العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية

*أحمد عبد الرحمن شرف الدين

يعتنق دستور الجمهورية اليمنية الديمقراطية شبه المباشرة، وذلك لأن الشعب باعتباره مالك السلطة ومصدرها يضطلع بسلطاته وفقا للمادة (4) بطريقتين، فهو يمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة، كما يزاولها بشكل غير مباشر عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية والمجالس المحلية المنتخبة.

ولما كان الشعب يمارس بعض سلطاته بشكل غير مباشر، فقد أقام الدستور النظام السياسي للجمهورية على أساس التعددية السياسية والحزبية وذلك بهدف تداول السلطة سلميا. كما أن تعدد الهيئات التي تمارس السلطة نيابة عن الشعب اقتضى أن يعتنق الدستور مبدأ الفصل بين السلطات، وأن ينظم العلاقة في ما بينها وخصوصا في ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ويلاحظ أن كلا من السلطتين التشريعية والتنفيذية في دستور الجمهورية اليمنية تقومان على مبدأ الثنائية، فالسلطة التشريعية تتكون من مجلس النواب ومجلس الشورى، والسلطة التنفيذية تتكون من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. فما الحقوق الرقابية التي قررها الدستور لكل من السلطتين على الأخرى في إطار تنظيمه لأحكام العلاقة في ما بينهما؟ هذا ما سنعرضه تباعا ثم نعقب بتقييمنا لهذه العلاقة وفقا لما يلي:

أولا – الحقوق الدستورية للسلطة التشريعية المتعلقة بالسلطة التنفيذية.

1- الحقوق الدستورية للسلطة التشريعية المتعلقة برئيس الجمهورية:

في ما يتعلق برئيس الجمهورية هناك حقوق دستورية مقررة للسلطة التشريعية بمجلسيها، وهناك حقوق دستورية مقررة لمجلس النواب منفردا.

1-1- الحقوق الدستورية لمجلسي السلطة التشريعية المتعلقة برئيس الجمهورية.
لا تمتلك السلطة التشريعية بمجلسيها من حقوق تتعلق برئيس الجمهورية إلا حقا واحدا يتصل بالترشح لانتخابات الرئاسة ويتمثل هذا الحق في ما يلي:

أ- فحص الترشيحات للتأكد من انطباق الشروط الدستورية على المرشحين في اجتماع مشترك لهيئتي رئاسة مجلس النواب ومجلس الشورى.

ب- فحص المرشحين الذين تتوفر فيهم الشروط في اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشورى للتزكية. ويعتبر مرشحا لمنصب رئيس الجمهورية من يحصل على تزكية ما نسبته (5%) من مجموع عدد الأعضاء الحاضرين للمجلسين.

2-1- الحقوق الدستورية لمجلس النواب منفردا المتعلقة برئيس الجمهورية.
تتمثل هذه الحقوق في ما يلي:

1-2-1- يؤدي رئيس الجمهورية أمام مجلس النواب قبل أن يباشر مهام منصبه اليمين الدستورية.

2-2-1- إذا انتهت مدة رئيس الجمهورية دون أن ينتخب الرئيس الجديد لأي سبب كان استمر الرئيس السابق في مباشرة مهام منصبه بتكليف من مجلس النواب لمدة لا تتجاوز تسعين يوما.

3-2-1- إذا أراد رئيس الجمهورية الاستقالة فعليه أن يقدمها مسببة إلى مجلس النواب، فإذا لم تقبل الاستقالة فمن حقه خلال ثلاثة أشهر أن يقدم الاستقالة وعلى مجلس النواب أن يقبلها.

4-2-1- في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معا يتولى مهام الرئاسة مؤقتا هيئة رئاسة مجلس النواب.

5-2-1- إذا طلب رئيس الجمهورية من مجلس النواب إعادة النظر في أي مشروع قانون أقره المجلس وجب عليه حينئذ أن يعيده إلى المجلس خلال ثلاثين يوما من تاريخ رفعه إليه بقرار مسبب، فإذا أقره المجلس ثانية بأغلبية مجموع أعضائه اعتبر قانونا وعلى رئيس الجمهورية إصداره خلال أسبوعين، فإذا لم يصدره اعتبر صادرا بقوة الدستور دون حاجة إلى إصدار.

