لم يبقَ سوى الحوت الأزرق.. لماذا اختفت الحيوانات العملاقة مثل الديناصورات؟

في الوقت الحالي، توجد عوامل تمنع وصول الحيوانات إلى الحجم العملاق على سطح الأرض، ومن بينها الافتقار إلى النظم البيئية والقضاء المنهجي على الثدييات الكبيرة، نتيجة النشاط البشري والتنمية.

Springtime, the season of recent beginnings, ended the 165-million-year reign of dinosaurs and altered the course of evolution on Earth. Credit score: Florida Atlantic College/Getty Photographs
أحداث الانقراض الجماعي قضت على المخلوقات الأكبر حجما (غيتي)

منذ ملايين السنين، جابت الأرض ديناصورات بلغ ارتفاعها ما يوازي مبنى مكونا من 6 طوابق، وأخرى كانت تزن 45 طنا. وإذا قمنا بمقارنة ذلك بأكبر وأثقل حيوان بري يسير على الأرض اليوم وهو "فيل الأدغال الأفريقي"، سنجد أن وزنه يبلغ 13 طنا كحد أقصى، ولا يزيد ارتفاعه على 3 أمتار ونصف المتر.

فلماذا لم تعد هناك حيوانات عملاقة مثل تلك التي عاشت منذ فترة طويلة؟ مع الأخذ في الاعتبار أن بعض عمالقة البحار مثل الحوت الأزرق الذي يبلغ طوله 30 مترا ويزن 170 طنا أو أكثر ما زالت موجودة بيننا حتى اليوم.

وفقا لموقع "لايف ساينس" (Live Science)، منذ أن اكتشف العلماء أول مخبأ معروف لعظام الديناصورات في القرن التاسع عشر، طرح الباحثون أفكارا لشرح سبب شيوع العمالقة قديما، ولتفسير ذلك قاموا بالنظر في الاختلافات الرئيسية بين أشهر العمالقة القدامى وهم الديناصورات وأكبر حيوانات اليوم من الثدييات. وقد توصلوا إلى بعض الإجابات نطرحها في ما يأتي:

1- طريقة التكاثر

وفقا لموقع "ساينس إيه بي سي" (Science ABC)، فإن الديناصورات هي أسلاف الطيور القديمة، وبعض خصائص الطيور -مثل وضع الديناصورات للبيض وليس الولادة- مسؤولة عن الحجم العملاق للديناصورات.

ويرى معظم علماء الحفريات والخبراء أن تطور فسيولوجيا الديناصورات، وخصوصا طريقة تكاثرها عن طريق وضع البيض سمح لها بالنمو إلى مثل تلك الأحجام الهائلة، لأنه أتاح العديد من "الفرص" للبقاء على قيد الحياة.

فقد يضع الديناصور الواحد من 6 إلى 10 بيضات في المرة الواحدة، مع قدرته على تكرار ذلك عدة مرات، مما أدى إلى توفر أعداد كبيرة من الديناصورات الصغيرة في نظام بيئي مثالي لنموها. ومع وفرة الحياة النباتية في كل مكان، يُعتقد أن الديناصورات نمت بمعدلات سريعة للغاية، وغالبا ما كانت بمفردها منذ الولادة، مما حرر الأمهات لمواصلة تغذية نفسها والصيد والتكاثر من دون المساهمة بالموارد والطاقة لنسلها.

على الجانب الآخر، فإن الثدييات الكبيرة اليوم مثل الفيلة والزرافات والدببة أو الجاموس لها فترات حمل طويلة تتطلب قدرا هائلا من الموارد، كما أن الأمهات يحملن عادة جنينا واحدا لفترات طويلة من الزمن مما يحد من حركتهن ويزيد من تعرضهن للحيوانات المفترسة. وعندما يلدن يعتنين بصغارهن لسنوات أحيانا، وقد لا يحملن لمدة عام آخر أو أكثر. إضافة إلى أن حجم قناة الولادة يمنع الثدييات من النمو إلى أحجام خيالية كذلك.

