هل يمكن أن تساعدنا أوراق النباتات في العثور على البقايا البشرية المدفونة؟

العلماء يسعون لمعرفة كيف يمكن للنباتات أن تستجيب لتحلل جسد الإنسان وهل يمكن كشف تلك الاستجابة من الهواء (بيكسابي)

"مزرعة الجسد" في جامعة تينيسي (University of Tennessee) هي مكان معروف رسميا باسم "مرفق أبحاث الأنثروبولوجيا" (Anthropology Research Facility)، وهو المكان الذي يدرس فيه علماء الأنثروبولوجيا الشرعيون آثار التحلل البشري على بضعة أفدنة من الأراضي المخصصة لذلك.

حظيت هذه المزرعة يوما بزيارة من نيل ستيوارت عالم النبات في الجامعة، والذي صرح لموقع ساينس ألرت Science Alert بأنه حاول صرف انتباهه عن الجثث ونظر إلى الغابة وبعض الشجيرات، ثم تساءل عما إذا كانت النباتات التي تنمو في الموقع قد تستجيب لتحلل الإنسان؟ وهل يمكن كشف تلك الاستجابة من الهواء؟

لقد كان شيئا لم يفكر في دراسته من قبل، لكنه بدا معقولا، فعندما تتحلل بقايا الإنسان على الأرض أو داخلها فإنها تدخل في دورة تحلل طبيعية تغذي التربة المحيطة بالميكروبات والمواد الكيميائية، ولكن هل يمكن لهذا أن يغير مظهر النباتات أعلاه؟

فريق متعدد التخصصات

بعد عام من زيارة المزرعة انضم ستيوارت إلى فريق من علماء الأحياء والأنثروبولوجيا الآخرين، لمعرفة ما إذا كانت "جزر التحلل" موجودة بالفعل، وإذا كان الأمر كذلك فهل يمكن استخدام هذه المعرفة للعثور على الأشخاص المفقودين في البرية أو البقايا البشرية المخفية.

يعرض مقال افتتاحي نشر حديثا في دورية "تريندس إن بلانت ساينس" Trends in Plant Science" تفاصيل أفكار هؤلاء العلماء للمجتمع العلمي الأوسع.

وكتب المؤلفون "إذا تمكنا من تحديد معالم الإشارات الرئيسية لرحلة تحول الجثة إلى التربة والنبات فقد تساعد النباتات فرق الطب الشرعي في البحث عن الأشخاص المفقودين باستخدام تقنية الاستشعار عن بعد".

ويتوقع ستيوارت أن يتعلم الكثير عن التفاعلات بين الجثث وميكروبيومها وميكروبيوم التربة والنباتات، (والميكروبيوم هو مجموعة الميكروبات المتكافلة والمتعايشة مع الأجساد أو البيئات بشكل طبيعي).

ويعتقد أن النتيجة الأكثر وضوحا ستكون إطلاقا كبيرا للنيتروجين من الجزر المتحللة إلى التربة، خاصة في فصل الصيف عندما يمكن أن يحدث التحلل البشري في غضون أسابيع.

ويشك ستيوارت أنه "اعتمادا على سرعة استجابة النباتات لتدفق النيتروجين قد يتسبب ذلك في تغيرات بلون الورقة وانعكاساتها".

العناصر الغذائية من الجثة أو جزيرة التحلل تبلغ مساحتها 3 أمتار مربعة ويمكن أن تتسرب إلى الغطاء النباتي القريب (بيكسابي)

فتش عن الأوراق

تقدر الافتتاحية أن العناصر الغذائية من جزيرة التحلل تبلغ مساحتها 3 أمتار مربعة ويمكن أن تتسرب إلى الغطاء النباتي القريب، مما يوفر لها سمادا نيتروجينا موسميا أكثر 50 مرة من المعتاد.