6-2-1- إذا أعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ وجب عليه دعوة مجلس النواب لعرض هذا الإعلان عليه خلال الأيام السبعة التالية للإعلان، فإذا كان مجلس النواب منحلا ينعقد المجلس القديم بحكم الدستور، فإذا لم يدع المجلس للانعقاد أو لم تعرض عليه في حالة انعقاده على النحو السابق زالت حالة الطوارئ بحكم الدستور، ولا يجوز مد مدة حالة الطوارئ إلا بموافقة مجلس النواب.

7-2-1- لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب إلا عند الضرورة وبعد استفتاء الشعب. وإذا لم يتضمن قرار الحل أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة دعوة الناخبين خلال الستين يوما التالية لصدور قرار الحل أو الدعوة لانتخابات مبكرة أو لم تجر الانتخابات في الموعد المحدد اعتبر القرار باطلا ويجتمع المجلس بقوة الدستور. فإذا أجريت الانتخابات يجتمع المجلس الجديد خلال الأيام العشرة التالية لإتمام الانتخابات، فإذا لم يدع للانعقاد اجتمع بحكم الدستور في نهاية الأيام العشرة المشار إليها، وإذا حل المجلس فلا يجوز حله مرة أخرى للسبب نفسه كما لا يجوز حل المجلس في دورة انعقاده الأولى.

8-2-1- يملك مجلس النواب اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بخرق الدستور أو بأي عمل يمس استقلال وسيادة البلاد، وذلك بناء على طلب من نصف أعضاء المجلس ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضائه، فإذا كان الاتهام موجها إلى رئيس الجمهورية ونائبه تباشر هيئة رئاسة مجلس النواب مهام رئيس الجمهورية مؤقتا حتى صدور حكم المحكمة.

2- الحقوق الدستورية للسلطة التشريعية المتعلقة بالحكومة (مجلس الوزراء):

في ما يتعلق بمجلس الوزراء هناك حقوق دستورية مقررة للسلطة التشريعية بمجلسيها، وهناك حقوق دستورية مقررة لمجلس النواب منفردا.

1-2- الحقوق الدستورية لمجلسي السلطة التشريعية المتعلقة بالحكومة.
لا تمتلك السلطة التشريعية بمجلسيها من حقوق تتعلق بالحكومة إلا حقا واحدا هو المصادقة على خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بالدفاع والتحالف والصلح والسلم والحدود التي توافق عليها الحكومة، ويتم ذلك في اجتماع مشترك يرأسه رئيس مجلس النواب.

2-2- الحقوق الدستورية لمجلس النواب منفردا المتعلقة بالحكومة.

تتمثل هذه الحقوق في ما يلي:

1-2-2- يوجب الدستور على رئيس مجلس الوزراء أن يقدم خلال 15 يوما على الأكثر من تاريخ تشكيل الحكومة برنامجها العام إلى مجلس النواب للحصول على الثقة، وإذا كان المجلس في غير انعقاده العادي دعي إلى دورة انعقاد غير عادية، ولأعضاء المجلس وللمجلس ككل التعقيب على برنامج الحكومة، ويعتبر عدم حصول الحكومة على الأغلبية بمثابة حجب للثقة.

2-2-2- يجب على الحكومة عرض مشروع الموازنة العامة على مجلس النواب قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية.

3-2-2- يجب موافقة مجلس النواب على نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة وكل مصروف غير وارد بها أو زائد في إيراداتها.

4-2-2- يجب عرض الحساب الختامي لموازنة الدولة على مجلس النواب في مدة لا تزيد على تسعة أشهر من تاريخ انتهاء السنة المالية، كما يجب عرض التقرير السنوي للجهاز المختص بالرقابة المحاسبية وملاحظاته على مجلس النواب، وللمجلس أن يطلب من هذا الجهاز أي بيانات أو تقارير أخرى.

5-2-2- يصادق مجلس النواب على المعاهدات والاتفاقيات السياسية والاقتصادية الدولية ذات الطابع العام التي تبرمها الحكومة أيا كان شكلها أو مستواها.

6-2-2- لمجلس النواب حق توجيه التوصيات للحكومة في المسائل العامة أو في أي شأن يتعلق بأدائها لمهامها أو بأداء أي من أعضائها، وعلى الحكومة تنفيذها، فإذا استحال عليها التنفيذ بينت ذلك للمجلس.

7-2-2- يجوز لـ20% على الأقل من أعضاء مجلس النواب طرح موضوع عام لمناقشته واستيضاح سياسة الحكومة فيه.

