مفكر وداعية إسلامي
الشريعة والحياة

الأعياد الإسلامية ودورها في التكافل الاجتماعي

ما دور الأعياد في التكافل الاجتماعي بين المسلمين؟ ما طبيعة العلاقة بين الفرد والأسرة والمجتمع في الإسلام؟ هل تؤثر تربية الخادمات للأطفال على ميولهم وسلوكياتهم؟ وكيف تتوزع المسؤولية بين الفرد والأسرة والمجتمع؟
مقدم الحلقة ماهر عبد الله
ضيف الحلقة – الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، داعية إسلامي
تاريخ الحلقة 31/12/2000

undefined
undefined

ماهر عبد الله:

أعزائي المشاهدين، سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة) نبدأ بالقول: كل عام وأنتم بخير، وجعل الله أيامكم كلها مليئة بفرحة العيد وسروره.

فترة العيد تتميز –على الأقل في عالمنا الإسلامي- بتكثف النشاط الاجتماعي فيها، ولهذا اخترنا اليوم أن نتحدث عن التكافل الاجتماعي والتراحم الاجتماعي، فنحن نعيش في عصر نحن فيه مشدودون بين دول عربية وعالم ثالثية تهمش المجتمع لدرجة أنه لا يكاد يوجد أمام تغول الدولة، وبين عالم غربي متقدم تتميز فيه الفردية بطغيانها على كل شيء آخر، ولما كان الإسلام -دائماً- هو دين الوسط أحببنا أن نعرف كيف ينظر الإسلام إلى هذه الناحية الاجتماعية التكافلية، يسعدني -كالعادة- أن أُرحب بإمامنا وشيخنا الدكتور يوسف القرضاوي، أهلاً وسهلاً مجدداً بك.

د. يوسف القرضاوي:

أهلاً بيك يا أخ ماهر، كل عام وأنتم بخير.

ماهر عبد الله:

أنا على يقين بأنك تحب أن تستغل هذه المناسبة لتوجيه كلمة.

د. يوسف القرضاوي:

نعم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد فيسرني بهذه المناسبة الطيبة، وأن هذه أول حلقة بعد عيد الفطر المبارك أن أتقدم بخالص التهنئة إلى إخواني وأخواتي، وأبنائي وبناتي من المسلمين والمسلمات، والمشاهدين والمشاهدات في دولة قطر على وجه أخص، وفي بلاد الخليج، وبلاد العرب على وجه الخصوص، وفي بلاد المسلمين وحيث يوجد المسلمون في أي مكان.

وحيث يبلغ صوتنا هذا إلى مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها وجنوبها، أتقدم بالتهنئة إلى هؤلاء جميعاً بهذا العيد، الذي أسأل الله –تبارك وتعالى- أن يجعله بشير خير، وفتح، وبركة لأمتنا، وأن يجعله نذير وبال وحسرة على أعدائنا، وأن يعيده علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما يحب ويرضى، وأن يؤيد إخواننا في انتفاضة الأقصى، ويشد أزرهم، ويقوي ظهرهم، ويفتح لهم فتحاً مبيناً، ويهديهم صراطاً مستقيماً، وينصرهم نصراً عزيزاً، وأن يؤيد إخوتنا المجاهدين حيثما كانوا في أرض الإسلام، في كشمير، في الفلبين، في السودان، في الشيشان، في لبنان، في أرض النبوات والمقدسات أرض فلسطين التي بارك الله فيها للعالمين، نسأل الله –تعالى- أن يُعلي كلمته ويرفع رايته.. اللهم آمين، وكل عام وإخوتنا –جميعاً- بخير وأمان وأمن وسلامة وإسلام إن شاء الله.

ماهر عبد الله:

طيب، مولانا.. العيد –وهو منطلقنا في هذه الأمسية- يتميز بشدة التواصل الاجتماعي ويكون مسبوقاً برمضان الذي –أيضاً- يشهد زخماً اجتماعياً، لو بدأنا بالسؤال عن ما الذي تقصدونه –معاشر العلماء- بالتكافل الاجتماعي؟

د. يوسف القرضاوي:

هو الإسلام يسعى إلى إيجاد إنسان متوازن متكافل مع نفسه، متصالح مع نفسه بحيث لا يحارب بعضه بعضاً، يعني أول ما يبدأ به يريد الإنسان الذي لا يكون بعضه حرباً على بعض، فيه ناس بيحارب نفسه بنفسه، هو أوزاع، قلبه كما قال الله –تعالى-: (ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل) فيه واحد له عدة أسياد، وواحد له سيد واحد، المسلم له سيد واحد وهو الله، يعرف أمره ونهيه، وما يرضيه وما يسخطه، وما يحبه ويكرهه، فاستراح وعرف غايته وعرف طريقه.

فيبدأ الإسلام بهذا، إيجاد السلام النفسي للإنسان بحيث يتسالم المسلم مع ضميره ومع قواه الداخلية، ثم يبدأ بالأسرة، الأسرة المتكافلة تبدأ بزوج وزوجه، ثم الزوج بعد ذلك يصبح أب، وتصبح الزوجة أماً وأبناء وبنات، وهو يسعى إلى الأسرة الممتدة الموسعة، الأسرة في الإسلام ليست الزوجين فقط، لأ، بل تشمل الآباء والأمهات، والإخوة والأخوات، وتمتد إلى الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، الأرحام مع بعضهم وبعض، ثم يبدأ المجتمع أيضاً.

الإسلام يسعى إلى إيجاد مجتمع متواصل متكافل يضم بعضه بعضاً، ويشد بعضه بعضاً كالبنيان المرصوص كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وكما قال: "ترى المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر".

فداخل المجتمع، يعني المجتمع الصغير ثم يكبر، يعني الجيران لهم حقوق، والجار الأدنى له حق أكثر من الجار الأبعد، (الجار ذو القربى والجار الجُنب) القربى .. القريب من الإنسان ودي .. قال: القريب داراً، أو القريب نسباً، أو القريب ديناً.. والجار الجُنب، حتى الجُنب أي البعيد، البعيد له حقوق لحد ما يشمل

البلدة كلها، وبعدين الناس اللي هم في إطار مسافة القصر لهم حقوق أكثر من غيرهم، ثم .. حتى يمتد فيشمل المسلمين جميعاً، ويمتد –بعد ذلك- فيشمل الإنسانية كلها.

فالإسلام سعى إلى إيجاد هذا النوع من التكافل في كل حين، وخصوصاً في مواسم الخيرات، مثلاً في شهر رمضان يدعو الإسلام إلى أن يكفل الناس بعضهم، رمضان يُسمى شهر المواساة يعني يواسي الغني الفقير، ويأخذ القوي بيد الضعيف، ولذلك دعا إلى تفطير الصائم، حتى هو .. الصيام نفسه .. من الحكم التي شرعها الله لهذه الشعيرة وهذه الفريضة أن يحس الغني بجوع الفقير، ويحس الواجد بألم المحروم، فيه هناك ناس يولدون وفي فمه ملعقة من ذهب -كما يقولون- فيظن إن الناس كلها عايشة في رغد ونعيم كما يعيش هو، لم يُجرب الجوع، ولم يُجرب العطش.

فأراد الله أن يفرض عليه الجوع والعطش ليذوق مرارة الجوع وحرارة العطش فيحس بالآخرين، يعني كما قالوا لسيدنا يوسف -عليه السلام- وقد ولاه الله على مصر، وأعطاه خزائن الأرض، وأصبح في يده التموين والزراعة، والتخطيط والمالية، ولكنهم قالوا عنه: إنه كان إذا أكل لا يشبع، فسأله بعضهم: "مالك لا تشبع حينما تأكل، تأكل لقيمات وتقوم وبيدك خزائن الأرض؟فقال لهم: إني أخشى إذا شبعت أن أنسى جوع الفقراء، أريد أن أكون على ذكر دائماً من جوع الفقراء".

فالإسلام حينما فرض الصيام أراد أن يُذكر الواجدين، والموسرين، والقادرين بحرمان الجائعين، والعاجزين، والمعسرين، فيجود بعضهم على بعض، ولذلك كان شهر رمضان من أكثر الشهور صدقات وفعلاً للخيرات، وكان قدوتنا في ذلك هو رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقد كان أجود الناس كما وصفه أصحابه، وكان أجود ما يكون في رمضان حينما ينزل جبريل فيدارسه القرآن "فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة".

فلذلك تكثر الخيرات، والصدقات، وتفطير الصائم، وهذه الأشياء في رمضان، ويكثر تواصل الناس وتزاورهم بعضهم لبعض، ثم يأتي العيد فيؤكد هذا، العيد في الإسلام فيه معنيان أساسيان: معنى رباني، ومعنى إنساني. المعنى الربَّاني إنه العيد عندنا ليس انطلاقاً للشهوات، كما يظن الناس في بعض الأعياد إن العيد ده فرصة تنطلق فيها وراء غرائزك، وتحقق فيها ما تحب من المنكرات ومن .. ما تهواه نفسك الأمارة بالسوء.

لأ، ليس العيد عندنا هذا، لأ، ده العيد عندنا مرتبط بعبادتين كبريين، عيد الفطر مرتبط بعبادة الصيام، وعيد الأضحى مرتبط بعبادة الحج، فلذلك العيد مربوط بهذا المعنى، ويبدأ العيد بالصلاة، يعني يوم العيد يبدأ بالصلاة، ومن زينة الأعياد التكبير زينوا أعيادكم بالتكبير فالصلاة هذه فرض كفاية على المسلمين في يوم العيد ومهرجان إسلامي، على المسلمين أن يحضروا بأنفسهم، وأبنائهم، ونسائهم، حتى المرأة وإن كان -للأسف- كثير من المسلمين ضيعوا هذه السُنَّة، إن المرأة في العيد المفروض تحضر هذا المهرجان الإسلامي.

النبي –عليه الصلاة والسلام- دعا النساء أن يحضرن، حتى قال تحضر المرأة الحائض، هي الحائض لا تُصلي، ولكن تحضر في مُصلى العيد تشهد الخير ودعوة المسلمين، حتى قالت إحدى الصحابيات: "يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب -جلباب يعني الثوب الخارجي اللي مثل يعني العباءة أو البالطو أو الشيء اللي تلبسه لما تيجي تخرج- فقال: لتعرها أختها من جلبابها، يعني تستلف من جارتها، أو من صاحبتها، أو من صديقتها، يعني حتى تشهد الخير ودعوة المسلمين. فالأعياد في الإسلام فيها المعنى الربَّاني الذي يبدأ بالصلاة والتكبير وذكر الله، وفيها المعنى الإنساني إنه لا ينبغي للناس أن يعيشوا فرحة العيد وحدهم، ولذلك شرع الإسلام في كل عيد فريضة مُعينة أو شعيرة مُعينة، هذه الشعيرة تُذكر المسلم بإخوانه الآخرين.

فشرع في عيد الفطر صدقة الفطر، صدقة الفطر فرضها النبي -صلى الله عليه وسلم- على المسلم على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد كما قال ابن عباس: طُهرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين، إسعاف للمساكين، أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم، حتى يشعر الفقير بأن العيد ده عيده مش عيد –بس- اللي معاهم فلوس واللي عندهم أموال، وغم على من لا يجد شيئاً.

لأ، لازم يشعر بأن الفرحة يشترك فيها الجميع، فلذلك فرض النبي -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر أو زكاة الفطر وهي زكاة على الرؤوس، وحتى إحنا ذكرنا في الحلقة الماضية إنها تجب على من لا يملك نصاباً -عند جمهور الفقهاء- ليتعود المسلم يوماً من الدهر أن يبذل ويعطي، (الذين ينفقون في السَّراء والضَّراء) وشرع الإسلام في عيد الأضحى الأضحية، أن يذبح المسلم أضحيته، الإمام أبو حنيفة أوجبها على أهل اليسار.

