ضيف وقضية

رحلة اهتمام ماكلوكلين بالبلاد العربية

كيف أتقن ليزلي ماكلوكلين اللغة العربية؟ ولماذا يهتم بتاريخ العرب؟ وما طبيعة عمله مع مارجريت ثاتشر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة؟ كيف ساعدت ماكلوكلين معرفته باللغة والشؤون العربية في عمله كمترجم؟ معهد شملان لتعليم اللغة العربية وحقيقة مهامه التجسسية؟
مقدم الحلقة محمد كريشان
ضيف الحلقة – ليزلي ماكلوخلان، مدير مركز الدراسات العربية المتابع لسياسة بريطانيا في الشرق الأوسط
تاريخ الحلقة 27/01/1999

undefined
undefined

محمد كريشان:

السيد ليزلي ماكلوكلين، أهلاً وسهلاً.

ليزلي ماكلوكلين:
أهلاً بيكم.

محمد كريشان:
الكثير من المشاهدين والمتابعين شاهدوك أكثر من مرة تتحدث اللغة العربية بطلاقة شديدة، وتتحدث في الشؤون العربية بكثير من الخبرة والحنكة، ليس فقط في المجال السياسي، وإنما أيضاً حتى في المجال الثقافي والاجتماعي. هذا الاهتمام باللغة العربية وبالشأن العربي كيف بدأ؟

ليزلي ماكلوكلين:
اهتمامي باللغة العربية والحضارة العربية ابتدى وأنا في الجامعة، لما كنت شاب كنت أدرس التاريخ في الجامعة، وأتذكر جيداً من سنة 1952م، الناحية التي كانت تهمني أكثر من غيرها تاريخ العالم العربي، والفضل في هذا يرجع إلى أستاذ لامع -لا يزال حي يُرزق- شجعني على دراسة تاريخ العالم العربي، ولكن مع الأسف الشديد لم تتوفر فرصة دراسة اللغة إلا وأنا ضابط بالجيش، لأن أنا كنت مجبور أدخل الجيش، لأن كان فيه خدمة إجبارية في هذاك الوقت.
فلما صيرت ضابط بقسم التعليم حصلت فرصة لدراسة اللغة من أجل تدريسها فيما بعد، لأن أنا كنت مرشح لتدريس اللغة في مدرسة تابعة للجيش البريطاني في عدن في ذلك الوقت سنة 62، وهكذا ابتدى اهتمامي باللغة العربية.

محمد كريشان:
إذن، تعلمت اللغة العربية أين بالضبط؟

ليزلي ماكلوكلين:
في جامعة (درم) في شمال (إنجلترا) لمدة سنة، وهذه السنة أتذكر جيداً كانت قاسية، لأنني فعلاً استصعبت اللغة العربية، ليس بسبب صعوبة اللغة، بل بسبب تعقد طرق التدريس. ومع الأسف الشديد طرق التدريس لا تزال معقدة، ولكن بعد هذه السنة الأولى نقلونا إلى لبنان من أجل متابعة دراسة اللغة المكتوبة، واللغة المحكية، وطبعاً وجدنا أنفسنا في جو عربي، وكنا ساكنين في ضيعة لبنانية على جبل لبنان في جو عربي يعني صافي، وطبعاً يعني التقدم كان أسرع مما كان عليه في أثناء الدراسة في الجامعة.

محمد كريشان:
صعوبة المنهج في البداية لم تجعلك تنفر من اللغة العربية يعني هناك إصرار على تعلمها رغم البدايات الصعبة على ما يبدو؟

ليزلي ماكلوكلين:
إلى حد ما، فعلاً زملائي أيضاً كنا ضابط بالجيش والبحرية فعلاً استصعبوا الموضوع، وبعضهم انسحبوا، أو فشلوا في برنامج الدراسة، مش بسبب جهل عندهم، ولكن بسبب تعقد طرق التدريس، ولكن أنا يعني تعبت كثيراً، وكانت عندي رغبة الاستمرار، لأنه فرصة زيارة لبنان كانت مغرية، فظليت صابر (والله مع الصابرين) كما تعلم.

محمد كريشان:
على ذكر لبنان، كان هناك معهد (شملان) لتدريس اللغة العربية، لغة وثقافة، وتعلمتم في هذا المعهد لفترة ثم عدتم أيضاً كمسؤول عن هذا المعهد.