منذ اكتشف العلماء عظام الديناصورات الضخمة طرح الباحثون أفكارا عدة لتفسير شيوع الحيوانات العملاقة (يوريك ألرت)
منذ أن اكتشف العلماء عظام الديناصورات الضخمة طرح الباحثون أفكارا عدة لتفسير شيوع الحيوانات العملاقة (يوريك ألرت)

2- الأكياس الهوائية

الجانب الثاني من خصائص الطيور في الديناصورات، الذي يفسر وصولها إلى هذا الحجم الهائل، هو أن الديناصورات لم يكن لها الجهاز التنفسي نفسه الذي لدى الثدييات، بدلا من ذلك كان لديها نظام من الأكياس الهوائية التي تغزو العظام وتقوم بتخفيف وزنها على غرار الطيور، ما سمح لها بالتحرك بكفاءة وتوزيع الأكسجين في جميع أنحاء الجسم الكبير.

وقد كان للجاذبية تأثير قوي على الحيوانات ذات الأحجام الكبيرة، فقد تسحق الجاذبية أعضاء هذه الكائنات، فعلى سبيل المثال، إذا وضعت حوتا أزرق على سطح الأرض من دون أن يعتمد على طفو الماء لحمله، فإن الوزن الهائل لجسمه سيسحق أعضائه الأخرى. كان الأمر نفسه ينطبق على أكبر الديناصورات التي يمكن أن يصل وزنها إلى 45 طنا. إلا أن توزيع الوزن على نطاق أوسع من هياكل الدعم الداخلية منعها من الانهيار تحت وطأة حجمها الهائل.

وعلى العكس من ذلك، تفتقر الثدييات إلى مثل تلك الميزة، وهذا هو السبب في أن الثدييات اليوم لا يمكن أن تصبح بحجم الفيل أو أكبر قليلا. وقد يكون هذا هو الحد الأقصى لما يمكن أن تصل إليه الثدييات في مقابل الجاذبية الأرضية.

أحداث الانقراض الجماعي قضت على المخلوقات الأكبر حجما CAPTION Dr Nicolás Campione standing beside a cast of Tyrannosaurus rex at the Royal Belgian Institute of Natural Sciences in 2009. CREDIT Image courtesy of Dr David Evans.
على عكس الثدييات يمكن للديناصورات والزواحف العملاقة الأخرى القيام بتبديل مجموعات أسنانها باستمرار (مواقع إلكترونية)

3- تبديل الأسنان

ووفقا لموقع "نيتشر ورلد نيوز" (Nature World News)، فإنه على عكس الثدييات، يمكن للديناصورات والزواحف العملاقة الأخرى القيام بتبديل مجموعات أسنانها باستمرار على مدار العمر، وهذا يسمح لها بالبحث عن فريسة تتناسب مع أحجام أجسادها وتزويد أنفسها بالغذاء المتناسب مع حجمها.

وحينما تكون أحداثا تقوم بمطاردة فريسة صغيرة، بينما تقوم بمطاردة ضحايا أكبر بعدما تصبح بالغة. لذا فهي تبدل أسنانها باستمرار، مثلما تفعل أسماك القرش وكما تفعل التماسيح التي تنتقل من أسنان تشبه الإبرة إلى أسنان أكثر قوة. أما بالنسبة للثدييات، فهي لا تتمتع بمثل تلك الخاصية.

4- حاجة الثدييات إلى الكثير من الوقود

يقول جيرات فيرميج، أستاذ الجيولوجيا والبيولوجيا القديمة في جامعة كاليفورنيا، في تصريح لموقع لايف ساينس، إن الفيلة تعد "على سبيل المثال من ذوات الدم الحار أما الديناصورات، على الأقل الديناصورات العاشبة، لم تكن كذلك في الغالب. لذا فإن الاحتياجات الغذائية لفيل عملاق، على سبيل المثال ستكون ربما أكبر بنحو 5 مرات من أكبر الديناصورات".

وكان علماء الحفريات قد ناقشوا من قبل إذا ما كانت الديناصورات من ذوات الدم البارد أو الحار، وتوصلوا إلى أنه ربما كانت الديناصورات في الحد الأدنى من نطاق ذوات الدم الحار، وقد أدى ذلك إلى قلة الطاقة التي تحتاجها أجسادها الكبيرة.

"فيل الأدغال الأفريقي" أثقل حيوان بري يسير على الأرض اليوم
"فيل الأدغال الأفريقي" أثقل حيوان بري يسير على الأرض اليوم (شترستوك)

5- البيئة المناسبة

الحجم الضخم يتطلب بيئة مناسبة تنتج ما يكفي من الأكسجين والغذاء لنمو مخلوق عملاق. وهذا يحيلنا إلى نظرية تقول إن المناخ والأنظمة البيئية في العالم كانت مختلفة جدا في زمن الديناصورات.

