التداعيات العالمية للغبار.. أسهمت في خفض الكربون وحافظت على برودة العصر الجليدي الأخير

خلال ذروة العصر الجليدي الأخير للأرض، تم اكتشاف الكثير من الغبار المحتوي على الحديد (إيتيز – ويكيبيديا)

يحتوي قاع المحيط في جنوب المحيط الهادي على آثار للغبار القديم الذي ربما غيّر مناخ الأرض، وتشير الأبحاث الجديدة إلى أنه جاء على طول الطريق من تحت الأنهار الجليدية في العصر الجليدي لما يعرف الآن بالأرجنتين.

من بين تلك الأبحاث بحث منشور في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، ونشر البيان الصحفي له على موقع "فيز.أورغ" (Phys.org).

الحديد والعوالق

ووفقا لنتائج البحث فقد كانت المعادن المجهرية في الغبار القديم، التي حملتها الرياح الغربية القوية منذ نحو 20 ألف عام قد أبحرت حول الكرة الأرضية بأكملها تقريبا قبل أن تستقر أخيرا في خطوط العرض الوسطى من المحيط الهادي.

والأهم من ذلك أنها كانت تحمل عنصرا غذائيا يمكن أن يفسر فترة التبريد العالمي، وكان هذا المكون هو الحديد، وهو عنصر غذائي حيوي للطحالب المجهرية في محيطاتنا، والمعروفة باسم العوالق النباتية، وهذه المخلوقات بدورها جزء أساسي من مناخ الأرض.

وذلك لأن العوالق النباتية تمتص الكربون أثناء عملية التمثيل الضوئي، وبالتالي تخزّن ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في محيطاتنا وتؤدي إلى التبريد العالمي، وقد تمثل "أعظم آلية بيولوجية لعزل الكربون على هذا الكوكب".

تمتلك العوالق النباتية أعظم آلية بيولوجية لعزل الكربون على هذا الكوكب (ناسا)

واليوم، لا يزال الحديد يساعد في تخصيب محيطاتنا، ولكن خلال ذروة العصر الجليدي الأخير للأرض، تم اكتشاف الكثير من الغبار المحتوي على الحديد أثناء ذوبان الأنهار الجليدية الموسمية، وانتشر في المحيط بمعدل أعلى بكثير.

يقول توربين ستروف عالم الجيولوجيا بجامعة أولدنبورغ (University of Oldenburg) في ألمانيا والتي قامت بالبحث، إن كل هذا الحديد الإضافي الذي غذّى العوالق النباتية أدى إلى خفض مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ويمكن أن يساعد في تفسير "كيف يمكن أن تصبح الأرض شديدة البرودة إلى أقصى درجة في ذلك الوقت".

وعلى هذا النحو، يعتقد بعض العلماء أن التخصيب بالحديد قد يكون وسيلة مفيدة لزيادة بالوعة الكربون في محيطاتنا والمساعدة في تبريد كوكبنا في المستقبل. لكن الهندسة الجيولوجية من هذا النوع هي إستراتيجية محفوفة بالمخاطر ومثيرة للجدل. وتذهب نتائج هذه الدراسة الجديدة إلى توضيح مقدار الغبار الذي نحتاجه ليكون له تأثير كبير بما يكفي.

الغبار الحامل للحديد كان مسؤولا عن خفض ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنحو 40 جزءا في المليون (ناسا – مركز جودارد لرحلات الفضاء)

انبعاثاتنا والتغذية المرتدة

اليوم، تتسبب الانبعاثات البشرية في زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون من نحو 280 إلى نحو 415 جزءا في المليون (أجزاء في المليون) منذ الثورة الصناعية، وهو ارتفاع أعلى بكثير من المستويات الطبيعية.

وخلال العصر الجليدي الأخير، أكدت النماذج السابقة أن الغبار الحامل للحديد كان مسؤولا عن خفض ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنحو 40 جزءا في المليون. وهذا يقارب نصف الاختلاف الطبيعي بين ذلك العصر الجليدي والفترة الجليدية التالية، ولا يساوي حتى ربع انبعاثاتنا.

ومع ذلك، فإن العلماء مصممون على معرفة المزيد عن نظام التغذية المرتدة المعقّد هذا على أمل أن يتمكن يوما ما من تحسين نماذجنا المناخية أو مساعدتنا في التقاط مزيد من الكربون الموجود في الغلاف الجوي.

لذا فقد قامت الدراسة الجديدة بتحليل 18 قلبا للرواسب من جنوب المحيط الهادي بين القارة القطبية الجنوبية ونيوزيلندا وتشيلي، وقارنت البصمات الكيميائية للغبار القديم بالبيانات الجيولوجية من قارات عدة مختلفة.

شيء صغير مثل الغبار يمكن أن يكون له تداعيات عالمية (ناسا – مركز جودارد لرحلات الفضاء)

المفاجأة في مصدر الغبار

وفي النهاية، تشير النتائج إلى أن ما يبلغ 80% من الغبار المحتوي على الحديد جاء مما هو الآن شمال غربي الأرجنتين، حيث قطع ما يقارب 20 ألف كيلومتر مع الرياح الغربية القوية خلال العصر الجليدي الأخير.

هذا اكتشاف فريد ومثير للاهتمام، لأن مدخلات الغبار من الأنهار والبحيرات الأسترالية تهيمن اليوم على منطقة الدراسة بأكملها. وحتى في الماضي، كانت باتاغونيا عادة تعد المصدر الرئيس للغبار القديم الذي يسافر بعيدا، وليس المناطق الواقعة شمالا في وسط أميركا الجنوبية.

يقول ستروف "لقد فوجئنا بأن مصادر وطرق نقل الغبار كانت مختلفة تماما عن اليوم ومختلفة أيضا عما كنا نتوقعه، والاحتباس الحراري غيّر الرياح والظروف البيئية في مناطق المنبع".

إن شيئا صغيرا مثل الغبار يمكن أن يكون له تداعيات عالمية. بعد 30 عاما من اكتشافنا لأول مرة تأثيره في نظام المناخ، ما زلنا نتعلم المزيد عن هذه المعادن المجهرية، بما في ذلك مصدرها.

المصدر : الصحافة الأسترالية + الصحافة الأميركية