ليزلي ماكلوكلين:
نعم، هذا الذي حصل، يعني درسنا اللغة العربية في لبنان لمدة نص سنة، ونص السنة هذا كان مثل سنتان أو 3 سنين في (بريطانيا) يعني فعلاً استفدنا كثيراً كلنا، والمدرسة كانت تابعة للخارجية البريطانية، وهذه المدرسة كانت مخصصة لكل من يرغب في دراسة اللغة مش بس الإنجليز أو الموظفين الإنجليز المعهد كان مفتوح لكل من كان يريد أن يدرس اللغة من العالم الحر. يعني طبعاً كنا في أيام الحرب الباردة وما كنا نستقبل طلاب من وراء ستار الحديد يعني من البلاد الشيوعية، ولكن غير هذا المدرسة كانت مفتوحة للجميع.

محمد كريشان:
نعم، هذه المدرسة رغم عراقتها أغلقت سنة 78.

ليزلي ماكلوكلين:
نعم صحيح.

محمد كريشان:
ما هي الأسباب -برأيكم على الأقل- التي دعت إلى إغلاق مثل هذا المعهد؟

ليزلي ماكلوكلين:
المدرسة استمرت في البنان لمدة 34 سنة .. عفواً 40 سنة بالضبط، وكان فيه فترات انقطاع بسبب أزمات، مثلاً أزمة حرب السويس، وأزمة سنة 48 .. 58، ولكن المدرسة استمرت لمدة 40 سنة، ولكن أجبروا على إقفال المعهد بسبب الوضع الأمني في لبنان سنة 78، ومع الأسف الشديد المعهد لم يعد إلى أي بلاد عربية. والآن لا وجود لمعهد اسمه مركز الشرق الأوسط للدراسات العربية، هذا هو الاسم الرسمي لمعهد شملان.

محمد كريشان:
لكن رغم مرور أكثر من 20 عام على إغلاق المعهد، ورغم عراقة السياسة البريطانية في الشؤون العربية، يعني ليس هناك حاجة ماسة لمثل هذا المعهد حتى يعود؟ غريبة يعني!

ليزلي ماكلوكلين:
صحيح، هناك حاجة ماسة -مثل ما تفضلتوا- عند الإنجليز وعند غير الإنجليز، إنه الطلاب الذين كانوا يدرسوا في المعهد كانوا وافدين من كل أنحاء العالم: من اليابان، ومن أوروبا، ومن أمريكا، وأستراليا، ولا يوجد بديل لهذا المعهد، بمعنى إن فيه معهد موجود بالعالم العربي يستقبل الطلاب من كل أنحاء العالم، هناك مراكز جامعية تابعة لبعض الجامعات مثلاً في القاهرة أو في دمشق.

ولكن لا يوجد بديل لهذا المعهد، طبعاً وزارات الخارجية، والشركات التجارية وجدت طرق بديلة، ولكن يجب أن نذكر أن الوضع الاقتصادي تغير أيضاً، والشركات مثلاً الشركات الكبيرة التي كانت مُستعدة أن ترسل موظف كبير للدراسة لمدة سنة أو سنتين أو حتى ثلاث سنين لا يمكن أن تفكر بمثل هذا الأسلوب حالياً، بسبب التكاليف الباهظة لإلحاق موظف كبير للدراسة.

محمد كريشان:
نعم .. سيد ليزلي، لا شك من خلال احتكاككم طوال هذه السنوات بالعالم العربي لاحظتم أن هناك أحياناً بعض الحذر، بعض التوجس من شخص بريطاني يجيد اللغة العربية، ويتحدث اللغة العربية بطلاقة، وخبير في الشؤون العربية، ربما هذا يعود رواسب عديدة لها صلة بالاستعمار البريطاني لأجزاء من البلاد العربية، للمسألة الفلسطينية، أحياناً لبعض التشويق، وحتى الروايات والخيال المتعلق بـ"لورانس العرب"، وغيره من القصص.

ليزلي ماكلوكلين:
نعم.

محمد كريشان:
وهذا ربما عبرتم عنه بشكل كبير في كتابكم "وكر الجواسيس" مع نقطة استفهام…

ليزلي ماكلوكلين [مقاطعاً]:
علام استفهام..

محمد كريشان [مستأنفاً]:
علامة استفهام، عندما أصدرتم كتاب عام 94 يتحدث عن معهد شملان، وسيصدر هذا العام باللغة العربية من بيروت.

ليزلي ماكلوكلين:
نعم صحيح، نعم.

محمد كريشان:
هذا العنوان المغري –"وكر الجواسيس"- مع علامة استفهام، هل فعلاً كان لديكم هذا الهاجس من النظر إليكم كأشخاص غرباء وحتى كجواسيس؟

ليزلي ماكلوكلين:
لم يكن .. لم يكن، لم يوجد يعني خوف، ولكن كان واضح إنه كان فيه اشتباه في أمر هذا المركز، ومن ناحية أنا لم أكن أستغرب من هذا الحذر، لأنه المدرسة من الناحية الرسمية كانت تابعة لوزارة الخارجية البريطانية، ووجود معهد تابع لوزارة خارجية بريطانية في بلاد عربية في وقت أصعب الأزمات والانقلابات في الخمسينات، والستينات.

