بلورات حية ذاتية التكوين.. أجنة نجم البحر تكشف عن سلوك غريب لم يُر من قبل

أثناء دراسة الكيفية التي تنمو بها أجنة نجم البحر، لاحظ الباحثون سلوكا غريبا لهذه الكائنات لم يُر من قبل. وقد يساهم محاكاة هذا التصرف في تصميم روبوتات تتحرك وتعمل بشكل جماعي.

BLASTULA (EARLY) STARFISH EMBRYO IS HOLLOW BALL OF CELLS. 100X H - stock photo
تشبه أجنة نجم البحر في مراحل تكونها الأولى الكرات الزجاجية الصغيرة (غيتي إيميجز)

تشبه أجنة نجم البحر -في مراحل تكونها الأولى- الكرات الزجاجية الصغيرة التي تسبح في الماء. وقد أشارت دراسة حديثة نشرت في دورية "نيتشر" في 13 من يوليو/تموز الجاري -أجراها علماء من "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" (Massachusetts Institute of Technology) بالولايات المتحدة- أن هذه الأجنة تدور في حركة مغزلية وتنجذب إلى بعضها البعض وتتجمع تلقائيا في بنية منتظمة تشبه البلورات.

تصرف غريب

غير أن الأمر الأكثر غرابة يتمثل في قدرة هذه "البلورات الحية" على التصرف بمرونة غير معتادة. إذ إن الدوران المغزلي لكل وحدة فردية من هذه الأجنة يؤدي إلى حدوث تموجات في البنية الجمعية لتلك البلورات. وقد وجد الباحثون أن هذا التكوين البلوري المتموج يمكنه أن يستمر لفترات طويلة نسبيا قبل أن يتبدد مع نضوج تلك الأجنة.

ووفقا للبيان الصحفي الذي نشره "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" تقول نيكتا فخري -الأستاذة المساعدة بقسم الفيزياء في المعهد وقائدة الدراسة- إنه "أمر رائع للغاية أن نرى هذه الأجنة التي تشبه الكرات الزجاجية طافية على السطح في تكوين ذي هيكل بلوري مثالي".

وتضيف فخري أنه "ربما يوفر هذا الهيكل البلوري بعض المزايا التي لا نعرفها حتى الآن، بالمثل كما تفعل أسراب الطيور لتجنب المفترسات أو للطيران بشكل أكثر سلاسة".

وإضافة لذلك، فإنه يمكننا محاكاة هذا الشكل البلوري المتموج ذاتي التجمع لتصميم روبوتات تتحرك وتعمل بشكل جماعي. إذ تشير فخري إلى أن "التفاعلات البينية بين أجنة نجم البحر تفتح أبوابا جديدة لاستكشاف خواصها الفيزيائية. الأمر الذي قد يمكننا من تصميم روبوتات مرنة تستطيع الدوران والتفاعل مع بعضها البعض بالمثل كما تفعل هذه الأجنة".

اكتشاف وليد المصادفة

الجدير بالذكر أن نجم البحر يعد نموذجا مثاليا يستخدمه العلماء في دراسة مراحل نمو وتطور الأجنة. ذلك لأنه يحتوي على خلايا كبيرة نسبيا وشفافة بصريا.

وتذكر فخري أن هذا الاكتشاف كان "محض مصادفة". إذ كانت مجموعتها البحثية تدرس الكيفية التي تتطور بها أجنة نجم البحر، وبالتحديد الكيفية التي تنقسم بها الخلايا الجنينية في مراحلها المبكرة.

التكوين البلوري المتموج للأجنة يمكنه أن يستمر لفترات طويلة قبل أن يتبدد (مواقع التواصل)
التكوين البلوري المتموج للأجنة يمكنه أن يستمر لفترات طويلة قبل أن يتبدد (مواقع التواصل الاجتماعي)

وكان الباحثون يراقبون الكيفية التي تسبح بها الأجنة أثناء نضجها. فبمجرد أن تُخَصَّب هذه الأجنة، فإنها تنمو وتنقسم مكونة صدفة تنبت منها بعد ذلك شعيرات صغيرة أو أهداب تدفع بالجنين عبر الماء.

