ضيف وقضية

مشاكل الجالية العربية في بريطانيا

طبيعة المشاكل القائمة في أوساط الجالية العربية المغتربة، وما هي الظواهر الاجتماعية الأبرز لدى الجالية العربية من حيث المشاكل؟ وما هو سر عزوف المشاركة السياسية للعرب في الخارج؟ وماهي علاقة العربي المغترب بالإدارة، أو بموضوع الضرائب؟
مقدم الحلقة – محمد كريشان
ضيف الحلقة – صباح المختار، عضو المعهد الملكي للدراسات الدولية بلندن ورئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا
تاريخ الحلقة 09/02/1999

undefined
undefined

محمد كريشان:

أستاذ صباح المختار، أهلاً وسهلاً.

صباح المختار:

أهلاً.

محمد كريشان:

بريطانيا أصبحت الآن -تقريباً- إحدى أبرز الدول الأوروبية في عدد وأهمية الجالية العربية الموجودة فيها، هل يمكن أن ننطلق من معرفة طبيعة المشاكل القائمة في أوساط هذه الجالية؟ على الأقل كمدخل حتى ندخل فيما بعد في التفاصيل المتعلقة بهذه المشاكل.

صباح المختار:

في الحقيقة الجالية العربية هي من أكبر الجاليات العربية المغتربة، لأن بريطانيا لديها علاقات قديمة بالعالم العربي، هناك كثير من الهجرات العربية التي جاءت إلى بريطانيا في عهود مختلفة، وفي أوقات مختلفة، يرى بعض الباحثين أن أقدم العرب الموجودين في بريطانيا، هم الإخوة الذين قدموا من عدن واليمن، هناك جاليات أخري من شمال إفريقيا، وهناك من مصر ومن الشام، إلا أن أقدم ما موجود هي الجالية اليمنية.

بعد ذلك حصلت هجرات عربية متعددة في فترات الثورات، 52 و58، فترة الخمسينات قدم عدد آخر من العرب، كانت هناك الهجرة اليهودية العربية إلى بريطانيا، ثم تبعت ذلك الأحداث المختلفة السياسية التي قامت في الوطن العربي في لبنان، الحرب الأهلية في لبنان، حرب الخليج الأولى، حرب الخليج الثانية، كل هذه أدت إلى موجات متعددة من الهجرات العربية.

من الناحية الثانية الهجرات العربية فيها تضم أيضاً نماذج متعددة من العرب، هناك الشباب، وهناك الكبار بالسن، هناك المتخصصين وذوي المؤهلات العالية والكفاءات العالية، وهناك العمال اليدويين، وعمال غير المهرة، هناك من جاء للتجارة وهناك من جاء للجوء السياسي، هناك من جاء للدراسة ثم لم يعد، هذه النماذج المختلفة تكاد -في الحقيقة- تمثل نموذج للوطن العربي بشكل مصغر بكل تناقضاته واختلافاته ومفاهيمه وآرائه.

على هذا الأساس قدموا هؤلاء الأشخاص إلى هذا المجتمع الذي يختلف اختلافا جذرياً عن المجتمع العربي في تقاليده، في سلوكه، في النظام القانوني الموجود فيه، وبالتالي نشأت هناك عدد كبير من المشاكل المختلفة، التي قد لا يدرك العربي المقيم في الوطن العربي أنواعها، لأنها لا تظهر وهذه تختلف من المشاكل التي تتعلق بالحياة الشخصية والبيتية وعلاقة الأب بابنه إلى مثلاً الإخوة الصحفيين الذين قدموا إلى بريطانيا في وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، وهم لا يدركون مثلاً القوانين المتعلقة بالقذف والشتم المعمول فيها في بريطانيا، حيث أنها تختلف اختلافاً كبيراً عما موجود في الدول العربية، فالمشاكل في حقيقة الأمر ممكن من هذا المنظار أخذها بعدة معايير.

هناك المشاكل الاجتماعية، هناك المشاكل السياسية، هناك المشاكل الاقتصادية، وهناك المشاكل الإدارية كالهجرة وغير ذلك، الهجرة غير المشروعة وغير ذلك.

محمد كريشان:

إذا بدأنا بالمشاكل الاجتماعية يعني، ما هي الظواهر الأبرز لدى الجالية العربية من حيث المشاكل؟ هل هي مثلاً تنطع بعض الشباب الجدد من أبناء الجيل الثاني الذين نشأوا هنا وتربوا على عقلية مختلفة في علاقاتهم مع أمهاتهم وآبائهم؟ هل هي ظاهرة -ربما- الخلافات الزوجية وغيرها، ما هي ربما الظاهرة التي تلفت الانتباه بشكل خاص؟

صباح المختار:

في تقديري أن السبب الرئيسي في نشوء هذه الالتزامات، أن التشريعات البريطانية -القوانين في بريطانيا- تتدخل في حياة الإنسان تدخل يتجاوز كثير ما هو معمول في الدول العربية، فعلاقة الأب بابنه أو ببنته في المجتمع العربي نعم، هناك بعض القواعد التي تحدد حقوق الطفولة وحقوق التبني وغير ذلك من الإجراءات الإدارية القليلة، إلا أن في بريطانيا هناك قوانين ذات أثر بعيد جداً على المستوى العائلي فمثلاً: في العائلة إذا ما اعتقدت السلطة المحلية أن عائلة ما تسيء معاملة طفل من الأطفال، تستطيع هذه السلطة أن تقوم بسحب الطفل من العائلة، تأخذ الطفل من أمه وأبيه، وتعطيه إلى عائلة أخرى لرعايته أو تضعه في جهات إدارية، لرعاية هذا الطفل..