طبعاً هذا الوجود كان يثير تساؤلات كثيرة، وما زاد الطين بلة إنه كان إنه واضح إن بعض الطلاب الذين تخرجوا من المعهد فعلاً كانوا تابعين لجهة المخابرات.

محمد كريشان:
فكرس هذا الانطباع.

ليزلي ماكلوكلين:
نعم، مثلاً على رأس الاستخبارات البريطانية الآن شخص تخرج من معهد شملان في أواخر الستينات، فهذا كان معروف إنه طلاب اللغة كانوا بعضهم تابعين لجهاز المخابرات، وبالنظام الإنجليزي، المخابرات ليست لها وجود يعني من الناحية الرسمية هم تحت .. يعني يتستروا بمثلاً صفة .. صفة الدبلوماسي، وهذا معروف بالعالم كله، وكان معروف أن بعض هذه .. هؤلاء الأشخاص كانوا يدرسوا اللغة في معهد شملان، ولكن من الساذج بمكان أن نسمي هذا المركز مركز للتجسس أو لتدريس مادة التجسس…

محمد كريشان [مقاطعاً]:
أصول التجسس.

ليزلي ماكلوكلين [مستأنفاً]:
لا، يعني هذه الفكرة ساذجة، المدرسة كانت مخصصة لدراسة اللغة ولتعريف الطلاب، يعني الطلاب الرسميين، والطلاب يعني رجال الأعمال تعريفهم على تاريخ العالم العربي، وأوضاع العالم العربي، أوضاع البلدان المجاورة. كنا نشجع الطلاب على التجول في المناطق المجاورة من أجل التعمق في معرفة اللغة، ومعرفة عادات الناس، أنه مثلما قال لي واحد: "أي لغة لازم تنعاش".

لما تدرس اللغة يجب أن تعيش اللغة، لازم .. يجب أن تعيش في جو اللغة، وكما قال الرسول: "من عرف لغة قوم أَمِنَ شرهم". فنحن كنا نتخذ موقف إيجابي أكثر من هيك، ما كنا نخاف من .. من شرهم، كنا نريد أن نفهم، ونتعمق في أصول الحضارة العربية والإسلام.

محمد كريشان:
نعم، توليتم مسؤولية هذا المعهد لمدة خمس سنوات.

ليزلي ماكلوكلين:
نعم، أنا…

محمد كريشان [مقاطعاً]:
من عام .. من عام 70 إلى عام 75، وهي فترة ثرية جداً، لأنها كانت تُشكل نوع من الإرهاصات لبداية الحرب الأهلية في لبنان بعد خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن، وقدومها إلى بيروت فترة ثرية جداً، كيف عايشتموها كمهتم بالشؤون العربية وكمدير لمعهد شملان؟ يبدو أنها أثرت حتى في نوعية الكتب وأصدرتم ترجمة لإحدى الروايات.

ليزلي ماكلوكلين:
نعم، صحيح، من ناحية هذه الفترة كانت من أسعد الفترات في تاريخ لبنان، لبنان وصل إلى أوج الازدهار في تلك الفترة، وأتذكر يعني كيف كانت الحياة في لبنان، في بيروت ذاتها، يعني 5 جامعات مزدهرة، ومسارح، وحياة ثقافية مزدهرة، ولكن في نفس الوقت كل العلامات كانت تشير إلى إمكانية انفجار في الموقف لعدة أسباب، منها وجود اللاجئين الفلسطينيين بشكل مسلح في تلك الفترة.

ومع الأسف الشديد كنا نرى يعني باستمرار علامات .. يعني عدم الاستقرار في البلاد، وأتذكر جيداً كيف تعرفت على رواية المرحوم توفيق يوسف عواد "طواحين بيروت" قريت هذه الرواية بالعربي سنة 71 يعني بعد صدوره بسنة، واندهشت من عمق هذا الشخص وبُعد نظره، لأنه فعلاً هو تنبأ بكل ما حدث في لبنان بعد خمس سنين من صدور الكتاب، الحرب الأهلية ابتدت في سنة 75، وهو تنبأ بسنة 70 بهذا الانفجار الذي حصل.