في بعض الأحيان خلال حقبة الدهر الوسيط، يعتقد العلماء أن مستويات ثاني أكسيد الكربون قد وصلت إلى 3 إلى 5 أضعاف المستويات الحالية، مما أدى إلى نمو مفرط للنباتات وأوراق الشجر. ومع انفجار الحياة النباتية حول الكوكب ارتفعت مستويات الأكسجين أيضا. ومع الغذاء الوفير في أجزاء كثيرة من العالم وقلة عدد الحيوانات المفترسة الطبيعية، فإنه لم يوجد حد معين لمدى نمو هذه المخلوقات.

أما في عالم اليوم ومع ملايين الأنواع المختلفة والنظم البيئية المترابطة والمعقدة والتأثير الديناميكي للبشر على الكوكب، فسيكون من المستحيل ببساطة على الكائنات الضخمة البقاء على قيد الحياة.

6- مقدار الوقت المتاح

وفقا لموقع لايف ساينس، فإن الأمر يستغرق وقتا طويلا للتطور للوصول إلى أحجام عملاقة. كما أن أحداث الانقراض الجماعي تميل إلى القضاء على المخلوقات الأكبر حجما، وحينما يحدث ذلك، تظل هناك فجوة زمنية متعلقة بوجود الحيوانات العملاقة قد تمتد لعشرات أو مئات الملايين من السنين.

يقول فيرميج "استغرق الأمر حوالي 25 مليون سنة حتى وصل وزن الثدييات الأولى إلى طن". وفي حالة الماموث الصوفي، فقد دمره تغير المناخ والصيد الجائر من قبل البشر منذ 10 آلاف عام فقط، لذا فقد لا يكون من قبيل المصادفة أننا نحن البشر المعاصرين لا نرى مثل هذه المخلوقات الضخمة، لقد قام أسلافنا بقتلها منذ وقت ليس ببعيد.

7- البنية الاجتماعية

ويقول فيرميج إن التفسير الأكثر شمولا لتناقص حجم الحيوانات في الوقت الحالي لا يأتي من علم وظائف الأعضاء أو البيئة، ولكن من البنية الاجتماعية؛ إذ إن تطور السلوك الاجتماعي المنظم، ليس فقط على مستوى القطعان ولكن الصيد المنظم حقا في الثدييات قدم شكلا جديدا من الهيمنة. وكتب فيرميج -في دراسة له عام 2016- أن "الصيد الجماعي بواسطة مفترسات صغيرة نسبيا يجعل حتى الفرائس الكبيرة جدا معرضة للخطر. فقد تم استبدال العملقة الفردية على الأرض بالعملقة على مستوى المجموعة"، أي أن الأفراد الأصغر حجما الذين يعملون معا، كما يحدث مع الذئاب والضباع على سبيل المثال، قد يشكلون طريقة أكثر فاعلية في أن يصبحوا أكبر من بناء جسم ضخم، نتيجة لذلك فقد فقدت العملقة بريقها على الأرض.

*** للاستخدام الداخلي فقط *** جمجمة حوت أزرق طولها 5,79 متر (ويكيبيديا).
جمجمة حوت أزرق طولها 5,79 متر (ويكيبيديا)

لماذا لا تزال الحيتان الزرقاء العملاقة موجودة؟

في الوقت الحالي، توجد عوامل تمنع وصول الحيوانات إلى الحجم العملاق على سطح الأرض، ومن بينها الافتقار إلى النظم البيئية والقضاء المنهجي على الثدييات الكبيرة نتيجة النشاط البشري والتنمية.

مع ذلك، وعلى المستوى الأساسي فإن هذا النمو المذهل مستحيل؛ لأنه لا توجد حيوانات كبيرة تظهر سمات الديناصورات القديمة. باستثناء الحيوانات البحرية الضخمة، التي يساعدها طفو الماء، فإن الكائنات الحديثة لها حدود طبيعية لحجمها.

في المحيط، لا تزال الحيتان الزرقاء موجودة اليوم، بسبب تحررها من الجاذبية والتحرك بحرية عن طريق الطفو، كذلك فإن طبيعة الحياة البحرية تجعل الاتصال لمسافات طويلة أكثر صعوبة، مما يعوق تطور مجموعات الصيد المعقدة التي حدثت على اليابسة بشكل أكثر بكثير مما حدث في المحيط على الأقل حتى وقت قريب.

المصدر : لايف ساينس + مواقع إلكترونية