والأئمة الآخرون قالوا: إنها سُنَّة مؤكدة، والمقصود من هذه الأضحية أن تكون توسعة على الفرد، وأسرته، وأهله، وعلى أقربائه، وجيرانه، وعلى فقراء المسلمين، ولذلك قالوا يُسن أن يوزعها .. يُقسِّمها أثلاثاً: ثلث له، وثلث لأحبائه وأقاربه، وثلث لفقراء المسلمين، فيشعر الفقراء أنهم في هذا العيد يأكلون اللحم كما يأكله الآخرون، فهذه المعاني التي يفرض فيها الإسلام التكافل في كل حين، وخصوصاً في هذه المناسبات الطيبة.

ماهر عبد الله:

اسمح لي أن أعود بك قليلاً إلى الوراء، ذكرت قضية أعتقد أنها جوهرية أنها تنطلق من الفرد من تصالحه مع نفسه، من أن يكون –على الأقل- سوي الطوية، إلى أي درجة مهمة قضية أن يكون الفرد نفسه سوياً في داخله متصالحاً مع نفسه، حتى ينتشر بشكل صحيح في المجتمع؟

د. يوسف القرضاوي:

هذا هو الأساس في التربية الإسلامية، الإسلام يبدأ من الفرد، فالفرد هو أساس المجتمع، لا يصلح المجتمع إلا بصلاح أفراده ولا يصلح الفرد إلا بصلاح نفسه، الله –تعالى- يقول: (إن الله لا يُغيَّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم) ابدأ بالنفس، غيِّر نفسك يتغيَّر التاريخ، الله -تعالى- يقول: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).

فتزكية النفس بمعنى إن الواحد يُعلي نفسه على غرائزها، على الأنانية، يعني يحل مشكلة الأنانية، والإسلام حل مشكلة الأنانية، الأنانية دي مركوزة في فطرته.. إنما أنا بأقول له: بأحل لك هذه المشكلة، إنه من مصلحتك -أيها الإنسان- أن تكون غيريّاً، أن تبحث عن غيرك، أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وهذا ينعكس عليك سعادة لك، وسلاماً في ضميرك، وراحة لقلبك، وطمأنينة، ودي هي السعادة الحقيقية.

السعادة ليست أن تملك الذهب أو الفضة، كثير ممن يملكون الذهب والفضة ليسوا سعداء، بل كثيراً ما تكون هذه الأشياء سبب شقائهم، كما قال الله -تعالى-: (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا) يعذبهم بها يعني هي أصبحت أداة تعذيب بتكويه كيّاً، فنريد أن يتصالح الإنسان مع نفسه، وأن يكون في سلام مع نفسه، بأنه عرف غايته، فيه بعض الناس يعيش في غايات متنازعة، أحياناً يُشرِّق وأحياناً يُغرِّب، ما الذي يقصده؟ لم يُحدِّد هدفه، يعني ساعة يقول المال، وساعة يقول الجاه والمنصب، وساعة يقول الشهوات، ولكن الإنسان المؤمن عرف غايته.

إنه غايته أن يعيش لله (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين) وأن يمشي لهذه الغاية بمنهج الله أيضاً، الله رسم له المنهج، وأن يستخدم كل قواه، الله –أيضاً- أعطاه مواهب عقلية، ومواهب روحية، ومواهب جسدية، وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه، يستخدم هذه المواهب والقدرات في تسخير ما سخره الله له، ما يقلبش الأوضاع، ما يصبحش هو مُسخَّر للمادة، المادة مُسخَّرة له، فلا يجوز هو أن يكون مُسخَّراً لها.

ولذلك المفروض المسلم يملك الدنيا ولا تملكه، يستخدم الدنيا ولا تستخدمه، يعيش فيها ولا تعيش فيه، هي.. فهذا هو المطلوب من الإنسان المسلم، ولذلك الدنيا تكون في يده ولا تكون في قلبه، وبذلك يكسب هذه الطمأنينة التي قال الله عنها: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم) هذه السكينة يُحرمها الماديون، ويحرمها المرتابون والمتشككون، من لا يقين عندهم لا بالله ولا بالآخرة هو يعيش في عذاب في الحقيقة.

فلذلك نحن نقول: الإنسان المؤمن عرف غايته وعرف طريقه، فلم تعد تتنازعه الرغبات، بحيث.. إنه محتار يعني ما.. عايش ليه؟ هو خلاص عرف ماذا يريد وكيف يُحقق ما يريد فعاش في غاية من الأمن والإيمان والسلامة والإسلام، وأول الأمن الأمن النفسي.

ماهر عبد الله:

طيب، لو انتقلنا في السُّلَّم الذي وضعته في الأول للتصاعد هذا إلى الأسرة، للأسف مجتمعاتنا تبدو أنها تحذو حذو القذة بالقذة بالمجتمعات الغربية، أنت تحدثت عن الأسرة الموَسَّعة، نحن حتى الأسرة النووية الصغيرة –للأسف الشديد- نشهد فيها حالات كثيرة من التفتُّت، إلى أي درجة مهم موضوع الأسرة ليس فقط للفرد، ولكن للمجتمع من حيث هو مجتمع؟

د. يوسف القرضاوي:

الأسرة في المجتمع أساسية، والإنسان المسلم إنسان أسري، لا يقبل الإسلام الرهبانية، لا رهبانية في الإسلام، يعني الإنسان في المسيحية الإنسان المثالي هو الراهب، يعني مش كل الناس بيبقوا رهبان، إنما من يريد أن يعيش حياة مثالية هو يعيش حياة الرهبنة، لأ، إحنا عندنا لأ، الرسول تزوج وقال: "وأتزوج النساء فمن رغب عن سُنَّتي فليس منِّي" والله –تعالى- يقول: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وقال: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).

فهذه الأسرة يعني أركان الأسرة السعيدة .. الأسرة القرآنية -كما يصورها القرآن- السكون والمودة والرحمة، والقرآن ذكر لنا إن أول إنسان خلقه الله، وهو آدم، وأسكنه في الجنة لم يتركه في الجنة وحده، لأن ما معنى أن يعيش الإنسان في الجنة وحيداً، ولا أنيس له ولا جليس؟! وإنما.. فلذلك لم يتركه الله وحده، خلق له من جنسه أو من نفسه زوجاً وقال له: (اسكن أنت وزوجك الجنة) فتبدأ هذه الأسرة بهذه المعاني: السكون والمودة والرحمة.

وعبَّر القرآن عنها في آية أخرى بقوله: (هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن) يعني شوف كلمة اللباس يعني الإنسان ما يفيده من القرب واللصوق، والدفء، والستر، والوقاية، والزينة، كل هذه المعاني يحققها كل من الزوجين للآخر: (هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن) ولذلك شدد الإسلام في حسن الاختيار من أول الأمر، هذا يبدأ منذ يختار الإنسان شريكة حياته، ومنذ تختار المرأة شريك حياتها، عليها أن تختار ذا الدين والخلق، وعليه أن يختار الزوجة الصالحة "اظفر

بذات الدين تربت يداك" "انظر إليها فإنه أحرى أن .. " حتى تُبنى على أسس سليمة.

وبعدين إذا جاء الأولاد والبنات أصبح هناك حقوق الأُبَّوة، والبنوَّة، والأمومة، والأُخوَّة من الأسرة يتعلم الإنسان معاني التعاطف مع الآخرين، التراحم معهم، التعاون معهم، التكافل معهم، التحاب.. هذه كلها تتربى هذه المشاعر الطيبة في ظلال الأسرة، ونحن –المسلمين- تميَّز ديننا بالتشديد في هذه القضايا، يعني حق الوالدين وخصوصاً الأم (وبالوالدين إحساناً) وخصوصاً في حالة الكبر (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً) وبعدين الأم بالذات "أمك، ثم أمك، ثم أمك، وبعدين ثم أبوك".

[موجز الأخبار]

ماهر عبد الله:

مولانا، كنت تتحدث عن التراحم داخل الأسرة، "أمك ثم أمك ثم أمك". إلى أي مدى هذا التكافل الأسري سيخدم المجتمع؟ يعني قد يكون في الأخير هي خلايا خاصة صغيرة متراحمة فيما بينها لكن ليس بالضرورة متواصلة مع غيرها؟

د. يوسف القرضاوي:

لا.. هو.. بسم الله الرحمن الرحيم، أنا كما قلت الفرد بيتعلم التعاطف والتراحم داخل الأسرة فتتربى عنده هذه المشاعر الطيبة والعواطف النبيلة، عاطفة التعاطف مع الآخرين والتراحم، وبعدين تفيض منه على غيره، لا يمكن الإنسان الأناني يتعود التراحم، فالأسرة هي المدرسة الأولى التي يتعلم فيها هذه المعاني الطيبة، ولذلك اشتهر المسلمون بهذه المعاني، معاني البر، بر الوالدين.

وكما ذكر القرآن: (فلا تقل لهما أف) حتى قال الإمام علي -رضي الله عنه- "لو علم الله في العقوق شيئاً أدنى من أف لحرمه" يعني الأف ينفخ كده يعني تضجر حتى هذه لا يسمح بها خصوصاً الأم، لأن العلماء قالوا الأم لها ثلاثة أرباع البر، لأنه قال: "أمك ثم أمك ثم أمك".. لماذا؟

لأن الأم تعبت أكثر من الأب حتى القرآن حينما قال: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون ..) هو بيوصي بالوالدين، لكن لما جه يذكر ذكر فضل الأم (حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) وفي آية أخرى (وفصاله).. (حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين).

ولذلك المجتمعات المادية ومجتمعات الحضارة الغربية الآن -للأسف- حرمت هذه المعاني، وأصبح كل واحد يعيش لنفسه فقط، حتى الأولاد مجرد أن يكبروا، ويبلغوا كل واحد بيروح لحال سبيله، الولد يبحث له عن صديقة، والبنت تبحث لها عن صديق، ولا يكاد يعرف كل منهما أباه أو أمه إلا في يوم للأب في السنة أو يوم للأم، عيد الأم أو عيد الأب كما يسمونه، ويمكن ما يروحش يزورهم، يمكن يبعت له رسالة، أو يرسل له هدية زجاجة عطر، أو كذا، أو مش عارف إيه بالمراسلة، فهذا لا.. لا يوجد عندنا وإن كان -للأسف- كما ذكرت يعني في مقدمتك إنه بدأت مجتمعاتنا تحاول أن أيه؟ أو تقلد هذه المجتمعات.

وبدأ بعض الناس يأخذ أبوه أو كذا ويضعه في المصحة، ويقول لك يعني هو بيأكل ويشرب، إنما الحياة ليست أكلاً وشرباً هو يريد أن يعيش مع أولاده ومع أحفاده، الأحفاد هؤلاء الصغار في حاجة إلى أن يعايشوا جدهم ويسمعوا منه حكاياته الكذا، ويضحك معهم، ويضحكوا معه، يعني هو الإنسان في حاجة إلى أن يظهر، يرى امتداده في أسرته، دي غريزة حب الخلود هذه عند الإنسان.

فللأسف بعض الناس عندنا ممكن يحط أبوه أو أمه يقول لك هناك مكفولة المأكل والمشرب، ولكن الحياة ليست.. يعني ممكن يفعل هذا من لا يستطيع أن يُعيِّش أمه أو أباه معه، عايش في حجرة صغيرة أو شقة بعض الناس، يعني في بعض البلاد الأسرة عايشة في حجرة في بدروم، في بعض.. هذا يعني معذور في هذه الحالة، إنما…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

ما هو حتى هذا لن يكون قادراً مالياً على وضع أبوه في بيت عجزة يعني.

د. يوسف القرضاوي:

آه، يعني فأما القادرون فلا ينبغي أن يحدث هذا وأنا أحذر من إنه تنتقل إلينا العدوى، عدوى التفكك الأسري، إن كل واحد يعيش في نفسه ولا يهمه إلا نفسه، هذا يعني أمر خطير بالنسبة لمجتمعاتنا المسلمة.