وأتذكر جيداً يعني أنا كنت أترجم فصول بالكتاب تروي حكاية انفجار لبنان، والانفجار حاصل حواليَّ، يعني أحداث عنف كانت تحصل سنة 73، وسنة 74 والانفجار النهائي ابتدى في الربيع سنة 75.

محمد كريشان:
أيضاً إلى جانب إقامتكم في لبنان طوال هذه الفترة، أقمتم في فترات متقطعة في مناطق أخرى من الخليج .. من الخليج العربي أساساً.

ليزلي ماكلوكلين:
نعم.

محمد كريشان:
كيف كان الجو هناك؟ والفرق بين حياة بيروت، وحياة دبي مثلاً أو الرياض؟ وكيف استطعتم أن تستفيدوا من نمط آخر من المجتمعات العربية؟

ليزلي ماكلوكلين:
لازم أقول: بأنني كنت سعيد الحظ إنه توفرت الفرص للتعرف على مناطق كثيرة في العالم العربي في فترة وجيزة ابتداء من سنة61 مضيت تسع سنين في لبنان، وسنتين في عدن، ومن عدن -من مدرسة اللغة العربية- كنت أسافر إلى الخليج، وزرت البحرين -مثلاً- لأول مرة سنة 63، والسيارات كانت تمشي على الشمال يعني حسب الطريقة الإنجليزية في هذاك الوقت.

وطبعاً نمط الحياة كان بسيط جداً في الخليج كله، زرت الكويت سنة70 لأول مرة، والكويت كانت مزدهرة مقارنة بأحوال دبي مثلاً. أنا كنت في دبي سنة 63، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم كان فتح أول جسر عبر الخور سنة 64، الآن هناك جسور، وهناك نفق، ودبي أصبحت منتجع للسواح الوافدين من كل أنحاء العالم، الحياة تغيرت كثيراً في فترة وجيزة، وأنا كنت سعيد الحظ، يعني عشت كل هذه التحولات الهائلة يعني من الناحية الاجتماعية ومن الناحية السياسية.

محمد كريشان:
هذا التفاعل مع المجتمع في الجزيرة العربية هو الذي شجعكم على إصدار مجموعة كتب اهتمت بالمملكة العربية السعودية، واهتمت بالإمارات، يعني وجودكم هناك هو الذي شجعكم على تناول هذه المواضيع في بعض الكتب التي أصدرتموها؟

ليزلي ماكلوكلين:
يعني من ناحية، لكن الأساس اهتمامي بالعالم العربي هو اهتمامي بالتاريخ، لأنه أساس يعني كمؤرخ، ولما كنت في المنطقة .. لما زرت السعودية لأول مرة سنة 63 كان من الطبيعي أن أتساءل: كيف قامت هذه المملكة؟ كيف قامت هذه الدولة الموحدة في هذه الفترة الوجيزة بعد التشتت وعدم الاستقرار الذي كان موجود؟ وكان واضح إنه الفضل في هذا يرجع إلى شخصية الملك عبد العزيز يعني شخص كان في الحكم لمدة 50 سنة، من سنة 1902 لغاية وفاته سنة 53.

فالذي كان يزور السعودية في هذاك الوقت كان من الطبيعي أن يتساءل، فكنت أتساءل، وكنت أحاول أن أدرس تاريخ هذا الشخص، وكنت أستغرب من قلة المواد يعني المواد العلمية المتوفرة لدراسة تاريخ حياة الملك عبد العزيز، كانت يعني قليلة جداً، وحتى اليوم في اللغة الإنجليزية عدد قصص حياته العلمية عدد لا يتجاوز الأربعة! هذا الشيء غير طبيعي!

فهذا أساس اهتمامي بحياة الملك عبد العزيز. وكنت أهتم بطبيعة الحال بأوضاع الجزيرة العربية، مثلاً منطقة الربع الخالي، يعني منطقة شاسعة يعني قد غرب أوروبا وكانت غير معروفة و…

محمد كريشان [مقاطعاً]:
أصدرتم عام 91 كتاب يتحدث عن الربع الخالي.

ليزلي ماكلوكلين:
نعم، أنا كنت أهتم بالموضوع من باب العلم، وليس بسبب دور الإنجليز في اكتشاف المنطقة، ولكن الواقع إن أول شخص اجتاز الربع الخالي يعني من غير البدو هو إنجليزي رحالة كبير اسمه (باتروم توماس) وهذا الشخص بالمناسبة هو الذي كان أول مدير لمعهد شملان لما تأسس المعهد في القدس كان هو أول مدير، وأصبح…

محمد كريشان [مقاطعاً]:
المعهد كان في البداية في القدس؟

ليزلي ماكلوكلين:
في القدس نعم، من سنة 44، وهذا الشخص أصبح مشهوراً بالعالم قاطبة بسبب رحلته لما اجتاز الربع الخالي من الجنوب إلى الشمال، ولكن هو اجتاز المنطقة بدون تصريح من الملك عبد العزيز، يعني الرحلة كانت غير مرخصة غير مرخص لها، و(فيلبي) هو أول من اجتاز المنطقة -يعني منطقة الربع الخالي- من الشرق إلى الغرب بتكليف من الملك عبد العزيز، لأنه في هذاك الوقت كان أسلم، وكان يشتغل عند الملك عبد العزيز في الديوان كنوع من المستشار غير الرسمي.