محمد كريشان:

وهذه حدثت مع بعض العرب؟

صباح المختار:

وهذه حدثت، هناك حالياً إحدى المشاكل الرئيسية في المجتمع العربي المغترب في بريطانيا ما يسمىChildren in care الأطفال الذين وضعوا في قيد الرعاية الإدارية. أسباب هذه تجد مثلاً: الخلافات بالعمر هناك المجموعة العمرية، عائلة محافظة متقدمة بالسن إلى آخره، عندهم بنت ترغب في أن تتصرف كبقية البنات في هذا المجتمع، وضع نوع من أنواع التجميل، العلاقات الاجتماعية المختلفة لا يرضى الأبوين عن ذلك، يمنعوها من ذلك تشكو لمدرساتها، مدرساتها تبلغ الإدارة المحلية، تقوم الإدارة المحلية بأخذ الطفلة هذه من عائلتها وإعطائها إلى عائلة إنجليزية لرعايتها، هناك لا توجد إحصاءات دقيقة إلا أن من المتوقع أن هناك عدد بالمئات من الأطفال العرب الذين آخذوا من عوائلهم، ووضعوا في لدى عوائل بريطانية لرعايتها لإعطائها الحقوق.. لهؤلاء الأطفال الحماية المطلوبة..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

ويفقدون كل صلة بالعائلة الأم أم تظل..؟

صباح المختار:

تفقد كافة الصلات، لا يستطيع الأب والأم التدخل في أي شيء، قد يفسح لهم المجال أن يطلعوا يعني أن يلتقوا بالطفل لإظهار بعض العواطف، إلا أن موضوع دراستهم وحياتهم وسلوكهم لا تستطيع العائلة التدخل في ذلك، باعتبار أن هذه العائلة قد أساءت إلى أطفالها، طبعاً هذه هناك كثير من الأمور التي يصعب حلها، وتحديدها، لأنه نحن نتكلم عن وضع عائلي داخلي، عندما تجد السلطة المحلية أن البنت أو الابن الطفل يدعي أن أبويه يسيئان إليه بتقييد حريته أو كذا أو كذا إلى آخره.

ثم تجد من ناحية ثانية أن الأبوين ينكران ذلك، ويقولان بالعكس أنه المطلوب هو رعاية الطفل، في غالب الأحيان نجد أن السلطة هنا أو الإدارة المحلية تلتزم جانب الطفل لسببين، السبب الأول: أن ما يطرحه الطفل، ما يطرحه الطفل هو أقرب إلى العقل الإنجليزي، أقرب إلى الفهم الإنجليزي، لأن الطفل يجب أن تكون له الحرية أن يقوم بكذا ولا يقوم بكذا هذا من ناحية.

ومن الناحية الثانية: أن الأب في غالب الأحيان أو الأب والأم في غالب الأحيان عندما يتم الاستفسار منهم، يؤيدون أقوال الطفل دون أن يشعروا، فيقولون لا، لا نرغب بنتنا أن تسهر في الليل، ولا نرغب أن الولد يتعاطى المشروبات الروحية الكحولية وإلى آخره، فيقومون بتأييد جانب الطفل وبالتالي تثبت القضية.

محمد كريشان:

ولكن يعني هناك الكثيرين الذين يعتقدون بأن المجتمع البريطاني فيه الكثير من التسامح والتعددية الثقافية وكذا، يعني، هل هذا يحصل -مثلاً- مع أطفال الذين جاءوا من الجمايك أو الذين جاءوا من الهند أو الذين جاءوا من باكستان؟ كل هؤلاء لديهم خصوصيات ثقافية، يعني أنا لا أقصد أن قمع الأبناء خصوصية عربية، ولكن كيف يمكن للقانون البريطاني أن يتدخل في خصوصيات أسرية إلى حد أنه يأخذ طفل من عائلته ويُربى في عائلة بريطانية؟

صباح المختار:

القانون البريطاني ينظر إلى ما يسمى بالمعيار، معيار الحد الأدنى من السلوك المقبول، طبعاً المعيار الأدنى من السلوك المقبول هو المعيار الإنجليزي بالتأكيد، وبالتالي هذه المشكلة يقع فيها كافة الذين يأتون من مجتمعات أخرى نتيجة للتناقض الحضاري الذي ينمو بين المجتمع البريطاني والمجتمعات الأخرى، سواء كانت المجتمعات السوداء أو الآسيوية أو غير ذلك، هذه المشكلة ليست مشكلة عربية إلا أن ما يميز المشكلة العربية أن العرب المغتربين في بريطانيا هم الأقلية الأحدث، الأجدد، الأقليات الأخرى السوداء والآسيوية مضى عليها.. دخلوا في الجيل الثاني والجيل الثالث الذي نشأ أو الذي ولد في بريطانيا.

وبالتالي المشكلة أصبحت أقل وضوحاً، لأن هناك لديك جيل بريطاني مندمج مع المجتمع، وبالتالي هناك سلام بينهم وبين أبنائهم، أما جيل الجالية العربية لا تزال

في أغلبها هي الجالية المهاجرة، لحد الآن لم نصل إلى الجيل الأول، أنا أقسم

الجالية بهذا الشكل، أن الجالية المهاجرة هم الذين هاجروا، ثم الجالية.. الجيل الأول هو الذي يولد هنا في بريطانيا لا نزال عدد الجيل الأول هو صغير جداً الغالبية العظمى لا تزال الجالية المهاجرة حتى الجيل الجديد الشباب والبنات أغلب كثير منهم جاءوا إلى هذا البلد وهم أطفال فهم كما لو كانوا قد ولدوا هنا إلا أنهم ليس الجيل الأول، فالجالية العربية هي جالية حديثة بهذا الخصوص هناك مشاكل أخرى لا تقتصر على موضوع المشاكل بين الأب والأم، هناك..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

عفواً.. عفواً.. قبل أن نواصل في المشاكل الأخرى نقطة واحدة فقط فيما يتعلق بالأبناء، الآن أسألكم كقانوني، يعني هل هذا القرار قابل للمراجعة؟ بمعنى أن إذا ما ثبت للمشرع البريطاني أن الوالدين مستعدان لتقبل الطفل بمزاج آخر وبأسلوب آخر، هل يقع العدول عن هذا القرار ويعود الطفل إلى بيته؟

صباح المختار:

نعم، يقع العدول عن هذا القرار، وعادة هذا الأمر يتم عن طريق إرسال متخصصين في السلوك الاجتماعي ولهم إدراك للفروقات الثقافية في المجتمعات المختلفة، لتقييم سلوك الأسرة ولتقييم سلوك الطفل بعدين عادةً الزمن يكون عاملاً مهماً في تغيير سلوك الطرفين، الطفل والـ.. الطفل عندما يؤخذ من عائلته يعني في بداية الأمر قد يكون مرتاحاً أن يذهب إلى عائلة أكثر تحرراً، إلا أنه بعد فترة قصيرة يشعر بفقدان الحنان والعلاقة مع العائلة، فيبدأ بمراجعة سلوكه وفي نفس الوقت الوالدين يبدأ أيضاً عندهم شعور أنه إذا كان القانون يلزمنا بأن نتخذ هذا، فدعنا نقبل هذا الأمر كي نحافظ على العلاقة العائلية، فهناك نعم طريقة لمعالجة هذا الأمر.