ماهر عبد الله:

طب، يعني في العالم الغربي ونحن دائماً يعني نضطر للمقارنة معه كثير من الدراسات الاجتماعية والنفسية تقول أن أغلب المجرمين وذوي الميول الانحرافية والمجرمة نشؤوا في بيوت يسمونها بيوت مكسرة إما مع الأم وحدها، أو مع الأب وحده، أو بلا أم ولا أب، إلى أي مدى نتفق نحن في الإسلام مع الحرص على أن يكون الإنسان جزء من أسرة من أجل..

[فاصل إعلاني]

ماهر عبد الله:

سؤالي كان.. مازال في ذهنك حاضر؟

د. يوسف القرضاوي:

نعم، هو الإسلام يحرص على رعاية الطفولة وحتى عندما يفقد الطفل أباه، فيه عندنا رعاية اليتيم.. كفالة اليتيم، اليتيم هو من فقد أباه، هذا مطلوب من المجتمع يعني عامة ومن أقاربه خاصة أن يكفلوه "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، حتى لا يضيع هذا اليتيم الذي.. (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض..) مجرد إنه يدفعه بعنف (فأما اليتيم فلا تقهر) فليه؟ يعني حتى نحتفظ بشخصيته، لا نذله، ولا نحطم شخصيته، لأن هذا يؤثر فيه ويصبح بعد ذلك خطراً على المجتمع، لابد أن ينشأ نشأة سوية، مرعي ممن حوله، مكفول، محبب.

فيعني يظهر أن المجتمع عطف عليه، وحنا عليه، ولم يهمله، بل أكثر من هذا، اللقيط يعني الإسلام في كل كتب الفقه، كتاب كده اسمه كتاب اللقيط، اللقيط يعني من لا يُعرف له أبٌ ولا أم التقطه الناس في الشارع، معناه جاء ثمرة علاقة محرمة وللأسف أمه يعني ولدته وتركته في السوق، أو عند باب المسجد، أو عند كذا.. هذا له أحكامه في الشريعة الإسلامية ويجب أن يُكفل، ويجب أن يُضم إلى أسرة ويُنفق عليه من بيت المال إنما يعيش في ظل يعني أسرة، فهذا حرصاً على ألا يكون هذا عضواً فاسداً في جسم المجتمع فيما بعد ذلك.

ولذلك العناية البالغة باليتامى والنصوص الكثيرة باليتامى وبمثل اللقطاء، وبعضهم بيعتبر اللقيط ده بيدخل في قوله -تعالى- (ابن السبيل) لأنه ابن الطريق يعني ممكن، فهذا كله عناية بهؤلاء الناس حتى ينشؤوا نشأة سليمة سوية في وسط مجتمع يعني يتعاطف معهم، ويعني يكن لهم الحب، ويُظهر لهم المشاعر الطيبة فيجد آباءً بدل أبيه، وأمهات بدل أمه، وبذلك لا يحقد على المجتمع الذي نشأ فيه.

ماهر عبد الله:

طب، في المجتمعات الثرية ثمة عادة اللجوء إلى التعويل على الخدم، وعلى المُربيات، هل تؤثر هذه على كمية الحنان والعطف الذي يتلقاه الطفل، وبالتالي قد تنشأ فيه ميول للقسوة والتوحش أكثر من الوضع الطبيعي لو عاش مع أمه؟

د. يوسف القرضاوي:

نعم، هو لاشك أن الطفل الذي ينشأ في حضانة أبويه، ورعايتهما المباشرة، وفي حضانة أمه، ويرضع من أمه حتى يعني مش تتركه لواحدة أو بس الحليب الصناعي، لأن عملية الالتصاق دي بالأم، والتقام ثديها، ويعيش على..، ينام على صدرها و..، هذا كله له يعني أثره ورعاية الأم، إنما الأم التي تلد الطفل، وتتركه لخادمة يعني هندية، فلبينية، لا يعرف لغتها، ولا تعرف لغته، ولعلها ليست من دينه، ولا تعرف يعني المشاعر الدينية…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

عادات وتقاليد الناس..

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]:

أو الأخلاق المتوارثة، أو الأعراف التي يجب أن تُلقن له، أو.. هذا خطر على.. وربما بعضهن يعامل الطفل بقسوة والأم لا تدري، وهناك حكايات كثيرة تحكي عن هؤلاء الخادمات لكي يُسكتن الطفل يؤذينه، تشكه بإبره، تعمله بكذا، تلسعه لسعة، وبعد كده يخاف منها، فتتربى عنده مشاعر حاقدة أو مشاعر الخوف، أو مشاعر..، أو عُقد معينة تنشأ وتكون له آثارها في سلوكه فيما بعد، فليس هناك أفضل من أن تشرف الأم بنفسها على تربيته، ممكن واحدة تساعدها في الكذا، إنما تتركه لها كما يفعل كثير من نساء الخليج، للأسف الأمهات الخليجيات يصبحن وبس هي عليها تلد وتترك الخادمة هذه الأجنبية تترك لها أولادها تتصرف فيهم كما تشاء، هذا خطر.. يعني.

ماهر عبد الله:

طب، اسمح لي عند هذه اللحظة أن نشرك الإخوة المشاهدين، معي الأخ أبو عبد الرحمن محمد من الجزائر.. أخ أبو عبد الرحمن تفضل.

أبو عبد الرحمن محمد:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام ورحمة الله.

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

أبو عبد الرحمن محمد:

كيف حالك يا شيخ يوسف؟

د. يوسف القرضاوي:

حياك الله يا أخي، وبارك فيك.

أبو عبد الرحمن محمد:

لقد اشتقنا إليك في الجزائر يا شيخ يوسف، نحن نتابعك دائماً.

د. يوسف القرضاوي:

أنا معكم يعني بقلبي، ومعكم بهذه البرامج إحنا مع بعض أهوه إن شاء الله يعني.

أبو عبد الرحمن محمد:

والله لقد اشتاقت إليك الجزائر مرة أخرى.

د. يوسف القرضاوي:

بارك الله فيكم إن شاء الله ربنا..

أبو عبد الرحمن محمد:

وفيك البركة، يا شيخ يوسف، لدي سؤال إن شاء الله.

د. يوسف القرضاوي:

اتفضل.

أبو عبد الرحمن محمد:

بخصوص الأم، يعني نحن إخوة نهتم بالوالدين اهتماماً كبيراً، وهذا واجب علينا والحمد لله، لكن الأم تريد أشياء أكبر مما تستحق يعني في الحقيقة، يعني مثل أنها إذا ملكت شيء مثلاً، ابني ملك سيارة، أو ملك بيت، أو.. تقول نريد أن تُملكني ذلك الشيء، يعني وإلا هي ليست راضية عنك، فما قولك في هذا يا شيخ؟ وجزاك الله خيراً.

ماهر عبد الله:

طب، مشكور يا أخ أبو عبد الرحمن.

معانا الأخ يوسف مكي من (ألمانيا) أخ يوسف، اتفضل.

يوسف مكي:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام ورحمة الله.

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

يوسف مكي:

صراحة أنا ليس لي مداخلة فقط، ليست لي تساؤل في هذه المداخلة، فقط أردت أن أعلن لك حبي في الله يا شيخنا الفاضل، وأن أعلن تضامني معك، وتضامن أحبابك التونسيين أمام الحملة التي تتعرض لها في الإعلام من طرف الأزلام والأقزام، وآخرها الدعوى التي أقامها ضدك الدهقان هذا المسمى الصغير ولد أحمد الذي تعجز لغة العرب صراحة في وصف سفالته.

وعلى كلٍ يا شيخنا هذا النذل يريد أن تصبح له شهرة وذكر فرفع هذه الدعوى ضدك وقال أنك كفّرته، وأنا أستغرب منهم هؤلاء لهم يعني نظريات لها جهاز مصطلحي فهم يصفون مخالفيهم مثلاً بالظلاميين، والرجعيين، وغيرها من المصطلحات، وحينما نريد أن نصفهم نحن بما قال لنا ربنا يعني الذين خالفوا دين الله ستراهم يعني…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

طب، أخ يوسف.. أخ يوسف، مشكور جداً على هذا التضامن، وأنا أعتقد أن الشيخ يعني يتعالى عن مثل هذه الحملات، وهو قد أعتقد شاهد وسمع عنها ومنها الكثير، معي الأخ علي حمدان من الإمارات.

علي حمدان:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

علي حمدان:

مساكم الله بالخير.

ماهر عبد الله:

حياك الله.

د. يوسف القرضاوي:

حياكم الله يا أخي.

علي حمدان:

تحية لك يا شيخ يوسف، وأبقاك الله نوراً إن شاء الله لتنير لنا هذه الحياة، سؤالي قد يكون خارج عن الموضوع، لا أعرف إذا بالإمكان إنك تجيب عليه؟

د. يوسف القرضاوي:

طب، علِّي صوتك شوية يا أخ الله يبارك فيك.

علي حمدان:

سؤالي خارج عن الموضوع قليلاً ما أعرف إذا كان بالإمكان تجيبني عليه أو لا، صراحة أنا حلمت بحلم ليلة القدر.

د. يوسف القرضاوي:

لا.. أنا ما..

ماهر عبد الله:

لا، هو طيب يا سيدي يعني خليه -إن شاء الله- في مناسبة أخرى إذا فُتح هذا الموضوع.

علي حمدان:

والله…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

مشكور جداً يا أخ علي.. سؤال الأخ أبو عبد الرحمن أنا أعتقد كان واضح المثال الذي ضربه إنه حتى لو أمتلك أمراً خاصاً به تريد أمه أن يُسجل باسمها بحكم هذا البر.

د. يوسف القرضاوي:

لا، هذا يعني في الحقيقة تجاوز في طلب الأم ما ليس لها، يعني الأم لها حق الإكرام، الإحسان، القول الكريم، النفقة إذا احتاجت إلى النفقة، إذا لم يكن لها مال فنفقتها على ابنها، المودة، الزيارة، السؤال، هذا ما.. إنما ليس معناه إنها تملك ما يملكه وتأخذ أملاكها.. لا، لأن هذا ليس صحيحاً يعني الحقيقة، يعني وبعدين أملاكها دية ستورثها سيرثها…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

الأبناء..

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]:

أبناؤها الآخرون، فهذا ليس من حقها، أيضاً بعض النساء، بعض الأمهات تتدخل، مثلاً ابنها تزوج يعني تريد أن تتدخل في شؤونه مع زوجته، وتريد إن..، وتفسد عليه علاقته، وأحياناً الأم مثلاً تزوج ابنتها، وتريد إن ابنتها تظل أيضاً يعني…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

أسيرة عندها..

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]:

أسيرة لها مش لزوجها، يعني هي بعد أن تنتقل إلى زوجها تُصبح طاعة زوجها هي الواجبة مش طاعة أمها، خلاص انتقلت من بيت إلى بيت، وانتقلت إلى عصمة الرجل، والرجال قوامون على النساء، وأصبح.. فبعض الأمهات تريد إنها بنتها تظل تقول لك آه ربنا أمرك بطاعتي، لا، أمرك بطاعتي وأنا عندك، إنما هي عليها مودتها والإحسان إليها والكذا.

أيضاً الابن بعدما يتزوج مش يصبح يعني..، فهذا فهم خاطئ، وسلوك خاطئ في الوقت نفسه لبعض الأمهات إن هُم يتجاوزن إلى ما ليس بحقٍ لهن ليطلبن الأشياء ليست من حقهن، وأولى أن يقف كل إنسان عند حده، "من سعادة جدك وقوفك عند حدك"، وكل ذي حق يأخذ حقه ولا يطغى على حق غيره، هذا هو المطلوب.