والملك عبد العزيز سمح له بعبور المنطقة برفقة جماعة من البدو، والقصة يعني معروفة، فأنا بسبب وجودي بالمنطقة صيرت أهتم بالموضوع، واستغربت لما وجدت إنه الحكاية ليست كما رواها فيلبي في كتابه، والرواية أغرب من الخيال، ما بأعرف إذا المشاهد العربي يهتم بهذا الموضوع بالتفصيل…

محمد كريشان [مقاطعاً]:
يعني ما الذي أثار استغرابك يعني، ولماذا الاهتمام البريطاني بالربع الخالي؟ هل له طابع مشوق روائي يعني ما .. ما الـ..

ليزلي ماكلوكلين:
أولاً: الإنجليز كانوا .. كانوا -ولا يزالوا- يهتمون بأي منطقة غير معروفة .. مجهولة، كانوا يستكشفوا الصحاري بآسيا وبإفريقيا، وهناك عندنا لا يزال حياً يرزق الرحالة الكبير (فاسينجر) أصبح مشهوراً بالعالم كله بسبب رحلاته بكل أنحاء العالم، مش بس بالجزيرة العربية.

ولكن الإنجليز يهتموا بالرحلات الخيالية، وبالنسبة للعالم العربي -مثلما تفضلتوا- يهتموا بصورة خاصة بسبب رواية "لورانس العرب" والحرب العالمية الأولى إلى آخره، وهناك أشياء غير واقعية يتكلموا عنها. ولكن أنا كنت أهتم بهذه المنطقة بسبب كونها منطقة مجهولة، ومنطقة شاسعة قد غرب أوروبا، وطبعاً شركات النفط كانت تهتم بالمنطقة بسبب احتمال وجود النفط فيها.

وهذه الناحية لم تكن بعيدة عن ذهن الملك عبد العزيز، لأن الملك كلف فيلبي بالقيام بهذه الرحلة من باب العلم، كان يريد أن يعرف المعالم العلمية لمملكته، يعني هذه المنطقة لم تكن معروفة، وفيلبي كان شاطر بالمسح يعني بعملية المسح العلمية، ورسم الخرائط، وفعلاً بعد هذه الرحلة كان ممكن أن يرسم خارطة علمية صحيحة لهذه المنطقة…

محمد كريشان [مقاطعاً]:
اكتشفتم من خلال كتابه أنه ربما لم يكن دقيقاً تماماً في نقل الوقائع يعني ربما؟

ليزلي ماكلوكلين [مستأنفاً]:
نعم، الذي حصل أنه كان مكلف بالقيام بالرحلة من الشمال إلى الجنوب يعني من منطقة دحران إلى البحر .. بحر العرب -يعني الساحل الجنوبي- والملك عبد العزيز كلف (ابن جلوي) بتخصيص جماعة من البدو، من القبائل المقيمة في الطريق يعني من الشمال إلى الجنوب…

محمد كريشان [مقاطعاً]:
حتى يساعدوه..

ليزلي ماكلوكلين [مستأنفاً]:
نعم، ويضمنوا سلامته، الذي حصل إن فيلبي كان صعب المراس لدرجة أن البدو رفضوا يرافقوه، وانسحبوا مهما كانت التعليمات صارمة من ابن جلوي .. عبد الله بن جلوي، رفضوا يكملوا الطريق، ففيلبي وجد إنه مستحيل أن يكمل الرحلة للجنوب، لأنه ما كان فيه ضمان لسلامته فغير الجهة، وقطع الربع الخالي ليس شمالاً جنوباً، بل شرقاً وغرباً، ووصل إلى مكة، وصل عن طريق المناطق التي أصبحت مشهورة في العشرينات بسبب المعارك التي حصلت.

وفي كتابه يروي قصة العثور على عظام، يعني وهياكل جثث من المعارك التي كانت حصلت في العشرينات في تلك المنطقة.