محمد كريشان:

نعم، عدا هذا المشكل، المشاكل الاجتماعية الأخرى يعني، ما هي الأبرز يعني؟

صباح المختار:

هناك.. هناك الأمراض الاجتماعية الأخرى التي تتواجد في هذا المجتمع، مشكلة المخدرات، مشكلة الكحول، أو التجاوز، الإسراف في تناول الكحول، هناك المشاكل التي تنتج عن مخالفة القانون الاعتيادي كالسرقات البسيطة وغيرها، هناك المشاكل الأخرى التي تنتج نتيجة لخراب العائلة الاجتماعية، يعني عندما يتم الطلاق بين زوج زوجته، إذا كان الزواج بين طرفين اللي هما من أصل عربي، فهناك مشاكل كثيرة يعانون منها انعدام العوائل للطرفين، انعدام الرعاية.. رعاية العائلة الكبيرة يدخل في الأمر المحامون للدفاع عن حقوق الأطراف، فيقوموا بتشديد العداء بين الزوج وزوجته، هذا كله يؤثر على الأطفال في سلوكهم، يؤثر على دراستهم إلى آخره.

هناك المشاكل التي تتعلق بالعلاقة مع الوطن الأم، الدول العربية لا تحرص على أبنائها بالطريقة -في تقديري الشخصي- لا تحرص على أبنائها المغتربين بما يكفي، الدول العربية عليها أن تواصل الاتصال بأبنائها، أن تفتح مجالات، أن تعامل العربي المغترب من ذلك البلد معاملة تجلبه إلى الوطن.

وهذا ينطبق على مختلف الدول العربية سواء كانت الدول، الدول التي لديها كتلة بشرية مهاجرة على وجه الخصوص مثلاً هناك مصر وهناك العراق، وهناك شمال أفريقيا، هذه الدول لديها كتلة بشرية كبيرة من أبنائها المغتربين، ينقطع علاقة الفرد بالوطن نتيجة للصعوبات يجد صعوبة في الدخول إلى بلده، يجد المعاملات غير مقبولة بالنسبة إلى السلطات الأمنية وسلطات الهجرة و.. وإلى آخره، فيمتنع عن الذهاب، وبالتالي ينشأ لديك جيل آخر لم ير الوطن الأم، لا يعرف العلاقات الاجتماعية، لا يدرك كيفية التعامل مع الجد والجدة وأبناء العم والعائلة الكبيرة، هذه كلها علاقات تتغير فتنشأ صعوبات عندما يصير، يصبح هناك احتكاك بين الجالية المغتربة وأهلها في الوطن.

محمد كريشان:

نعم، يعني عندما نذكر بأن مثلاً الجالية اليمنية أو الجالية المغربية كانت من أوائل الجاليات العربية هنا، على عكس مثلاً ربما الجزائريين أو حتى ربما العراقيين، يعني هل هذا يوصلنا إلى أن ربما المغاربة أو اليمنيين استطاعوا أن يتعايشوا أكثر ويندمجوا أكثر بحكم هذه الفترة أم ليس بالضرورة؟

صباح المختار:

لأ، استطاعوا فعلاً هنا، هناك ظاهرتين: طبعاً إحنا نتكلم كلام عام، وبالتالي يجب أن يُفهم، ضمن هذا المنظور أن الجالية اليمنية والجالية المغربية -على وجه الخصوص- استطاعت أن تقوم بشيئين، أولاً: استطاعت أن تتكيف مع المجتمع بطريقة أكبر، فنجد أن اليمنيين والمغاربة كثير من أبناء الجالية اليمنية والمغربية قد أصبحوا أكثر انسجاماً بالمجتمع، أكثر سهولة في التعامل مع المجتمع، وفي تقبل متطلبات المجتمع، وفي نفس الوقت أيضاً أخذوا نفس المشاكل التي تتواجد في المجتمع، فنجد أن العائلة المغربية والعائلة اليمنية أن أبناءها أكثر انسجاماً مع بقية زملائهم من الإنجليز في الحياة الاجتماعية من -مثلاً- الجالية الجزائرية أو الجالية

-مثلاً- السورية.

من الناحية الثانية: نجد أن الجالية اليمنية والمغربية تميزت عن الجاليات الأخرى بأن نشأت لديها جمعيات عمل مدني أكثر تقدماً من الجمعيات الأخرى، فهناك جمعيات ترعى الطفل وترعى المرأة، لأن المجتمع.. الجالية العربية المغتربة لديها من المشاكل ما يعجز المواطن في الوطن العربي عن فهمها، مثلاً: الإنسان في الوطن العربي لديه العائلة الكبيرة، وبالتالي عندما يشيخ الإنسان يجد هناك عدد كبير من الشيوخ الذين يجلس معهم، ويتحدث عن التاريخ وعن ما يريدوه.. إذا

مرضت المرأة أو صارت في حالة ولادة، هناك العمة، وبنت الخال، والأقرباء والجيران.. إلى آخره.

المجتمع البريطاني لا يوجد هذا، في المجتمع التكاتف الاجتماعي الذي يتواجد في الوطن العربي لا يوجد هنا، عندنا مشكلة أخرى، مشكلة كبيرة جداً، هي مشكلة السجناء العرب في السجون البريطانية، هناك عدد كبير جداً من العرب في السجون البريطانية، قسم منهم لأسباب سياسية، وقسم منهم لأسباب جنائية اعتيادية، يسوق سيارة يقتل شخص خطأ، يقوم بمختلف.. سرقات.. إلى آخره، هؤلاء الأشخاص السجناء برغم من أنه يؤدون الثمن إلى المجتمع بقضاء فترة سجن إلا أنهم يعانون معاناة تتجاوز ما يعانيه السجين العادي.

أولاً: الظروف تختلف، اللغة تختلف، السلوك يختلف، الاجتماع يختلف، والأكثر من ذلك إننا كعرب أكثر قسوة على بعضنا البعض من الآخرين، فعندما يدخل أحدنا السجن كل.. يرفض كل منا التعامل معه، يصبح منبوذاً من قبل.. لأنه أساء إلينا وأساء، ونصبح أكثر حدة، وبالتالي لا يُزار، ولا يتصل بيه، وبالتالي يعاني الإنسان السجين معاناة قاسية جداً من الوحدة والانقطاع، إضافة إلى معاناة السجن الاعتيادي.

