الغارديان: مشاريع تحاكي قوة النجوم في استخدام الاندماج النووي

الآلات الأكبر والأفضل المتعلقة بالنجوم ستكون قادرة على إنتاج طاقة أكثر مما تستهلك (الفرنسية)

إذا كنت تريد دليلا على أن العملية المعروفة باسم الاندماج النووي يمكن أن تنتج طاقة على نطاق واسع في مكان ما في الكون، فإن كل ما تحتاجه هو إلقاء نظرة على السماء ليلا، حيث إن كل الأضواء (النجوم) التي ستراها هي مفاعل طبيعي يعمل بالاندماج النووي.

في مقال له على موقع الغارديان (The Guardian) البريطانية يقول آرثر توريل (Arthur Turrell) مؤلف كتاب "بناة النجوم: الاندماج النووي وسباق الطاقة على الكوكب" (The Star Builders: Nuclear Fusion and the Race to Power the Planet)، إن العلماء سعوا على مدى عقود إلى جلب الطاقة التي مصدرها النجوم إلى الأرض.

‘The output of fusion power was equivalent to four onshore wind turbines.’ The Joint European Torus tokamak. Photograph: CEA-IRFM/EUROfusion/Zuma Press Wire/Rex/Shutterstock
علماء تمكنوا من مضاعفة الرقم القياسي العالمي السابق للطاقة المنبعثة من تفاعلات الاندماج النووي (شترستوك)

نجم صغير

وحسبما يشير الكاتب فإنه في تطور مذهل أُعلن عنه مؤخرا، توصل مركز كولام لطاقة الاندماج في أوكسفوردشاير (the Culham Centre for Fusion Energy in Oxfordshire) إلى إنجازٍ فارقٍ وذلك من خلال إشعال نجم صغير والحفاظ عليه مشتعلا.

وقد تمكن علماء يعملون على تطوير آلة على شكل كعكة دائرية صغيرة أطلقوا عليها اسم "جت" (Jet)، وهي اختصار لـ(the Joint European Torus) وتعني "الدائرة الأوروبية المشتركة"، من مضاعفة الرقم القياسي العالمي السابق (الذي تم تحديده في عام 1997) للطاقة المنبعثة من تفاعلات الاندماج النووي. وأثناء إجراء التجربة، كان ناتج طاقة الانصهار مكافئًا لـ4 توربينات رياح برية – وهي خطوة نحو إنتاج الطاقة على نطاق صناعي.

وتماشيا مع تصميم مشروع "جت" -الآلة المذكورة آنفا- وأهدافها، تم توليد طاقة اندماج أقل مما هو مطلوب لتسخين الوقود. وفي الواقع، لم تنتج أي تجربة طاقة من الاندماج حتى الآن أكثر مما تم استخدامه لبدء التفاعلات – ولا يزال هذا هدفا بارزا لعلماء الاندماج في شتى أنحاء العالم.

وتقدم النتائج الحديثة التي تم التوصل إليها مؤشرا مقنعا على أن الآلات الأكبر والأفضل المتعلقة بالنجوم التي تعمل بشكل مشابه لـ (Jet)، مثل مشروع إيتر (Iter) الممول دوليا والذي هو قيد الإنشاء الآن في فرنسا، ستكون قادرة على إنتاج طاقة أكثر مما تستهلك.

طاقة الاندماج لديها القدرة على توفير طاقة نظيفة على نطاق الكوكب كله (الفرنسية)

إنشاء قوة النجوم

ومن الأهمية بمكان ملاحظة حقيقة أنه بالرغم من أن التجربة المذكورة آنفا استمرت مدة 5 ثوانٍ فقط، فإن التفاعلات لم تتوقف بسبب خلل في الوقود، كما جرت عليه العادة في السابق، ولكن بسبب ارتفاع درجة حرارة المعدات الداعمة. وستكون أنظمة التبريد في الجيل التالي من الأجهزة كفيلة بمنع ذلك، لذا فإن القفز من 5 ثوانٍ إلى 5 دقائق، أو 5 ساعات، أو حتى أكثر، سيكون الآن ممكنا.