محمد كريشان:
الحقيقة اهتمامكم بالمملكة العربية السعودية أيضاً لم يقتصر على هذه الكتب، وإنما أيضاً امتدت لمحاولة تقفي آثار بعض الصور النادرة، والصور الأولى ليس فقط بالنسبة للمملكة السعودية، وإنما أيضاً حتى بالنسبة للإمارات.

ليزلي ماكلوكلين:
نعم.

محمد كريشان:
هذا الاهتمام الذي لديكم بالنسبة للصور الأوائل كيف كان؟ ولماذا؟

ليزلي ماكلوكلين:
الذي يميز يعني دراسة .. أنا بالأساس مؤرخ، والمؤرخ يدرس ليس فقط الوثائق ولكن في العصر الحديث يدرس الصور، لأنه الصور يمكن أن تُضيف عناصر حية للمعرفة .. لمعرفة واقع الماضي، الصورة تضيف عناصر مفيدة كثيرة. والذي يميز منطقة الجزيرة العربية أن اكتشاف المنطقة من قبل الغربيين صادف تطوير فن التصوير الشمسي، فأوائل المصورين حضروا للحجاز مثلاً في سنة 1861م، يعني مصور مصري عسكري، كان ضابط بالجيش، جاء للحجاز من شان من أجل تصوير مسالك الحج.

ففعلاً صور مراسم الحج ومسالك الحج، ولكن هذه الصور اختفت ما عدا صورة واحدة، ونشرنا هذه الصور ضمن مجموعة صور تعتبر أولى الصور لما أصبح فيما بعد المملكة العربية السعودية، وبالمناسبة هذه الصور أخذها الضابط العسكري صادق محمد صادق، وهو الذي بيعت مجموعة أخرى من صوره قبل قليل بمبلغ خيالي، يعني نفس المصور جاء ثانية للمنطقة وصور المدينة المنورة ومكة المكرمة سنة 81 .. سنة 1981م، ومجموعة الصور هذه بيعت بالمزاد العلني بمبلغ مليون و400 جنيه إسترليني، ويعني مبلغ خيالي…

محمد كريشان [مقاطعاً]:
مليون 400ألف..

ليزلي ماكلوكلين [مستأنفاً]:
40 .. 100 .. 400 ألف صح.

محمد كريشان:
وكان اهتمامكم بهذه الصور حتى قبل أن تأخذ هذه الهالة الإعلامية، وقبل أن يتم إبرازها يعني كان لديكم الاهتمام بها.

ليزلي ماكلوكلين:
نعم، عندي مجموعة صور قديمة لمنطقة الخليج، والذي يلفت النظر إنه توجد مجموعة .. مجموعات الصور عند بعض المصورين الحواة .. الهواة والمحترفين، مثلاً في الكويت بعض كبار القوم، والمشايخ يعني عندهم فعلاً تحف، صور قديمة لها قيمة علمية كبيرة، ونفس الشيء في مسقط مثلاً، وفي دبي، وأبو ظبي، والبحرين، والدوحة، طبعاً…

محمد كريشان [مقاطعاً]:
أيضاً أصدرتم كتاب حول بعض الصور المتعلقة بالإمارات.

ليزلي ماكلوكلين:
نعم، المصورين جاءوا متأخرين لمنطقة الإمارات الحالية مقارنة بالحجاز، يعني تقريباً أول مصور جاء يعتبر المندوب البريطاني .. المندوب السياسي البريطاني (ساباسي كوكس) في أوائل القرن العشرين، وكان يصور مناطق مختلفة، صور منطقة البوريمي، ومدينة العين منطقة مدينة العين الحالية، بالإضافة إلى قصر الشيخ في أبو ظبي، في الوقت الذي كان القصر البناية الوحيدة الدائمة في أبو ظبي.

محمد كريشان:
نعم، هذا الاهتمام، هل كان الهاجس فقط والاهتمام فقط هو اهتمام علمي أكاديمي -مثلما تفضلتم- باعتباركم مؤرخ، أم أيضاً ربما وجدتم بعض التشجيعات من جهات سعودية أو إماراتية لتقصي مثل هذه الأشياء؟

ليزلي ماكلوكلين:
لم .. لم أجد يعني تشجيع رسمي أو حتى فردي يعني صريح، ولكن الذي كان يشجعني إنه لما تعرفت على المنطقة لأول مرة واقع الحاضر لم يكن يختلف كثيراً عن واقع الماضي، فحياة الشيخ خليفة بن زايد سنة 1909م في أبو ظبي لم تكن تختلف كثيراً عن حياة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يعني بعد مرور 50 سنة، فهذا كان يشجعني على دراسة الموضوع عن طريق الوثائق، وعن طريق الصور أيضاً.