هناك مشاكل تتعلق في الجوانب الأخرى، الجوانب الاقتصادية بالنسبة إلى الجالية العربية لا تزال كثير من العرب القادمين المغتربين لا يعرفون موضوع الضرائب، لا يرعون حقوق الدولة، حقوق الخزينة، وبالتالي يخالفون القانون ويقعون في إشكاليات من هذا النوع.

هناك جوانب أخرى بحاجة إلى العرب أن يتثقفوا عليها، موضوع التركات وموضوع الوصية والوفاة في المجتمع العربي في القانون العربي، هناك القوانين الأحوال الشخصية التي تنظم تركة الإنسان المغترب، القانون البريطاني لا ينظم تركة الإنسان، يطلب إلى الإنسان أن ينظم تركته أثناء حياته، وبالتالي يقتضي لكل عربي أن يكتب وصية، العربي لا يكتب وصية باعتبار أنه في بلدنا، إحنا ما نكتب وصية، إلا أنه في بريطانيا يحتاج .. هناك فروقات كبيرة جداً في التشريعات التي تتعلق بسلوك الإنسان.

محمد كريشان:

أستاذ، يعني الحقيقة ذكرت كم هائل من المشاكل، نحاول يعني تدريجياً تفكيك بعضها يعني.. مثلاً بالنسبة عندما تشيرون إلى أن ربما الجالية اليمنية والمغربية أصبحت أكثر انسجاماً مع نمط الحياة في المجتمع البريطاني، البعض يصل إلى التعبير على أن هذا الانسجام وصل إلى -أحياناً- إلى مرحلة خطرة على أساس -وأنتم أيضاً أشرتم إلى هذا- أنه بعض عيوب المجتمع البريطاني أيضاً وصلت إليهم، البعض مثلاً يشير إلى أن مثلاً المرأة المغربية صارت أكثر جرأة في .. لا نقول في.. التمرد على الزوج، ولكن في.. ربما في رفع قضايا تتعلق بسوء المعاملة، في الاشتكاه.. في الشكوى إلى بعض الجمعيات التي تهتم بضرب الزوجات.. إلى آخره، وبالتالي أصبح نوع من الخروج عن النمط العربي التقليدي، يعني هل هذا صحيح؟

صباح المختار:

أكيد هذا بدون أدني شك، هذه الحقيقة ينصرف إلى كافة الجاليات العربية، إلا أن الجاليات كل ما تكون الجالية أقدم بطبيعة الحال تكتسب هذه الحقوق، ونجد هذا حقيقة في الجيل الجديد، من مثلاً: المرأة العربية المغتربة المرأة العربية المغتربة

-حالياً- أنا أزعم أننا كلنا نعاني من مشاكل الغربة، لأننا نعيش في عالمين: نعيش في عالم الوطن الذي قدمنا منه، ونعيش في العالم الذي نحن فيه، هناك فارق كبير لم نستطع لحد الآن أن نصل إلى المكان المناسب، إلا أني أزعم أن المرأة العربية حقيقة المغتربة قد تعاني أكثر مما يعاني الرجل، لأن الالتزام الاجتماعي بالنسبة للمرأة هو أكثر شدة، وأكثر حدة، وأكثر قسوة، وأكثر انضباطاً من الرجل في العالم العربي.

عندما يأتوا إلى بريطانيا أو إلى الغرب، الغرب لا يفرق في التعامل بين المرأة والرجل، وهذا فيه صعوبة للتعامل مع هذه القضية، بالنسبة للمرأة وبالنسبة للرجل الذي له علاقة بالمرأة سواء أكان الأخ أو الأب أو الزوج أو الابن .. إلى آخره، في غالب الأحيان الابن أقل إشكالاً من هذا لأنه يكون منسجم مع المجتمع، إلا أن الجانب الآخر هو الذي لديه إشكالية فيه، لأنه بالتأكيد أكثر الحالات التي توجد الآن مشاكل اجتماعية فيما يتعلق بالقضايا الزوجية وغيرها، باستثناء الحالة العددية، يعني يجب أن نفرق مثلاً عندنا أكبر جاليتين عربية في بريطانيا هي من حيث العدد، هي الجالية المصرية والجالية العراقية.

وبالتالي فإن مشاكل هاتين الجاليتين عددياً أكبر من مشاكل الجاليات الأخرى، لأنه لو نظر إلى المشاكل من خلال النسبة المئوية، فنجد أن الجالية الأكثر قدماً لديها مشاكل اجتماعية، أو المطالبة بحقوق أكثر مما تطالب المرأة الحديثة القدوم إلى بريطانيا.

محمد كريشان:

نعم، موضوع المخدرات أيضاً أشرت إليه منذ قليل، مثلاً في .. في المجتمع الفرنسي -مثلاً- كثيراً ما يشار إلى الجالية المغاربية -من المغرب العربي- على أنها جالية انحراف ومخدرات، سواء في فرنسا أو في إيطاليا، وتسوق الصورة بهذا الشكل، يعني أحياناً بشكل منصف، وأحياناً بشكل يعني فيه الكثير من التجني، هل ظاهرة المخدرات بين الشباب العرب وصلت في بريطانيا إلى أن تلصق بالجالية العربية؟

صباح المختار:

لا، لا تزال الجالية العربية.. أولاً أعتقد أن الموقف في فرنسا فيه تسييس أولاً أكثر مما موجود في بريطانيا. الشيء الثاني: أن الجالية العربية المغتربة في فرنسا هي جالية كبيرة حجماً، وأقدم من الجالية العربية في بريطانيا، أو على الأقل الجزء الأعرض منها.

الشيء الثالث: أن الجالية العربية في فرنسا -في غالب الأحيان-تعيش في أماكن، تعيش مع بعضها البعض، وبالتالي يمكن الإشارة إلى هذه المجموعات باعتبار سواء كان صح ذلك أم لأ، أنها هي المسؤولة عن ارتكاب.. هذا الموقف لا يوجد في بريطانيا، أولاً: حقيقة إحدى المشاكل التي تعاني منها الجالية بحد ذاتها هنا في بريطانيا أنها جالية موزعة..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

ليست هناك أحياء عربية.

