تقرير لناسا يحذر من فيضانات كارثية بحلول 2030 بسبب تذبذب القمر وتغير المناخ

يجب أن يكون الهدف هو محاولة الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والحفاظ على مستوى ارتفاع سطح البحر عند الحد الذي نرى فيه أنه أدنى مستوى ممكن

ارتفاع المد والجزر المقترن بارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى ارتفاع الفيضانات (رويترز)

توصلت دراسة جديدة أجرتها وكالة "ناسا" (NASA) إلى أن ارتفاع المد والجزر المقترن بارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى تعرض السواحل الأميركية لارتفاع "دراماتيكي" في الفيضانات خلال العقود القادمة.

ويتوقع العلماء أن تكون هناك زيادة "سريعة" في وتيرة حدوث فيضانات عالية المد في عدة أجزاء من الولايات المتحدة بحلول منتصف عام 2030، وفقا للتقرير الذي نُشر في يونيو/حزيران الماضي في مجلة "نيتشر كلايمت تشينج" (Nature Climate Change) التي يشرف عليها فريق تابع لوكالة ناسا متخصص في تغير مستوى سطح البحر بـ"جامعة هاواي" (University of Hawaii) الأميركية.

صور لموضوع يتحدث عن دراسة تحذر فيها ناسا من أن تذبذب محور دوران القمر حول نفسه + تغير المناخ سيتسببان في زيادة الفيضانات وغرق السواحل
زيادة الفيضانات تعود جزئيا إلى "تذبذب" القمر (شترستوك)

ضربة مزدوجة للمدن الساحلية

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" (Washington Post) الأميركية عن ويليام سويت -عالم المحيطات في "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي" (the National Oceanic and Atmospheric Administration) وأحد القائمين على الدراسة- القول إننا "سنواجه نوعا من "الضربة المزدوجة" وهذا يعني أن المدن الساحلية -ما لم تتكيف وتقوم بتحصينات- من المرجح أن تشهد فيضانات أكبر مما كان متوقعا".

وأوضح تقرير واشنطن بوست أن سبب زيادة الفيضانات يعود جزئيا إلى "تذبذب" القمر، حيث تتغير زاوية القمر بالنسبة إلى خط الاستواء بمرور الوقت أثناء دورانه حول الأرض. وتؤثر هذه الظاهرة -التي تمتد على مدار 18.6 عاما- على حركة المد والجزر. ويعمل نصف هذه الدورة على تغيير المد والجزر، مما يجعل المد المرتفع منخفضا والجزر مرتفعا، أما النصف الثاني من الدورة فيجعلهما أضخم من قبل.

وخلصت الدراسة إلى أن هذا الجزء الأخير -جنبا إلى جنب مع ارتفاع مستوى سطح البحر الناتج عن تغير المناخ- هو ما سيؤدي إلى حدوث فيضانات أكبر في العقدين المقبلين.

ما يحدث يشبه شخص يخبط بذراعيه في الماء داخل حوض استحمام (رويترز)

حوض الاستحمام سيفيض

ولتفسير هذه الظاهرة، شبّه غاري ميتشوم -العميد المشارك في كلية العلوم البحرية بجامعة جنوب فلوريدا وأحد القائمين على الدراسة- ما يحدث بشخص يخبط بذراعيه في الماء داخل حوض استحمام، الأمر الذي قد لا يتسبب في فيضان الماء من الحوض على الفور، لكن هناك احتمال ارتفاعه وفيضانه عند إضافة مزيد من الماء.

وقال ميتشوم "الموجة الصغيرة هي المد وكمية المياه في حوض الاستحمام هي ارتفاع مستوى سطح البحر، الاثنان غير مرتبطين على الإطلاق؛ لكن الجمع بينهما يعني أنك عرضة لأن يفيض (الماء) من حوض استحمامك في كثير من الأحيان عندما يكون لديك ارتفاع في مستوى سطح البحر وتكون لديك موجة أكبر".

