حازت جائزة مونت كارلو لعام 2022.. الباحثة التونسية ندى الرداوي نذرت نفسها لأبحاث تشخيص اللوكيميا

ندى الرداوي (وسط) مع الفائزتين بجائزة مونت كارلو لامرأة العام لعام 2022 (مواقع إلكترونية)
ندى الرداوي (وسط) مع الفائزتين بجائزة مونت كارلو لامرأة العام لعام 2022 (مواقع إلكترونية)

جائزة "مونت كارلو لامرأة العام" في دورتها العاشرة كانت من نصيب الدكتورة ندى الرداوي المتخصصة في علم الأحياء والأحماض النووية، والتي كرست حياتها المهنية لتطوير أساليب تشخيص مرض السرطان، خاصة سرطان الدم.

هذه الباحثة ابنة محافظة قفصة بالجنوب التونسي، وهي أول امرأة تونسية تحصل على دكتوراه في الكيمياء من جامعة ميونخ الألمانية منذ تأسيسها، وقد تسلمت جائزتها يوم الثاني من مايو/أيار الجاري تتويجا لنجاحها في تطوير طريقة جديدة لاكتشاف خلايا سرطانية في الدم تحسم فرضية عودة المرض للظهور من عدمها بعد استكمال المريض بروتوكول العلاج وتجنبه الخضوع للمتابعة الطبية مدة 5 سنوات للتأكد من خلو جسمه من الخلايا السرطانية.

ووفقا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، تم تشخيص إصابة 10 ملايين شخص بالسرطان في جميع أنحاء العالم في عام 2000 وتوفي 6 ملايين شخص بسببه، وظل معدل الوفيات 60% مستقرا حتى العام الماضي، ولسوء الحظ لا يبدو الاتجاه خلال الـ20 عاما القادمة أفضل، حيث يتوقع تشخيص إصابة 15 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بالسرطان في عام 2040.

استخدمت ندى الرداوي في أبحاثها الكيمياء النقرية لاكتشاف وسم الحمض النووي الريبي في الخلية (الجزيرة)

هذا المدخل كان مهما في دفع الدكتورة ندى الرداوي للاشتغال بموضوع السرطان، ولا سيما سرطان الدم (اللوكيميا)، وهو من أشد السرطانات فتكا في العالم ويصيب مختلف الفئات، ناهيك عن الأطفال والشباب، فحاولت تطوير طريقة جديدة لفك شفرته والحد من مخاطر عودته بعد اكتمال بروتوكول العلاج.

بوادر الشفاء الأولى لا تعني الشفاء التام

تقول ندى الرداوي في حوارنا معها عبر البريد الإلكتروني إن تشخيص الأمراض الوراثية يقوم حاليا على الكشف عن الانحرافات الصبغية واكتشاف الجين المعيب المقابل أو على قياس النسخة المعنية أو البروتين المعني، وهذا يتم باعتماد تفاعل البوليميراز المتسلسل "بي سي آر" (PCR) وقياس الطيف الكتلي "إم إس" (MS)، كما يعد قياس التدفق الخلوي "إف سي إم" (FCM) من الطرق المستخدمة حاليا لاكتشاف البروتينات السطحية الخاصة بالخلايا السرطانية وتقديرها.

وعلى الرغم من أن هذه الطرق مستخدمة في جميع مختبرات التشخيص تقريبا فإنها تظل طرق اكتشاف غير مباشرة، فضلا عن أن تعطيل الخلايا والتشويش عليها وعزل الحمض النووي أو الحمض النووي الريبي يمكن أن يؤدي إلى فقدان معلومات مهمة.

لذا ترى الدكتورة الرداوي أن الحد من اكتشاف الخلايا المصابة يعد مشكلة خطيرة، لأنه يجب مراقبة مرضى السرطان طبيا بشكل متكرر ومنتظم بعد العلاج حتى بعد ظهور بوادر الشفاء الأولى.

ندى الرداوي: تثمين جهودي من شأنه أن يحفزني على مواصلة العمل لتطوير أبحاثي (الجزيرة)

فالمرضى الذين ينتكسون خلال العام الأول يواجهون مخاطر أعلى من أولئك الذين ينتكسون في وقت لاحق بعد سنوات، كما أن تجاوبهم مع العلاج يكون أقل، وحظوظ علاجهم تكون أضعف.

وفي هذا السياق، تؤكد الرداوي أنه لا يمكن للمرضى الحديث عن التعافي التام إلا بعد 5 سنوات على الأقل.

