الحمض النووي البيئي يكشف الكائنات الغازية في وقت مبكر

Said سعيد - يمكن لبلح البحر الآسيوي تغيير قاع البحر من طيني إلى رملي سميك. (لوك هولمان، جامعة ساوثهامبتون) – يوريك ألرت – - الحمض النووي البيئي يكشف الكائنات الغازية في وقت مبكر
بلح البحر الآسيوي يمكنه تغيير قاع البحر من طيني إلى رملي سميك (لوك هولمان-جامعة ساوثهامبتون)

طارق قابيل

اكتشف فريق من العلماء البريطانيين العديد من الأنواع الغازية في المياه الساحلية لجنوب إنجلترا باستخدام تقنية حديثة يمكن أن تساعد في الكشف المبكر عن تلك الأنواع غير المتوطنة إذا تم اعتمادها على نطاق أوسع.

ونشرت الدراسة -التي قام بها فريق من باحثي جامعتي ساوثهامبتون وبانجور والمركز الوطني لعلوم المحيطات- في مجلة "ساينتفيك ريبورتس" في التاسع من أغسطس/آب الجاري.

وقام الباحثون -بقيادة لوك هولمان (طالب الدكتوراه بجامعة ساوثهامبتون)- بجمع المياه والرسوبيات من أربع مراس في المملكة المتحدة، وقاموا بتحليل الأحماض النووية للعينات المائية لتحديد الأنواع التي كانت متواجدة في النظم البيئية.

في المجمل، حدد الفريق 18 نوعا غازيا غير متوطن في المراسي الأربع التي تم أخذ عينات منها، وكان من بين الأنواع التي تم تحديدها خلال الدراسة دودة "سيفالوثريكس سيمولا" (Cephalothrix simula)، وهي دودة منشؤها شمال غرب المحيط الهادي، وتحتوي على سموم عصبية يحتمل أن تكون قاتلة إذا دخلت جسم الإنسان.

ومن بين الأنواع الأخرى التي تم إدخالها مؤخرا، اكتشف الباحثون نوعا من بلح البحر الآسيوي يعرف باسم "أركواتولا سينهوسيا" (Arcuatula senhousia)، ونوعا آخر من الديدان يعرف باسم "بارانايس فريسي" (Paranais frici).

ولم يتم اكتشاف دودة "سيفالوثريكس سيمولا" سابقا في المملكة المتحدة عندما أجريت دراسة سابقة في مايو/أيار 2017، رغم أنه كان عثر عليها لاحقا في كورنوال في العام التالي؛ وهذا الاكتشاف تم توثيقه من قبل مركز علوم البيئة ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية.

تقنية لا تقدر بثمن
من المعروف أن الكائنات الحية تترك آثارا للحمض النووي الخاص بها في شبكات المياه؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن تفقد الأسماك القشور ويمكن للعديد من الأنواع إطلاق الحيوانات المنوية أو البيض خلال مواسم التفريخ.

وقد تمكن الفريق من استخراج المادة الوراثية المعروفة باسم الحمض النووي البيئي (eDNA)، ومقارنتها بقواعد بيانات الحمض النووي العالمية لتحديد وجود الأنواع الغريبة والغازية.

وقال لوك هولمان في بيان صحفي للجامعة "نحن متحمسون للغاية لإمكانية الحمض النووي البيئي في اكتشاف الأنواع الغازية. هذا العمل الأولي يعطينا الثقة في أن هذه التقنية يمكن أن تصبح تقنية لا تقدر بثمن، سواء للكشف عن الأنواع الغازية في وقت مبكر، أو لرصد نجاح جهود القضاء عليها".

‪سفينة تفرغ مياه الصابورة‬ (لوك هولمان، جامعة ساوثهامبتون)
‪سفينة تفرغ مياه الصابورة‬ (لوك هولمان، جامعة ساوثهامبتون)

وأضاف "نحن نعلم أن المسطحات الموحلة بمياه ساوثهامبتون ومنطقة سولنت توفر قدرا كبيرا من الطعام من أجل تغذية الطيور، لذلك يجب أن نشعر بالقلق إزاء أي نوع لديه القدرة على تغيير الرواسب".

غزو حيوي
ويعرف الغزو الحيوي بأنه انتقال كائنات حية إلى بيئات جديدة لم تكن موجودة فيها من قبل، وقد تسبب أضرارا للأنظمة الحيوية بها. وتعرف هذه الكائنات الحية المدخلة بالأنواع الغازية أو المجتاحة، وتزيد سهولة الانتقال بين الدول من مشكلة هذا الغزو.

وقد يمتلك النوع الغازي خصائص تساعده في التأثير على النوع الأصيل الموجود في تلك المنطقة أو المنافسة معه على مصادر الحياة؛ مما يؤدي إلى أضرار عديدة. وإذا لم يتم اكتشافها مبكرا، فيمكن أن تكون للأنواع الغازية آثار مدمرة على موائل الحياة البرية الأصلية في البلاد.

على سبيل المثال، يمكن لبلح البحر الآسيوي تغيير الرواسب من خلال الشرانق الخيطية التي ينتجها وتنسج معا، وتقوم بتغيير قاع البحر من طيني إلى رملي سميك؛ وهذا بدوره يغير نوعية الكائنات التي تعيش في المنطقة.

وغالبا تتسبب تنقلات الإنسان ووسائل نقله كائنات حية أخرى بشكل متعمد أو عفوي في الغزو الحيوي، وهناك العديد من الطرق التي تصل بها الأنواع الغازية إلى أي ميناء في العالم بصفة عامة، فيمكن حملها في خزانات مياه الصابورة (المياه التي تسحبها السفينة للحفاظ على توازنها، خاصة عندما تفرغ من الحمولة) أو في هياكل السفن من ميناء دولي إلى آخر.

وهذا الأمر شائع بشكل خاص في أماكن مثل ساوثهامبتون، وإلقاء ماء الصابورة من دون معالجته يلوث البيئة البحرية، ويمكنه أيضا رفع الأرصدة السمكية الحية والمحار المستوردة لمزارع الأسماك البريطانية.

الأولى من نوعها
مما ساعد الفريق البحثي في الكشف عن تلك الأنواع الغازية ما يعرف باسم التشفير الشمولي لعينات الحمض النووي البيئي (eDNA metabarcoding)، وهو أسلوب تصنيف يستخدم علامة جينية قصيرة في الحمض النووي في الكائنات الحية للتعرف على أنها تنتمي إلى نوع معين من الكائنات.

والهدف الرئيسي لهذه التقنية هو التعرف على عينة غير معروفة من خلال تصنيف معروف للكائن مقدما. والمسوح المعتمدة عليها شائعة في رصد التنوع البيولوجي، ولكن استخدامها للكشف عن الأنواع الغازية لا يزال محدودا.

وتعد هذه الدراسة الأولى من نوعها في المملكة المتحدة؛ ولهذا يأمل الفريق الاستفادة من بحوثه عبر توفير التوجيه للمراقبة الروتينية، ورصد الأنواع الغازية لوكالات الموارد الطبيعية داخل المملكة المتحدة وخارجها.

المصدر : الجزيرة