8-2-2- لمجلس النواب بناء على طلب موقع من عشرة أعضاء على الأقل من أعضائه أن يكون لجنة خاصة أو يكلف لجنة من لجانه لتقصي الحقائق في موضوع يتعارض مع المصلحة العامة، أو فحص نشاط إحدى الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة أو وحدات القطاع العام أو المختلط أو المجالس المحلية، وللجنة في سبيل القيام بمهامها أن تجمع ما تراه من أدلة وأن تطلب سماع من ترى ضرورة سماع أقواله وعلى جميع الجهات التنفيذية والخاصة أن تستجيب لطلبها وأن تضع تحت تصرفها لهذا الغرض ما تملكه من مستندات أو بيانات.

9-2-2- مجلس الوزراء مسؤول مسؤولية جماعية وفردية، ولكل عضو من أعضاء مجلس النواب أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء أو نوابهم أسئلة في أي موضوع يدخل في اختصاصهم، وعلى من يوجه إليه السؤال أن يجيب عليه.

10-2-2- لكل عضو من أعضاء مجلس النواب حق توجيه استجواب إلى رئيس مجلس الوزراء أو نوابه أو الوزراء لمحاسبتهم عن الشؤون التي تدخل في اختصاصهم.

11-2-2- لمجلس النواب حق سحب الثقة من الحكومة بأغلبية أعضاء المجلس.

12-2-2- لمجلس النواب حق إحالة رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء أو نوابهم إلى التحقيق والمحاكمة عما يقع منهم من جرائم أثناء تأدية مهام وظائفهم أو بسببها. ويصدر قرار الاتهام بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.

ثانيا- الحقوق الدستورية للسلطة التنفيذية المتعلقة بالسلطة التشريعية.

1- الحقوق الدستورية لرئيس الجمهورية المتعلقة بالسلطة التشريعية.
قرر الدستور لرئيس الجمهورية جملة من الحقوق التي تتعلق بالسلطة التشريعية بعضها يتعلق بمجلسي السلطة التشريعية، وبعضها يتعلق بمجلس الشورى وبعضها يتعلق بمجلس النواب وذلك على التفصيل التالي:

1-1- الحقوق الدستورية لرئيس الجمهورية المتعلقة بمجلسي السلطة التشريعية.
نظرا لمحدودية المهام المقررة دستوريا لمجلسي السلطة التشريعية اقتصر الحق الدستوري لرئيس الجمهورية المتعلق بالسلطة التشريعية بمجلسيها على حق دعوة المجلسين إلى الاجتماع المشترك للبت في مسائل الاختصاص المشتركة كلما استدعى الأمر ذلك.

2-1- الحقوق الدستورية لرئيس الجمهورية المتعلقة بمجلس الشورى.

تتمثل هذه الحقوق في ما يلي:

1-2-1- يملك رئيس الجمهورية حق تعيين أعضاء مجلس الشورى، وعددهم 111 عضوا.

2-2-1- أعضاء مجلس الشورى ملزمون بأداء اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية.

3-2-1- على مجلس الشورى تقديم الرأي والمشورة لرئيس الجمهورية في ما يرى عرضه على المجلس من الموضوعات الأساسية.

3-1- الحقوق الدستورية لرئيس الجمهورية المتعلقة بمجلس النواب.

تتمثل هذه الحقوق في ما يلي:

1-3-1- دعوة الناخبين في الموعد المحدد إلى انتخاب مجلس النواب.

2-3-1- دعوة مجلس النواب لعقد أول اجتماع له خلال أسبوعين على الأكثر من إعلان نتائج الانتخابات، فإذا لم يدع اجتمع المجلس من تلقاء نفسه صباح اليوم التالي للأسبوعين المذكورين.

3-3-1- حق طلب إعادة النظر في أي مشروع قانون أقره مجلس النواب. مع الأخذ في الاعتبار القيود التي قررها الدستور لمجلس النواب على هذا الحق وأشرنا إليها في ما سلف.

4-3-1- حق حل مجلس النواب. مع الأخذ في الاعتبار القيود التي قررها الدستور على هذا الحق.

5-3-1- لرئيس الجمهورية حق الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة دون حاجة إلى استفتاء في الأحوال الآتية:

أ- إذا لم تفض الانتخابات إلى أغلبية تمكن رئيس الجمهورية من تكليف من يشكل الحكومة وتعذر تشكيل حكومة ائتلاف.

ب- إذا حجب مجلس النواب الثقة عن الحكومة أكثر من مرتين متتاليتين، ما لم يكن الحجب بسبب التعارض مع أحكام الفقرة (أ) السابقة.