ماهر عبد الله:

طيب، الأخ يوسف مكي يعني أنا أعتذر عن مقاطعتك أخ يوسف، لكن يعني لعلك…

د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]:

أنا بس أريد أقول شيء يعني بالنسبة لهذا الأخ الذي رفع الدعوى، هو يقول إن أنا اتهمته بالكفر، وإني يعني حرَّضت على قتله وإهدار دمه، هذا ليس بصحيح، أنا ذكرت في كتاب لي عن التطرف العلماني في مواجهة الإسلام نموذج تركيا وتونس، لأن الناس عادة للأسف يتحدثون عن التطرف الديني ولا يتحدثون عن التطرف العلماني، مع إن كثير من التطرف.. التطرف الديني سببه التطرف العلماني إنه فيه غلو علماني، وفيه تطرف علماني، العلمانية التي ترفض الشريعة، وتسخر بالعقيدة، وتسخر أحياناً من القرآن، وتسخر من محمد -عليه الصلاة والسلام- وتسخر من الشرائع القطعية، ومن.. هؤلاء هم يحرضون الناس على الغلو في الدين.

فأنا تكلمت عن التطرف العلماني، وذكرت نموذجين، نموذج تركيا، ونموذج يعني تونس، وذكرت بعض الأشياء التي حدثت في تونس ومنها هذا الشاعر أنا لا أعرفه ولا.. إنما ذكرت أبياتاً له فيها سخرية بالدين، وبالأدعية، وبالألوهية فالأخ بيقول: إنه رافع دعوى علي، يرفع دعوى، وأما إن أنا حرضت على قتله، لا.. أنا..، لأن واجب العلماء أن يُبينوا للناس -يعني- العدوان على المقدسات الدينية وإلا كانوا خائنين لدينهم وآثمين بالكتمان (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين.. ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه.. ولا تكتمونه).

فنحن لا نكتم الحق، أما إني أحرض عليه أنا حتى يعني مذهبي الذي رجحته يعني في فقهي أن المرتد.. ليس كل مرتد يجب قتله، أنا رجحت مذهب الإمام إبراهيم النخعي والإمام سفيان الثوري في أن المرتد يحبس ويستتاب أبداً إلا بعض أنواع الردة المغلظة اللي هي فيها تحريض على الكفر السافر، وإغراء للمجتمع بالفتنة، وتمزيق للمجتمع، هذا لأنني بأحمي مجتمعي في هذه الحالة، إنما أنا أصلي إن جريمة الردة ليست مستوجبة باستمرار لعقوبة القتل.

ماهر عبد الله:

طب، لو عدنا إلى موضوعنا، منذ عقدين أو ثلاثة من الزمن كان شعار العدالة الاجتماعية، تحدثنا عن الفرد، وعن أن الأسرة كان شعار العدالة الاجتماعية طاغي في الأرض كلها، اليوم هذا الشعار تضاءلت قيمته وخفت، ولم يعد له قيمة وبالعكس البعض يتندر بالحديث عنه، إلى أي درجة مهم لنمو المجتمع، لنمو الأفراد في أن تكون هناك درجة من العدالة الاجتماعية داخل كل مجتمع؟

د. يوسف القرضاوي:

الإسلام يجعل العدالة الاجتماعية فريضة من فرائضه، ما معنى العدالة الاجتماعية؟ معنى العدالة الاجتماعية أن يأخذ كل ذي حق حقه، أن يتهيأ لكل عاطل حقه في العمل، وأن يتهيأ لكل عامل حقه في الأجر، الأجر المناسب لعمله، وأن يتهيأ لكل عاجز حقه في الكفالة الاجتماعية.

إذا واحد.. افرض إن واحد يعني لا يجد عملاً، أو لا يجد عملاً مناسباً له.. معاه طب أو هندسة، ولا يجد عملاً إلا كناساً، مش هتقول له: اشتغل.. للطبيب اشتغل كنّاس، يعني فعنده لا يجد العمل، هذا المتبطل هذا جبراً عنه، أو كان بيعمل ولكن أجره من عمله لا يكفيه لقلة الأجور، أو لكثرة عياله، أو لغلاء الأسعار، أو لأي شيء هذا يجب أن يكفله المجتمع، الضعاف من الناس، الأيتام الذين ينشؤون، الأرامل من النساء، العجائز، الشيوخ الكبار، الناس الذين لا يستطيعون أن يعملوا لابد أن يرعاهم المجتمع، هذه هي العدالة الاجتماعية.

ومن أجل هذا نجد الإسلام عالج هذا بأساليب شتى، أول هذه الأساليب: فريضة الزكاة، الزكاة في الإسلام ليست صدقة تطوعية، أو إحساناً يتفضل به الغني على الفقير، ويقول له: خد ويروح يُقبِّل أيديه ويقول له كتر خيرك يعني..، لأ، دي فريضة، فريضة تؤخذ أخذاً، تؤخذ من أغنيائهم لترد على فقرائهم، وإحنا في الأسبوع الماضي تكلمنا عن فريضة الزكاة، وأن الأصل فيها إنها تنظيم تشرف عليه الدولة بواسطة العاملين عليها، هي تحصلها، وهي توزعها، والفرد يعني في غاية الكرامة، لا يمن عليه.. هذا هو الأصل.

فالزكاة مهمتها إنها يعني تعمل هذه العدالة تحقق هذه العدالة، وهذا التوازن بين الطبقات بعضها وبعض، فمن كان عنده حاجة دائمة مثل الغني..، مثل المسكين والفقير، أو حاجة طارئة مثل الغارم.. مدين ولا يجد دين، أو ابن السبيل، واحد شُرِّد عن بلده، صحيح هو في بلده عنده أرض، وعنده عقار، وعنده بساتين، شرد كاللاجئين الفلسطينيين هؤلاء، هم تركوا أرضهم و.. هذا يعني.. الزكاة المفروض يؤخذ هذا نسميه ابن السبيل، ابن السبيل يعني المشرد، يعني أصبح ابن الطريق الآن ما عادش له أرض يأوي لها وهو ابنها لأنه ترك أرضه الأصلية وترك وطنه.

فالزكاة مهمتها الأساسية أن تجبر الخلل عند هؤلاء، ولكن ليست الزكاة هي أول الحقوق في المال وليست آخرها، لأن هناك حقوقاً أخرى في المال، أن هناك حقوقاً في المال غير الزكاة،ومنها حق التكافل أن يتكفل المجتمع بعضه ببعض بحيث لا يبقى في المجتمع المسلم جائع، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "ليس منا من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع"، حتى قال يعني الإمام ابن حزم لو مات واحد جائع على أهل منطقته ديته، لأنهم يعني قتلوه.

فلابد.. ونجد إنه الإسلام فرض على كل مسلم فريضتين، أن يُطعم المسكين وهذا إذا قدر عليه، وفرض فريضة عامة على جميع الناس أن يحض على طعام المسكين، يعني (فذلك الذي يدع اليتيم. ولا يحض على طعام المسكين)، (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم. ولا يحض على طعام المسكين) وصف الله المجتمع الجاهلي بقوله: (كلا بل لا تكرمون اليتيم. ولا تحاضون على طعام المسكين).

يعني لا يحض بعضكم بعضاً، هذا شأن المجتمع الجاهل لأن كل واحد عايش لنفسه، لا يهمه الآخرين وخصوصاً الضعفاء من الناس، لا.. الإسلام يعني من أجل الضعفاء من الناس شدد الحملة غاية التشدد حتى لا يضيع إنسان مستضعف، حتى قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديثه "هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم".

يعني هؤلاء الضعفاء الفئات الضعيفة هم أساس الإنتاج في السلم، والنصر في الحرب، ترزقون أساس الرزق يعني أساس العيش، أساس ناشئ عن الإنتاج هم دولا أداة الإنتاج يعني، وهم أيضاً هُم اللي في الجيش، هم اللي في المقدمة هؤلاء، فهم الذين يصنعون الإنتاج في السلم، ويصنعون النصر في الحرب "هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم".

فمن أجل هذا، الإسلام سعى إلى -يعني- رعاية حقوق هؤلاء، وإقامة التوازن في المجتمع، وتقريب الطبقات بعضها من بعض، يعني بيحاول الإسلام يرفع من مستوى الفقير، ويحد من طغيان الغني، يحد من طغيان الغني بما يفرضه عليه، يحرم عليه الكنز، يحرم عليه الترف، يحرم عليه الإسراف، يحرم عليه تنمية ماله بالربا، بالاحتكار، بالظلم…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

باستغلال الفقراء..

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]:

آه يعني بأكل حقوق الفقراء، باستغلال هؤلاء، دي كلها بتحد من طغيانه، وبعدين بنحاول نرفع مستوى الفقراء عن طريق الزكاة، عن طريق الصدقات التطوعية، عن طريق الوقف، عن طريق وصايا الأموال، إن الواحد يوصي بثلث ماله، أو ربعه، أو بشيء من هذا الثلث، والثلث كثير، فكل هذا بتعمل نوع من التقريب بين المجتمع بعضه وبعض.

ماهر عبد الله:

طيب، معايا الأخ مراد خيف من (بريطانيا) أخ مراد، تفضل.

مراد خيف:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

مراد خيف:

حياك الله يا شيخنا الفاضل.

د. يوسف القرضاوي:

حياك الله، وبارك فيك يا أخي.

مراد خيف:

الله يبارك فينا وفيك، يا شيخنا، عندي واحد سؤال يعني لو سمحت لو.. أنا عندي أخي توفى، وهل يجوز لأمي إنها تحج في مكانه، هل تصله يعني الثواب للحج؟ يعني أسأل الله أن يوفقنا ويوفقكم وتهدي لنا الفاتحة إن شاء الله لإخواننا في فلسطين وفي كل مكان يا شيخنا…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

مشكور يا أخ مراد، معايا الأخ زين العابدين عبد الله من (النمسا) أخ زين، تفضل.

زين العابدين عبد الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، تحيتي للأستاذ الشيخ فضيلة الإمام الأكبر…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

ممكن بس الصوت شوية.

زين العابدين عبد الله:

اخفض أم أعلي؟ نعم يا افندم آلو.

ماهر عبد الله:

تفضل.. تفضل.

زين العابدين عبد الله:

أيوه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

زين العابدين عبد الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، تحيتي للشيخ الجليل الفاضل، وأرجو أن يتسع صدركم إلي قليلاً هذه المرة، أبدأ بالتحية ثم بالأسئلة، تحيتي الأول لأبطال فلسطين الذين حركوا زعماء العرب إلى محاولة فعل أي شيء، ومنهم اثنين يعالجون في مدينة (إينسبروج) في النمسا عندنا الآن، تحيتي الثانية إلى كل من يعمل في قناة (الجزيرة) هذه القناة التي حرّكت مشاعر العرب وتوحدنا جميعاً ودائماً إن شاء الله…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

اسمح لي أخ زين أطلب منك تخش في الموضوع.

زين العابدين عبد الله:

نخش في الموضوع، السؤال الأول.

ماهر عبد الله:

اتفضل.

زين العابدين عبد الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، هل يجب علينا أن نبدأ بأنفسنا يا شيخ قرضاوي؟ وماذا عن إخواننا الذين هم أفضل منا، ولكنهم يقبعون في غياهب السجون؟ هل نفكر في أن نبدأ بأنفسنا ونتجاهل الآخرين ممن بدؤوا بأنفسهم؟ وكيف لرجل أن يكافح مجتمع وهو لا يستطيع أحياناً أن يسيطر على حتى أولاده في مثل هذه المجتمعات؟ أبدأ بالسؤال الثاني: يا سيدي، ما رأي الشرع في نظم الملكيات الجمهورية، أو الجمهوريات الملكية مثلما حدث في سوريا؟ وهي قد تكون البداية في عالمنا العربي مع عدم وجود المقارنة مثلاً ببلاد مثل أمريكا أو جورج بوش…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

أخ زين.. أخ زين هذا خارج شوية عن موضوعنا، عندك سؤال ثاني؟

زين العابدين عبد الله:

نعم يا افندم عندي.

