عالمة أردنية تؤكد قدرة البكتيريا على العيش والنمو في بيئة الفضاء الخارجي بنجاح

تؤكد عالمة أردنية أنها تحصلت على نتائج أولية مدهشة تشير إلى قدرة الخلايا الميكروبية على تحمل بيئة الفضاء وقدرتها على العيش والنمو بعد تعرضها لتلك البيئة القاسية.

تشير النتائج الأولية إلى قدرة هذه الكائنات الدقيقة على تحمل ظروف انعدام الجاذبية (حنان ملكاوي - الجزيرة)

في أبريل/نيسان الماضي، أطلقت جامعة اليرموك في المملكة الأردنية الهاشمية بنجاح مهمة فضائية عبارة عن منطاد فضائي يحمل عينات ميكروبية إلى ارتفاع وصل إلى 32.5 كيلومترا فوق مستوى سطح البحر، إذ وصل لأول طبقة في مدار الفضاء المنخفض، حيث منطقة انعدام الجاذبية، بالتعاون مع مؤسسة "كيه إس إف" (KSF Space Foundation) البريطانية للفضاء.

رحلة الكبسولة الفضائية

وقامت الجزيرة نت بمتابعة هذا العمل البحثي منذ بدايته في تقرير نشر العام الفائت. وحسب الخطة البحثية المرسومة بدقة، فقد تم تحضير وتحميل بعض العينات من الكائنات الحية الدقيقة (سلالات بكتيرية لا تسبب الأمراض للإنسان) مُعرفة تعريفا علميا ومعلومة التسلسل الجينومي، في مختبر المشروع البحثي في قسم العلوم الحياتية التابع ‏لجامعة اليرموك، بإشراف مديرة المشروع والباحثة الرئيسية فيه الأستاذة الدكتورة حنان عيسى ‏ملكاوي، وتم تعريض الأنواع البكتيرية ومنظوماتها الجينية في بيئة خاضعة للرقابة داخل كبسولة فضائية (من خلال مؤسسة "كيه إس إف" للفضاء).

والكبسولة الفضائية عبارة عن وحدة مضغوطة مجهزة بأنظمة دعم الحياة، حيث يتم حماية الكائنات الحية الدقيقة من معظم الظروف القاسية التي من الممكن أن تتعرض لها في الفضاء باستثناء "الجاذبية الصغرى" (Microgravity)، وبالتالي فإن التغيرات التي قد تحدث في فيسيولوجيا الميكروبات على المستويات الخلوية أو الجينية تُعزى في الغالب لتأثير الجاذبية الصغرى.

ووفق البروفيسورة ملكاوي، فإن الكبسولة الفضائية -التي حملت ونقلت عينات البكتيريا والمادة الوراثية المعزولة من هذه العينات- تم إطلاقها من المملكة المتحدة إلى الفضاء، حيث وصلت إلى ارتفاع ما بعد الغلاف الجوي وأول طبقة في المدار الفضائي المنخفض.

وأشارت إلى أن الكبسولة عادت إلى الأرض بعد يوم من إطلاقها، وتمت دراسة وتحليل هذه العينات البيولوجية في المختبر البحثي في جامعة اليرموك بعد الرحلة مباشرة.

مخطط مهمة كبسولة الفضاء الناجحة لمؤسسة "كيه إس إف" للفضاء الجاري (مؤسسة "كيه إس إف" للفضاء)

نتائج أولية مشجعة

تشير النتائج الأولية التي تم الحصول عليها على قدرة هذه الكائنات الحية الدقيقة على تحمل ظروف انعدام الجاذبية القاسية في بيئة الفضاء الخارجي ونموها وتكاثرها. وما زال البحث جار حاليا في الدراسة والتحليل المستفيض والدقيق على عدة مستويات لسلوك الخلايا البكتيرية الحية ومنظومتها الجينية المعزولة منها بعد إطلاقها في الكبسولة الفضائية وتعرضها للفضاء الخارجي، وعودتها إلى الأرض.

