الجيش الإسلامي في العراق أثناء التحضير لإحدى العمليات العسكرية / سري للغاية
سري للغاية

العبور إلى المجهول ج1

عندما يتحول البعثي إلى أصولي إسلامي لابد أن نتوقف، وعندما يتحول عاشق فريق ليفربول وموسيقى الهافي ميتل إلى مجاهد عبر الحدود لابد أن يُعاد ترتيب الأوراق.

– الحصار الأميركي وشبكة المهربين
– حماة الغزاة في أرض العرب
– طريق المجاهدين إلى بلاد الرافدين
– رحلة العذاب وهاجس الاعتقال

undefined

يسري فودة: عندما يتحول البعثي إلى أصولي إسلامي لابد أن نتوقف وعندما يتحول الفتحاوي إلى مربي ديني لابد أن نفكر وعندما يتحول عاشق فريق ليفربول وموسيقى الهافي ميتل إلى مجاهد عبر الحدود لابد أن يعاد ترتيب الأوراق، هذه محاولة لسبر أغوار المقاومة العراقية وفهم تأثيرها في بلاد الشام، إطارنا ما يشعر البعض منه من مشروع أميركي أيدلوجي في مقابل ما يوصف بانتشار فكر القاعدة.

الحصار الأميركي وشبكة المهربين

يسري فودة: في قلب لندن بدأت الخطة أطلق لحيتك وارتدي زي عراقي وسنرى ماذا يكون هكذا كانت التعليمات الأولية، مغامرة أخرى على طريق الوصول إلى الحقيقة كنت أعلم علم اليقين أن حساباتها هذه المرة أكثر دقة وأكثر خطورة، إلى الأردن حيث كنت أريد الحدود مع العراق، في طريقي استوقفني هذا الولد الصغير اسمه إبراهيم أبوه حذيفة من أكثر المجاهدين ثقافة واعتدال ورجاحة عقل، أبو أبيه الشيخ المجاهد عبد الله عزام معلم أسامة بن لادن، سلسلة من المجاهدين في سبيل الله لا تنقطع إرهابيون في نظر واشنطن وتل أبيب والحكومات العربية.

أبو الحارث – مرافق الشيخ عبد الله عزام: أه لأن كل واحد يدافع عن دينه عن عرضه عن بلده عن مقدساته يعتبر إرهابي مثل الشعب الفلسطيني الآن، اللي عندهم شارون رجل السلام حماس لأنها تدافع عن أرضها وعن دينها وعن عقيدتها وعن مقدساتها يعتبروا إرهابية، لا يجب أن تذبح دون أن تتكلم حتى والآن الشعب العراقي لأنه يدافع عن دينه وعن بلده وعن خيرات المسلمين يعتبر شعب إرهابي كلما يقاوم، لا.

حذيفة عبد الله عزام: نعم يا سيدي نحن نتشرف بما يفعله حقيقة كتائب ثورة العشرين وما يفعله الجيش الإسلامي لتحرير العراق، الجيش الإسلامي لتحرير العراق نهجه هو نهج السلفية الجهادية لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك جملة وتفصيلا هذه قضية يعني باتت واضحة مثل عين الشمس، نحن نفتخر بما يقوم به هؤلاء ونفخر بأن يستطيع أحدنا الحقيقة يقدم شيء لهؤلاء وأن يساعد هؤلاء وأن يوصل لهم ما يلزمهم في داخل العراق لا نتنصل والله.

يسري فودة: وكأن حذيفة يقرأ الطالع الجيش الإسلامي في العراق هو الذي وجه لي دعوة لدخول العراق، هو من أبرز التنظيمات المسلحة التي قضّت ولا تزال تقضّ مضاجع الأميركيين ومَن تحالف معهم، وفقاً لإحصاءات التنظيم التي لا نستطيع تأكيدها أو نفيها استطاع الجيش الإسلامي وحده أن يقتنص ألف وخمسمائة وثلاثة وتسعين جندي أميركي وأحد عشر ضابط، كما استطاع أن يدمر أكثر من ثلاثمائة ناقلة جنود من طراز هامر وست وأربعين مدرعة وخمس عشرة دبابة من بين مكاسب أخرى كثيرة لم تجد طريقها إلى الإعلام، هذه الإحصاءات فقط حتى نهاية عام 2005.

