سيناريوهات

أميركا وإسرائيل.. هل ولّى عصر الدعم المطلق للاحتلال؟ وماذا ربح الفلسطينيون؟

قال إبراهيم فريحات، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، إن هناك تحولا لافتا في الموقف الأميركي -خصوصا في الحزب الديمقراطي- من إسرائيل والقضية الفلسطينية.

وعدّد فريحات -في حديثه لحلقة (2021/6/3) من برنامج "سيناريوهات"- بعضا من مظاهر هذا التحول، ومنها توقيع 500 من أعضاء الحملة الرئاسية للرئيس جو بايدن عريضة تطالبه باتخاذ موقف أكثر حزما من إسرائيل، وكذلك مواقف بعض مرشحي الرئاسة الأميركية كبيرني ساندرز وإليزابيث وارن وغيرهما.

وتابع فريحات أن هناك تحولا كبيرا في موقف بايدن نفسه، وقد ظهر ذلك في موقفه من الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، الذي خالف فيه دعمه التاريخي والمطلق لإسرائيل.

وأشار فريحات إلى دراسة أميركية حديثة لسلوك الحزبين الجمهوري والديمقراطي تجاه القضية الفلسطينية خلال العقدين الماضيين، أظهرت أن الحزب الجمهوري ازداد يمينية وتطرفا ضد الفلسطينيين ودعما لإسرائيل، وفي المقابل، ازداد الحزب الديمقراطي يسارية وتعاطفا مع الفلسطينيين، كما تغير نهج تعامله مع إسرائيل.

وعلى مدى عقود من الزمن، ظلت الإدارات الأميركية المتعاقبة تقدم دعما كاملا ومطلقا وغير مشروط لإسرائيل منذ إنشائها، حتى وصل إلى مستويات غير مسبوقة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

لكن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، والاعتداءات على الأحياء العربية في القدس الشرقية، أحدثت شرخا كبيرا في صورة إسرائيل لدى بعض صناع القرار الأميركي؛ فلأول مرة ارتفعت أصوات من داخل الكونغرس مطالبة بشكل صريح بإدانة سياسات إسرائيل وانتهاكاتها، وتبنّي إجراءات عقابية ضدها.

دعم بدون تخلّ

من جانبه، قال كريس لابتينا، المستشار السياسي في الحزب الديمقراطي، ومؤسس مجموعة "فوكس" للاستشارات السياسية، إن التعاطف الذي وجدته حركة "حياة السود مهمة" -التي انطلقت إثر مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلوريد- دفع الكثيرين لإظهار التعاطف تجاه الفلسطينيين، مشيرا إلى أن هناك تحولا غير مسبوق لصالح فلسطين، وإن لم يكن بالضرورة موجها ضد إسرائيل.

وأضاف لابتينا أن الإدارة الأميركية -سواء كانت ديمقراطية أم جمهورية- لن تتخلى عن إسرائيل أو تتركها على الهامش، كما أنها لن تدعها تقيم دولة يهودية.

وأكد لابتينا أن الرئيس الأميركي جو بايدن يريد تحقيق السلام في الشرق الأوسط، ويعتقد أن للفلسطينيين حقا في العيش بسلام إلى جانب إسرائيل، مشيرا إلى أن معظم الأميركيين يؤمنون بذلك.

سابقة تاريخية

وفي سابقة هي الأولى من نوعها، شهد الكونغرس الأميركي -المعروف تاريخيا بكونه أكثر المؤسسات دعما لإسرائيل- تعاطفا مع القضية الفلسطينية من قبل عدد متزايد من النواب الديمقراطيين، بمن فيهم السيناتور بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية المعروف بأنه أحد أكبر المؤيدين لإسرائيل في الحزب الديمقراطي.

وفي هذا السياق، قال أسامة أبو رشيد، المدير التنفيذي لمجموعة "أميركيون من أجل العدالة في فلسطين"، إن مسار التغير في المواقف الأميركية تجاه القضية الفلسطينية يشير إلى أنه في غضون سنوات معدودات قد يتم حجب مساعدات عسكرية عن إسرائيل، مستشهدا بأن 27 عضوا بمجلس النواب ونحو 5 آخرين بمجلس الشيوخ لديهم استعداد للوقوف المبدئي مع فلسطين.

وأشار أبو رشيد إلى أن هذه المواقف داخل الكونغرس تشكل ضغطا كبيرا على بايدن؛ لأنه لا يملك إلا أغلبية 6 أصوات داخل مجلس النواب، وصوتا واحدا في مجلس الشيوخ، ولا يريد أن يفقد أيا من هذه الأصوات.

وذكّر أبو رشيد بالاتصال الأخير لبايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء الحرب على غزة، والذي وصفه بغير الودي، حيث حذّر فيه بايدن نتنياهو من أن إسرائيل تخسر حلفاءها التقليديين داخل الولايات المتحدة.

وأوضح أبو رشيد أن ما وصفه بالتحول التاريخي داخل الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية يعود إلى عدة أسباب؛ منها أن الأجيال الشابة أكثر انتقادا لإسرائيل، ومن بينهم الشباب اليهودي الأميركي، كما أن هناك تغيرا في منظومة الوعي الأميركي لهذه الأجيال؛ فإسرائيل لم تعد تلك الدولة الضعيفة التي كانت تُقدّم لهم، وإنما هي قوة إقليمية كبيرة، كما أن ذكرى الهولوكوست بعيدة عنهم، إضافة إلى دور الحركات الاجتماعية ضد التمييز، كحركة "حياة السود مهمة"، والدور الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي من تصوير ونقل مباشر لاعتداءات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، وكذلك العمل الكبير للفلسطينيين في الولايات المتحدة.

وختم أبو رشيد بالقول، إن كل هذه العوامل خلقت حالة جديدة داخل الحزب الديمقراطي تحديدا، وبدرجة أقل داخل الرأي العام الأميركي، وهو ما يُبشّر بمزيد من المكاسب للفلسطينيين بعد أن تحولت إسرائيل إلى "قضية حزبية"، ولم تعد "قضية فوق حزبية" تحظى بإجماع أميركي عام.