وتقوم البروفيسورة ملكاوي وفريقها البحثي حاليا في المختبر بدراسة وتحليل هذه العينات البكتيرية من الناحية الفيسيولوجية للتعرف على قدرتها على النمو، وتحليل حمضها النووي لتحديد أنواع الطفرات المستحدثة على المستوى الجيني بعد أن تعرضت لظروف انعدام الجاذبية في الفضاء الخارجي.

تقول الدكتورة ملكاوي -في تصريح للجزيرة نت عبر وسائل التواصل الاجتماعي- "ستكون الكائنات الحية الدقيقة مكونا لا مفر منه في مهمات الفضاء، وذلك غالبا لأنها تتنقل إما مرتبطة بتكنولوجيا الفضاء، مثل سفن ومحطات الفضاء أو البزات الفضائية لرواد الفضاء، أو بالمواد العضوية المنقولة، وحتى داخل أجسام رواد الفضاء فيما يعرف بمصطلح الميكروبيوم البشري".

وتؤكد العالمة الأردنية أنها وفريقها البحثي قد تحصلوا على نتائج أولية مدهشة تشير إلى قدرة الخلايا الميكروبية على تحمل بيئة الفضاء وقدرتها على العيش والنمو بعد تعرضها لتلك البيئة القاسية.

ويسعى الفريق البحثي حاليا لتوثيق ونشر جميع النتائج البحثية في دورية علمية عالمية بعد الانتهاء من الدراسة التفصيلية وتحليل نتائج البحث.

الكبسولة الفضائية عبارة عن وحدة مضغوطة مجهزة بأنظمة دعم الحياة (مؤسسة "كيه إس إف" للفضاء)

أهمية هذا المشروع

من المتوقع أن تساعد نتائج هذا البحث في فهم كيفية تأثير القوى الفيزيائية على الكائنات الحية الدقيقة على المستوى الخلوي والجزيئي والتطوري، التي يمكن تحويلها إلى دراسات مستقبلية للكائنات الأخرى من نبات وحيوان وإنسان.

وفي تعليقها على الأهمية العلمية لهذا المشروع، قالت البروفيسورة ملكاوي -في تصريحها للجزيرة نت- "سيساعد فهم طريقة تكيف هذه الكائنات الدقيقة مع ظروف الفضاء في تطوير إستراتيجيات للتخفيف من المخاطر التي تشكلها الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض على صحة أفراد الطاقم كنقص المناعة وغيرها من المشاكل الصحية".

وتضيف أن "فهم كيفية تغيير ظروف الفضاء للعمليات الميكروبية في الكائنات الحية الدقيقة المهمة في الصناعة سيوفر لنا معلومات حول كيفية هندسة هذه الميكروبات وراثيا لتحقيق الكفاءة في إنتاج المركبات الهامة المفيدة".

واستطردت ملكاوي "هذا يقودنا لإجراء البحوث العلمية للإجابة على عدة أسئلة منها: هل نستكشف الفضاء مع الكائنات الحية الدقيقة؟ هل تتكيف هذه الكائنات مع ظروف الفضاء القاسية وخاصة في ظل انعدام الجاذبية، وكذلك الإنسان؟ هل تصبح هذه الكائنات أكثر ضراوة، ومسببة للأمراض خلال عملية التكيف تلك؟ وأخيرا، هل هناك فوائد تطبيقية للبشرية لمثل هذه الكائنات المتكيفة أو المتحورة وراثيا؟"

البروفيسورة حنان عيسى ملكاوي تعمل حاليا في قسم العلوم الحياتية بجامعة اليرموك (الجزيرة)

دعم الأبحاث التطبيقية في الفضاء

يذكر أن البروفيسورة حنان عيسى ملكاوي تعمل حاليا في قسم العلوم الحياتية بجامعة اليرموك، وتحمل درجة الدكتوراه في تخصص الكائنات الحية الدقيقة والبيولوجيا الجزيئية، ودرجة الماجستير في علم الجراثيم والصحة العامة، وكليهما من جامعة ولاية واشنطن الأميركية.

ولها إنجازات بحثية مميزة في مجالات التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا النانو وتطبيقاتها في الطب والبيئة والزراعة والغذاء والصناعة، ولها ما يزيد على 70 بحثا منشورا في دوريات عالمية مرموقة وعدد من براءات الاختراع.

المصدر : الجزيرة