أبو مشتاق الزبيدي – القائد العسكري للجيش الإسلامي في العراق: وأنا كرجل موجود في الساحة وكميداني وأرى بأم عيني ما مقدار حجم الخسائر اليومية وأرفع أنا جثة بيدي وجثتين وثلاثة وأضعها على مرأى الناس وأنتظر هل تنشر في الإعلام؟ أو هل أن الإعلام أو الجيش الأميركي يقول عن هذه القتلى شيء؟ والله لم يقل عنها شيئا وهي تعد بالمئات التي لم يعلن عنها الجيش الأميركي.

يسري فودة: قناة الجزيرة على الأقل معذورة، أُغلقت مكاتبنا في بغداد في أغسطس/آب عام 2004 على يد الديمقراطية الجديدة كان لابد إذاً من التفكير في طريقة مبتكرة، لم يسبقنا أي إعلامي آخر إلى هذا الطريق التي كنا نفكر فيها فلم نستطع القياس لكن رجالاً سبقونا من كل صوب وحدب، كانت لنا أسبابنا فأمعنا الدراسة وكانت لهم أسبابهم فلم يعدموا وسيلة.

عبد الكريم البعدو – والد عروة: لما كنا نفتح على الجزيرة على.. خاصة بما يتعلق بالانتهاكات اللي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الأعزل بفلسطين أشعر عليه.. أتطلع عليه وإذا بدموعي عم تنزل، جاء موضوع أميركا وبوش وكذبة أميركا وعلى أسلحة الدمار الشامل على العراق وكأنه كان يعني عم يحلم في شيء تحقق، صارت أقرب عليه يوم ما أحسنا ودرينا عروة وغير عروة وإذا به عم يتصل فينا من العراق.

ضرار منجونة – مجاهد في العراق سابقاً: غفلت والدتي وكانت في الحديقة وحكيت مع والدي قلت له بابا أنا بأودعك، قال لي خير مع السلامة خير قلت له والله طالع، قال لي إيه الله معك لوين أنت طالع؟ قلت له طالع على بغداد، فكّرت مضبوط يا ابني؟ قلت له إن شاء الله قال لي الله معك.

محمد أمين محمد: يعني إحساسنا إحنا هون عندنا بسوريا لما صار الحرب وقبل الحرب يعني اللي بسن ثمانين سنة واللي سنة 14 سنة يأخذ سلاح تحمس، يتحمس يروح يجاهد في العراق لأجل دولة عربية مجاورة، لما يصار يتدربوا في فندق فلسطين الهدم الجاهدين ويدعوا حاطت هذا الآر بي جي على كتفه وعم بدأ مع المجاهدين وعم بتشوف هيك وهيك ليشوفوا أمه وأبوه.

أبو ثابت – مجاهد في العراق سابقاً: مرت أمور والعالم كلها ما صدقت اللي فيها المجازر اللي كانت تصير بفلسطين أو بلبنان أو بأي ولاية إسلامية، ما حدا عم بيحكي وما حدا عم بيناقش فيها وما حدا عم بيقول كيف وليش هم مسلمين ماتوا في منهم كثير ثم، أي دولة صافية شيء بتكون العلماء والله فحبنا في النبي عليه الصلاة والسلام اتفقنا إننا نروح على العراق وندافع عن أهلنا وناسنا بالعراق.

عبد الجليل – مجاهد في العراق سابقاً: تم العبور لدى وسيط عراقي استطاع أن يؤمن الحدود بشكل 100% لأنه هناك الكثير الذين اعتقلوا في سوريا من قِبل النظام السوري والمخابرات السورية ومازالوا يرزحون في سجونها وسوريا اعترفت وعلى شاشة الجزيرة وضعت رقما ألف وخمسمائة مجاهد تم القبض عليهم، اعتراف من الدولة السورية إلى المخابرات الأميركية.

رياض نعسان أغا – وزير الثقافة السوري: نحن سلمناهم عددا كبيرا من الذين كانوا يريدون التسلسل لأنهم ليسوا من الأمة كانوا يريدون إحداث فتن هناك.

