أولى حروب القرن

هل تغير أميركا سياستها في المنطقة العربية؟

هل ستدعم أميركا التوجه الديمقراطي وتحارب الفساد في الوطن العربي؟ وهل ستشدد الأنظمة العربية الخناق على التوجهات الديمقراطية بحجة محاربة الإرهاب؟ وهل تغيرت السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر الماضي؟
مقدم الحلقة محمد كريشان
ضيوف الحلقة داود الشريان – الكاتب الصحفي بجريدة الحياة
ليزلي مخلوخلان – مدير مركز الدراسات العربية بريطانيا
عصام العريان – من قيادات الإخوان المسلمين
تاريخ الحلقة 22/11/2001

– تأثير الحرب في أفغانستان على أوضاع الحريات والديمقراطية في العالم العربي
– التأثير الأميركي على الديمقراطية في العالم العربي في ظل الأزمة الأفغانية
– التيارات الإسلامية وخضوع الدول العربية للضغوط الأميركية

– ملاحقة الحركات الإسلامية وأثرها في تفريخ حركات إرهابية

undefined
undefined
undefined
undefined

محمد كريشان: مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم في حلقة جديدة من (أولى حروب القرن).

نخصص هذه المرة للتأثير الذي يمكن أن يكون للحملة الأميركية ضد الإرهاب والحرب في أفغانستان على أوضاع الحريات والديمقراطية في البلاد العربية، وهي أوضاع لم تكن أصلاً على ما يرام، وقد تصبح أكثر سوءاً، خاصة فيما يتعلق بتعامل الحكومات العربية مع الحركات الإسلامية مستفيدة من المناخ الدولي الحالي المعادي لهذه الحركات تحت يافطة محاربة التطرف والإرهاب.

الأهم من ذلك أن واشنطن قد تعمد هذه المرة –لنفس السبب- إلى غض النظر عن كل ما يصاحب ذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان وتجاوزات عديدة للقانون.

لكن المفارقة هنا أن الولايات المتحدة من خلال الخطاب الأخير لوزير الخارجية (كولن باول) بدت حريصة على أن تكون دول الشرق الأوسط مهتمة بقدسية الفرد وحكم القانون وسياسات المشاركة، داعية إلى إفساح المجال أمام المواطنين، لإبداء الرأي في الكيفية التي يُحكمون بها.

للحديث في هذه القضية معنا في هذه الحلقة في الأستديو (الكاتب الصحفي بجريدة الحياة) داوود الشريان وعبر الأقمار الاصطناعية الدكتور عصام العريان (أحد قيادات حركة الإخوان المسلمين في مصر)، ومن لندن ليزلي ماخلوخلان (مدير مركز لندن للدراسات العربية).

أهلاً بضيوفنا جميعاً، ونبدأ بهذا التقرير لحسن إبراهيم، الذي يضع القضية في إطارها السياسي الحالي.

تقرير/حسن إبراهيم: كان من المفهوم بمنطق حقبة الحرب الباردة دعم الولايات المتحدة لأنظمة عربية يمكن وصفها بالديكتاتورية والإغراق في المحافظة، ففي تلك الحقبة كانت دول العالم الثالث تُستخدم حجارة في رقعة شطرنج صراع الجبارين وكان لابد –في نظر الولايات المتحدة- آنذاك من دعم أصدقائها في المنطقة مهما تكن سياساتهم وكانت معظم الدول التي دعمتها الولايات المتحدة ومازالت تدعمها أنظمة حكم، أقل ما توصف به أنها عشائرية أو شمولية، لا وجود فيها لتمثيل رأي الشعب، ولا يزدهر فيها التفكير المؤسسي ولا توجد فيها أجهزة رقابية قوية تستمد شرعيتها من التمثيل الانتخابي الحر، ولم تتغير الصورة كثيراً في العالم العربي –على الأقل- بعد الحرب الباردة، وبروز واشنطن قطباً أوحد، فالحكم إما ملكي أو جمهوري وراثي، وهذا ما حدث في كثير من جمهوريات العالم العربي التي تحكمها أحزاب الشمولية وبالطبع ينطبق الوصف كذلك على الجمهوريات التي كانت تُصنف في خانة اليسار الذي كان متخالفاً مع الاتحاد السوفيتي.

في ظل الأنظمة التي تمارس لعبة الانفتاح الاقتصادي الآن، وتبشر بالعولمة وتمارس السلوك الاستهلاكي، الأميركي نفسه إلا أنها تمعن في ممارسة الضغط على الشعوب العربية، أوشكت الأحوال على الانفجار أكثر من مرة، فالعالم تغير وأدت ثورة الاتصالات إلى زيادة الوعي بأنماطه المختلفة.

ويعتقد بعض مراقبي العلاقات الأميركية – العربية، أنه رغم إدراك الولايات المتحدة للحاجة الماسة إلى المزيد من الحريات السياسية فإنها كانت تعوِّل على قدرة الأنظمة العربية على كبح جماح جماهيرها بما تمتلكه من آليات قمع، ورغم أن سوء الأحوال الاقتصادية في العالم العربي أفرز ما يمكن تسميته بثقافة الفقر التي تشغل الفرد عن العمل السياسي الفاعل، فقد أدت أحداث مثل الانتفاضة الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وبسلاح أميركي إلى كراهية منقطعة النظير للولايات المتحدة وكل ما تمثله، الكبت يولد الانفجار، ويبدو أن الولايات المتحدة اقتنعت بأنه لا مجال لفصل أحداث الحادي عشر من أيلول عن سياساتها في الشرق الأوسط، والتي تعتبر واحدة من أهم العوامل التي تؤدي إلى الكراهية العميقة التي يحس بها كثيرون في العالم العربي والإسلامي تجاهها، وتثور تساؤلات هنا وفي ظل تصاعد وتيرة سن القوانين المقيدة للحريات في الولايات المتحدة نفسها، ومعها كثير من الدول الأوروبية، كيف يمكن للولايات المتحدة التبشير بعهد ديمقراطي؟ وهل تشمل الديمقراطية الموعودة الإسلاميين في العالم العربي والإسلامي، وهل لو انتخبت الجماهير العربية حزباً إسلامياً أصولياً إلى مقاعد السلطة ستحترم الولايات المتحدة هذا الاختيار؟