وفي لحظة معينة تتضافر هذه الأهداب لتدفع بدوران الجنين في اتجاه محدد (التفاف لولبي). وقد لاحظ الفريق أن الأجنة عندما تسبح إلى السطح، فإنها تستمر في الدوران اللولبي نحو بعضها البعض.

بلورات سداسية الشكل

وتذكر فخري أن "مجموعات صغيرة من هذه الأجنة تتجمع وتتراقص بين الحين والآخر. وهناك كائنات بحرية أخرى تفعل الشيء ذاته مثل بعض الطحالب". وتضيف "كان هذا مثيرا للفضول ودفعنا للتساؤل عما سيحدث لو كان هناك الكثير من هذه المجموعات". ولذا قام الفريق بتخصيب الآلاف من أجنة نجم البحر، ومن ثم راقبوا تصرفها على سطح الأطباق المخبرية.

وتقول إنه "عندما كانت هناك الآلاف من هذه الأجنة في الطبق نفسه، بدأت في تكوين ذاك الهيكل البلوري الذي نما في الحجم بشكل كبير جدا. وقد وصفناها بأنها بلورات، لأن كل جنين كان محاطا بـ6 أجنة في شكل سداسي يتكرر عبر الهيكل بأكمله ويشبه البنية البلورية لمادة الغرافين".

كل جنين كان محاطا بــ6 أجنة في شكل سداسي يتكرر عبر الهيكل بأكمله (مواقع التواصل الاجتماعي)

وللوقوف على الأسباب التي تدفع الأجنة للتجمع في هذا الشكل السداسي، قام الفريق بدراسة الكيفية التي يتدفق بها تيار الماء حول جنين مفرد. إذ وضعوا جنينا مفردا من نجم البحر في الماء، ثم أضافوا بعد ذلك كريات أصغر بكثير، وقاموا بالتقاط صور للكريات أثناء تدفقها حول الجنين على سطح الماء.

بلورات مهتزة

وقد وجد الفريق أن الأهداب الموجودة على سطح الجنين تضرب في الماء بطريقة تسبب دوران الجنين في اتجاه معين يخلق دوامات على الجانبين، والتي تسحب بدورها الكريات الصغيرة إليها. وقد أكدت نتائج المحاكاة التي أجراها الفريق على حدوث التصرف نفسه الذي لاحظه الفريق في التجارب العملية. مما يؤكد أنه سلوك ناتج عن تفاعلات فيزيائية للكريات مع بعضها.

كما لاحظ الفريق أنه بمجرد تكون هذه البنية البلورية، فإنها تستمر لعدة أيام. وخلال تلك الفترة تبدأ التموجات العفوية بالانتشار عبر الهيكل الكلي.

وتشير فخري إلى أن فريق البحث تمكن "من رؤية هذه البلورات تدور وتهتز لفترة طويلة جدا. وهو الأمر الذي لم يكن متوقعا، إذ إننا اعتقدنا في البداية أن هذه التموجات ستختفي سريعا نظرا للزوجة الماء التي ستخمد هذه التذبذبات. غير أن هذا النظام أظهر أن لديه سلوكا مرنا غريبا".

الدورات الفردية للأجنة يمكنها أن تخلق حركة جماعية أكبر عبر الهيكل بأكمله (مواقع التواصل الاجتماعي)

وقد تكون التموجات العفوية التي تستمر طويلا ناتجة عن تفاعلات بين الأجنة الفردية، والتي تدور عكس بعضها البعض مثل التروس المتشابكة. فمع وجود الآلاف من هذه التروس التي تدور في تكوين بلوري، فإن العديد من الدورات الفردية للأجنة يمكنها أن تخلق حركة جماعية أكبر عبر الهيكل بأكمله.

ويعكف الباحثون الآن على دراسة وجود هذه الظاهرة في كائنات حية أخرى مثل قنافذ البحر التي تظهر سلوكا بلوريا مشابها. كما أنهم يدرسون كيفية محاكاة هذا الهيكل -ذاتي التجمع- في الأنظمة الروبوتية.

المصدر : مواقع إلكترونية