يسري فودة: يعني هذا تصريح؟

رياض نعسان أغا: أنت تعلم ذلك، تحدثنا عن تعاون كبير بيننا وبينهم للقضاء على الإرهاب، نحن تعاونا مع الولايات المتحدة لأن الإرهاب الذي سيأتي سيأتي ضد شعبنا ضد أمتنا.

يسري فودة: وقعت سوريا شعباً وحكومة بين فكي رحى، بين نقمة على سقوط عاصمة عربية مسلمة على مرمى العين وتوجس من أن تُتَخذ هذه النقمة ذريعة لمزيد من الضغوط، حتى البكاء على أخ حُرِّم كما يبدو على العرب والمسلمين، إن هي اعتقلتهم خاطرت بطوفان داخلي وإن هي تركتهم خاطت بطوفان أميركي.

أبو براء الشمري – مجاهد في العراق سابقاً: وإن أرادت أن تقف في وجه هذه الوجود من الشباب الذين أرادوا أن يذهبوا إلى لعراق فهذا أمر مؤثر وهذا يعني من غير الحكمة، من غير الحكمة للدولة أنها تقف نجد أن الناس أتوا من كل العالم كما قلنا وبشكل خاص من بلاد الشام بشكل كبير جداً، سوريا لا تستطع أن تمنع كل هذا العدد الكبير من الدخول.

يسري فودة: لكن سوريا لا تقف وحدها في هذا الخندق هناك أيضاً تركيا وإيران والكويت والسعودية والأردن من أيها يمكن العبور إلى العراق، في نظر المتابعين سخّر الله لمن يريد جيشاً من الميسرين.

مروان شحادة – باحث في الجماعات الإسلامية: أخي بالتأكيد يعني الذي ينوي ربنا سبحانه وتعالى ييسر له الأمر كما يقولون ولكن إذا أنت أردت أن تصل لهدف معيّن تستخدم كافة الوسائل وهناك طرق كثيرة التي يستخدمها المهربون حتى مهربو المخدرات والأسلحة والأغنام.

يسري فودة: أصبحوا مجاهدين.

مروان شحادة: اصبحوا يُشتروا ويستخدمهم المجاهدون لاستخدامهم في إيصالهم مثلاً إلى العراق أو غيرها.

يسري فودة: من ناحيتها تحاول الحكومة السورية جاهدة أن تدفع عن نفسها بين قوسين تهمة المساعدة ولو بشكل غير مباشر في الدفاع عن بلد عربي مسلم شقيق لكنها في عيون البعض غير مقنعة لحسن الحظ في رأي البعض الآخر، واقع الأمر أن أميركا نفسها بجلالة قدرها لا تستطيع حماية حدود بهذا الطول بهذه الطبيعة لو استطاعت لما كانت لها مشكلة مع المكسيك.

رياض نعسان أغا: أنت ترى هذا الإرهاب الفكري الحقيقي الذي يُحاصر به الناس حتى لا يجرأ أحد أن يختار الموقع الثالث، هذا يعني يذكرنا بمبدأ أرسطو الثالث المرفوع لكن بفهم بوش للمبدأ لم يكون أرسطوياً لأن أرسطو حين قال الشيء إما أبيض أو لا أبيض ولكنه لم يقل الشيء إما أبيض أو أسود، السيد بوش يقول إما معي وإما ضدي وإما أن تقتنع بأن هذا ما حدث وإما أنت ضدي.

يسري فودة: سأكون أنا إذاً ضد بوش وضد الحكومة العراقية وضد حكومات الجوار وضد السلام العالمي وضد القوانين الدولية كلها إذا فكرت في العبور إلى العراق كما يعبرها المجاهدون، كيف يرى إذاً مفتي الجمهورية العربية السورية حكم الشرع في مَن يعبرون إلى الجهاد في العراق.

أحمد حسون – مفتي الجمهورية العربية السورية: سألتني سؤال سأله تيمور لانت لما دخل حلب لعلمائها، جمع العلماء فسألهم هذا السؤال مَن منا في الجنة قتلانا أم قتلاكم؟ ففكر العلماء في ذلك قالوا إذ قلنا له قتلانا في الجنة يقول إذاً قتلانا في النار فيقتلهم جميعاً وإن قالوا قتلاكم في الجنة إذاً قتلانا في النار سيقتلهم جميعاً، قال أبو الشحنة وهو قاضي القضاة يا سيدي أجيبك بما أجاب به رسول الله مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله وهذا أمر لا يعرفه في القلب إلا الله.