صباح المختار[مستأنفاً]:

ليست هناك.. هناك في وسط لندن أو في المدن الكبيرة مناطق صغيرة جداً..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

تجارية أكثر ربما..

صباح المختار[مستأنفاً]:

تجارية أكثر منها، إلا أن العرب متوزعين، وبالتالي حتى على العمل السياسي، يعني .. في العام الماضي عندما جرت الانتخابات البريطانية، كانت هناك دعوة لمشاركة العرب في الانتخابات في العمل السياسي أن يأخذوا دورهم في العمل السياسي، في حقيقة الأمر أن الجالية العربية غير قادرة على هذا التأثير على الموقف السياسي فيما يتعلق بالانتخابات، لأنها جالية موزعة وبالتالي عندما يكون عندك أعداد متفرقة كثيرة.

النقطة الثانية: أن موضوع المخدرات في بريطانيا -أصلاً- لا يزال أقل سوءاً مما موجود في مناطق في مجتمعات أخرى. والنقطة الثالثة: أن الجالية العربية، الشباب العرب لا يزالون -في غالب الأحيان- هم شباب أما حديثي القدوم، وبالتالي لا يزالون ضمن القيود التي تربطهم بالعائلة، ورعاية القانون وإلى آخره، أو أنهم.. حتى وإن كانوا قد نشؤوا في هذا البلد، إلا أنه لا يزالون يعيشون ضمن عوائل لا تزال تلتزم بالحد الأدنى من السلوك القويم، وبالتالي هذه المشكلة لا توجد حالياً بين شباب الجالية العربية.

محمد كريشان:

المشاركة السياسية للعرب التي أشرتم إليها، عموماً يعرف على أن نسبة كبيرة على الأقل من العرب الموجودين هنا هم من المسيَّسين، من اللاجئين من الذين فروا من الكثير من الممارسات العربية الرسمية، وأرادوا أن يعيشوا حياة فيها على الأقل هامش من الحرية واحترام الإنسان، يعني مع ذلك ومع هذا الطابع السياسي نجدهم يبتعدون عن المشاركة، هل هو موقف من المجتمع البريطاني؟ هل هو موقف من السياسة بعد تجاربهم المريرة؟ يعني كيف تعزو أسباب هذا العزوف؟

صباح المختار:

في تقديري أن هناك عدد من الأسباب، واحدة من الأسباب أن العربي لحد الآن لا يزال حديث الهجرة، وبالتالي لا يزال يشعر أنه هذا الوطن ليس وطنه حتى ومن تجنس منهم، أنا التقيت بقسم من الشباب، الجيل الثاني من اليمنيين لا يزال يشعر أنه هو يمني وسيعود إلى اليمن، وكما لو كان يتصرف وكما لو كان زائراً إلى هذا البلد، بالرغم من أنه لم يذهب إلى بلده ولا يعرف اللغة، ولا.. فهناك الحالة النفسية، هناك الجانب الآخر بالنسبة إلى الجيل الأقدم من هذا الجيل الشباب، هناك سوء فهم للعملية السياسية.

في الوطن العربي العملية السياسية هي عملية عنيفة ومتشددة، هناك سجون وهناك تعذيب، وهناك انقلابات، وهناك عمل سياسي مع دول أجنبية .. وإلى آخره، في بريطانيا العمل السياسي في غالب الأحيان هو عمل لخدمة المجتمع، الذي نعيش فيه، والوطن الذي ننتمي إليه.. وإلى آخره، وبالتالي العنف أقل، الإرهاب أقل، الخوف أقل، الاهتمام أكثر، وبالتالي هناك مشكلة بالنسبة للعربي عندما تقول للعربي أنه هناك انتخابات ستجري في بريطانيا، سواء كانت انتخابات محلية أو انتخابات وطنية علنا نشارك أو نسأل.

يقول لك: أنا ابتعدت عن السياسة، وأنا غير عايز أن أتكلم في السياسة مرة أخرى، لأن هناك انطباع أنه عندما سيتحدث عن سياسة سيتحدث عن السياسة الكبرى، عن تحرير فلسطين، والوحدة العربية، وغير ذلك من الأمور.. ومكافحة الاستعمار وإلى آخره من القضايا، بينما السياسة في بريطانيا، هناك سياسة تتعلق بالعوامل التي تؤثر على حياة الفرد، موضوع المعيشة، موضوع الأجور، موضوع ساعات العمل، موضوع حق المرأة، موضوع الانتخابات، الأمور التي ليست بالأهمية التي تتعلق بالعالم كله، وإنما العربي لا يشعر بهذا.

هناك النقطة الثالثة: أعتقد أن العربي لا يزال غير واضح في ذهنه أنه كيف يعمل بالسياسة؟ ما هي متطلبات العمل السياسي؟ يخشى الانتماء للأحزاب، الأحزاب البريطانية مفتوحة لأي شخص يستطيع الانتماء منها، الأحزاب ليست سرية، العمل العربي -في غالب الأحيان- هو عمل سري، يعني أنا أزعم أنه حتى في بعض الدول العربية التي توجد فيها أحزاب، هناك عدد من الأشخاص الذين يخشون الانتساب إلى هذه الأحزاب العلنية، لأننا اعتدنا على العمل السري.

وأعتقد أن النقطة الثالثة، أو الأخيرة: هي أن العربي يجد صعوبة في التعامل السياسي في بريطانيا، لأن العملية السياسية في بريطانيا هي عملية متقدمة، متقدمة فكرياً، وبالتالي لا يستطيع العربي أن يتحدث بنفس الأسلوب ونفس الطريقة، ونفس الدقة، ونفس التحديد ونفس الوضوح في الأمور التي يتناولها الإنجليز في هذا.. مع كل هذا حقيقة الجالية العربية في الانتخابات الماضية، أنشأت لجان لتحريض العرب على ممارسة دورهم السياسي.

وفعلاً قد لا يعرف العرب في الوطن العربي أنه في الانتخابات الماضية ترشح أربعة من العرب للانتخابات البرلمانية البريطانية، مع الأسف لم يفز أحد منهم إلا أن هناك أربعة أشخاص رشحوا أنفسهم للانتخابات، هناك محاولة لتحريك العمل من خلال مؤتمر الجالية العربية على المؤتمر الثالث، سبق أن بحث هذا الموضوع في المؤتمر الأول عام 90، وفي المؤتمر العام الثاني عام 93،وسيبحث في هذا المؤتمر مشاركة العرب في الحياة العامة وفي الحياة السياسية والحياة العامة بصورة عامة.

