برقيات التجسس

جنوب أفريقيا.. مشروع القمر الصناعي الغامض

تكشف برقيات تجسس مسربة أن جنوب أفريقيا اعتمدت على جاسوس في روسيا ليزودها بمعلومات عن برنامجها المشترك مع روسيا لإنتاج قمر صناعي.

ويل جوردان

تعتمد أجهزة أمن الدولة في جنوب أفريقيا على عميل موجود في روسيا للحصول على تفاصيل تتعلق بمشروع قمر صناعي مخصص للمراقبة يجري تطويره بالتعاون بين جهاز الاستخبارات العسكرية في جنوب أفريقيا وروسيا. هذا ما كشفت عنه برقيات جاسوسية بالغة السرية حصلت عليها وحدة الصحافة الاستقصائية في شبكة الجزيرة. 

تقول البرقية المؤرخة في عام ٢٠١٢ بأن روسيا وجنوب أفريقيا تعملان على تطوير قمر صناعي من شأنه أن يضع جنوب أفريقيا "في وضع يؤهلها للقيام بالرقابة الجوية في جنوب قارة أفريقيا على مساحة يمكن أن تمتد لتغطي كل أفريقيا وصولاً إلى إسرائيل وذلك لأغراض عسكرية استراتيجية".

يقال بأن الاستخبارات العسكرية هي التي تقف على رأس المشروع، إلا أنها فيما يبدو أخفت المشروع عن شريكها المدني جهاز أمن الدولة. وهذا ما دفع جهاز الأمن الدولي إلى الاعتماد في الحصول على المعلومات على عميل لديه طرقه في الوصول إلى الحكومة الروسية. 

الوثيقة التي حصلت عليها الجزيرة مؤرخة في الحادي والعشرين من أغسطس/آب ٢٠١٢، وهي عبارة عن مذكرة بالغة السرية فيها تدوين للمعلومات التي وفرها "العميل الأفريكانيست". 

‪جنوب أفريقيا اسعانت بجاسوس لديع صلات مع الحكومة الروسية  لمعرفة تفاصيل عن المشروع‬ (الجزيرة)
‪جنوب أفريقيا اسعانت بجاسوس لديع صلات مع الحكومة الروسية  لمعرفة تفاصيل عن المشروع‬ (الجزيرة)

الجنرال ماجو
تقول الوثيقة إن العميل تعرف على "لاعبين أساسيين" في المخطط المعروف بمشروع الكوندور، وهم مسؤول روسي والرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الأفريقية الجنرال ماوميلا "ماجو" موتاو.

بعد التقاعد من الاستخبارات العسكرية في جنوب أفريقيا أصبح الجنرال موتاو رئيس مجلس إدارة شركة آرمسكور، وهي شركة مملوكة للدولة ومتخصصة في تصنيع السلاح، ثم فصل من عمله وخاض معركة قانونية خاسرة ليعود إلى عمله. 

تقول الوثيقة بأنه "هناك 30 فني روسي يعملون على المشروع في جنوب أفريقيا في تعاون وثيق مع سلطات جنوب أفريقيا. وبالتزامن مع مشروع الكوندور تعمل روسيا على تطوير برنامج قمر صناعي خاص بها من المقرر أن يطلق بعد الكوندور. والهدف النهائي هو الدمج ما بين نظامي وقدرات القمرين الصناعيين  لتوفير تغطية استراتيجية بما يعود بشكل واضح بالمنفعة على البلدين.

قاتم جداً
ويكشف بحث أجراه وزير دفاع حكومة الظل في جنوب أفريقيا دافيد ماينير عن وجود برنامج مشابه لإطلاق قمر صناعي للمراقبة الأرضية من نوع كوندور تحت أسماء "بروجيكت فلوت"  و "بروجيكت كونسوليديتد فلوت". 

التفاصيل متطابقة ولعلها تشير إلى نفس المشروع. 

و الآن، لقد تم إطلاق القمر الصناعي بحسب وكالة الأنباء الروسية إيتار – تاس، التي قالت إن القمر الصناعي كوندور – إي أرسل إلى الفضاء "لخدمة زبون خارجي" يعتقد ماينير أنه  جنوب أفريقيا. 