ووفقا للدراسة، فإن التأثيرات الأكثر وضوحا لهذا المزيج ستظهر خلال منتصف الثلاثينيات وحتى الأربعينيات، عندما تتغير الدورة القمرية مرة أخرى، ومع ذلك، فإننا قد بدأنا نشعر ببعض تأثيرات ذلك بالفعل. ويقول العالم المشارك في الدراسة سويت "إن ذلك يحدث بالفعل الآن، ومن المرجح أن يستمر الوضع في التدهور مع مرور الوقت".

map showing sea surface height anomalies in June 2021, with ares in red and orange representing sea levels 10 to 15 cm higher than normal. (Image credit: NASA Earth Observatory/ Joshua Stevens)
الفيضانات الناجمة عن حركة المد والجزر آخذة في الازدياد (ناسا)

الفيضانات إلى ازدياد وارتفاع

ويشير تقرير واشنطن بوست إلى أنه غالبا ما يُنظر إلى تسرب المياه من آثار المد والجزر على أنه مصدر إزعاج ويحدث بانتظام في المدن الساحلية، وتشير الدراسة التي نشرتها ناسا في السابع من يوليو/تموز الجاري إلى أن الفيضانات الناجمة عن حركة المد والجزر آخذة في الازدياد.

ووفقا لتقرير الصحيفة فقد سجلت بعض المدن على طول سواحل جنوب شرق المحيط الأطلسي والخليج أرقاما قياسية لمقدار الفيضانات المرتفعة في الفترة ما بين مايو/أيار 2020 إلى أبريل/نيسان 2021.

فيما شهدت مدن -من بينها كوربوس كريستي وغالفستون في تكساس، وخليج سانت لويس-ويفلاند في ولاية ميسيسيبي- أكثر من 20 يوما من الفيضانات، وفقا لـ "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي" الأميركية.

وكذلك وفقا لتقرير الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، فإن الزيادة الطفيفة في الفيضانات الناجمة عن ارتفاع المد هو اتجاه من المتوقع أن يستمر، وبحلول عام 2030، من المتوقع أن تستمر مثل هذه الفيضانات من 7 إلى 15 يوما على الصعيد الوطني، وتشير التقديرات إلى أنها قد تصل إلى ما متوسطه 25 إلى 75 يوما من الفيضانات في السنة بعد عقدين من الزمن.

صور لموضوع يتحدث عن دراسة تحذر فيها ناسا من أن تذبذب محور دوران القمر حول نفسه + تغير المناخ سيتسببان في زيادة الفيضانات وغرق السواحل
تغير المناخ يمثل عبئا إضافيا مع تذبذب القمر ويعطي ضربة مزدوجة للسواحل (شترستوك)

أكثر من إزعاج بسيط

ويرى فيل طومسون -مدير "مركز دراسات مستوى البحر" (Sea Level Center) بـ"جامعة هاواي" (University of Hawaii) والذي شارك أيضا في الدراسة- أن هذه الفيضانات ستمثل تحديا أكبر بكثير من مجرد إزعاج بسيط.

ويقول طومسون "في بعض الحالات قد تتعرض شركة ما لفيضانات تغمر موقف السيارات 10 أو 15 مرة في الشهر. لم يعد الأمر مجرد إزعاج بعد الآن". ويضيف "سيكون لذلك تأثير اقتصادي كبير على من يتعرض له، إنه في الواقع التأثير المتراكم للعديد من القضايا الصغيرة التي تبدو ثانوية، ولكن عندما تحدث مشكلة بسيطة بشكل مزمن، فإنها تصبح مشكلة أكبر".

ورغم أن التوقعات تبدو قاتمة -حيث يقول الباحثون إنه لا يمكن فعل الكثير لتغيير توقعاتهم للسنوات القليلة المقبلة- فإن هناك بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها، كما يقول بن هاملينجتون، رئيس "فريق دراسات تغيير مستوى البحر في ناسا" (NASA Sea Level Change Team).

إذ سيتعين على المجتمعات المحلية -على المدى القصير- التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة والحد من آثار ارتفاع مستوى سطح البحر، وذلك وفقا لهاملينجتون الذي يرى أنه -في المدى الطويل- على المجتمع العالمي التوصل لسبل للتخفيف من تغير المناخ.

ويضيف هاملينجتون "يجب أن يكون الهدف هو محاولة الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والحفاظ على مستوى ارتفاع سطح البحر (عند الحد) الذي نرى فيه أنه أدنى مستوى ممكن".

المصدر : الواشنطن بوست