ماهر عبد الله:

طب، مشكور إحنا حنأخذ السؤال الأول لأنه.. معي الأخ عبد الحميد حاج خضر من ألمانيا، أخ عبد الحميد، اتفضل.

عبد الحميد حاج خضر:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

عبد الحميد حاج خضر:

بسم الله الرحمن الرحيم، تحياتنا إلى الشيخ العظيم.

د. يوسف القرضاوي:

حياك الله يا أخي.

عبد الحميد حاج خضر:

أكرمه الله في المبادأة التي بدأ بها في تكوين صندوق أو مؤسسة لرعاية الموهوبين من أبناء الأمة.

د. يوسف القرضاوي:

إن شاء الله.

عبد الحميد حاج خضر:

هذا المشروع أنا..، هذا المشروع المؤسسي إلا أنه له أبعاد عظيمة جداً وقد حاولت في المرة.. في الحلقة الماضية أن أتكلم في هذا الموضوع، ولكن لم أفلح لانشغال الخطوط. يا سيدي، هذا المشروع الحضاري العظيم لو طُوِّر بعض الشيء بأن يكون جامعة، تؤسس جامعة خاصة تستوعب الموهوبين من الفقراء والموسورين لتقدم للأمة ما تحتاج إليه من الخبرات كما هو الحال في الدول المتقدمة، فمثلاً في فرنسا موجود Le college francaise وموجود هنا في ألمانيا Max Planc Institute وغيره من الجامعات الخاصة التي ترعى بالموهوبين، لأن الجامعات منذ السبعينات انخفض مستواها العلمي لدرجة لا تستطيع أن تستوعب أو تُنمي الملكات الموجودة عند الموهوبين.

ولهذا من قبيل الشورى أن يُطوَّر هذا المشروع إلى مشروع.. إلى جامعة خاصة تستوعب الموهوبين وترعاهم لأنهم لو ذهبوا إلى الغرب فسيبقون بالغرب لكثرة المغريات، ولو فضلوا في جامعاتنا فلن يستطيعوا…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

أخ عبد الحميد.. أخ عبد الحميد أنا أعتقد أن الفكرة والاقتراح واضح وستسمع تعليق من الشيخ، أنا يعني سمحت بالموضوع وهو خارج عن موضوع هذه الحلقة لكن لأنه المشروع أصلاً مشروع شيخنا وإمامنا فسمحنا للأخ عبد الحميد بمساهمته، وإن شاء الله سنسمع تعليق من الشيخ عليه، سؤال الأخ مراد، شكله خارج عن الموضوع لكنه في صميم الموضوع، تحدثنا عن جزء منه في الأسبوع الماضي.. إلى أي درجة يسهم هذا.. إهداء العبادة إلى المتوفين، هو سأل عن عن زوج أمه هل يجوز أن أحج وأهدي له.. هل تسقط فريضة الحج أن يحج عنك ابنك أو.. بعد..؟

د. يوسف القرضاوي:

هو ده نوع من التكافل، حتى التكافل بعد الوفاة يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- سُئل: "هل عليَّ لأبوي شيء بعد وفاتهما؟" فقال لهم: "نعم، الصلاة عليهما، والدعاء لهما، وبر صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإنفاذ عهدهما". يعني حتى بعد الوفاة هناك حقوق، ومن ضمن الأشياء إنه الرسول -عليه الصلاة والسلام- أجاز للإنسان أن يحج عن أبويه، أو يحج عن قريب له، يعني ده.. وده استثناء من فضل الله ورحمته، لأن الأصل في العبادات أن تكون ذاتية شخصية، الإنسان يؤديها بنفسه (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى).

ولكن بعض العبادات مثل الحج التي هي في العمر مرة قد لا تتيسر للإنسان في حياته، فيجوز لابنه، أو لأخيه، أو لأمه، أو لأبيه، أو لقريبه، أن يحج عنه، الرسول -صلى الله وسلم- يعني رأى رجلاً يقول: "لبيك اللهم عن شبرمة"، قال: "مَنْ شبرمة؟"، قال: "أخ لي أو قريب لي"، قال: "هل حججت عن نفسك؟"، قال: "لا"، قال: "حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة".

فإذا كانت الأم حجت عن نفسها فيجوز لها أن تحج عن ابنها، ويعني ويكون -إن شاء الله- ثواب هذه الحجة له، وهي أيضاً لها يعني ثواب يعني هذا البر بابنها، والإنسان بيستفيد حتى أيضاً، لأنه طبعاً هيصلي في الحرم، ويكتسب أشياء أخرى كثيرة مكتوبة له، فهذا نوع من أنواع التكافل الذي شرعه الإسلام في هذه القضية.

ماهر عبد الله:

سؤال الأخ الزين على الأقل الجزء الأول به يعني بعض من يسعون إلى تحسين وضع المجتمعات المسلمة باتجاه أن تكون أكثر قرباً من الإسلام يتعرضون للسجن، وكما قال كثير منهم لا يستطيع لا السيطرة على نفسه ولا على أولاده حتى في تربيتهم، هل نحن ملزمون بأبناء هؤلاء الذين يسجنون يعني؟

د. يوسف القرضاوي:

يعني حتى هو لو كانوا أناس يعني منحرفين لا ينبغي أننا نترك أولادهم، يعني لا يؤخذ الأبناء بذنب الإيه؟ الآباء، حتى الفقهاء اختلفوا هل يجوز إعطاء الزكاة لفاسق؟

والرأي المرجح إنه لا تعطى للفاسق لنفسه، ولكن لو كان عنده زوجة وأولاد تعطي لزوجته وأولاده، وليمكن هو منها، حتى لا نتركهم ينحرفون، لأنهم يعني ممكن إذا لم يجدوا ما يطعمون ممكن يسلكوا طريق الفساد (ولا تزر وزارة وزر أخرى)…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

(وزر أخرى).

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]:

أما السؤال بتاع الأخ اللي بيسأل عن مؤسسة رعاية الموهوبين أنا أراها أنها ليست خارجاً عن الموضوع، هذا في صلب موضوعنا، لأن هذا يمثل التكافل الإسلامي العالمي، هذه المؤسسة مؤسسة تكافل على المستوى الإسلامي العالمي، لأن المجتمعات الأخرى يوجد عندها مَنْ يكفل أبناءها النابغين، وتوجد يعني مؤسسات ترعاهم، ونحن لا يوجد عندنا مثل هذه المؤسسة.

فأنا أردت من إنشاء هذه المؤسسة أن نسد هذه الثغرة، ونلبي هذه الحاجة، أنا تأتيني رسائل من أقطار شتى من بلاد الإسلام، ومن خارج بلاد الإسلام من الأقليات الإسلامية، أولادها يريدون أن يتعلموا، وأولادنا يعني يبدو من رسائلهم ومن الكلام عنهم أنهم موهوبون فعلاً، يعني وصلوا إلى درجة النبوغ، مش بس مجرد التفوق، النبوغ ولكنهم لا يجدون الفرصة ليبرزوا، ويصقلوا، ويتعلموا.

فإذا أنشأنا لهم هذه المؤسسة نكون قد يعني غطينا حاج من الحاجات المهمة، ولا مانع إن هذه المؤسسة تتطور بعد ذلك لتنشيء جامعة، يعني ممكن، إنما إحنا لأنا إحنا هتقوم على أساس وقف، ممكن ينمو هذا الوقت يتسع، بعد مدة نقول: والله نعمل نحن جامعة، إنما نحن الآن.. أيضاً هذه المؤسسة من ضمن عملها إنها تخاطب الجامعات المختلفة لتأخذ منح، يعني لأنه هتخاطب الجامعات العربية، والجامعات الإسلامية، والجامعات العالمية.

أنا ممكن آخذ من جامعة في (اليابان) أو من جامعة في ألمانيا، أو من جامعة في (جنوب إفريقيا) وآخذ منها منح، لأن أنا هأبعث إليهم الموهوبين، مش كلهم هيدرسوا دراسة شرعية، فيه اللي هيدرس الرياضيات، واللي هيدرس علوم وتكنولوجيا، واللي هيدرس حاسوب، واللي هيدرس دارسات إنسانية واجتماعية حسب المواهب وحسب حاجات المجتمعات.

فأنا بأتي إليهم بهذه الأشياء، وأحاول.. من ضمن أعمال هذه المؤسسة تتابع هؤلاء حتى لا ينحرفوا، وتحاول تربطهم بالمؤسسات الإسلامية، ما يروح بلد وفيها جمعية خيرية إسلامية، نقول له: اعمل فيها مركز إسلامي نقول له: ارتبط بهذا المسجد، حتى لا يضيع، يعني مش مهمتها بس تدفع فلوس، لا.. دي مؤسسة متابعة يعني لهؤلاء الموهوبين حتى لا يضيعوا، ربما تعمل بعض القوى المعادية للمسلمين تعرف إنه هذا.. تحاول تنحرف به، تعمل له إغراءات في طريقه، تضع له امرأة في الطريق، تضع له أصدقاء سوء يحاولوا يفسدوه، يعني لأنه.. هذا كله محتمل.

فنحن نحاول أن نحمي ونحصن هؤلاء الأبناء النابغين بكل ما نستطيع من قوة إن شاء الله.

ماهر عبد الله:

طيب لو عدنا إلى السؤال العدالة الاجتماعية، ما تفضلتم به كان جزء يعني فيه جزء كبير منه يعتمد على الوازع الداخلي، إلى أين مدى يمكن الدولة في الأساس أن تساهم في موضوع العدالة الاجتماعية؟ قضايا مثل مجانية التعليم، مجانية الصحة، مجانية المواصلات العامة للمناطق، هل هناك تصور إسلامي لما يجب أن تقوم به الدولة؟

د. يوسف القرضاوي:

نعم، الدولة في الإسلام مسؤولية مسؤولة كاملة، يعني بعض الناس عندهم التصور الرأسمالي الأساسي إن الدولة هي بس تحفظ الأمن، بعضهم يقول: تحمي الذين يملكون من الذين لا يملكون. يعني كأنها تحافظ على أموال الأغنياء فقط، هذه مهمة.. إنما لا. نحن عندنا "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" عمر بن الخطاب بيقول: "لو هلك جدي بشط الفرات لرأيتني مسؤولاً عنه أمام الله يوم القيامة".

عمر بن عبد العزيز يقول.. دخل بيته مهموماً، وامرأته تقول له.. يقول لها: "كيف لا أهتم وأنا مسؤول عن كذا وعن كذا وعن كذا، وعن اليتيم، وعن الفقير، والمسكين، والمشرد، والغائب، والأرملة؟" يعني هو يرى إنه مسؤول عن هؤلاء جميعاً، فالدولة مسؤوليتها مسؤولية شاملة، وعليها إنها ترتب الموارد وتهيئ الموارد.

الزكاة -كما قلنا- مش مسألة يعني فردية، هي عبادة صحيح، ولكن عبادة الدولة مسؤولة عنها، وممكن الحقوق اللي قلناها التكافل دية ممكن تفرضها الدولة، الإمام ابن حزم يقول: "فرض على كل مسلم أن.. على كل بلد أن يقوم أغنياؤه بفقرائه إذا لم تكفهم الزكاة ولا الفيء، فعلى ولي الأمر أن يجبرهم على أن يكفلوا فقراءهم، يوفروا لهم المأكل والمشرب والملبس والمسكن إلى آخره".

ماهر عبد الله:

لكن في الدولة الحديثة، الدولة إضافة إلى أموال الأغنياء تتوفر على مصادر مالية، على ميزانية..

