الوجوه الحقيقية لوادي السيليكون

وادي السيليكون ليس مكانا للأشخاص المثاليين فحسب. (غيتي)

نادرا ما يبدو العاملون في وادي السيليكون مثل النمط المثالي الرائج عنهم في القصص التقليدية عن الوادي. فهم أحيانًا أكثر وزنا، وأحيانا أكبر سنا، وغالبا ما يكونون من الإناث، وكثيرا ما يكونون من أصحاب البشرة الداكنة، والكثير منهم هاجروا من أماكن أخرى، ومعظمهم يكسبون أقل بكثير من مارك زوكربيرغ أو تيم كوك.

هذا مكان للفروق

ورغم أن شركات التكنولوجيا في هذا الوادي هي التي قادت الاقتصاد الأميركي للنهوض منذ الكساد الكبير فإن هذه المنطقة ظلت واحدة من أكثر المناطق تفاوتا في الولايات المتحدة.

وخلال ذروة وباء كورونا لم تتمكن 4 من كل 10 أسر في هذه المنطقة ممن لديها أطفال من الاطمئنان من أن لديها ما يكفيها من الطعام خلال الأيام التالية، وذلك وفقا لتحليل أجراه معهد وادي السيليكون للدراسات الإقليمية.

وبعد أشهر فقط أصبح إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" (Tesla) -الذي أضاف مؤخرا لقب "ملك التكنو" (Technoking) إلى اسمه- "أغنى رجل في العالم".

ويبلغ متوسط سعر المنزل في مقاطعة سانتا كلارا -موطن "آبل" (Apple) وشركة "ألفابت" (Alphabet)- حاليا 1.4 مليون دولار، وفقا لرابطة كاليفورنيا للوسطاء العقاريين.

وبالنسبة لمن يعيشون في هذا الوادي ولم يحالفهم الحظ بما فيه الكفاية لدخول قوائم المليارديرات -مثل صغار المهندسين وعمال شاحنات الطعام والمقيمين منذ فترة طويلة- أصبح الوادي غير مضياف لهم بشكل متزايد، مما يعد اختبارا لعزيمتهم وقدرتهم على تحمل العيش هناك.

العمال الذين يعيشون في وادي السيليكون يواجهون تحديات متزايدة الصعوبة مع مرور الوقت (غيتي)

وفيما يلي 12 شخصا ممن يعيشون هناك وظهروا بالأصل في كتابنا "أن ترى وادي السيليكون"، والذي تم الاقتباس منه.

رافي وغوثامي

حصل الزوجان رافي وغوثامي على درجات متعددة في التكنولوجيا الحيوية وعلوم الكمبيوتر والكيمياء والإحصاء، وفي عام 2013 وبعد الدراسة في الهند والعمل في ويسكونسن وتكساس وصلا إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو، حيث يعملان الآن مبرمجين إحصائيين في صناعة الأدوية.

وحاليا يستأجران شقة بغرفة نوم واحدة في بلدة فوستر سيتي على جانب خليج سان فرانسيسكو، يحضران بانتظام للصلاة في معبد هندوسي بمنطقة سينيفيل، والذي كان مركزا لتجمع الهنود منذ أوائل التسعينيات.

وعلى الرغم من أن الزوجين قد عملا بجد للوصول إلى هنا وأنهما يكسبان أموالا جيدة (كانت راتب كل واحد منهما الأولي حوالي 90 ألف دولار) فإنهما يشعران أن المستقبل في وادي السيليكون يستعصي عليهما، فشقتهما -على سبيل المثال- تكلف ما يقارب 3 آلاف دولار في الشهر، ويمكن أن ينتقلا إلى منزل آخر أقل تكلفة، ولكن سيقضيان ساعات طويلة كل يوم في التنقل، ويرغب الزوجان بالبقاء في الوادي لكنهما لا يشعران بالثقة في قدرتهما على الادخار والاستثمار أو تكوين أسرة، إنهما غير متأكدين مما يجب عليهما فعله في المستقبل.

ديان

تعيش ديان في منزل واسع بمنطقة مينلو بارك، وهي المدينة التي يوجد فيها مقر فيسبوك، ومنزلها مليء بأشياء جميلة من رحلات السفر مع زوجها، وهو رجل أعمال صيني وكان محبا لأعمال الخير، وهو متوف الآن.

انتقل الزوجان إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو منذ أكثر من 30 عاما عندما تقاعد، وأحبا المنطقة، حيث أشعة الشمس والمحيط والمساحات المفتوحة على مصراعيها.

ومنذ ذلك الوقت شاهدت ديان الوادي وهو يتغير، وتقول "المنطقة مزدحمة الآن، كان الأمر جميلا في الماضي، كانت لدينا مساحة أوسع، ولم تكن لدينا حركة مرور مزدحمة، كان مكانا رائعا تماما، الآن الوادي مكتظ بالسكان، المباني ترتفع في كل مكان وكأنه لا توجد مساحة للغد".