ج- إذا سحب المجلس الثقة من الحكومة أكثر من مرتين خلال سنتين متتاليتين.

2- الحقوق الدستورية للحكومة المتعلقة بالسلطة التشريعية.
تتمثل هذه الحقوق في ما يلي:

1-2- حق اقتراح القوانين واقتراح تعديلها.

2-2- لا يجوز لعضو مجلس النواب أن يتدخل في الأعمال التي تكون من اختصاص الحكومة.

3-2- يسمع رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم في مجلس النواب ولجانه كلما طلبوا الكلام ولهم أن يستعينوا بمن يرون من كبار الموظفين.

ثالثا- تقييم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في دستور الجمهورية اليمنية.

لعل أول ما يمكن ملاحظته من أحكام العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في دستور الجمهورية اليمنية السالف الإشارة إليه أن نظام الحكم في اليمن ليس برلمانيا صرفا، إذ لو كان الأمر كذلك لاقتصرت الأحكام الدستورية على تنظيم العلاقة بين البرلمان والحكومة، وذلك لأن الحكومة هي السلطة التنفيذية، أما رئيس الدولة في هذا النظام فلا يملك اختصاصات عملية ويقتصر ما يمتلكه على بعض الاختصاصات ذات الطابع الشرفي، ومن ثم فإنه غير مسؤول أمام السلطة التشريعية، وذلك مثل رئيس الهند ورئيس إسرائيل وملكة بريطانيا. كما أنه ليس نظاما رئاسيا صرفا إذ لو كان الأمر كذلك لاقتصرت الأحكام الدستورية على تنظيم العلاقة بين البرلمان والرئيس، وذلك لأنه لا توجد حكومة في هذا النظام، إذ إن الرئيس وحده هو السلطة التنفيذية، مثل رئيس الولايات المتحدة الأميركية.

ومع أن الحقوق الدستورية للسلطة التشريعية المتعلقة بالسلطة التنفيذية قد توزعت على رئيس الجمهورية والحكومة، إلا أنه يلاحظ كما هو واضح مما سلف أن معظم تلك الحقوق قد وقع على عاتق الحكومة، وأن القليل منها فقط توجه إلى رئيس الجمهورية، ومن ثم فإنه يمكن القول إن نظام الحكم في اليمن هو نظام برلماني مطعم ببعض مظاهر النظام الرئاسي، وهو النظام الذي يعزى في أصوله إلى النظام الفرنسي والذي يجد له تطبيقا واسعا في الدول النامية ومنها الدول العربية مثل مصر ولبنان.

ولتقييم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في دستور الجمهورية اليمنية يمكننا القول إنه لا إشكال في علاقة السلطة التشريعية بالحكومة، وذلك بالرغم من السلطات الواسعة التي يملكها البرلمان على الحكومة، ويعزى السبب في ذلك إلى أن الحكومة هي دائما وليدة البرلمان وترتبط به وجودا وعدما، ووضعها لا يخرج عن فرضين:

الأول: أن تكون حكومة حزب الأغلبية في البرلمان وفي هذه الحالة فإن البرلمان لن يستخدم سلطاته ضد حكومة حزبه لأن ضرر ذلك لا يقتصر على الحكومة بل يمتد إلى البرلمان نفسه، ثم إن الحكومة وأغلبيتها البرلمانية يتصرفان دائما وفق السياسة التي يرسمها حزبهما غالبا.

الثاني: أن تكون حكومة ائتلاف أكثر من حزب في البرلمان، وفي هذه الحالة فإن الحكومة وأغلبيتها الائتلافية في البرلمان ينفذان ما اتفقت عليه أحزابهما قبل الائتلاف، وبالتالي فإن الحكومة ستحظى غالبا بدعم البرلمان ولن تفقد الحكومة ثقة البرلمان إلا إذا وقع خلاف بين الأحزاب المؤتلفة.

ولما كان من شأن اختلاف أحزاب الائتلاف أن تفقد الحكومة ثقة البرلمان، ولما كان من شأن فقد ثقة البرلمان، في هذه الحالة، تعذر تشكيل حكومة، وهو ما يؤدي بالتالي إلى وجوب الدعوة إلى انتخابات جديدة فإنه من النادر حدوث ذلك لأن سقوط الحكومة يؤدي حتما في هذه الحالة إلى سقوط البرلمان.