محمد كريشان:

نعم، قبل قليل ذكرتم موضوع -ربما- أحياناً سوء التفاهم أو سوء الفهم بالأحرى في موضوع علاقة العربي هنا بالإدارة، موضوع الضرائب، موضوع الـ.. يعني، هل هناك جهل يقود إلى مثل هذه الاشكالات؟ يعني مثلاً نحن في دولنا العربية عادة ما ننظر إلى الضرائب كنوع من تحايل الدولة على المواطن لنهبه، هنا في الغرب العقلية.. عقلية أخرى فيما يتعلق بالضرائب وربما من أكبر الكبائر -بين قوسين- القانونية هو التهرب من الضرائب، يعني هل هي العقلية العربية في التعامل مع الضرائب هي التي تقود الناس إلى مثل هذه المشاكل أم ربما أحياناً الجهل؟

صباح المختار:

هناك أعتقد لسببين: لأن السبب الأول، أولاً: أن العربي غير معتاد إلى فكرة الضرائب، يعني العالم العربي -على ما أزعم أنا- أن هناك جزأين، جزء من الدول العربية لديها أنظمة.. أنظمة ضرائبية تكاد تكون متقدمة، إلا أنها في حقيقة الأمر تقتصر على الموظفين الذين يتقاضون مرتبات يتم استقطاع ضريبة منها، أما خارج النطاق الوظيفي فالعملية تتم في غالب الأحيان طريقة محاولة الإقناع والاتفاق مع المخمن الضريبي.

هناك عدد كبير من الدول العربية لا توجد فيها ضريبة الدخل، وبالتالي العربي عندما يأتي هنا أصلاً يكون الحالة الذهنية بالنسبة له أنه الضريبة هي شيء لديه عدم وضوح فيه على الأقل، نأتي إلى بلد نجد فيه أن النظام الضرائبي هو نظام معقد جداً، يعني يعجز عن فهمه حتى عدد من الناس الذين لديهم مؤهلات علمية عالية.

الشيء الثالث: الشيء الذي ذكرته -تفضلت فيه- أن هناك شعور بأنني عندما أحاول أن أتحايل على الضريبة ولا أدفع الضريبة أكون قد حققت إنجاز، إنه أثبتت نفسي إنه أنا أشطر من الضريبة، المشكلة التي يقع فيها العربي، في الغالب أن الضريبة لا تغفر، عندما تتجمع الضريبة عدة سنوات، ويتم اكتشاف التهرب من الضريبة يعاني العربي معاناة كبيرة جداً، يدفع مبالغ كبيرة تؤدي إلى أضرار مالية غير معقولة.

ممكن -حقيقة الأمر- تلافي هذا الأمر لو أن الإنسان عندما يأتي يبدأ بهذه العملية من البداية، وبالتالي تصبح الجرعة أقل من غيرها، يضاف إلى كل ذلك أن العربي لا يشعر أن الضريبة أصلاً هي شيء.. عمل وطني لا ينظر إليها بمعيار وطني، نحن ننظر إلى ضريبة الدم في الوطن العربي، وأداء الخدمة العسكرية أنه شرف وواجب على كل مواطن أن يقدمه، أما الضريبة على المال ودفع الضريبة إلى الحكومة لا.. لا تأخذ نفس المعيار، وبالتالي لا نجد هذا الشعور تجاه الضريبة في بريطانيا أيضاً.

محمد كريشان:

العربي هنا سواء في قضاياه الاجتماعية الأسرية أو في قضاياه مع الإدارة، هل يفضل الالتجاء إلى محامين عرب، أم إلى محامين بريطانيين، يعني هل لديكم شعور بأنكم ربما تكونون مفضلين أكثر بالنسبة للعربي؟

صباح المختار:

حقيقة، هناك القاعدة التي تتحدث عن أن "مطربة الحي لا تطرب" هذا المثل، وهناك نفس هذا المثل بعبارات أخرى باللغة الإيطالية، والبريطانية، الإنجليزية، الفرنسية في كل لغات العالم، هناك الفكرة لا تزال قائمة، فأعتقد من هذه الناحية أن العربي بصورة عامة يحاول أن يذهب إلى غير العربي، لأن غير العربي، لأنه يتكلم بلغة لا أفهمها، فإذاً فهو أقدر من عندي، هو أفهم من عندي، وبالتالي الاتصال أو استعمال الخدمات العربية أقل مما يجب، هذا من ناحية.

من الناحية الثانية أنا أعتقد أيضاً أنه في الأمور التي تتعلق بالقضاء قد يكون في بعض الحالات، من الأفضل الذهاب إلى محامي إنجليزي، لأنه من الأفضل على المحكمة أن ترى محامي إنجليزي يدافع عن عربي، عن أن يكون عربي يدافع عن عربي هذا من ناحية، إلا إن هذا جانب الأقل أهمية -في الحقيقة- أنا أشعر بنوع من الألم أن الدول العربية لا تحاول الاستفادة من المؤهلات العربية، ولا أتكلم فقط عن القانون، الدول العربية تلجأ إلى استعمال خبراء في الاقتصاد، وخبراء في السياسة، وخبراء في القانون، وفي الطب، وفي الدراسات الاقتصادية وغير ذلك من المجالات.

وهناك الكثير من العرب الذين يعملون في الغرب الذين يؤدون حقيقة خدمات لأوطانهم، لأن هناك شعور بأن الإنسان يخدم وطنه يخدم أهله، قد يكون أقل يعني حياداً إلا أنه يستطيع أن يقدم خدمات، على الدول العربية -في تقديري- أن تحاول الاستفادة قدر الإمكان من هذه الثروة المتاحة لها في الخارج، وذلك ينصرف طبعاً -بطبيعة الحال- بالنسبة إلى المواطن العربي، المواطن العربي

يستطيع استشارة محامي عربي على الأقل لإعطائه الطريق، أين سيذهب؟ ما هو الأفضل؟

المواطن العربي عندما يأتي إلى بريطانيا ويحتاج إلى محامي، لا يعرف إلى من يذهب، فقد يلجأ إلى مكتب محاماة كبير متخصص في شؤون التأمين والاستثمارات المالية لشراء شقة، أو قد يذهب إلى محامي متخصص في قضايا الدفاع عن حالات السرقة البسيطة لاستشارته بشأن استثمار مالي كبير، وفي ذلك خطأ قد يستطيع العربي -على الأقل- أن يوجهه إلى الوجهة الصحيحة.