وتابعت "المال الذي يتداول هنا لا يصدق، كثير جدا، وهو في أيدي الشباب الآن، ولا توجد لديهم مشاعر أو أحاسيس، اهتماماتهم أصبحت مادية فقط".

فيكتور

جاء فيكتور إلى وادي السيليكون من السلفادور قبل أكثر من 25 عاما، يعيش في مقطورة بيضاء صغيرة بمنطقة ماونتن فيو على بعد بضعة أميال من مجمع غوغل، وكان يعيش في شقة قريبة لكنه اضطر إلى المغادرة عندما أصبح الإيجار مرتفعا جدا.

ومقطورته متوقفة في صف طويل من المقطورات، يسكن في بعض منها آخرون ممن فقدوا منازلهم، فيكتور -وهو الآن في الثمانينيات من عمره- ليس لديه كهرباء أو مياه جارية، لكن الحراس في شقته القديمة غالبا ما يجعلونه يتسلل للاستحمام وغسل ملابسه.

يحمل فيكتور دائما برطمان مرهم طبي في حقيبة ظهره، وعندما يلتوي كاحل أحد من الجيران أو تتصلب رقابهم فإنهم يعرفون أن عليهم طرق باب مقطورة فيكتور، حيث يضع لهم كرسيا ويدلك المنطقة المؤلمة حتى ينتهي الألم.

تيريسا

تيريسا تعمل بدوام كامل في شاحنة لبيع الطعام، وهي تعد الطعام المكسيكي الذي يباع لزبائن وادي السيليكون مثل رقائق الذرة المطحونة، وقطع التمالي النباتي، ولفائف البوريتو من الشمندر.

تنتقل الشاحنة ذهابا وإيابا في الوادي وتقدم خدماتها لموظفي مقر تسلا الرئيسي، ولطلاب جامعة ستانفورد، والمتسوقين في متجر هول فودز بمنطقة كوبرتينو.

وتعيش تيريسا في شقة بمدينة ريدوود مع بناتها الأربع، وفي خريف عام 2017 استطاع والداها القدوم من المكسيك للمرة الأولى بعد 22 عاما، وتوجد عبارة مكتوبة على الباب بأقلام التلوين تعلن "مرحبا، بالأجداد" (Bienvenidos Abuelos)، وقالت بالإسبانية إن الأمر صعب حقا.

كونستانس

بصفتها معلمة فإن كونستانس هي واحدة من آلاف الموظفين العموميين في وادي السيليكون الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف العيش في الأماكن التي يخدمونها.

ولسنوات انضمت كونستانس إلى المسافرين على الطرق من رجال الإطفاء وضباط الشرطة والممرضات الذين يجلسون لساعات في حركة المرور على الطرق السريع حول خليج سان فرانسيسكو ممن يسافرون من أماكن أرخص على بعد عشرات الأميال.

وفي يوليو/تموز 2017 فازت كونستانس بمكان في يانصيب تديره فيسبوك التي عرضت شققا على 22 معلما في منطقة المدرسة المجاورة لمقرها بمنطقة مينلو بارك، حيث يدفع المدرسون 30% من مرتباتهم للإيجار، وفيسبوك تدفع الفرق، لذا انتقلت كونستانس مع ابنتيها إلى مسافة قريبة من مدرسة العائلة، وفجأة أصبحت تجد مساحة لشيء كانت تفتقده: الوقت، أصبح هناك وقت لصنع وجبات ساخنة في المنزل بدلا من تناول الطعام في السيارة، ووقت لابنتها للانضمام إلى فتيات الكشافة.

وفي عام 2019 أعلنت فيسبوك أنها ستقدم مليار دولار في شكل قروض ومنح وأراض لإنشاء مساكن بأسعار معقولة في المنطقة، ومن هذا التعهد المعلن سيخصص مبلغ 25 مليون دولار لبناء مساكن للمعلمين: هي 120 شقة، بما في ذلك شقة لكونستانس والمعلمين الآخرين في المشروع التجريبي الأصلي ما داموا يعملون في المدارس المجاورة.

وفي وقت الإعلان قالت فيسبوك إن الأموال ستستخدم على مدى العقد المقبل. ولم يتم بعد الانتهاء من بناء مساكن المعلمين.

 © مؤسسة نيويورك تايمز 2021

(ننشر الجزء الثاني من الوجوه الحقيقية لوادي السيليكون غدا)

ماري بيث ميهان مصورة وكاتبة مستقلة. فريد تيرنر أستاذ الاتصال بجامعة ستانفورد

المصدر : نيويورك تايمز