حماة الغزاة في أرض العرب

يسري فودة: ذات صباح بدأت الرحلة من عاصمة الأمويين هدفنا بلاد العباسيين، جاء أمر التحرك مفاجئ على ضوء أزمة أصابت حكومة إبراهيم الجعفري لم أفهم العلاقة لكن أحداً ما لابد كان يفهم، كان معي زميلي من قناة الجزيرة عدي الكاتب وكنا نحن على الأقل نسير في الاتجاه الصحيح الشمال الشرقي في اتجاه تدمر ومن ثم كما يوحي مسارنا إلى نقطة عبور أبو كمال، وصلت عملية التمويه المحترفة التي كان بدأها مرافقونا في دمشق إلى ذروتها قبيل وصولنا إلى تدمر عندما انعطفت سيارتنا انعطاف عكسي باتجاه الشمال الغربي، حمص همس أحدهم إلى الآخر، كانت ثقتي بهم تتعزز ميلاً بعد ميل فآمنت فنمت، فرصة أخرى إذاً لقراءة الفاتحة على روح سيف الله المسلول، كنت قبلها بأسابيع قليلة جداً قد قطعت الطريق من دمشق إلى حمص لزيارة مثوى الصحابي الجيل قائد المسلمين المظفر خالد ابن الوليد، من أصقاع العالم الإسلامي يأتونه وفاء وانتماء وترحماً على ما آلت إليه اليوم أحوال المسلمين، لم يكن دافعه في أوج انتشار دولة الإسلام سوى إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، لحظات من التأمل والرهبة تأتي وتروح لكنها حين تروح لا تروح إلا وهي تترك في الحلق غصة.

[تعليق صوتي]

لقد شهدت مائة زحف أو زهاء وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي فلا نامت أعين الجبناء

يسري فودة: كان الخليفة الفاروق عمر ابن الخطاب قد عزله خوف أن تفتن فتوحاته المسلمين، وقع الرجل ضحية نجاحه فقاد المسلمين من بعده صحابي آخر جليل أبو عبيدة ابن الجراح، بعد تاريخ حافل لكليهما بالجهاد وانتصارات على الروم وأعوانهم عظيمة بإذن الله تفصل رفات ابن الجراح، الآن يا لا المفارقة بين المسلمين في الأردن واليهود في فلسطين المحتلة إسرائيل، لأول مرة في حياتي أرى حرساً للحدود يوجهون أسلحتهم لا إلى الداخلين إلى البلاد بل إلى الخارجين، صار المسلمون في نظر الغيورين على الأقل حماة أعدائه.

بلال بارودي – إمام مسجد طرابلس: فلسطين التي فتحها الفاروق عمر أين هي الآن؟ بيد مَن؟ أين العراق أين قوة المسلمين أين أمة العرب وقد وطأت بلاد المسلمين أقدام الغزاة أقدام الكفرة أقدام الصليبيين أقدام العلمانيين أقدام الملحدين والمشككين ونجد أمة إسلامية لها ظهر لا أقول أكثرها فأكثر الأمة فيه خير ولكن الجالسين منهم لعل الخير هزم فيهم.

يسري فودة: كانت الحقول الخضراء حولنا الآن قد بدأت تمنحنا أمل جديداً بعد تسعة ساعات من السفر المموه هكذا يتحرك المهربون الذين يقتاتون على مثل هذا العمل، الحرب.. أي حرب تفعل الكثير، استأجرتنهم لمهمة فالتقت شروطنا وشروطهم الهدف لدينا وطريقة الوصول لديهم ولا أسئلة، وصلنا الآن إلى أقصى الشمال الشرقي لبلاد الشام، إلى أين إذاً الآن إلى تركيا أم مباشرة إلى العراق؟ لأسباب واضحة لا نستطيع الحديث عن ذلك، بعد مغامرة مثيرة وصلنا إلى منزل آمن على حدود تلك الدولة مع العراق، لحسن الحظ هذه منطقة من أمة الإسلام ترفض ببساطة أن تعترف بالحدود عرباً وأكراداً مسلمين وغير مسلمين سُنة وشيعة وطوائف أخرى لم يسمع أحداً منهم بمستر سايكس ولا مسيو بيكو ولا المجاهدون سمعوا.