محمد كريشان:

لكن أنتم كمحامين هل -ربما- القضايا المعروضة لديكم الآن، هل أكثرها تتعلق بالمشاكل الاجتماعية التي أشرنا إليها قبل قليل من طلاق، وضرب، وأبناء؟ أم تعود -ربما- إلى الإقامة غير القانونية واللجوء السياسي يعني ما هي الصورة الآن؟ هل الطابع الاجتماعي هو المسيطر الآن أم طابع اللجوء وتفرعات اللجوء؟

صباح المختار:

في حقيقة الأمر من الصعب الإجابة على سؤالك هذا، وذلك لاختلاف طبيعة ممارسة المهنة بين بريطانيا والدول العربية، في الدول العربية المحامي هو محامي يمارس المحاماة ولا يوجد أي شيء آخر هناك شخص واحد اسمه المحامي، في بريطانيا، أولاً: هناك نوعين من المحامين، هناك محامي التقاضي وهو الذي يذهب إلى المحكمة، والمحامي الآخر الذي يقدم الاستشارات القانونية في المكاتب هذه من ناحية.

من الناحية الثانية: المحامي الذي يقدم الاستشارات من المكاتب لا يعمل كفرد وإنما يعمل كشركة محاماة، فيها قد يكون محامي واحد، وقد يكون هناك ثلاثمائة محامي، أي تصبح الشركة.. تصبح عبارة عن مؤسسة جداً كبيرة فيها ثلاثمائة محامي رئيسي، يضاف إلى ذلك حوالي سبعمائة موظف مساعدة، فنحن نتحدث عن مكتب محاماة فيه ما لا يقل عن ألف مؤهل في مجال القانون، في هذا المكتب إذا كان هناك ثلاثة من المحامين العرب من الصعب تحديد الـ..

نحن بالنسبة إلى مهنة المحاماة في بريطانيا عندنا جمعية المحامين العرب التي تضم مائة وخمسين عضواً، أعضاءها هم محامين عرب يمارسون مختلف الاختصاصات ومختلف المجالات، قسم منهم محامين ترافع، وقسم منهم محامين استشارات، قسم منهم في الدراسات الأكاديمية في جهات التدريس، يأتون من أربعة عشر دولة عربية، المجالات العمرية فيها متفاوتة، هناك من هم من جيلي ومن الجيل الأكبر، وهناك من الجيل الأصغر، والجيل الأصغر هو الأهم لأن هذا هو المستقبل بالنسبة للمحامين العرب الشباب، هؤلاء سيكونوا هما الثروة التي تستطيع تقديم الخدمة في كافة مجالاتهها.

نحن نفخر كعرب أن لدينا ثلاثة قضاة الآن من أصل عربي -حقيقة- القاضي الأول، أول قاضي عربي أو أول محامي عربي أصبح قاضي هو الرئيس الفخري لجمعيتنا، هناك عدد من زملائنا المحامين الذين يمارسون أمام القضاء كمحامي ترافع، وهناك آخرين يعملون كخبراء في.. يعني كمستشارين في مكاتب محاماة، وهناك عدد كبير موزعين بين مكاتب المحاماة الكبيرة، يقدموا الخدمات المختلفة، في الغالب عندما يكون الجانب العربي فيها ذا أهمية، هناك قضايا أمام القضاء البريطاني أطرافها كلهم عرب، العرب هناك قضايا يكون فيها العرب الشكوى ضد بعضهم البعض أمام القضاء البريطاني.

وبالتالي تنظر المحكمة البريطانية في النزاع بأن تطبق القانون العربي على النزاع، عندما يحصل -مثلاً- خلاف بين شركة بريطانية وشركة مصرية -مثلاً- لإنشاء مشروع مجاري أو شيء من هذا القبيل تشكو الشركة المصرية على البريطانية أمام القضاء البريطاني، إلا أن القانون الواجب التطبيق هو القانون المصري، هذه إحدى الحالات، هناك القضايا التي تكون معكوسة، أي أن أجانب يشكون أمام بعضهم البعض في الدول العربية أمام القضاء العربي.

محمد كريشان:

المنظمات.. والجمعيات الأهلية التي تهتم بشؤون الجاليات العربية هنا -مثلما أشرت قبل قليل- هناك بالنسبة للجالية المغربية واليمنية ربما تكون لديهم المنظمات الأكثر عراقة، يعني هل يعني إمكانية أن توجد جمعيات ذات طابع عربي يعني دون أن تكون مختصة بالجالية اللبنانية، أو المصرية، أو الجزائرية؟ هل هذا ممكن أم يعتبر غير عملي لخصوصية كل جالية؟

صباح المختار:

لأ، حقيقة هذا.. هذا واحدة من الأشياء المهمة التي يعمل الكثيرين منا في هذا المجال، الجالية العربية حالياً في هذا المجتمع لديها حرية حركة كبيرة، وبالتالي تنظيمات العمل المدني تستطيع أن تعمل بمنتهى الحرية وبمنتهى السهولة، لا تحتاج موافقة لوزارة الداخلية، ولا تسجل مع حد، تستطيع أن تقوم بتأسيس الجمعية التي تراها مناسبة، من هذا المنطلق هناك على الأقل ثلاثة أنواع من تجمعات العمل المدني العربية، هناك التجمعات الإقليمية أي أن كالمصرية والسورية واللبنانية والعراقية والمغربية واليمنية.

وهناك أحياناً لنفس الدولة العربية لديها أكثر من جمعية، تجد جمعية الأطباء العراقيين، وتجد الجمعية العراقية وتجد جمعية المرأة العراقية وتجد.. إلى آخره، هناك التجمعات المدنية الأخرى ذات الطبيعة المهنية، فتجد -مثلاً- جمعية المحامين العرب مثل ما.. نشأت الآن جمعية الأطباء العرب في بريطانيا، جمعية المصارفيين العرب في بريطانيا.