ولقد حاول النائب البرلماني عن حزب التحالف الديمقراطي التحقيق على مدى خمسة أعوام في التفاصيل التي تقف ما وراء ما يسميه برنامج قاتم جداً" للقمر الصناعي كوندور-إي. 

ويقول مانيير "كان الحصول على أي معلومات أمراً في غاية الصعوبة نظراً لأننا نبحث في مشروع سري للمخابرات العسكرية". 

الرأي العام بجنوب أفريقيا لا يعلم كيف صرفت أموال
الرأي العام بجنوب أفريقيا لا يعلم كيف صرفت أموال "المشروع الغامض"

صرف الأموال
بدأ مشروع بروجيكت فلوت "في وقت ما في ٢٠٠٦ أو ٢٠٠٧" وكانت قد خصصت له ميزانية قدرها ١٠٠ مليون دولار بحسب ما يقوله ماينير، وحسب ما تفيد به تقارير أخرى. ولكن لا تتوفر لدى الرأي العام معلومات عن الطريقة التي جرى بواسطتها صرف هذه الأموال. 

يزعم ماينير أن أحد المحركات الرئيسية وراء انعدام الشفافية هو أن الحكومة تتكتم على حقيقة أن مخالفات كبيرة ارتكبت في عمليات الشراء. 

إلا أن حكومة جنوب أفريقيا تفادت هذه المزاعم، وكشف وزير الدفاع سام غولوب النقاب أمام البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي عن وجود عقد لتنفيذ مشروع "قمر صناعي للاستخدامات العسكرية" وأن المشروع " في المسار الصحيح". 

يقول ماينير إن الصفقة أبرمت "خارج إطار نظم وتشريعات الشراء الحكومي". 

وكان وزير الدفاع السابق جانيوري ماسيليلا قد بدأ تحقيقاً في بروجيكت فلوت أواخر ٢٠٠٦. أجري التحقيق رغم أن نتائجه لم تنشر بتاتاً. قتل ماسيليلا في حادث سيارة في عام ٢٠٠٨، ويخمن ماينير بأن موته ربما كان جزءاً من عملية تستر وطمس حقائق، إلا أن الشرطة لم تر في موت ماسيليلا ما يدعو إلى الريبة. 

أسئلة كبيرة
يستمر ماينير في الإلحاح على حكومة جنوب أفريقيا لكي تقدم إجابات على أسئلة تتعلق ببرنامج القمر الصناعي. لقد بلغ التشدد في التحفظ على المعلومات الخاصة بالمشروع، كما تكشف وثيقة سربت إلى الجزيرة، لدرجة أن أحد الأجهزة الأمنية التابعة للدولة اضطر للاعتماد على عميل روسي للحصول على معلومات عن المشروع الذي يشارك في تنفيذه جهاز أمني آخر من أجهزة الدولة. 

يقول ماينير إن ثمة أسئلة كبيرة بحاجة إلى إجابات، والسؤال الأول هو "هل كان ضرورياً الحصول على هذا القمر الصناعي؟" أما السؤال الثاني فهو "لو افترضنا أننا حصلنا على القمر الصناعي، فهل نضمن أن القمر حينما يطلق، إذا أطلق فعلاً، فإنه سيعمل؟" وإذا عمل، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن القمر الصناعي له عمر افتراضي محدد بخمسة أعوام، فما الذي سيحدث بعد انتهاء عمره الافتراضي؟ هل ستعمد جنوب أفريقيا إلى تدبير ٤ر١ مليار راند أخرى لكي تطلق قمراً صناعياً آخر؟ الحقيقة هي أننا لا نعلم".

إنه تغيير كبير مقارنة بما كانت عليه الأحوال في زمن نظام الفصل العنصري أن تنسق أجهزة المخابرات مع روسيا.

ورغم ذلك، يرى ماينير أن السرية التي تكتنف هذا المشروع تعد مؤشراً على استمرار نفس الممارسات في قطاع أمن الدولة، ويقول "ينظر إلى السرية على أنها تتفوق من الناحية الأخلاقية على الشفافية".