دراسة تكتشف الأحماض الأمينية الأساسية التي ساعدت البروتينات القديمة على اكتساب وظائفها
تلعب البروتينات جميع الأدوار الحيوية داخل الجسم. ومن ثم فإن أي خلل فيها يتسبب في نشوء الأمراض، إن لم تتم السيطرة عليه. غير أننا لا نعرف الكيفية التي اكتسبت بها البروتينات القديمة وظائفها المميزة.
يحتوي جسم الإنسان على الآلاف من البروتينات التي تلعب أدوارا حيوية مثل حمل الأكسجين وتوزيعه في الجسم، وتكوين الإنزيمات والهرمونات، وتنظيم الاستجابة المناعية.
وتتكون جميع بروتينات الجسم من 20 نوعا فقط من الأحماض الأمينية. ويحدد نوع هذه الأخيرة وتسلسلها شكل البروتين ووظيفته وخصائصه. فعندما تطوى وتتعقد سلسلة الأحماض الأمينية -في عملية تعرف باسم طي البروتينات (Protein folding)- فإنها تمنح البروتين شكلا مميزا، وبالتالي تساعدها على أداء وظائف حاسمة.
الشيفرة الوظيفية للكائن الحي
وإذ يمثل الحمض النووي شيفرة الحياة على الأرض، فإن البروتينات تحمل شيفرة الوظيفة. ومن ثم فإن أي خلل في البروتينات أو في عملية طيها قد يتسبب في عدد من الأمراض مثل السرطان وألزهايمر وباركينسون وغيرها من الأمراض العصبية.
غير أننا لا نعلم الكثير عن الكيفية التي ساهمت في طي هذه الأحماض الأمينية بداية الحياة على الأرض، ومن ثم تنظيم وظيفة البروتين.
حديثا، قامت دراسة بحثية -نشرت بدورية "جورنال أوف أميركان كيميكال سوسيتي" (Journal American Chemical Society) في 24 فبراير/ شباط الماضي- بمحاكاة ظروف الأرض المبكرة، أي منذ حوالي 4.6 مليارات سنة، في المختبر بهدف معرفة الكيفية التي تمكنت بها الأحماض الأمينية من تكوين أول أشكال البروتينات على سطح الأرض.
أحماض أمينية محددة
ويشير ستيفن فريد -المشارك بالدراسة- في بيان صحفي نشرته جامعة "جونز هوبكنز" (Johns Hopkins University) إلى أن "جميع الكائنات الحية -بدءا من البشر ووصولا إلى البكتيريا والعتائق- تحتوي على نفس الأحماض الأمينية".
ورغم أن الأرض البدائية كانت تحتوي على مئات الأحماض الأمينية، فإن جميع الكائنات الحية اليوم تستخدم فقط 20 نوعا من الأحماض الأمينية. فلماذا اقتصرت الكائنات الحية على هذا العدد فقط من تلك الأحماض الأمينية؟ وما الأحداث التي ساهمت في تكوين البروتينات الأولى على سطح الأرض؟
ولحل هذا اللغز، قام العلماء بمحاكاة عملية تكون البروتين البدائي -أي قبل 4 مليارات سنة- باستخدام مجموعة بديلة من الأحماض الأمينية التي كانت متوفرة بكثرة قبل وجود الحياة على الأرض.
وتعرف العلماء على مجموعة محددة من الأحماض الأمينية التي كانت الأنسب لإكساب البروتينات القديمة وظيفة. إذ أشارت النتائج إلى أن 10 أحماض أمينية فقط كانت وراء المساعدة في عملية طي البروتينات، ومن ثم منح البروتينات وظيفة بداية الحياة على سطح الأرض.
المساعدة في طي البروتينات تفسر اللغز
ومن ثم فإن البروتينات القديمة لم تكن لتعرف أن تطوى وتتعقد بدون تلك الأحماض الأمينية المحددة. ولا يرجع السبب في ذلك إلى وفرة هذه الأحماض الأمينية وسهولة تكونها بالموائع القديمة التي كانت موجودة على الأرض فحسب، بل لأن بعض تلك الأحماض الأمينية كانت جيدة بشكل خاص في مساعدة البروتينات على عملية الطي. ومن ثم تمكنت البروتينات من تبنّي أشكال محددة، وبالتالي أداء وظائف حاسمة.
وكان الغلاف الجوي للأرض -في المليار سنة الأولى من وجوده- يتألف من مجموعة متنوعة من الغازات مثل الأمونيا وثاني أكسيد الكربون التي تفاعلت بدورها مع المستويات العالية من الأشعة فوق البنفسجية مما ساعد على تكوين بعض الأحماض الأمينية.
كما أن بعض هذه الأحماض الأمينية قد وصل إلى الأرض قادما مع النيازك التي ارتطمت بها، مما أكمل هذه المجموعة المبكرة من الأحماض الأمينية العشرة.
ويعمل العلماء على معرفة ما يميز هذه الأحماض الأمينية العشرة. كما أنهم يحاولون معرفة كيف أصبحت الأحماض الأمينية الأخرى جزءا من البنية المكونة لبروتينات اليوم.
اختيار المواد المفيدة للحياة
وتعتبر هذه النتائج مثيرة. إذ يشير فريد "إلى أن طي البروتينات أولا كان هو السبب الذي ساهم في انتقاء المواد الكيميائية المفيدة للحياة وذلك قبل وجود الحمض النووي". وهي صورة عكسية للنظرة التقليدية التي ترى الحمض النووي أنه السبب في انتقاء المواد المناسبة للحياة.
وقد تفسر هذه الدراسة لغزا مهما في علم الأحياء. إذ أن العقيدة المركزية (Central dogma) في علم الأحياء تتمثل في أن يأتي الحمض النووي في البداية (دعنا نسميها الخطوة الأولى) ومنه ينتج الحمض النووي الريبي، والذي يُنتج بدوره البروتينات.
غير أن عملية نَسْخ الحمض النووي ذاته (الخطوة الأولى) يتطلب بنفسه وجود بعض البروتينات. فكيف أتت هذه البروتينات الوظيفية التي تساعد في عملية النسخ؟ إنها تماما مثل مشكلة الدجاجة أولا أم البيض.
ويختتم الباحث قائلا "تشير دراستنا إلى أن عملية طي البروتينات هي التي ساهمت في اختيار لبنات بناء وظيفية" ساعدت بدورها الحمض النووي لاحقا على هندسة وإتمام العقيدة المركزية.