هناك المجموعة الثالثة التي هي ليست إقليمية وليست مهنية، أي أنها تنصرف إلى عمل المجموعة العربية بصورة عامة، فهناك -مثلاً- النادي العربي في بريطانيا، نادي يضم أبناء الجالية من مختلف الدول العربية، تجد هناك تجمعات أخرى ترعى المرأة بصورة عامة، الطفل، رابطة النساء العربيات، هناك تجمعات ترعى القضايا الثقافية العربية، التراث العربي .. إلى آخره من هذه الأمور.

محمد كريشان:

أستاذ صباح، المعروف في السنوات القليلة الماضية أن لندن، بريطانيا بشكل عام، أصبحت ملاذاً لعديد المعارضين العرب والفارين من أنظمة الحكم في دولهم، هل هذا أضفى طابعاً إضافياً على كل المشاكل التي ذكرناها قبل قليل؟ هل أصبحت هناك نوعية مشاكل خاصة بنوعية خاصة من الجالية العربية؟

صباح المختار:

بدون أدنى شك، يعني هناك اللاجئين السياسيين العرب -حقيقة- بالنسبة إلى المعارضة.. للحركات المعارضة العربية، أعتقد أنه بحاجة إلى وضعها ضمن إطارها الصحيح، هذه أعدادها صغيرة جداً تشمل عدد من الأفراد، أعدادهم محدودة، بريطانيا لا تزال كدولة ذات سوابق استعمارية قديمة تجتذب العناصر المعادية للأنظمة، في نفس الوقت أن هناك عملية تشويش في العالم العربي، تصوير أن مركز أصبحت ملاذاً.. ملاذاً .. أن لندن أصبحت ملاذاً للإرهابيين ومركز.. الحقيقة فيها مبالغة كبيرة جداً.

وأزعم أن الدول العربية تحاول أن تختفي خلف بريطانيا لمداراة فشلها في معالجة الحالات الموجودة، إلا أنه مع ذلك نجد أن هذه المجموعات اللاجئة، وليس بالضرورة أن تكون مناوئة، هناك المجموعة التي جاءت من الصومال ومن شمال إفريقيا، وأكبر مجموعة التي جاءت كلاجئة إلى بريطانيا هي الجالية العراقية، الجالية العراقية هناك أعداد كبيرة جداً من اللاجئين، هؤلاء اللاجئين لديهم مشاكلهم الخاصة بهم.

أولاً: هناك موضوع اللجوء بحد ذاته هي مشكلة قانونية، لأنه عندما يأتي الأجنبي إلى بريطانيا طالباً اللجوء السياسي لا تبت بريطانيا لطلبه مباشرة، وبالتالي هناك فترة من الزمن يبقي خاضعاً فيها إلى حالة من.. من العوم ليس مقيماً وليس أجنبياً، يعني قصدي أنه يبقى مقيماً في بريطانيا، إلا أنه غير مستقر..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

غير.. معلقة يعني..

صباح المختار[مستأنفاً]:

يبقي قضيته معلقة، هذه بحد ذاتها تخلق إشكالات متعددة فيما يتعلق بالسكن، بالعمل، يلجأ الكثير منهم إلى التحايل على القانون، الغش، إعطاء معلومات كاذبة، إذا ما اكتشفوا يدخلوا السجون.

وبالتالي هناك مشاكل تنتج نتيجة لظروف هؤلاء المجموعة، لأن اللاجئ في غالب الأحيان سواء من أي بلد الذي يأتي ولدينا لاجئين من غير العرب، يعني اللاجئين العرب هم حقيقة أقل من اللاجئين من أوروبا الشرقية، ودول إفريقيا، وآسيا إلا أن مع ذلك..

محمد كريشان[مقاطعاً]:

ملحوظة مهمة يعني .. مع أن القضية مصورة على أن اللاجئين العرب هم

-ربما- الأكثر يعني..

صباح المختار:

لا يا أخي، اللاجئين العرب هما أقل المجموعات الأخرى، يعني اللاجئين الذين يأتون من أوروبا الشرقية دول أوروبا الشرقية أو من الدول الإفريقية، أو من دول أسيا، يتجاوزون عدد اللاجئين العرب، إلا أننا، لأننا عرب ونتعاطف مع أبناء جلدتنا، وبالتالي نشعر بيها ونهتم بيها، وصحافتنا تكتب عنها، فأنا أعتقد أن هذه هي المهم، إلا أنه في نهاية الأمر اللاجئ عندما يأتي في غالب الأحيان يكون بغض النظر.. قد يكون لديه مؤهلات عالية وغيرها، إلا أنه يأتي رجل معدوم، يأتي إنسان ليس لديه، يأتي إلى هذه البلد إنسان ليس لديه من الإمكانيات المادية، فهو بحاجة إلى السكن والمعيشة والعمل.. إلى آخره، والضرورة تلجأ الإنسان في كثير من الأحيان تشجع على خرق القانون.

وبالتالي إذا ما اكتشف يُعرضه إلى مشاكل، هذه هي المشاكل التي تنتج من هذا الباب الذي يخص اللجوء السياسي، والفئات المعارضة، يضاف إلى هذا جانب آخر أن التجمعات السياسية -بحد ذاتها- تنتج أيضاً تجمعات عمل سياسي، عمل مدني، تنشأ هناك أحزاب حقيقية، الآن -مثلاً- في لندن تصدر خمسة صحف يومية عربية.

أنا أزعم أن هذا العدد يتجاوز ما يصدر في بعض الدول العربية، في بعض العواصم العربية، هناك العشرات من الصحف الأسبوعية ونصف الشهرية والشهرية التي تصدر في بريطانيا، تتكلم باللغة العربية، وتخاطب العقل العربي، وتتعامل مع العمل السياسي العربي، كافة أطياف العمل السياسي موجودة في بريطانيا، لأنه السبب أن النظام القانوني يتيح لي ولخمسة أو اثنين من آخرين أن نؤسس حزباً في بريطانيا، ونسميه ما نشاء، أي دولة أو أي .. لأننا لسنا بحاجة إلى موافقة باعتبار أن إذا سمحت إلى ثلاث أشخاص أن يقوموا بعمل، إن لم ينجحوا فسينتهي أمرهم، وبالتالي لا قيمة لذلك، فهذه أيضاً مجموعة أخرى من منظمات العمل المدني العربية في بريطانيا وهي الحركات السياسية.

محمد كريشان:

أستاذ صباح المختار رئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا شكراً جزيلاً.

صباح المختار:

شكراً.