عبد الجليل – مجاهد في العراق سابقاً: أنا أنظر بلدي الإسلام أينما اتجهت.. أينما حل الإسلام في بلداً أعددته من لب أوطاني لا أنظر إلى حثالة من التراب كمفكر للقاعدة أو كمفكر بما يسمى القاعدة بما يسمى الإسلاميين لا أنظر إلى أنه هناك حدود ما بين الدول الإسلامية.

يسري فودة: لكنهم يعرفون جيداً الآنسة كوندوليزا رايس والسيد دونالد رامسفيلد كانا هاذين قد ظهرا فجأة عبر الحدود فانحلت فجأة أزمة إبراهيم الجعفري.

مشارك أول: فليأتي أمة على أمتي يطلبون نصرة الكافر ينصرهم يعني مثل ما يطلبوا يستنجدوا الجماعة.

يسري فودة: لم يستطع زميلي عدي وهو عراقي عراقي أن يلتزم الصمت أخذ يقص على المهربين حكاية العراق منذ الأزل.

عدي الكاتب: احتلوا العراق.

مشارك أول: هذا جبل الماغور.

يسري فودة: كان أحد نجوم الجزيرة في العراق حين كان لنا يوماً ما مكتب في بغداد، عربي يتحدث الكردية بطلاقة أمه سُنية أبوه شيعي ويحب العراق من أقصاه إلى أقصاه.

مشارك أول: ولد الإسلام غريباً وينتهي غريباً فتوبة على الغرباء، ينتهي غريب يعني أنت مو مسلم؟

يسري فودة: بات فريق الجزيرة ليلته على حدود ثلاث دول مسلمة في عداد الغرباء، جاءت الرسالة أخيراً إلى المهربين من الطرف الآخر ساعة الصفر قبيل غروب الشمس.

[فاصل إعلاني]

طريق المجاهدين إلى بلاد الرافدين

يسري فودة: لحظات من الترقب زاد من وطأها تصاعد وتيرة الاتصالات بين شبكة المهربين على الجانبين ثم فجأة من المنزل إلى من هذا قرب الحدود إلى حافة الحدود، سترنا هذا الكوخ الذي يملكه مهرّب آخر ونحن نتحيّن تلك البقعة العمياء بين النهار والليل عندها لا تراك العين المجردة ولا الأضواء الكاشفة وعندها سيكون علينا أن نهرول شبة منبطحين مسافة أربعمائة متر نحو هذا الساتر الترابي نصعده ثم نهبط فيكون أمامنا أربعمائة متر أخرى على الجانب الآخر قبل أن نكون في بلاد الرافدين، انطلقنا في رحلة حافلة بالمخاطر التقت في جوانب منها مع قصص الجاهدين واختلفت في جوانب أخرى.

عبد الجليل: كان هناك عدة صعوبات في السير فالطريق واسعة ونحن نتبع نور بعيد في سهل واسع كبير، كان هناك بعض الكلاب الليلية التي كانت يعني ترعبك وكان هناك الكثير من الطيور التي تنام في البراري فعندما تطير من أمامك كان تشكل لك يعني رعباً كبيراً، في ليلة ظلماء لا ترى إصبعك بها.. أثناء العبور كان كثير من الحواجز المخاطرة يعني صدقا أن الدبابات الأميركية كانت تمر عن العشرين متر، كنا نأخذ الأرض انبطاحا ولا نتنفس بأي نفس.

