دراسة: خنجر توت عنخ آمون ذو "المعدن النيزكي" لم يصنع في مصر

يرى الباحثون أنه من المحتمل أن يكون توت عنخ آمون قد ورث الخنجر الحديدي عن جده، وأنه تم وضعه في قبره عندما توفي في سن مبكرة

dagger Tutankhamun خنجر توت عنخ أمون المصدر: الصحافة البريطانية الرابط: https://cdn-2.tstatic.net/tribunnews/foto/bank/images/belati-firaun-mesir-tutankhamun-t-matsui-et-almeteorit-planet-sci.jpg
وجها خنجر توت عنخ آمون (الصحافة البريطانية)

خضع خنجر نيزكي حديدي عثر عليه في مقبرة توت عنخ آمون لتحليلات كيميائية في دراسة جديدة لكشف لغز كيفية تشكله، وقام فريق من الباحثين اليابانيين في العام الماضي بفحص الخنجر الذي عثر عليه في مقبرة توت عنخ آمون لمعرفة كيفية صنعه.

وتظهر نتائج الدراسة التي نشرت في 11 فبراير/شباط الجاري في مجلة "ميتيوريتيكس آند بلانتاري ساينس" (Meteoritics & Planetary Science) -وهي مجلة علمية أميركية- أن بناءه تضمّن تقنيات لم تكن شائعة في مصر في ذلك الزمان، مما قد يدعم تفسير خطاب يشير إلى أن السلاح قد تم إهداؤه لجد الملك توت عنخ آمون من الخارج.

المقبض الذهبي للخنجر (في الأعلى) والغمد المصنوع من الذهب (في الأسفل) (ميتيوريتيكس آند بلانتاري ساينس)

حكاية الخنجر

عندما دخل علماء الآثار غرفة دفن توت عنخ آمون في وادي الملوك في عشرينيات القرن الماضي وجدوا خنجرا كان نصله مصنوعا من الحديد، وهو اكتشاف محير بالنظر إلى أن العصر الحديدي لم يبدأ إلا بعد قرن من وفاة توت عنخ آمون.

وقد حكم توت عنخ آمون مصر في القرن الـ14 قبل الميلاد، واكتشف علماء الآثار عددا مذهلا من القطع الأثرية القديمة المدفونة مع جثة الملك المحنطة.

ودفعت الأجسام الحديدية التي سبقت المعرفة الواسعة بعلم المعادن الباحثين إلى الاعتقاد بأن العناصر القديمة أتت من الحديد النيزكي، وهي قطع من المعدن سقطت من الفضاء ثم تم تشكيلها على الأرض.

لكن من الصعب تشكيل حديد النيزك الذي يحتوي على النيكل بسبب صلابة المادة، ولهذا كان الاستنتاج الذي تم التوصل إليه هو أنه يمكن تصنيع السيوف في درجات حرارة تقل عن 950 درجة إذا كانت هناك شوائب قليلة -مثل الكبريت والفوسفور- في النيزك الحديدي.

صور مكبرة للمناطق المظلمة للمقبض الذهبي والغمد الذهبي (ميتيوريتيكس آند بلانتاري ساينس)

وفي التسعينيات من القرن الماضي أجرى فريق من الباحثين في المتحف الوطني للتاريخ الياباني تجارب لتحديد ما إذا كان من الممكن بالفعل تشكيل السيوف من النيازك الحديدية، حيث جمعوا 6 أنواع من تلك النيازك من جميع أنحاء العالم وكان لديهم صانعو السيوف المحترفون، في محاولة لتشكيل هذه السيوف.

وتم تأكيد أصول خنجر النيزك الاستثنائي لأول مرة في دراسة سابقة نشرت في نفس المجلة عام 2016 استخدمت فيها الأشعة السينية لإثبات أنها بنيت باستخدام مادة من نيزك حديدي، لكن بقيت أسئلة حول نوع النيزك الذي جاء منه وكيف تم تصنيعه، وهنا يأتي دور الدراسة الجديدة.