الكيمياء النقرية لتطوير آليات التشخيص

وتوضح الدكتورة ندى الرداوي أن الاكتشاف الدقيق والحساس لأعداد قليلة من الخلايا السرطانية التي تقل عن خلية سرطانية واحدة في 10 آلاف خلية طبيعية يتطلب علامات محددة للغاية لتمييز الخلايا السرطانية عن الخلايا الطبيعية في الدم.

أما عن الأسلوب الذي اتبعته في بحثها للتوصل إلى هذه النتائج فتشير إلى أنها وظفت الكيمياء النقرية (Click Chemistry)، وهي فئة من التفاعلات الكيميائية المتوافقة حيويا تم تطويرها من قبل الكيميائي الأميركي كارل باري شاربلس الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2001.

وأضافت أن الكيمياء النقرية على الأحماض النووية التي تم تطويرها في مجموعتها البحثية استخدمت لتطوير مجسات جديدة تحمل علامات صبغ الفلورسنت، وتتمتع بحساسية فائقة.

الرداوي: أبحاث الحمض النووي موجودة منذ أكثر من 20 عاما إلا أنه لم يتم التعرف على أهميتها إلا منذ ما يقارب عامين (الجزيرة)

وتوضح ندى الرداوي أن تصميم المسبار الجديد الذي اعتمدته حساس للغاية، لدرجة أنه يسمح بإنشاء تطبيقات قياس التدفق الخلوي، وقد تم اختبار هذه الطريقة على الخلايا المصابة وكانت النتائج ممتازة، وبالتالي فهذه الطريقة فعالة في مراقبة علاج سرطان الدم، لمنع الانتكاسات الخطيرة وكذلك في الاكتشاف المبكر للعدوى الفيروسية، مما يمكن من تقليص الفجوة التشخيصية ومنع الانتشار غير المنضبط للمرض.

آفاق استخدامات الحمض النووي

وتقول الرداوي إن المختبر الذي طورت فيه أبحاثها بجامعة مونيخ يعد الأول والوحيد في العالم الذي يستخدم الكيمياء النقرية لاكتشاف وسم الحمض النووي الريبي "إم آر إن إيه" (mRNA) في الموقع، أي في الخلية، وعلى الرغم من أن أبحاث الحمض النووي موجودة منذ أكثر من 20 عاما فإنه لم يتم التعرف على أهميتها وفائدتها إلا منذ ما يقارب عامين.

ويمكن استخدام أبحاث الحمض النووي في جميع مجالات الطب والبيولوجيا تقريبا، سواء في العلاج أو التشخيص، لأن الأحماض النووية طبيعية وموجودة في جسم الإنسان، وسهلة الإنتاج ومضمنة جيدا في المؤلفات العلمية، مع ذلك تحتاج هذه التقنيات إلى مزيد من البحث لتحقيق الاستفادة القصوى منها وتحسين قابليتها للتطبيق.

كوفئت ندى الرداوي عدة مرات في ألمانيا وتونس وحصلت على العديد من الجوائز (الجزيرة)

ماذا بعد؟

جائزة مونت كارلو لامرأة العام هذه السنة كان موضوعها "المرأة والبحث العلمي"، وإلى جانب جائزة "امرأة العام" التي منحت للدكتورة ندى الرداوي تم منح "جائزة مونت كارلو الخاصة" للبروفيسورة جيوفانا تينيتي التي ترأس مجموعة الفيزياء الفلكية في جامعة لندن، كما منحت جائزة "امرأة العام في موناكو" للبروفيسورة يولاندا أوسفاث، وهي باحثة في مختبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في موناكو.

وعن قيمة هذا التتويج بالنسبة إليها، تقول ندى الرداوي: لقد كوفئت عدة مرات في ألمانيا وتونس، وحصلت على العديد من المنح الدراسية والمنح البحثية، وهذا التثمين لجهودي من شأنه أن يحفزني على مواصلة العمل والجهد لمزيد من تطوير أبحاثي.

وتضيف "لعل ما يميز جائزة مونت كارلو لامرأة العام هو أنها مخصصة هذا العام للمرأة في مجال العلوم، فموضوع المرأة قريب من قلبي، وأجد نفسي دائما متحفزة من أجل الدفاع عن المرأة وحقوقها، فمن المهم أن تختار كل امرأة طريقها وتتبعه حتى النهاية، أتمنى أن تذهب كل فتاة إلى المدرسة، وأتمنى أن تكون لدى المرأة الجرأة لخوض تجربة البحث والتطوير".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية