي يدخل البيت الأبيض، وكان بصحبته الأسقف كاشنغ الذي كان مشبعا بالعداء للشيوعية ووجد أن إسرائيل/اليهود وليس الإسلام هو الحليف الطبيعي للولايات المتحدة ضد الشيوعية.

بعد هذا الاختراق الكنسي كثرت المنظمات الكاثولكية المطالبة بتغيير مواقف الفاتيكان اللاهوتية من مبدأ قيام دولة يهودية ومبدأ عودة اليهود إلى فلسطين.

وقامت كذلك جنبا إلى جنب منظمات كاثوليكية أخرى لا ترفض قيام دولة يهودية ولكنها تدعو أن يكون ذلك مصاحبا لمنح الفسطينيين حقوقهم.

موقف الكنيسة الأرثوذكسية
بنت الكنيسة الأرثوذكسية في الولايات المتحدة معارضتها للصهيونية المسيحية على منطلقات عقائدية، حيث اعتبرت أن هذا التيار يصر على زرع رؤية لاهوتية غريبة عن المسيحية وأن أهدافها سياسية وليست دينية وهي في محصلتها الختامية تخدم مصالح دولة بعينها.

مجلس كنائس الشرق الأوسط:

"
اعتبر مجلس كنائس الشرق الأوسط الصهيونية المسيحية تحريفا للكتاب المقدس وتلاعبا بمشاعر المسيحيين وأن هدفها إنشاء دولة إسرائيل وتأجيج صراع الحضارات
"

أما بالنسبة لموقف كنائس الشرق الأوسط من هذا التيار فقد تمثل في الرفض المؤسس كذلك على أسباب دينية وسياسية وإنسانية.

واعتبر مجلس كنائس الشرق الأوسط الصهيونية المسيحية، كما جاء في بيانه الصادر في أبريل/ نيسان 1986، "سوء استعمال للكتاب المقدس وتلاعبا بمشاعر المسيحيين فى محاولة لتقديس إنشاء دولة من الدول وتسويغ سياسات حكوماتها".

وأجمل الأمين العام للمجلس القس رياض غريغور مبررات الرفض في الأسباب التالية:

  • إن الصهيونية المسيحية لا تمت بصلة للمسيحية لأنها تشويه مشبوه الغايات لبعض ما جاء فى أسفار الكتب المقدسة.
  • إنها مؤامرة حيكت ضد المسيحيين عامة والمسيحيين العرب خاصة، لضرب المشروع الحوارى بين المسيحية والإسلام، ولتبرير أطروحات صراع الحضارات والأديان، لا سيما بين المسيحية والإسلام، وهى تستهدف ضرب العيش المشترك الإسلامى المسيحى فى العالم العربي.

الروم الأرثوذكس
ولم تشذ كنيسة الروم الأرثوذكس عن هذا الاتجاه، فقد رفضت الصهيونية المسيحية واعترضت على المسمى نفسه، وأصر بطريرك الروم الأرثوذكس في القدس الأب عطا الله حنا على تسميتها "المجموعات المتصهينة التي تدعي المسيحية".

وبنى هذا الرفض على اعتقاده بأن هناك تناقضا كبيرا بين ما تعلمه وتنادي به المسيحية من سلام ووئام ومحبة وبين ما تدعو إليه الصهيونية من تكريس للفكر العنصري والتمييز العرقي وممارسة أساليب خبيثة شيطانية لتمرير مشاريع مشبوهة، فهي أقرب إلى اليهودية الصهيونية منها إلى أي شيء آخر.

وما زاد من مخاوف الروم الأرثوذكس من الصهيونية المسيحية ما يشيرون إليه من أن أهداف هذه الحركة هو استقطاب المسيحيين الشرقيين والعمل على سلخهم من هويتهم وجذورهم الشرقية وقضاياهم القومية تحت لافتة التبشير بالمسيحية.  

ويؤكد الروم الأرثوذكس كذلك أن ما يجعلهم يتشددون في الرفض اعتقادهم بأن التفسيرات والتحليلات الصهيونية للكتاب المقدس هي تفسيرات وتحليلات سياسية وغير روحانية هدفها تبرير الاحتلال والعدوان والترويج لأن الأرض الفلسطينية لهم وليست لسواهم.

_______________
الجزيرة نت
المصادر:
1- المسيحية الصهيونية صهيومسيحية أم صهيوأميركية؟" مأساة في استعمال الكتاب المقدس، استغلال المشاعر الدينية في إنشاء دولة صهيونية الدكتور القس رياض جرجور.
http://www.asharqalarabi.org.uk/m-w/b-waha-44.htm
2- موقف الروم الأرثوذكس من المسيحية الصهيونية، بقلم الأب حنا عطا الله.
http://alarabnews.com/alshaab/GIF/06-06-2003/a23.htm
3- في مواجهة الصهيونية المسيحية، الصهيونية المسيحية، محمد السماك، ص 149-166، دار النفائس، ط 4، عام 2004.

المصدر : الجزيرة