وقد يؤدي هذا إلى "تأثير الاخضرار"، حيث يرتبط نيتروجين الأوراق بزيادة الكلوروفيل، وهو صبغة النبات الخضراء اللازمة لعملية التمثيل الضوئي.

في الوقت الحالي، فإن آلية جزر التحلل هذه افتراضية، ولم يحقق العلماء بعد فيما إذا كانت البقايا البشرية المتحللة يمكن أن تسبب تغيرات ملحوظة في النباتات، ناهيك عما إذا كان بإمكاننا اكتشافها من أجهزة الاستشعار عن بعد مثل الأقمار الصناعية أو المركبات الجوية غير المأهولة.

وقد أشارت الأبحاث السابقة إلى أن الجثة يمكن أن توفر 17 عنصرا من أصل 18 عنصرا مطلوبا لنمو النبات، لكن هناك حاجة لإجراء المزيد من العمل البحثي قبل أن نتمكن من تطبيق هذه الفكرة للعثور على جثة شخص مفقود في منطقة غابات كثيفة.

ويقول الباحثون إن أحد أكبر التحديات سيكون فصل جزر التحلل البشري عن جزر الحيوانات الأخرى، والتي غالبا ما تستخدم في أبحاث اضمحلال الجثث.

الفريق يجادل في أنه من المتصور أن الأحماض الأمينية من البقايا البشرية يمكن اكتشافها عبر وميض الأوراق (بيكسابي)

بين جثث البشر والحيوانات

في هذه الحالة قد يكون النظام الغذائي البشري -الذي قد يتضمن آثارا تركيبية للأدوية والمواد الحافظة- عاملا جيدا للتمييز.

تحتوي أوراق النبات على جدران خلوية مكونة من اللجنين شديد الوميض الذي يتكون من الأحماض الأمينية المنقولة إلى النبات عبر جذوره، وبالتالي يجادل الفريق بأنه من المتصور أن الأحماض الأمينية من البقايا البشرية يمكن اكتشافها عبر وميض الأوراق.

ويوضح ستيوارت "إحدى الأفكار هي أنه إذا كان لدينا شخص معين مفقود، وكان -على سبيل المثال- مدخنا شرها فإنه يمكن أن يكون لديه ملف تعريف كيميائي قد يؤدي إلى نوع من الاستجابة الفريدة للنبات، مما يسهل تحديد موقعه".

فالكادميوم هي مادة كيميائية تتكون من مركبات من الأحماض الأمينية الطبيعية، ويمكن العثور عليها بتركيزات عالية بين مدخني السجائر، حيث تمتصها النباتات أيضا بسهولة، وقد ثبت أنها تؤثر على الخلايا التي تحتوي على الكلوروفيل.

وهكذا، فإن النباتات -التي كانت توفر غطاء للجثث المفقودة- يمكن أن تساعد يوما ما في الكشف عنها.

الفريق يسعى لقياس كيفية تغير انعكاسات الأوراق وتألقها بمرور الوقت عندما تكون النباتات بالقرب من بقايا بشرية (بيكسابي)

كل بعيد بالبحث قريب

يعترف ستيوارت بأن المفهوم "لا يزال بعيد المنال"، لكنه وفريقه في مزرعة الجثث يجرون بالفعل التجارب الأولى لاختبار تأثير الجثث على النباتات.

ويقول ستيوارت "لقد أنشأنا بالفعل جهازا لتصوير الجذور يمكنه تحليل إشارات التألق، لكن الخطوات الأولى ستكون على نطاق واسع للغاية، بالنظر إلى الأوراق الفردية وقياس كيفية تغير انعكاسها أو تألقها بمرور الوقت عندما تكون النباتات بالقرب من بقايا بشرية".

وفي الوقت الحالي يحاول الفريق معرفة السرعة التي تستجيب بها النباتات لبقايا الإنسان، وما إذا كانت الأنواع المختلفة من الأشجار والشجيرات تستجيب بطرق مماثلة.

المصدر : الصحافة الأسترالية