محمد كريشان:
يعني نقول لا يختلف من حيث نمط الحياة ولا المستوى .. مستوى..

ليزلي ماكلوكلين:
نمط الحياة، نعم.

محمد كريشان:
لأنه أكيد المستوى اختلف الآن مع التجهيزات العصرية وما..

ليزلي ماكلوكلين:
نعم، ولكن سنة .. لما تعرفت على العين مثلاً مدينة العين سنة 63، ولما تعرفت على أبو ظبي سنة 63، الحياة كانت بسيطة لدرجة أنها كانت تشابه نمط حياة الشيخ خليفة بن زايد في أوائل القرن العشرين.

محمد كريشان:
نعم، كل هذه الاهتمامات بالشؤون العربية كيف ساعدتكم من خلال عملكم لفترة لا بأس لها كمترجم خاص للسيدة (مارجريت تاتشر)؟ في عديد لقاءاتها بالمسؤولين، والقادة العرب.

ليزلي ماكلوكلين:
فعلاً أنا كنت أساعد رئيسة الوزراء في لقاءاتها مع بعض الزعماء العرب من ملوك ورؤساء، والذي كان يساعدني أنني كنت يعني تعرفت على بعض اللهجات العربية من مناطق يعني مختلفة، وطبعاً كل واحد يتكلم بشكل -يعني كما يقال في لبنان- لأن أسلوب التحدث بالعربية يختلف من شخص لشخص ومن منطقة إلى منطقة.

والحمد لله كنت تعرفت على بعض اللهجات العربية، فلم أكن أخاف من المهمة قد يكون إني كنت أخاف من السيدة مارجريت تاتشر أكثر من مشكلة اللغة، ولكن مشكلة السيدة مارجريت تاتشر .. مارجريت تاتشر ليست بكبيرة هي كانت تتكلم بالمنطق باستمرار، فمهمة المترجم أسهل في إذا كان الموضوع منطقي، فهي كانت تتكلم بمنطق.

محمد كريشان:
على ذكر اللهجات، ما هي أكثر اللهجات قرباً إلى نفسك؟ وما هي اللهجة التي ربما تتحدث بها أقرب إلى الأخرى؟

ليزلي ماكلوكلين:
يا سيدي، كما يقول المثل: "من شب على شيء شاب عليه"، فأول لهجة تعرفت عليها هي لهجة لبنان، يعني تعرفت على اللهجات اللبنانية، ولكن يجب أن يقال إن الأساتذة الذين كانوا يعلمونا عربي كانوا من لبنان، ومن فلسطين والذين أثروا عليَّ كانوا كلهم من القدس بالذات، وليس من فلسطين يعني بشكل عام بل من القدس. فأنا كنت أتعرض أو أتعرف على لجهات فلسطين، ولهجات لبنان في آن واحد يعني سنة 62، وهذا طبعاً يؤثر على الواحد.

محمد كريشان:
هل بقيت بعض الأحداث أو الطرائف -إن صح التعبير- في جلسات الترجمة نعرف أن هذه الجلسات هي جلسات رسمية وسرية، ومع ذلك .. ولكن هل لديك بعض المشاهد التي ربما لا تنساها من خلال عملك كمترجم مع السيدة تاتشر؟

ليزلي ماكلوكلين:
والله أنا نأسف، أني سوف لن أنسى الجلسة أو جلسات الملكة الأم، يعني أنا كنت أترجم لصاحبة الجلالة الملكة، وفي بعض الحالات الملكة الأم كانت موجودة، والملكة الأم ولا يجب أن نتذكر أن عمرها هذه السنة 98 سنة، ففي سنة 85 مثلاً كان عمرها 85 سنة، وكانت تتحدث مثل سيدة عمرها 50 سنة! نفس الحيوية ومستوى ثقافة عالي جداً، ولما كانت تتكلم مع ضيف كبير من العالم العربي، كانت تتكلم عن الشعر العربي، وشعر الفارسي بكل حيوية وبمعلومات وافية، فالجلسة معها كانت لذيذة، والضيف الكبير انبسط كتير وارتاح تماماً لهذه الجلسة، هذه الجلسة لا يمكن أن أنساها.

محمد كريشان:
ويعني كانت على دراية واسعة بالشعر العربي؟

ليزلي ماكلوكلين:
فعلاً .. فعلاً، وكانت تتكلم عن الشعراء العرب، والشعراء الفارسيين، والذي كان يؤثر عليها أكثر من غيره حافظ -ليس شاعر عربي- ولكن كانت معلوماتها مشكلة عن الشعر العربي والشعر الفارسي.