ولا إشكال أيضا في علاقة البرلمان برئيس الجمهورية إذا كان الرئيس والأغلبية البرلمانية ينتمون إلى حزب واحد، أو إذا كان الرئيس ينتمي إلى أحد أحزاب الائتلاف البرلماني إذ سيكون الرئيس والبرلمان والحكومة في هذه الحالة على توافق سياسي ومن ثم فلن يستخدم أي منهم سلطاته تجاه الآخر.

ولكن الإشكال في علاقة البرلمان ومعه الحكومة برئيس الجمهورية يمكن أن يحدث إذا كان الرئيس ينتمي إلى حزب معين والأغلبية البرلمانية تنتمي إلى غير حزب الرئيس.

ويتمثل هذا الإشكال في أن كلا من الرئيس والحكومة شريكان وفقا للدستور اليمني في حق وضع السياسة العامة للدولة، كما أن الحكومة وإن كانت هي المختصة دستوريا بتنفيذ هذه السياسة فإن الرئيس مختص دستوريا أيضا بالإشراف على التنفيذ، ومن ثم فإنه إذا اختلف الرئيس مع الحكومة عند وضع السياسة العامة للدولة أو بشأن تنفيذها، فإن الحكومة عند تمسكها بموقفها تستطيع أن تنفذ توجهها استنادا إلى ما تحظى به من دعم البرلمان، ولا يستطيع رئيس الجمهورية في هذه الحالة أن يشكل حكومة أخرى ما دامت ثقة البرلمان لهذه الحكومة قائمة، وليس أمام رئيس الجمهورية في هذه الحالة إلا واحد من خيارين كلاهما مر:

الأول: أن يساير الحكومة في ما تفرضه من توجهات، وهو بذلك يكون قد فقد أهم سلطاته الدستورية عملا.

الثاني: أن يحول خلافه مع الحكومة إلى خلاف مع البرلمان مستندا إلى حقه في الدعوة إلى استفتاء عام على حل البرلمان.

وهذا الحق الأخير غير مضمون النتائج لصالح الرئيس لأن هذه النتيجة إذا أسفرت عن عدم موافقة الشعب في الاستفتاء العام على حل البرلمان، فإن البرلمان سيبقى وتبقى بالتالي الحكومة التي تحظى بثقته. وفي هذه الحالة سيكون كل من البرلمان والحكومة أكثر تشددا في مواجهة الرئيس لتعطيل سلطاته، بل إن البرلمان قد يعمد إلى اتخاذ إجراء انتقامي ضد الرئيس باتهامه بالخيانة العظمى أو خرق الدستور.

وإذا أسفرت النتيجة عن موافقة الشعب على حل البرلمان فإن هذه النتيجة بذاتها لا تحسم خلاف الرئيس من جهة والبرلمان والحكومة من جهة أخرى، وذلك لأن الأمر يقتضي إجراء انتخابات جديدة وقد تسفر الانتخابات عن عودة نفس الأغلبية السابقة للبرلمان فيبقى الإشكال السابق على حاله إذ يمتنع على الرئيس حل البرلمان مرة ثانية لنفس السبب، ومن ثم فإن حل البرلمان لا يحسم خلاف الرئيس من جهة والبرلمان والحكومة من جهة أخرى إلا إذا أسفرت الانتخابات التالية للحل عن أغلبية برلمانية لحزب الرئيس أو أغلبية ائتلافية من بينها حزب الرئيس على الأقل.

ويلاحظ أن إشكال العلاقة بين البرلمان ورئيس الجمهورية الذي أشرنا إليه آنفا لم يتحقق عمليا في اليمن منذ عشر سنوات بالرغم من إجراء دورتين انتخابيتين برلمانيتين ودورتين انتخابيتين رئاسيتين، وذلك لأن حزب المؤتمر الشعبي العام كان صاحب الحظ الأوفر في الائتلاف البرلماني بمجلس النواب الذي تشكل بانتخابات 27 أبريل/ نيسان 1993م، وكان صاحب الأغلبية المريحة بمجلس النواب الذي تشكل بانتخابات 27 أبريل/ نيسان 1997م وهذا هو الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس علي عبد الله صالح الذي فاز في دورتي الانتخابات الرئاسية السابقة. وعلينا أن ننتظر نتيجة الانتخابات البرلمانية القادمة التي ستجرى في 27 أبريل/ نيسان 2003 والتي نرجو ألا تؤدي إلى قيام الإشكال السابق. والله الموفق
______________
أستاذ القانون العام بكلية الشريعة والقانون
جامعة صنعاء

المصدر : الجزيرة