يسري فودة: كان بعضنا قد أصابه التعب فاضطررنا للسكون بين الحشائش أكثر من مرة، أفلتت منا تلك اللحظات الذهبية بين النهار والليل، ظلام في ظلام لا تخدعك هذه الإشاعة تحت الحمراء التي تنبعث من آلة التصوير، الأضواء الوحيدة التي كنا نراها على مرمى البصر كانت نقاطا للمراقبة تحيطنا من كل جانب، انفصلت مع دليل همس لي بأن نفر من المجاهدين يقبعون على مقربة بين الحشائش كانوا سبقونا في العبور بدقائق، التقيتهم كانوا ثلة من الرجال في مقتبل الشباب في طريقهم إلى الجهاد واحترمت رغبتهم في عدم التصوير، لم يتبين أحداً منا وجه الآخر في الظلام الدامس، رابط الجأش كأنه يقوم بهذا العمل كل ليلة عشر مرات عاد بي دليلي أدراجنا ثم بعدة قليل دون مقدمات نظر إلي وقال أهلاً بك في بلاد الرافدين وصلنا إلى العراق، بوصولنا إلى هذا المنزل الحدودي الآمن على الجانب العراقي كنّا قد أصبنا ثلاثة أرباع أهدافنا من هذه المغامرة، اختبار الإجراءات الأمنية، تذوق ما يعانيه المجاهدون أثناء العبور، فهم طريقة عمل شبكات المهربين، الدخول ما أمكننا إلى عمق العراق والتعرّف على كيفية استيعاب المجاهدين داخل المقاومة العراقية، كانت كلها أهدافا في حد ذاتها ما زاد عن ذلك فضل من الله.. وأياً من كان شيخهم وأي ما كانت القاعدة في بلاد الرافدين أو في غيرها فإن ما رأيناه حتى الآن من دعم لوجستي حاسما يشير إلى أن في العراق مقاومة حقيقية تتعدد أطرافها وتختلف اتجاهاتها لكنها بشكل واضح في معظمها مقاومة عراقية وطنية حقيقية أساسها الإسلام.

"
المقاومة العراقية حقيقية على الواقع وعمليا هي مقاومة إسلامية
"
    أبو صالح القيلاني

أبو صالح القيلاني – القائد العسكري لكتائب ثورة العشرين: حقيقة المقاومة العراقية حقيقية على الواقع عمليا حقيقة مقاومة إسلامية، لا أقول في معظمها ولكن أكثر من ذلك، لا أكون بالغت إذا قلت كلها ولكن لا أريد أن أصادر حق أحد ولكن هي في العموم حركة إسلامية وقاعدتها واسعة في الشعب العراقي والفصائل الجهادية على الساحة العراقية الرئيسية والمعلوم منها القاسي والداني هي كلها فصائل جهادية إسلامية.

أبو مشتاق الزبيدي – القائد العسكري للجيش الإسلامي في العراق: نحن جماعة كاملة وإفرادها كثر وكلهم إمكانيات، التنسيق مع الجماعات الأخرى في الضرورة يكون وقتي وآني لأننا كما تعلم من ضوابط عملنا أن نكون جماعة لا تظهر للعيان أمام الجماعات الأخرى لأن من شروط نجاح عملنا الجهادي هو أن نكون في أتم سرية وأن نسترشد بقول النبي عليه الصلاة والسلام فقال واستعينوا بالكتمان على قضاء حوائجكم.

يسري فودة: هذه الحقيقة لا يقدرها حق قدرها أحداً أكثر من المهربين.

[شريط مسجل لمقتل ضابطين من الجيش الأميركي]

أبو مشتاق الزبيدي: إنما نحن فقد عُبئنا قبل أن تأتي أميركا وقبل أن تأتي بريطانيا وقد عُبأ ذلك من خلال قرأتنا للقرآن ومن خلال فهمنا لسنة النبي عليه الصلاة والسلام ومن خلال ما أردانا من هذه العبادة أن ندخل الجنة، فنحن علمنا أن هذه الجيوش عندما تقاتل بعقيدة الأرض تختلف عن الجيش الذي يقاتل بعقيدة السماء.

رحلة العذاب وهاجس الاعتقال

يسري فودة: بعد صلاة الفجر انطلقنا من ذلك المنزل الحدودي الآمن في اتجاه العمق العراقي، لأسباب واضحة لم نكن نستطيع أن نسلك الطرق الرئيسة، بدأت رحلة من العذاب طويلة معقدة عبر المدقات الصحراوية بين القرى والقبائل، هذه طرق المجاهدين الصبورين.

عبد الجليل: اقترحوا علينا أن نبقى في غرفة صغيرة مهدّمة ونستطيع أن نرى الأميركان ودورياتهم ففقدنا الأمل أنه ليس باستطاعتنا إلا الاستسلام، ذهب وآتي بعد ساعة عند الفجر بسيارة بيك أب وصعدنا بها وذهبنا إلى القرية العراقية التي كان.. يعني عبرنا إليها.

