دون أن يلحقها أذى.. فراشات يومايوس تتغذى على النباتات السامة
شهدت ملحمة "الأوديسة" الإغريقية كرمَ "يومايوس الراعي" وجودَه بأفضل الطعام لضيوفه. غير أن الاسم نفسه ورثه من بعده نوع من الفراشات التي تتغذى على أخبث الطعام "النباتات السامة".
إذ تتغذى يرقات فراشات "يومايوس أتالا" (Eumaeus atala) على النباتات السيكادية السامة (Cycads)، التي تحتوي على مادة سامة وضارة بالكبد تسمى "السيكازين" (Cycasin).
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأجنحة الفراشات السوداء قد تقود لاكتشاف جديد في عالمي التلسكوبات والطيران
لتطوير مواد عازلة للمياه.. العلماء يكتشفون آليات أجنحة الفراشات في التصدي لقطرات المطر القاتلة
تشمل أنظمة استشعار وتخفٍ.. العالم يستلهم تقنيات المستقبل من أجنحة الفراشات
وعلى الرغم من أن هذا النوع من النباتات وُجِد منذ قديم الأزل -قبل أن تجول الديناصورات بالأرض- لم يُعرف مصدرًا لغذاء تلك اليرقات إلا حديثًا. وهو ما دفع العلماء للتساؤل عن الآلية التي طورتها هذه الفراشات للتعايش مع هذه السموم دون أي ضرر يصيبها.
جميلة وسامة
وحديثا، ألقى مجموعة من العلماء -من المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي المدار بواسطة "مؤسسة سميثسونيان" (Smithsonian’s National Museum of Natural History) ومن جامعة جنوب غرب تكساس الطبية (University of Texas Southwestern Medical Center)- الضوءَ على القصة التطورية الكاملة التي اكتسبت بها فراشات "يومايوس أتالا" و5 أنواع من جنسها نفسه القدرةَ على التحول إلى نظام غذائي معتمد على السموم.
تعدُّ فراشات "يومايوس أتالا" كبيرة الحجم نظرًا لامتلائها بالسموم. كما أنها بارعة الجمال وذات ألوان قزحية وتضرب بجناحيها بشكل صاخب، إضافة إلى أنّ يرقاتها لافتة للنظر، إذ تجتمع في مجموعات تشع ألوانا حمراء وذهبية براقة عندما تتغذى على النباتات السيكادية، إلا أن هذه السمات المبهرجة تعدُّ وسيلتها الدفاعية التي تصدرها عبر إشارات تحذيرية للمفترسات بأنها وجبة سامة.
وبحسب البيان الصحفي الذي أورده موقع "يوريك ألرت" (Eurek Alert) يُشير روبرت روبينز قائد الدراسة وأمين المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي إلى أن هذه "الفراشات لا تمتلك أسنانًا أو مخالبَ للدفاع عن نفسها، وعوضًا عن ذلك فإنّها تستخدم ألوان أجنحتها وسلوك طيرانها كنوع من الإشارات التحذيرية للمفترِسات".
اختلافات مميزة
درس العلماء التسلسل الجيني لـ46 من هذه الفراشات، والتي مثلت الـ6 أنواع المشار إليها سابقا، وكذلك بعض أنواع الفراشات الأخرى قريبة الصلة بها من ذوات الخطوط الشعرية. كما أنهم استعانوا بعينات الفراشات المتنوعة الموجودة في المتحف الوطني، إضافة إلى بعض عينات الفراشات البرية.
وتنتشر الفراشات ذات الخطوط الشعرية على نطاق واسع في أميركا الشمالية والجنوبية، وهي فراشات صغيرة جدا ومراوغة، وعادة ما تتخفى يرقاتها -التي تأكل نباتات مزهرة متنوعة- بشكل جيد دون أن تجتمع في مجموعات. وبسبب هذه الاختلافات، فقد رأى بعض الباحثين أن فراشات يومايوس لا تندرج ضمن نوع من الفراشات ذات الخطوط الشعرية.
ولاحظ العلماء أن الفراشات من جنس يومايوس لم تستقل في الماضي بذاتها تطوريًا عن الفراشات ذوات الخطوط الشعرية. كما أظهرت النتائج أن قدرة هذه الفراشات على أكل النباتات السيكادية السامة كانت مزية مكتسبة حديثا. وهو الأمر الذي أحدث تغيرا تطوريا سريعا جعلها تكتسب بعض الصفات الحديثة التي تميزها عن الفراشات ذوات الخطوط الشعرية.
كما لاحظ الفريق أن فراشات يومايوس قد انقسمت إلى فرعين تطوريين بعدما بدأت في التغذية على النباتات السيكادية. بعد ذلك درس الفريق التشابه والاختلاف الجيني بين هاتين السلالتين، ووجد أن هذه الفراشات احتوت على قدر كبير من التغير الجيني الخاص بإنتاج أنواع مختلفة من البروتينات.
ميزات تطورية
ولمعرفة ما إذا كانت هذه البروتينات نتاجا لأكل النباتات السامة أم لا، قارن الفريق جينات فراشات يومايوس بقريناتها التي تتغذى على النباتات الزهرية، فوجد أن الفراشات الأخيرة قد احتوت أيضا على جينات سريعة التطور.
وعندما استبعدوا الجينات سريعة التطور المتشابهة في فراشات يومايوس والفراشات الأخرى، لاحظوا أن فراشات يومايوس قد طوّرت جينات ترتبط بإنتاج بروتينات أساسية ومهمة لبقائها وتعايشها مع هذه السموم.
وعن هذه البروتينات يقول روبينز "وجدنا مجموعة من البروتينات المرتبطة بفراشات يومايوس دون غيرها التي لا تأكل السيكاديات. إذ وجدنا أن هناك زيادة في البروتينات التي تقتل الخلايا والتي تزيل مخلفات الخلايا الميتة، وكذلك البروتينات المسؤولة عن تكوين خلايا جديدة". وهي بالطبع البروتينات التي سيحتاجها أي كائن حي يرغب في التخلص من سموم "السيكازين".