وقد سافر العلماء بعد ذلك إلى المتحف الأثري المصري بالقاهرة في فبراير/شباط 2020 لإجراء أبحاثهم، وأطلقوا الأشعة السينية على النصل القديم، وكشفوا عن تركيزات الحديد والنيكل والمنغنيز والكوبالت.

ووجدوا في البقع السوداء على النصل الكبريت والكلور والكالسيوم والزنك، ولكن كان توزيعها مثيرا للاهتمام، فقد كان توزيع مكونات الخنجر النيزكي هو الأكثر إثارة.

صورة فوتوغرافية لمنظر عن قرب لسطح عينة توضح نمط فيدمانشتاتن (ميتيوريتيكس آند بلانتاري ساينس)

أشكال فيدمانشتاتن

كان لشفرة حديد النيزك نسيج متقاطع يعرف باسم أنماط فيدمانشتاتن (Widmanstätten pattern)،‏ وهي عبارة عن أشكال فريدة من بلورات من الحديد والنيكل، والتي تعتبر أيضا من سمات النيازك الحديدية.

وتنسب تلك التسمية إلى الفيزيائي النمساوي "ألواز فيدمانشتاتن" (1754-1849) الذي قام في عام 1808 بمعالجة سطح أحد النيازك الحديدية (يسمى نيزك هراشينا) سقط بالقرب من زغرب في عام 1751، واكتشف تلك الأشكال.

استخدم الباحثون من معهد شيبا للتكنولوجيا (Chiba Institute of Technology) الياباني معدات تحليلية أحضروها إلى المتحف المصري بالقاهرة، لكشف لغز كيفية إنتاج الخنجر من خلال التحليل الكيميائي.

وتوصل فريق البحث إلى أن الخنجر الحديدي المصنوع من النيازك تم تشكيله عند درجات حرارة تبلغ حوالي 950 درجة أو أقل، نظرا لأن هذا النمط يختفي عند تسخين المعدن إلى درجات حرارة أعلى من ألف درجة.

وتم استخدام المعدات لتحديد العناصر التي دخلت الخنجر الحديدي وكذلك قياس التفاصيل على سطحه، ووجدوا أن الخنجر قد احتوى على ما بين 10 إلى 12% من النيكل، وأن المكون الرئيسي فيه هو "الأوكتاهدريت" (Octahedrite)، وهو نوع من الحديد النيزكي.

خرائط التوزيع الأولي للمعادن على كلا جانبي شفرة خنجر حديد توت عنخ آمون (ميتيوريتيكس آند بلانتاري ساينس)

سر رسائل تل العمارنة

ويحتوي المقبض الذهبي للخنجر أيضا على آثار من الكالسيوم، والتي لا يمكن العثور عليها عادة عند معالجة الذهب، وأدى ذلك إلى الاعتقاد بأنه تم استخدام الجص (الجبس) لربط الحلي بالمقبض.

ولم تكن لدى مصر تكنولوجيا تصنيع الحديد أو الجبس في ذلك الوقت، ولكن في رسائل تل العمارنة المكتوبة على ألواح من الطين هناك معلومات عن خنجر حديدي قدم كهدية للملك المصري من ميتاني، وهي مملكة تقع في شمال بلاد ما بين النهرين.

وقادت تلك الإشارة فريق البحث إلى استنتاج أن الخنجر كان هدية لأمنحتب الثالث (جد توت عنخ آمون)، لذلك فإن هذه القطعة الأثرية الرائعة هي مثال جيد على أهمية الزخارف المصنوعة من الحديد النيزكي، وتشير إلى أنه تم تشكيل الخنجر قبل فجر العصر الحديدي بفترة طويلة.

ويرى الباحثون أنه من المحتمل أن يكون توت عنخ آمون قد ورث الخنجر الحديدي عن جده، وأنه تم وضعه في قبره عندما توفي في سن مبكرة.

المصدر : مواقع إلكترونية