يسري فودة: عرج بنا دليلنا إلى إحدى القرى الآمنة فاستقل هذه الشاحنة الصغيرة مع مهرب محلي يقودنا في دروب ملتوية خارج المنطقة، كلما اقتربنا من قرية أو قبيلة أصابنا رعب أهي عربية أم كردية؟ أهي سُنية أم شيعية؟ أهي ذاك أم هذا أم يزيدية؟ يتفتت العراق أم أن هؤلاء المجاهدين يقفون عقبة في طريق الديمقراطية؟

أبو مشتاق الزبيدي: نحن عقبة على شيء عجيب فهي أين الديمقراطية حتى نكون نحن عقبة؟ وأين الحياة حتى تكون هناك ديمقراطية؟ الناس يموتون يوميا بالمئات والناس الآن أصبحوا في سآمة من هذه الحياة وإذا أردنا أن نقول ديمقراطية فمن الديمقراطية المعلومة أن تخرج أميركا من العراق.

"
الجهاد يقف عقبة باتجاه الديمقراطية الأميركية وأمرهم شورى بينهم هذا كلام الله سبحانه وتعالى هو كفيل بإنشاء المجتمع للفرد الذي يسود فيه العدل
"
     أبو صالح القيلاني

أبو صالح القيلاني: إذا كنت تقصد الديمقراطية الأميركية فنحن نقف عقبة باتجاه الديمقراطية الأميركية وأمرهم شورى بينهم هذا كلام الله سبحانه وتعالى هو كفيل بإنشاء المجتمع للفرد الذي يسود فيه العدل أما الديمقراطية الأميركية التي أتت على ظهر الدبابة والـ أف 16 والكروز وديمقراطية بريمر فهذه ليست ديمقراطية.

يسري فودة: كان أكثر ما نخشاه أن نقع في أيدي الأميركيين أو أياً من المتعاونين معهم، من وجهة نظر المجاهدين هذا منظر يندى له جبين كل عربي خاصة إذا كان من مصر.

[صور من الأرشيف لاعتقال على أحد العراقيين]

مشارك ثان – عسكري أميركي: هتعمل بيها إيه الأسلحة دي؟ هتعمل بيها إيه الأسلحة دي؟ عايز الأسلحة دي عشان تضربونا بيها؟ ما ترد، عايز الأسلحة والكاميرات والحاجات دي ليه؟

يسري فودة: تحسباً حاول رفاق الطريق عبثاً أن يعلموني كيف أتحدث العراقية.

مشارك ثالث – أحد المرافقين: خلي لعلمك عراقي قول إيش لونك يا أبا.

يسري فودة: إيش لونك يا أبا؟

مشارك ثالث: شاكو ماكو.

يسري فودة: ماكو شي.

مشارك ثالث: عافية.. عافية.

يسري فودة: مضبوط.

مشارك ثالث: لا تقول مضبوط زين قول زين.

يسري فودة: زين.

مشارك ثالث: زين إيه زين ماشي مشي وما ورائك.

يسري فودة: مشي وما ورائك.

مشارك ثالث: أنت مرتاح.

يسري فودة: مرتاح.

مشارك ثالث: الحمد لله.

يسري فودة: الحمد لله

مشارك ثالث: الحمد لله خير ربيع قول ربيع.

يسري فودة: ربيع.

مشارك ثالث: إيش مو ربيع.

يسري فودة: ربيع.

مشارك ثالث: ربيع.

يسري فودة: ربيع.

مشارك ثالث: أنت دايخ.

يسري فودة: أنت دايخ.

مشارك رابع: مو دايخ ، دايخ .. دايخ.

مشارك ثالث: دايخ.. دايخ.

يسري فودة: دايخ.

مشارك ثالث: دايخ.

يسري فودة: كيف تقول أنت دايخ.

مشارك رابع: أنت دايخ؟

يسري فودة: أنت دايخ؟

مشارك رابع: دايخ.

يسري فودة: دايخ.

مشارك رابع: إخ.