محمد كريشان:
نعم، إلى جانب هذا الاهتمام بالجزيرة العربية، من ضمن الكتب التي أصدرتموها، وهي الحقيقة عديدة جداً، لفت انتباهي هذا الكتاب وعنوانه "روزفلت في تكريت". أولاً: ما المقصود بروزفلت .. أي روزفلت؟ وهذا الاهتمام بتكريت ربما في وقت مبكر مع أنها لم تكن وقتها تتصدر بعض الأحداث السياسية باعتبارها مسقط رأس الرئيس العراقي صدام حسين؟

ليزلي ماكلوكلين:
نعم، الرواية غريبة، أصل الرواية اكتشاف كتاب، يعني في يوم من الأيام اكتشفت كتاب في مكتبة من المكتبات في مدينة إنجليزية، كتاب عنوانه بالإنجليزي "حرب في جنة عدن" War in the garden of Eden، والكتاب عبارة عن تاريخ تجارب هذا الشخص الذي اسمه روزفلت في الحرب الأولى سنة 1917م في العراق.

الرواية غريبة، هو ابن الرئيس الأمريكاني (ثيودور روزفلت) اسمه (كامت روزفلت) وكان يحب المغامرات، يعني مثل أبوه، فالتحق بالجيش البريطاني أيام الحرب، وأصبح ضابطاً بالجيش الإنجليزي، وكان يشترك في العمليات الحربية في العراق. وأثناء الحملة البريطانية ضد الأكراد وصل إلى بلدة اسمها تكريت، لما وجدت هذه الرواية استغربت وتعمقت في الموضوع، ووجدت إن الرواية أغرب من الخيال!

أولاً: وصف لأوضاع تكريت في هذاك الوقت، يعني بلدة محرومة من كل وسائل الارتزاق، يعني كانوا يعيشوا أبسط حياة، يعني كانوا يعيشوا أوضاع الحرمان، ولكن وجود ابن الرئيس الأمريكاني في تكريت غريب بحد ذاته! ولكن الرواية أصبحت أغرب وأغرب، لأنه هذا الشخص -كامت روزفلت- والد أشهر جاسوس أمريكاني في التاريخ، الذي هو (كيم روزفلت) الذي كان يعني تقريباً أهم واحد في وكالة المخابرات الأمريكية المركزية (CIA) في العالم العربي هو كان من المقربين للرئيس جمال عبد الناصر في الستينات. فالرواية أصبحت يعني أغرب وأغرب!

محمد كريشان:
يعني في نهاية اللقاء، بعد كل هذه السنوات من العيش مع العرب، والإطلاع عن شؤون العرب، إذا أردنا أن نختصر هذه الرحلة مع العرب ما الذي يمكن أن تقوله؟ ما هي الأشياء التي أعجبتك في العرب؟ وما هي الأشياء التي ربما تتحفظ عليها؟

ليزلي ماكلوكلين:
بالنسبة لأن صفات العربي بشكل عام، يجب أن أقول: إنني لما تعرفت على العالم العربي لأول مرة لم أجد شيء غريب عني، ويمكن السبب في هذا إنه أصلي من (أيرلندا) يعني خلفية عائلتي من أيرلندا، يعني جدي ولد في أيرلندا، وصفات الأيرلنديين تشابه الصفات الطيبة للعرب، بمعنى أنهم -مثلاً- متُدينين جداً، ثانياً: الروابط العائلية قوية جداً، ثالثاً: يحبوا يعني الكيف والبسط والسهرات، بعدين رابعاً: يحبوا الشعر، وخامساً: المجتمع محافظ، يعني يحترموا الاحتشام، يعني الاحتشام شيء مهم جداً عندهم.

ولهذه الأسباب لم أجد أنه الروح الاجتماعية في العالم العربي يعني غريبة بالنسبة إلي. ووجدت نفس الشيء عند مستشار زراعي أيرلندي كان يشتغل في الأردن أيام زمان، يعني قبل 30 سنة، لم يكن يعرف كلمة واحدة من اللغة العربية، وكان يشتغل مع الفلاحين يعني مع المزارعين، وكانوا يسألوه: كيف تدبر حالك يعني بالفلاحين ولا تفهم كلامهم؟ فقال: أنا تربيت عندهم في بلادنا يعني نفس .. نفس العقلية،نفس المزاج يعني، ما فيه شيء .. شيء غريب بالنسبة إليَّ.

فيعني يمكن هذا ساعدني على تفهم أوضاع المجتمعات العربي التي تعرفت عليها خلال ثلاثين سنة.

محمد كريشان:
سيد ليزلي ماكلوكلين، شكراً جزيلاً.

ليزلي ماكلوكلين:
أنا أشكركم، متشكرين.