فرضية جديدة.. التوصيل الحراري سبب في تمدد الأرض

القشرة الخارجية للأرض مقسمة إلى صفائح متحركة يتركز نشاطها على طول الحدود الفاصلة بينها (ويكيبيديا)

يستطيع العلماء تفسير نشاط الأرض الصلبة -مثل حالات الزلازل والبراكين- في سياق نظرية "الصفائح التكتونية" التي يرجع عمرها إلى 50 عاما مضت.

وتفترض هذه النظرية أن القشرة الخارجية للأرض (الغلاف الصخري) مقسمة إلى صفائح تتحرك نسبة إلى بعضها البعض، ويتركز نشاطها على طول الحدود الفاصلة بينها، إلا أن المجتمع العلمي لا يعرف كيف نشأت هذه الصفائح التكتونية.

وفي دراسة جديدة نشرتها دورية نيتشر كومينكيشنز Nature Communications في 17 يوليو/تموز الجاري قدم فريق دولي يضم باحثين من الصين وهونغ كونغ والولايات المتحدة الإجابة عن هذا التساؤل، آخذين توقيت حدوثه في الاعتبار.

فرضية قديمة بشكل جديد

وتبدو الفرضية الجديدة مشابهة بشكل كبير لفكرة موجودة منذ عقود، إلا أن هذه الدراسة جاءت لتعيد النظر فيها.

ومن المعروف أن الصفائح التكتونية تختلط ببعضها وتعيد ترتيب نفسها منذ ما يقارب 3.3 إلى 4.4 مليارات عام، لذا فإن هذه الحركة التكتونية التي أعادت تدوير القشرة الأرضية واستمرت لمليارات السنين تجعل من الصعب جدا معرفة الكيفية التي نشأت بها الصفائح التكتونية، فقبل بضع سنوات طور الباحثون نموذجا يوضح أن الصفائح التكتونية تكونت لأول مرة في عملية مشابهة لعملية الإزاحة التي تحدث لها حاليا.

النموذج المقترح المفسر لتمدد الأرض وتصدعها (اللون الأسود) مكونة الصفائح التكتونية (يوريك ألرت – جامعة هونغ كونغ)

وتأخذ بعض أجزاء من القشرة الأرضية في الانغمار تحت أجزاء أخرى، ثم يبدأ التفاعل المتسلسل لهذه القطع المتدافعة والذي دام لآلاف السنين.

لكن الدراسة الجديدة تقدم نموذجا مختلفا تماما، إذ تقترح أن القشرة الأرضية -التي كانت حديثة التكون آنذاك منذ مليارات السنين- أصبحت ساخنة، مما تسبب في تمددها ثم تصدعها مكونة ما نعرفه الآن بالصفائح التكتونية، وبالتالي فإنها جاءت نتيجة للتمدد الحراري لقشرة الأرض.

تمدد أم انكماش حراري؟

ولا تعتبر فرضية تمدد الأرض بالفكرة الجديدة، إذ اقتُرحت هذه الفكرة في القرن الـ19 لتفسير بعض المعالم الجغرافية الملاحظة على الأرض كالجبال.

فقبل اكتشاف نظرية الصفائح التكتونية في ستينيات القرن الـ20 افترض بعض العلماء مثل تشارلز داروين أن أغلبية الزلازل والجبال وتوزيعات الكتلة اليابسة على الأرض كانت نتاجا لعمليات تمدد الأرض.

بعض العلماء افترضوا أن أغلبية الزلازل والجبال وتوزيعات اليابسة على الأرض كانت نتاجا لعمليات تمدد الأرض (ويكيبيديا)

ونظرا لأن مصدر الحرارة الداخلي الرئيسي للأرض هو النشاط الإشعاعي، والذي يعتبر في تناقص مستمر نتيجة لتحلل العناصر المشعة بمرور الوقت، لذا فإننا على الأغلب أمام حالة من الانكماش وليس التمدد الحراري، ولذلك فإن صحة فرضية تمدد الأرض قد أسقطت.

إذًا، كيف لهذه الدراسة الحديثة أن تستعيد صحة هذا الافتراض مجددا؟

التوصيل الحراري

يرى ألكسندر ويب عالم الكواكب في جامعة هونغ كونغ والمشارك في الدراسة كما ورد في التقرير الذي نشره موقع "ساينس ألرت Science Alert" أن "الإجابة تكمن في آليات فقدان الحرارة التي من المرجح أنها حدثت خلال حقب الأرض المبكرة".

ويشرح ويب هذه الآلية قائلا "يكمن ذلك في الزحف البركاني الذي حمل الحمم الساخنة من عمق الأرض إلى سطحها، وكان سببا رئيسا في فقدان الحرارة المبكر، والذي غير كل شيء، وقد ساهم تراكم الحمم المبردة في إغراق الطبقة الخارجية الصخرية للأرض وتبريدها".

الزحف البركاني حمل الحمم الساخنة من عمق الأرض إلى سطحها وكان سببا رئيسيا في فقدان الحرارة المبكر (بيكسابي)

وبالتالي، فإن عملية تفريغ ما في باطن الأرض -الساخن- وتراكمه على السطح قد تطلبت في النهاية غرق طبقات السطح الأصلية -الباردة- إلى الأسفل، ولأن الأرض كانت تبرد بشكل عام فقد أدى ذلك إلى تباطؤ البراكين.

لكن الطبقة الخارجية الصخرية للأرض ظلت دافئة بشكل متزايد -كما تقول الدراسة الحديثة- إثر عمليات التوصيل الحراري مع مادة الأرض العميقة الساخنة، وبالتالي فإن الاحترار الحادث لطبقة الأرض الخارجية جراء عمليات التوصيل الحراري كان سببا في تمددها.

لكن، من المهم ملاحظة أن هذه الدراسة تقدم فرضية جديدة تحتاج إلى المزيد من الأدلة لفهم ما حدث على سطح الأرض المبكرة، وكيف تكونت الصفائح التكتونية.

المصدر : الصحافة الأسترالية + الصحافة الأميركية