يسري فودة: أثناء سيرنا مرت فوق رؤوسنا مروحيتين من طراز بلاك هوك في ذيلهما أخريان من طراز أباتشي على ارتفاع حوالي 10 أمتار، علمنا بعد ذلك أن وزير الدفاع الأميركي كان في طريقه لزيارة بعض المواقع العسكرية، تسمرنا كنّا في منطقة لا تُرى فيها سيارة إلا ربما كل ربع قرن.

مشارك رابع: غيّر الطريقة.

يسري فودة: نغير الطريق ليه ماله هذا الطريق؟ في تلك الأثناء كان الجيش الإسلامي في العراق كما قيل لنا عبر الهاتف يقوم بالتحضير لاستقبال فريق الجزيرة وللقيام ببعض العمليات العسكرية في آن معاً، لم نكن نحن نعلم ذلك.

أبو مشتاق الزبيدي: وجودنا نحن.. وجودنا في بلدنا خلاص يعني عراقيين ساكنين في بلدنا، يعني مثلا طلعت أميركا أنا أطلع أو أنت تطلع أو غيرك يطلع؟ أنا لا أقصد يعني الموجود يعني من العراقيين يعني هل يطلع من العراق؟ ما يطلع من العراق لكن الأميركي عندما دخل العراق دخل لمشروع، أنتم الإعلاميون يجب أن تقولوا هذا الكلام وأنا أقوله.

يسري فودة: ولأننا لا نستطيع أن نكون طرفا في التخطيط لعملية عسكرية أخاطر بالخروج من السيارة في عُرض الطريق بحثا عن إشارة هاتفية، كان ذهني منشغلا بما يوصف بالمشروع الأميركي في العراق وبلاد الشام وما يقابله من مشروع إسلامي، أحدهما يجر الآخر كما يبدو نحو لُب الموضوع في العراق مقاومة شعبية حقيقية تذكرك أحيانا بأفلام الحرب العالمية الثانية لكن أساسها الإسلام.

مشارك رابع: أميرنا الملا عن دينه ما تخلى كل الجنود باعوه أرواحنا لله قائدنا بن لادن يا مرهب أميركا الشيخ أبو مصعب..

يسري فودة: أنشودة ولدت أمس في أفغانستان وانتقلت اليوم إلى العراق فهل تمتد غدا إلى بلاد الشام.

[شريط مسجل]

أبو مصعب الزرقاوي: أمتي الغالية إننا في العراق على مرمى حجراً من نصر رسول الله صلى الله وعليم وسلم فنقاتل في العراق وعيوننا على بيت المقدس الذي لا يسترد إلا بقرآن يهدي وسيف ينصر وكفى بربك هادياً ونصيرا.

أبو مشتاق الزبيدي: وإذا قرأنا السُنة النبوية نجد هنالك قول قاله النبي عليه الصلاة والسلام يحاصر أهل العراق ثم يحاصر الشام، فنحن نعتقد أن السياسة الأميركية هي مربكة ولكن إذا خسرت في العراق ربما تجرب حظها في دولة أخرى، نحن نتعامل مع الحدث بما يشرّع لنا الشرع فإذا استنصرنا أحداً في الله ننصره.

يسري فودة: في الجزء التالي من هذا التحقيق مَن الذي يقف وراء فكرة القاعدة في بلاد الشام.

أبو يوسف شريقات – مؤسس تنظيم جند الشام: يعني أتمنى.. أتمنى على الله عرفت كيف.. إن ما يموتني إلا شهيد، شو على خائف يا أخي أنا خائف أموت؟ طب إذا أنا مت أنا بأنتقل إلى الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "أرواح الشهداء في طيور خضر تسبح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة في ظل العرش" إيش بدي منها الحياة أنا؟ إيه يعني في بعض الناس يشيعوا إن أنا قاعدي وأكتم والله لو كنت قاعدي لأقول شو هذا.. عم أقول لك لا إحنا والله لو مُكنّا لنفعل أكثر مما تفعل القاعدة إيش بدهم أكثر فليسمعوا.

يسري فودة: في طريق العودة من العراق ألقت سلطات إحدى دول الجوار القبض على فريق الجزيرة واثنين من المهربين، واحتجزتهم خمسة أيام تعرضوا أثناءها للتحقيق المكثف. نقدّر لهم أداءهم "واجبهم" ونشكرهم صدقا على كرم الضيافة.