د. يوسف القرضاوي:

هي الدولة لها ميزانيتها، ميزانيتها قد تكون الميزانية من مصادر للدولة زي الدولة البترولية مثلاً معظم دخلها من البترول، بعض الدول من الضرائب، تفرض ضرائب، بعض الدول من السياحة، بعض الدول.. يعني المهم أصبح لها ميزانية، وهذه الميزانية وخصوصاً الدولة في عصرنا، حتى الرأسمالية اللي هم كانوا بيقولوا في أول الأمر، إنها بس مهتمها تحمي الذين يملكون من الذين.. لا أصبحت الدولة الرأسمالية الآن بتقوم بالتكافل الاجتماعي، وفرض ضمان اجتماعي للمتعطلين وللعاجزين، يعني وأصبح دي مهمة الدولة الحديثة، غير مسألة الصحة، والتعليم، والقضاء، والدفاع، والأمن، أصبحت مسؤولية الدولة مسؤولية كبيرة في عصرنا.

والإسلام يؤيد ذلك، لأن الأصل فيه إنه الدولة مسؤولة "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" فهذا يدخل في المسؤولية عن الرعية.

ماهر عبد الله:

طيب، معايا الأخ عمر الحاج من السودان، الأخ عمر تفضل.

عمر الحاج:

بسم الله الرحمن الرحيم، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "مَنْ ترك مالاً فلورثته، ومَنْ ترك كَلاًّ فإلينا" أو كما قال -صلى الله عليه وسلم- فالكل هو الشخص الضعيف العاجز، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كما أمر الابن بطاعة أبيه، وكما أمر الرجل بالإنفاق على أهله، زوجه، وأبنائه أمر كذلك الراعي -الذي تحدث عنه شيخنا القرضاوي- أمر الراعي أن يرعى الرعية إن كانت الرعية ليست بقادرة، وليست بمستطيعة على الحياة.

لذلك أنا أرى أن الحديث والخطاب الموجه للأفراد لا يكفي، إذا أن الله -سبحانه وتعالى- ورسوله الكريم كما أمر الأفراد بالإنفاق وبالعمل، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "بحسب امرئ من الشر أن يضيع من يعول".

وكذلك أتى الإسلام بأحكام تنظم وتوجب على الدولة أن تقوم ببعض الشؤون المتعلقة بالرعية الضعفاء. فسؤالي كالآتي: نرى في هذه الأيام أن البلاد الإسلامية بدأت تتوجه إلى الأخذ من الأنظمة الرأسمالية فيما يتعلق بما يسمى بالتأمين على الحياة، وبما يسمى بالتأمين على الأبناء، وعلى الممتلكات، وعلى غيرها، فهل يجوز لنا أن نتبع هذه الأنظمة وأن نقنن قوانين فيما يتعلق بالتأمين على الحياة وغيرها، ونرفع بإزالة هذه المسألة حينما نقوم بمسائل التأمين نكون بذلك قد خالفنا أمر الموالي –عز وجل- الذي حرم علينا القيام بمثل هذه الأمور، والذي أوجب في نفس الوقت على الدولة أن تقوم برعاية الضعفاء من أبناء المسلمين.

أفلا ترى معي يا شيخنا أن الخطاب يجب أن يكون موجه إلى الأفراد وإلى الحكام الذين لا يطبقون أنظمة الإسلام…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

طيب، أخ عمر.

عمر الحاج [مستأنفاً]:

والتي إذا طبقت فهي حتماً ستقضي على الفقر…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

مشكور، مشكور يا أخ عمر، أعتقد السؤال.. السؤال واضح والمداخلة واضحة، معايا الأخ محمد ظهر من (فرنسا) أخ محمد، تفضل.

محمد ظهر:

السلام عليكم.

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

محمد ظهر:

بأرحب بالدكتور السيد القرضاوي، وطبعاً سؤالي لسماحة الشيخ حول التكافل الاجتماعي، بيتعلق.. بأتصور سؤالي بيتعلق بالتكافل الاجتماعي. السؤال هو كالتالي: المعروف إنه فيه فقراء كثير مسلمين في السودان، في البلقان، حتى في فلسطين، في كل بقاع الأرض فيه فقراء كثير من المسلمين، نحن في الحقيقة يمكن ديننا بيدعينا إلى أن نساعد هؤلاء الفقراء.

هل يجوز من الحجاج أو من الذين يريدون الحج أن أموالهم يتبرعوا فيها للفقراء؟ أو في الحقيقة هل يجب أن هذه الأموال بدل أن يحجوا فيها أن يعطوها للفقراء، علماً أن الفقراء محتاجون جداً لهذه الأموال، وأتصور أن هذه الأموال ممكن يعني تكفي لسنة كاملة لهؤلاء المسلمين، وتحل مشكلة كبيرة للمسلمين، رغم أن أموال الحج يعني الحج قد يتوفر في سنين أخرى، يعني هذه الأموال تذهب إلى…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

أخ محمد.. أخ محمد، السؤال واضح يا أخ محمد، عند سؤال ثاني؟

محمد ظهر:

لا.. شكراً جزيلاً.

ماهر عبد الله:

طيب مشكور، معايا الأخ علي محمد من عمان.

علوي محمد الكاف:

السلام عليكم ورحمة الله.

ماهر عبد الله:

وعليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

وعليكم السلام ورحمة الله.

علوي محمد الكاف:

أشكر الشيخ العلامة يوسف القرضاوي -حفظه الله ورعاه في حله وترحاله- ونبارك له باستلام جائزة.. استلامه الجائزة، والحقيقة أن هذا شرف للجائزة أن يستلمها أمثال الشيخ القرضاوي.

ماهر عبد الله:

الصوت.

علوي محمد الكاف:

فنقول:

أيها الشيخ مني تحية من كل جارحة وكل لسانِ.

فإذا أردت شكر حسن صنيعكم فصنيعكم يسمو على الشكرانِ.

حفظكم الله في حلكم وترحالكم.. ووفقكم لخدمة الإسلام والمسلمين.

د. يوسف القرضاوي:

بارك الله فيك يا أخي.

علوي محمد الكاف:

الأخ ماهر، الله يخليك يعني نحن عندنا سؤال قد يكون خرج عن الحلقة، بس ثم نتبعه بسؤال في الحلقة.

السؤال الأول -جزاك الله خير- يعني بالنسبة لبيع الذهب بالتقسيط لحاجة الناس اليوم في اتخاذه حلي. السؤال الثاني: بالنسبة…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

إيش المقصود بالسؤال؟

علوي محمد الكافي:

نعم؟

ماهر عبد الله:

تسمح تعيد السؤال يا سيدي؟

د. يوسف القرضاوي:

يشتري الحلي بالتقسيط.

علوي محمد الكاف:

السؤال الأول عن بيع الذهب بالتقسيط كحلي الآن هذا يعني سؤال ناس كثير بحاجة إليه.

ماهر عبد الله:

طيب.

علوي محمد الكاف:

الشيء الآخر يا شيخ -الله يخليك- طبعاً هذه الأيام من أيام شوال المبارك، هذا الشهر العظيم، وفيه توديع شهر رمضان، وفيه كذلك صيام الستة من شوال، فيه بعض النساء يكثر السؤال بالنسبة لصيامها الستة من شوال مع القضاء بنية واحدة، بنية التشريك، أرجو من الشيخ الفاضل يعني يفيدنا في السؤالين هذا…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

طيب، مشكور.

علوي محمد الكاف [مستأنفاً]:

السؤال الثالث الأخير يا شيخ عفواً، أستاذ ماهر جزاك الله خير.

ماهر عبد الله:

طيب.

علوي محمد الكاف:

السؤال الأخير: هل يمكن يعني الشيخ من ناحية إنشاء جمعية تستلم مثلاً الذين يريدون أن يحج حج تطوع، يكون هناك مثلاً اشتراك جمعية بحيث توفر بعض المبالغ للفقراء والمساكين، ويكون الحج جماعي، ويوفر بعض هذا المال لتكافل الفقراء والمساكين، وما رأي الشيخ في هذه الفكرة؟ وجزاكم الله خيراً.

ماهر عبد الله:

طيب، مشكور جداً يا أخ، مشكور جداً يا أخ علوي، طلعوا في الأخير ثلاثة أسئلة، وليس سؤالين. طيب يا سيدي، تعليق الأخ عمر الحاج أولاً، فهم من ظاهر كلامك أنك تعني الأفراد رغم إنه سؤالنا الأخير كان عن الدولة، وأنا أعتقد أنت وضحت، هو يعتقد أن محاولة الاقتراب من النموذج الرأسمالي بالمبالغة في قضية التأمين على الحياة وعلى البيوت وعلى السيارة فيه نوع من أو المخالفة الشرعية، هل يتضمن مخالفة شرعية، وهل هو إحلال لبديل غير إسلامي عن بديل إسلامي كان يجب أن يقوم؟

د. يوسف القرضاوي:

أولاً: أنا أحب أن أقول إنه الإسلام يعني يوجب على الفرد أن يقوم بدوره، وعلى الأسرة أن تقوم بدورها، وعلى المجتمع أن يقوم بدوره، وهناك أنواع من التكافل -الحقيقة- الأستاذ الشيخ مصطفى السباعي -رحمه الله- أوصل أنواع التكافل الاجتماعي إلى عشرة أنواع، يعني هناك تكافل معيشي، اللي إحنا بنمسيه التكافل الاجتماعي اللي هو التكافل المادي المعيشي، ده واحد، هناك تكافل علمي، وتكافل أدبي، وتكافل دفاعي، وتكافل ثقافي، وتكافل أسري، ذكر أنواع من.. التكافل عشرة كلها واجبة على المسلمين. والحديث اللي ذكره الأخ "من ترك.. يعني…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

"كلاًّ"..

د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]:

"كلاًّ".. هو بعض الروايات تقول: "مَنْ تقول مالاً فلورثته، ومَنْ ترك ديناً أو ضياعاً فإليَّ وعليَّ" يعني الضياع: الأسرة، الأولاد الصغار الذين يضيعون لأنهم لا يستطيعون أن يعملوا، والدين: الديون، حتى قال: "إلي وعلي" لأنه كان في أول الإسلام إذا مات الرجل ولم يترك وفاءً لدينه كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: هل.. يجوا الميت يقول: "هل عليه دين؟" يقولوا: "نعم"، "هل ترك وفاءً؟"، يقولوا: "لا"، يقول: "لا أصلي عليه، صلوا على صاحبكم".

فبعضهم يقول: أنا عليَّ دينه. خلاص يصلي عليه. إلى أن يسَّر الله له الأمور، وفتح عليه الفتوح، وجاءته الغنائم، فكان هو الذي يتولى قضاء ديون المدينين، يعني الدولة نفسها تقضي الدين عن المدينين، فالرسول قال هذا بصفته إماماً ورئيساً للدولة، "إليَّ وعليَّ" يعني أنا اللي بأتولى الإنفاق على الكَل، والضائعين، والأيتام، والأولاد الذين تركهم آباؤهم، وأنا الذي أقضي الديون أيضاً، فهذا يدل على أهمية الدولة.

مسألة التأمين، يعني هي مسألة إن الأفراد يقوموا ببعض الأشياء هذا لا مانع منه، بس بشرط أن تكون هذه المعاملات متفقة مع الشريعة الإسلامية، لا نأخذها بعجرها وبجرها، إنما ننقيها من الربويات، ننقيها من الظلم اللي فيها أو الغبن، ولذلك قامت شركات تكافل إسلامية بديلة عن شركات التأمين، أو شركات تأمين إسلامية، يعني هنا في قطر، وفي دبي، وفي السودان، وفي البحرين، وفي عدد من البلدان شركات تأمين إسلامية تحقق البديل الشرعي للتأمين الغربي، فليس كل التأمين محرماً.

ماهر عبد الله:

نعم، لكن أنا باعتقادي إنه فهم الأخ عمر إنه كلامك مقصود فيه (…) الأفراد لم يكن دقيقاً يعني أنت قصدت منذ اللحظة الأولى أن يكون..