والسؤال الوارد هنا هو: لماذا على المجتمع الاهتمام بما إذا كان بإمكان هؤلاء العلماء إعادة إنشاء قوة النجوم؟ والجواب هو أن طاقة الاندماج لديها القدرة على توفير طاقة نظيفة على نطاق الكوكب كله. وإذا تمكن العلماء من إتقانها، فإن ذلك يعني وجود وقود كافٍ لكل شخص على وجه الأرض لاستخدام نفس القدر من الطاقة سنويا مثل ذلك المتوفر للمواطن الأميركي العادي لمدة تصل إلى آلاف السنين على الأقل، وربما ملايين السنين.

كما أن هذا النوع من الطاقة لا يتسبب في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون أو نفايات مشعة طويلة الأمد، ولا تصاحبه مخاطر انهيار مثلما حدث في مفاعلي تشرنوبل وفوكوشيما. ومن المعروف أن العالم يعاني نقصا في الطاقة، وأن بعض مصادر الطاقة هي السبب الرئيسي لأزمة المناخ، ويتم استخدامها كوسيلة في لعبة جيوسياسية خطيرة.

إعادة إنتاج ظروف مشابهة لتلك الموجودة في النجوم، حيث يحدث الاندماج النووي، يمثل تحديا تقنيا مرعبا (رويترز)

تحدٍّ تقني مرعب

ولك أن تتساءل لماذا لم تتوصل البشرية بعد لتوفير طاقة الاندماج النووي؟

والجواب هو أن إعادة إنتاج ظروف مشابهة لتلك الموجودة في النجوم، حيث يحدث الاندماج النووي، يمثل تحديا تقنيا مرعبا قد يكون أعظم تحدٍّ للبشرية على الإطلاق.

ويرجع ذلك إلى أن هذا الأمر يتطلب وصول حرارة آلات الاندماج درجة تفوق 4 إلى 10 مرات درجة حرارة لب الشمس. وفي "جت" هناك حاجة إلى شبكة من الحقول المغناطيسية غير المرئية أقوى 80 ألف مرة من الحقول المغناطيسية للأرض للتحكم في الوقود وحجزه. والوقود نفسه عبارة عن كتلة دوارة من الجسيمات المشحونة غير المستقرة بحيث يمكنها أن توقف التفاعلات في أجزاء من الثانية.

لكن علماء الاندماج مستمرون في تطوير عملهم. ففي أغسطس/آب 2021، اقتربت تجربة أميركية من الوصول للهدف المطلوب من الاندماج وهو إنتاج طاقة أكثر من تلك المستخدمة فيه. وبالرغم من أن الطاقة الإجمالية التي توصلت إليها تلك التجربة كانت متواضعة مقارنة بالرقم القياسي الجديد لشركة (Jet)، فإن المنشأة الأميركية حطّمت الرقم القياسي السابق الخاص بها، الذي تم تسجيله في عام 2018.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، استطاعت الشركة الصينية التجريبية المتقدمة فائقة التوصيل توكاماك (China’s Experimental Advanced Superconducting Tokamak (East)) السيطرة على الأمر عند 150 درجة مئوية لمدة ألف ثانية، وإن كان ذلك دون الأنواع الخاصة من وقود الهيدروجين التي ستكون مطلوبة في نهاية المطاف في المفاعلات التجارية.

تضاعف الاستثمار في طاقة الاندماج في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2021 ليصل إلى 4.2 مليارات دولار (رويترز)

ويهتم عالم الصناعة الآن بطاقة الاندماج النووي، وقد تضاعف إجمالي الاستثمار في هذا المجال في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2021 ليصل إلى 4.2 مليارات دولار.

وقد أثبتت تجربة "كولام" (Culham) للعالم أن إنتاج طاقة عالية من تفاعلات الاندماج أمر ممكن. وبالرغم من الزخم المصاحب للتجربة التي تحدثنا عنها، فإن هناك أشواطا طويلة على العلماء قطعها قبل أن يتوصلوا إلى نتيجة يمكن خلالها التمكن من تزويد منازلنا بالطاقة الناجمة عن الاندماج النووي.

وما زلنا بعيدين عن الوصول إلى الهدف المطلوب لدرجة أن أقوى شركات الاندماج النووي الخاصة تعد بمصنع تجريبي بحلول عام 2025، أما الخطط الحالية للمختبرات الممولة من قبل القطاع العام فلن يكون بمقدورها توفير طاقة النجوم قبل نحو 3 عقود. مع العلم أننا سنحتاج إلى الاندماج النووي ومصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع في وقت أقرب بكثير لمكافحة أزمة المناخ.

المصدر : غارديان