د. يوسف القرضاوي:

لا، ما.. إحنا نقول: المجتمع كله مسؤول، الأفراد مسؤولين في حدود معينة، وبعدين الأسرة مسؤولة في حدود معينة، يعني الإسلام مثلاً يوجب الفرد يكفي نفسه، فإذا لم يستطع أسرته تكفله بقانون نفقات الأقارب بعضهم عن بعض، فإذا لم يستطيعوا، يبقى المجتمع الصغير يكفله "ليس منا من بات شبعاناً وجاره جائع" وبعدين بعد ذلك الدولة، يعني تكفل في النهاية، فهذه مراتب بعضها متصل ببعض.

ماهر عبد الله:

سؤال الأخ محمد ظهر هل يمكن أن نطلب من الناس أن يلغوا حجهم من أجل أن ينهوا العالم الإسلامي من مشكلة الفقر؟

د. يوسف القرضاوي:

لا، هو إلغاء الحج لا. الحج فريضة، ولكن الذي قلته من قبل، وكان كتب أخونا الأستاذ فهمي هويدي إنه في أيام البوسنة قال: "لو أن الناس تركوا الحج من أجل إنقاذ البوسنة"، وكان يرى، ولا أدري هل كتب هذا في هذه الأيام أو لا، إنه من أجل تأييد الانتفاضة ومساندة انتفاضة الأقصى، إنه لو الناس يؤجلوا الحج أو يؤجلوا العمرة، وأنا قلت له: إنه نحن لا نؤجل الذين يؤدون الفريضة، لأنه المشكل ليس الذين يؤدون الفريضة، الذين يؤدون الفريضة كل عام حوالي 15%، يعني بيحج حوالي مليونين فيهم ثلاثمائة ألف يحجون لأول مرة تقريباً، ولو كثروا يعني أربعمائة ألف يعني 20%، و80% يحجون للمرة الثانية، والثالثة، والعاشرة، والعشرين، والأربعين.

فهؤلاء الذين يحجون حج التطوع، ودولا نطلب منهم إنه بدل حج التطوع إنه يعني نفقات الحج يبعث بها إلى إخوانه في الأقصى، أو إخوانه الذين يموتون جوعاً في بعض البلدان، لأن هذا فريضة على المسلمين وهذه نافلة، والقاعدة الشرعية "أن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدي الفريضة" وعلماؤنا القدامى يقولون: "مَنْ شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومَنْ شغله النفل عن الفرض فهو مغرور".

فلا يجوز أن تشغلنا النوافل عن.. فلو.. فإحنا مش محتاجين إننا نقول للناس: بطلوا فريضة الحج. لا يعني أجلوا تطوع الحج ونوافل الحج.

ماهر عبد الله:

سنعود إلى هذا، لأنه فيه سؤال آخر، له علاقة به.

[موجز الأخبار]

ماهر عبد الله:

مولانا، لو عدنا إلى أسئلة الإخوة، الأخ الآخر.. يعني هل تحب أن تضيف شيئاً على موضوع الحج للمتطوع بدلاً منه أن يوزع على الفقراء؟ لأنه الأخ الثاني اقترح –الأخ على العلوي- أن تقوم جمعية للحج الجماعي بحيث توفر على..

د. يوسف القرضاوي:

أصله بيتكلم عن حج المتطوعين، أنا لست من أنصار أن نشجع حج المتطوعين، خصوصاً في هذه السنين، بالعكس أنا من أنصار إن المتطوعين من الحجاج يوفروا نفقات حجهم لمن هو أشد حاجة من المسلمين، والمسلمون في كل مكان أشد حاجة إلى نفقات حج التطوع، إلا من كان يقوم بعمل في الحج مثل التوعية في الحج، تفقيه الناس في الحج، له مهمة في الحج، أما من يحج فقط للمتعة الروحية أنا أريد أن يستمتع بإطعام الجائعين، ودواء المرضى، وكسوة العراة، وإيواء المشردين، وكفالة اليتامى.

ماهر عبد الله[مقاطعاً]:

لكن هو يريد.. يريد الحد الأعلى من الأجر، هل يجد نفس الدرجة من الأجر.

د. يوسف القرضاوي:

ها؟

ماهر عبد الله:

هل يجد نفس الدرجة من الأجر فيما تقول؟

د. يوسف القرضاوي:

آه طبعاً.

ماهر عبد الله:

لأنه في الآخر يحج وبس.

د. يوسف القرضاوي:

لا.. هذا.. إذا عمل ما هو أوْلى فأجره أكثر يقيناً، لأنه بيترك الأدنى الأعلى ويعمل الأدنى، هذا أعلى.

ماهر عبد الله:

إطعام الفقراء.

د. يوسف القرضاوي:

إنقاذ المستضعفين، أو معاونة المشردين، أو كفالة اليتامى، أو إطعام الجائعين.. هذا لا يعدله شيء عند الله -عز وجل-.

ماهر عبد الله:

طيب، في حج الفريضة الحج الأول هل يمكن لحج جماعي عن طريق جمعيات أن يوفر شيئاً من المبالغ وبالتالي..؟

د. يوسف القرضاوي:

آه.. طبعاً، قطعاً يعني هو لما جماعة يعملوا مع بعض، ويروحوا مثلاً في باص.. يستأجروا باص، وأحياناً يشتروا ممكن يشتروا باص مُستعمل، وبيروح فيه 40 واحد، أو 50 واحد، ويستأجروا مكان هناك واحد أو كذا، قطعاً الجماعة بتكون أوفر من إن كل واحد يعمل وحده من غير شك، حتى لما يشتروا أكل للمجموعة غير ما يشتري واحد لوحده، يشتروا شيء لمجموعة بيشتروه بسعر أرخص، في كل شيء أفضل لهم يقيناً.

ماهر عبد الله:

الأخ علي العلوي أنا أعتقد أنت فهمت سؤاله الأول عن بيع الذهب بالتقسيط كحُلي.

د. يوسف القرضاوي:

آه.. هو جمهور الفقهاء يمنع هذا، ولكن هناك رأي ذهب إليه ابن القيم، هو اعتبار القيمة في الذهب المشغول.. الحُلي المُصنَّع، هذا لم يعد مُجرَّد ذهب مثل السبائك أو كذا.. لأ، ده دخَّلته الصنعة، فالصنعة أضافت له قيمة –يعني- أخرى غير الـ.. فهذا أصبح سلعة في هذه الحالة، فأنا –شخصياً- أجيز أن يُباع ويُشترى كما تُشترى السلع، وأن يكون فيه جزء مُؤجَّل أو مُقسَّط لا أرى مانعاً من ذلك.

ماهر عبد الله:

إشراك.. إشراك صيام شوال بنية قضاء أيام..

د. يوسف القرضاوي:

بعض الفقهاء أجاز هذا، والبعض يقول لأ، لابد أن تفصل هذا وذاك، بعض الفقهاء قال إنها تقضي –مثلاً- ما عليها، وتنوي قضاء ما عليها وتنوي معاها صيام شوَّال، وخصوصاً إذا كانت معتادة إنها تصوم شوَّال باستمرار.

ماهر عبد الله:

ذكرت –مولانا- بر الوالدين، الأخت أم علي من الإمارات تسأل: والدها طلَّق زوجته مُكرهاً أو الأم مكرهة، وهو يغضب جداً إذا قام الأبناء بالتواصل مع أمهم، فماذا يفعلون؟

د. يوسف القرضاوي:

ليس له حق في منع الأبناء من بر أمهم –يعني- في الحقيقة، والأشياء اللي من هذا النوع الإمام مالك واحد بيقول له "إذا فعلت كذا أرضيت أمي وأغضبت أبي، أو أغضبت أمي وأرضيت أبي ماذا أفعل في هذه الحالة؟ قال له: أطع أباك ولا تعصي أمك".

يعني حاول ترضي كل الأطراف، فأما إنه الأب يمنع الأولاد من بر أمهم فأعتقد إنه ليس من حقه هذا، وإذا كان ليس لهم خير في أمهم فليس لهم خير فيه أيضاً، ينبغي أن يعوِّدهم.. بالعكس الأب الصالح ينبغي أن يقول لهم: يا أولاد، إحنا افترقنا ولكن هذا لا يمنع من أن تبروا أمكم وتعطوها حقها، هذا التربية الحسنة والإسلامية هي هذه.

ماهر عبد الله:

طب، معايا الأخ عبد العزيز حسن من بريطانيا، أخ عبد العزيز.. اتفضل.

عبد العزيز علي حسن:

أيوه، السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

عليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

عبد العزيز علي حسن:

كل عام وحضراتكم بخير.

د. يوسف القرضاوي:

وأنت بالصحة والسلامة يا أخي.

عبد العزيز علي حسن:

وبأحيي شهداء الانتفاضة الأحياء عند ربهم يُرزقون، وبأهنئ الجائزة لحصول العالم القرضاوي عليها، وبأهنئه بالجائزة أيضاً.

د. يوسف القرضاوي:

شكراً الله لك يا أخي.

عبد العزيز علي حسن:

حياك الله يا فضيلة الشيخ. الحقيقة أنا لي تساؤلين وتداخلين، التساؤل الأول خاص بالعدالة الاجتماعية يعني في حوار لي مع أحد الزملاء هنا في بريطانيا تطرَّق الحديث في العدالة الاجتماعية إلى خليفة المسلمين خامس الخلفاء الراشدين عمر ابن عبد العزيز، الحقيقة الأخ الزميل قال لي إن.. خلاصة الفكر والمناقشة معاه إنه قال: إن عمر بن عبد العزيز لم يحدث تغيير جوهري في التاريخ الإسلام، بمعنى بيقول إنه بعدما انتهى بموته انتهى أثره، يعني عمر بن الخطاب له وقائع ثابتة وموجودة، ومازال بننهج نهجها، عمر بن عبد العزيز ما عملش حاجة.

فطبعاً أنا ضد الكلام ده فعاوز الشيخ يرد عليه، الحاجة الثانية.. الرجاء الثاني الرجاء اللي هو خاص بالتكافل الاجتماعي.. المشروع العظيم اللي اقترحه فضيلة العلامة القرضاوي هو في لب جوهر الحلقة –زي ما قال فضيلته- لأن هو مشروع تكافل اجتماعي علمي، أنا لي اقتراح –بعد إذنك- إنك تخصص حلقة لهذا الموضوع، فضيلة الشيخ يتلقَّى فيها آراء العلماء والباحثين والفقهاء على مستوى العالم كله، كل يدلي بدلوه لوضع تصور وإطار حول outline، وstrategy، وtechnique لتنفيذ المشروع ده، وده هيثري هذا المشروع وأنا لي رأي في الموضوع ده أشرته في أحد مقالاتي في الأهرام الدولي تحت عنوان المبعوثون العرب وتحديات عصر العولمة، يا ريت الشيخ القرضاوي ياخده في.. بعين الاعتبار، وهو إنه لو خصص لكل باحث من الباحثين المتميزين دول كمبيوتر، ووصله بإنترنت، واشترك مع المواقع العلمية العالمية المتخصصة في الجرائد الإلكترونية المتخصصة، وفي الجرائد العلمية، الدوريات، هنا يقدر الباحث وهو قاعد في مكتبه في خمس.. في أقل من خمس دقائق يطبع أي بحث أو مقالة يقعد يلف عليها 6 شهور، وممكن ما يلاقيهاش في أي دولة من الدول العربية، دي هتوفر له الدابة السريعة اللي تمكنه من أداء بحثه بشكل عالي جداً، وهتقلل الـ Gap في التكنولوجيا بين المبعوثين في الدول العربي وهنا في الدول النامية، فياريت ده يبقى من ضمن أهداف المشروع أيضاً الرجاء..، التساؤل الثاني يعني أنا بأقول ألا يُعد ذكر إسرائيل على خريطة برامج (الجزيرة) نوع من التكافل الاجتماعي مع إسرائيل؟

ماهر عبد الله:

طب، مشكور يا سيدي.

عبد العزيز علي حسن:

الرجاء الثاني يا أخ ماهر معلهش.

ماهر عبد الله:

لا.. هذا الرابع صار.

عبد العزيز علي حسن:

لا، ده تساؤلين ورجاءين.

ماهر عبد الله:

طب تفضل.

عبد العزيز علي حسن:

أنا عاوز برضو من فضيلة الشيخ لو تكرم، لأن أنا الواضح هنا في الناس الزملاء هنا في الغرب فيه خلط رهيب ما بين النص والمقصد، أنا عاوز حضرته يخصص حلقة يُميز فيها بين علماء النص وعلماء المقاصد، لأن علماء المقاصد إحنا في أمس الحاجة إليهم، لما وراء النص، علماء النص متمسكين بقال الله، قال رسول الله، وضيعونا، وخلفونا سنوات للخلف، إحنا عاوزين ما وراء النص، عاوزين علماء بفكر ناضج يوضحوا، وإلا لكان الرسول فسر القرآن، الرسول رفض إنه يفسر القرآن عشان يفضل عطاء القرآن مستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. شكراً.

ماهر عبد الله:

طب، أخ عبد العزيز مشكور جداً، وإحنا تحدثنا عن هذا الموضوع من قبل ولكن ستظل الحاجة قائمة إليه لربما في مرات قادمة، معي الأخ علي النعيمي من الإمارات، وأرجوكم الإخوة.. أولاً نعتذر لكم عن التأخير، وثانياً: نرجو الاختصار كوننا شارفنا على النهاية، اتفضل يا أخ علي.

علي النعيمي:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

وعليكم السلام.

د. يوسف القرضاوي:

وعليكم السلام ورحمة الله.

علي النعيمي:

حضرة الشيخ.. الله يعزك -إن شاء الله- ويجعلك من الأبدال -إن شاء الله- ومن المجددين -إن شاء الله- ويعز الإسلام بك.

د. يوسف القرضاوي:

بارك الله فيك يا أخي.

علي النعيمي:

بالنسبة لأهل البيت.. ما حقهم في الأموال بعد علمنا أن أموال الزكاة محرمة عليهم، فماذا حقهم من الأموال يعني أموال الصدقات العامة.

ماهر عبد الله:

مفهوم.. مفهوم، فيه سؤال ثاني يا أخ علي؟

علي النعيمي:

لأ، والسلام عليكم ورحمة الله.

ماهر عبد الله:

مشكور جداً، معي الأخ محمد محمود من ألمانيا، أخ محمد.. تفضل.

محمد محمود:

آلو، برنامج (الشريعة والحياة)؟

ماهر عبد الله:

تفضل يا سيدي.

محمد محمود:

السلام عليكم، وكل عام وأنتم بخير.

ماهر عبد الله:

وأنت بخير.

د. يوسف القرضاوي:

وعليكم السلام ورحمة الله.

محمد محمود:

لدي مشكلة كبيرة وأريد أن أسأل فضيلة الشيخ القرضاوي.

ماهر عبد الله:

اتفضل.

محمد محمود:

إني من سكان الأردن، وإني متزوج منذ حوالي تسع سنوات، ولدي طفلين وأعمارهم حوالي ثماني سنوات، وقبل سنة ونصف –تقريباً- أرسلت زوجتي إلى ألمانيا ومعها طفلها وبقيت زوجتي حوالي تسعة أشهر، وتعرفت على شاب عراقي وتزوجا غير شرعية من الشاب العراقي..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]:

أخ محمد.. أخ محمد، أنا آسف جداً، السؤال خارج جداً عن الموضوع، وأعتذر لك شديد الاعتذار،وأنا أعتقد الأولى إنه تسأل شيخ قريب منك، معي الأخ محمد فاعور، وأرجو أن يكون السؤال الأخير، والمختصر جداً، تفضل يا أخ محمد من سوريا.

محمد فاعور:

السلام عليكم.

ماهر عبد الله:

وعليكم السلام، اتفضل.

يوسف القرضاوي:

عليكم السلام ورحمة الله.

محمد فاعور:

مساء الخير شيخنا الفاضل.

د. يوسف القرضاوي:

مساك الله بالخير يا أخي.

محمد فاعور:

وكل عام وأنتم بخير، سؤالي هو درجت في سوريا عادة أن يكتب عقد الزواج بمهر غير مقبوض، فهل على الزوجة الزكاة على هذا المهر الغير مقبوض؟ ومن يدفعها؟ وكيف..؟ لأن المهر عادة يكون غالي ومرتفع…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

كيف يعني غير مقبوض؟!

د. يوسف القرضاوي:

مؤجل يعني مؤجل؟

محمد فاعور:

المهر يكتبوه 200 ألف ليرة سوري، أو 150 ألف ليرة سوري.. فهذا هل عليه زكاة؟

ماهر عبد الله:

المقدم أم المؤخر؟

محمد فاعور:

لأ، المقدم، هذا السؤال الأول، السؤال الثاني وبسرعة معلهش أني ما هأطيل عليكم، يكتب.. في بعض النعوات نقرأ أن الشيخ الفلاني العارف بالله.. الشيخ الفلاني العارف بالله، فهل هذا يجوز؟

ماهر عبد الله:

طيب، مشكور جداً يا أخ محمد على هذين السؤالين الخارجين عن الموضوع، ولكن كونه جاء في الأخير أنا أعتقد أن الوقت حتى لن يسعفنا، التغيرات التي أحدثها -سؤال الأخ عبد العزيز- التغيرات التي أحدثها عمر بن عبد العزيز في قضايا العدالة الاجتماعية، والحرص على المجتمع، لم ترسخ في تاريخ الإسلام وذهبت، مما يقلل من أهميته كرمز تاريخي.

د. يوسف القرضاوي:

هو أخونا الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل، وهو أحد المؤرخين الأثبات الثقات، وله باع في دراسة التاريخ الإسلامي وفي التأليف فيه له كتاب عن الانقلاب الذي أحدثه عمر بن عبد العزيز في الخلافة، لماذا سماه الفقهاء المسلمون خامس الراشدين؟ معناها إنه أمات سنن الجور وأحيا سنن العدل، يعني فبدأ يحيي سنة عمر بن الخطاب جده، ويستحدث أشياء جديدة، ويرد المظالم، ويعيد الحقوق إلى أهلها، ولكن هو المشكلة إنه بقي ثلاثين شهراً..

ماهر عبد الله:

فقط!

د. يوسف القرضاوي:

يعني -آه- سنتين ونصف، فالقدر لم يمهله، بعضهم يقول إنه سم.. دس له السم، ولكنه في ثلاثين شهر حتى قال بعض العلماء، قالوا: إنما مكث عمر بن عبد العزيز 30 شهراً والله ما ترك.. حتى كان الفقير يبحث.. يعني حتى كان الرجل يبحث عن فقير يعطيه الزكاة فلا يجده.

لقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس، واليه على صدقات أفريقيا، يحيى بن سعيد، بعث إليه يقول له: "يا أمير المؤمنين، إني بحثت عن فقراء لأعطيهم من أموال الزكوات فلم أجد، فأرسل إليه يقول: اشتر بها رقاباً فأعتقها"، يعني قضى على الفقر فبدأ يقضي على الرق…

ماهر عبد الله [مقاطعاً]:

بس هو يمكن كلام الأخ الذي ناقش الأخ عبد العزيز أن نعم كحادثة تاريخية كبيرة حصلت، لكن كمؤسسات..

د. يوسف القرضاوي:

لأ.. هو لأنه لم يتمكن، يعني كان يحتاج إلى وقت أطول حتى تترسخ هذه الأشياء، ولكن هذه الأشياء رسخت عملياً ونظرياً حتى في الفقه الإسلامي، ونستدل إحنا أنا لما كتبت كتابي عن فقه الزكاة استدللت بأشياء كثيرة فعلها عمر بن عبد العزيز، ورسخت مبدأ العدالة الاجتماعية، وكيف توزع الزكاة، قالوا: "يا أمير المؤمنين.. إنا نجد عند الرجل المسكن، ونجد عند الرجل الفرس يجاهد عليه، ونجد عنده السلاح، ونجد عنده الأثاث، هل نعطيه من الزكاة وهو غارم؟ قال: نعم، لابد للرجل من بيت يسكنه ومن أثاث لهذا البيت، ومن فرس يجاهد عليه عدوه، ومن سلاح لهذا.. الكذا، أعطوه فإنه غارم".

فهذه كلها مبادئ أصبحت تؤخذ من عمر بن العزيز وتورث، يعني ورث مباديء مش بس حتى أعمال، ورثت مبادئ وقواعد أصبحت فقهاً لمن بعده، فلا شك أن عمر بن عبد العزيز.. حتى ومن أجل هذا اعتبره المؤرخون المسلمون المجدد للمائة الأولى، في الحديث يقول: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". أجمعوا على أن مجدد المائة الأولى هو عمر بن عبد العزيز، وهذا جدد وجدد في هذه النواحي كلها.

ماهر عبد الله:

طيب، يا أخ عبد العزيز، إن شاء الله بخصوص حلقة خاصة عن الموهوبين يعني نعدك بأن نضعها في عين الاعتبار بشكل جاد، وقد يعني تأتي في أوانها.

د. يوسف القرضاوي:

هو الأخ الأشياء اللي اقترحها أنا كاتبها في تصوري لهذه المؤسسة، إننا نمد هؤلاء الموهوبين بكل ما يلزمهم من الآليات، والوسائل العصرية، مثل الحاسوب وهذه الأشياء بحيث إنه -فعلاً- يعيش في هذا العصر، خصوصاً إنه موهوب نابغ، هذا أدنى شيء هيستفيد منه.

ماهر عبد الله:

إذا وقعت الحلقة فبإذن الله.. طيب، أهل البيت إذا كان منهم فقير، آل البيت، إذا كان منهم فقير فكيف..؟

د. يوسف القرضاوي:

والله، أنا بقى أوسعت هذا بحثاً في كتابي "فقه الزكاة"، مسألة أهل البيت هل يحرم عليهم الزكاة أولا يحرم؟ هناك خلاف كبير في هذه القضية، وانتهيت إلى إنه في عصرنا.. لأنهم قالوا إنهم يأخذون خمس الخمس، والخمس، وهذه الأشياء لم تعد تعطى لهم، ولذلك قالوا: إنهم يعطون في هذا الزمن، وبعضهم قال: يعطي بعضهم لبعض، يعني ما يأخذوش من غير أهل البيت ويأخذون.. وأنا رأيت إنهم يعاملون في هذا كما يعامل سائر المسلمين، ويأخذون من الزكاة، والزكاة ليس فيها منة من أحد على أحد.

ماهر عبد الله:

طيب، سيدي.. مشكور جداً على هذه المساهمة ونتمنى من الله -سبحانه وتعالى- أن ينفعنا دائماً بعلمك، أخ عبد العزيز ذكر إسرائيل أنا أؤكد لك أنه ليس تكافلاً لا اجتماعياً أو سياسياً حتى مع إسرائيل، هو جزء من.. نوع من الموضوعية تحاول أن تلتزم بها (الجزيرة).

الأخ الذي طلب منا هذا البرنامج -تحديداً- على الإنترنت.. إن شاء الله قريباً أعتقد ابتداءً من الغد سيبدأ البث على (الجزيرة نت) على الإنترنت فللمهتمين أن يتابعوا وسيروا تغيراً كبيراً في خدمة (الجزيرة)، على الإنترنت، نعتذر لبعض الإخوة الذين لم نستطع استلام هواتفهم، وكذلك للإخوة الذين لم نرد على فاكساتهم إلى أن نلقاكم في الحلقة القادمة، سلام من الله عليكم، وإلى اللقاء.