أسئلة كثيرة تبقى بلا أجوبة ناجعة، بينما لا يبدو في الأفق انفراج ديمقراطي في العالم العربي يتيح للجميع التعبير عن آرائهم بحرية وبحكم أنفسهم عبر صناديق الاقتراع.

محمد كريشان: تقرير حسن إبراهيم، الذي بدأنا به هذه الحلقة، ونخصصها أولى حروب القرن للتأثير الذي يمكن أن يكون لحملة واشنطن على الإرهاب والحرب الحالية في أفغانستان على أوضاع الحريات والديمقراطية في البلاد العربية، وبإمكان السادة المشاهدين المشاركة في هذه الحلقة من خلال موقعنا.. من خلال الجزيرة نت، العنوان هو : www.aljazeera.net

مع رجاء التركيز على موضوع الحلقة بالتحديد، وعدم التطرق إلى الحرب في أفغانستان بمعناها الواسع الحالي.

نبدأ بالأستديو، مع السيد داوود الشريان، أهلاً وسهلاً.

داوود الشريان: أهلاً بيك.

تأثير الحرب في أفغانستان على أوضاع الحريات والديمقراطية في العالم العربي

محمد كريشان: إذا أردنا أن نبدأ بالعناوين الرئيسية لكل هذه التطورات الأخيرة على أوضاع الحريات والديمقراطية في البلاد العربية، كيف يمكن أن نقول كبداية؟

داوود الشريان: في البداية نقول أن الإشارات الأميركية لهذا الموضوع ليست واضحة حتى الآن، هناك إشارات تتحدث أحياناً عن التعليم، تتحدث عن الأحزاب الدينية ثم أن هذه الإشارات خلقت نوع من القلق لدى الشعوب ولدى الحكومات على حدٍ سواء وحتى في البلاد التي هناك بينها خلافات بين الشعوب والحكومات، هذه الإشارات أوجدت نوع من الوحدة غير المنظورة، لأن التدخل الأميركي في الشؤون الداخلية للبلاد العربية، حتى لو كان وراءه نوايا حسنة كما ترى أميركا، فهو غير مقبول، بمعنى أن الحديث عن تغيير مناهج تعليم أو تغيير.. أو إلغاء أحزاب كما يجري الحديث عن حزب الله في لبنان، الأحزاب الدينية أو في الجزائر، هذه الأشياء ستظل مرفوضة شعبياً، ثم أن الحكومات نفسها متوجسة، الحكومات لا تعلم الولايات المتحدة ماذا تريد بالظبط، هذا.. هذه الإشارات غير الواضحة خلقت نوع من القلق الذي أعتقد أنا أنه ليس في مصلحة ما يسمى بالحرب على الإرهاب في المستقبل.

محمد كريشان: أشرت إلى أن هذه السياسة الأميركية تبدو غير واضحة، غير واضحة برأيك لأنها لم تتبلور بعد أم لأن ربما هناك مشكل في.. في إيصال الرسائل للأطراف المحددة؟

داوود الشريان: أولاً هي لم تتبلور، ثانياً: هناك أشياء، يعني يبدو لي في هذه السياسة ستكون صادمة، بمعنى أني أتدخل لأغير مناهج تعليم أو أتدخل لإلغاء أحزاب وفرض أحزاب، أيضاً هذه غير مقبولة، فهي في كلا الحالين.. ولذلك هي يعني الأميركان بعد قليل سيحسون أن عدم.. عدم الوضوح سيخلق مشكلة جديدة لديهم يجب أن يكونون سيخلق مشكلة جديدة لديهم يجب أن يكونوا أكثر وضوحاً، ويجب أن يكونوا يتعاطوا مع هذه المجتمعات بطريقة يعني ليست بالفرض.

محمد كريشان: نعم، وربما المشكلة مثلما أشار إليها البعض بأن الولايات المتحدة هذه المرة مازالت تتعامل مع خصومها -كالعادة- وفي نفس الوقت لديها إشكال مع أصدقائها..

داوود الشريان: بالظبط.

محمد كريشان: يعني وهذا ربما خلق وضع غير مسبوق في تعامل واشنطن مع الأطراف العربية.

بالنسبة للدكتور عصام العريان في القاهرة، بطبيعة الحال عندما نتحدث عن الأوضاع الخاصة بالحريات أول ما يتبادر إلى الذهن، هو انعكاسات هذا الوضع على الحركات الإسلامية في البلاد العربية، بالطبع الآراء مختلفة حول طبيعة الإخوان المسلمين هناك من يصفها بأنها حركة معتدلة، البعض يعتبرها هي الحاضن لأي توجه راديكالي أو عنيف في المستقبل، هل لديكم تخوفات سواء في مصر أو مجمل البلاد العربية أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة لا ترحم في تعامل الدول العربية مع هذه الحركات مستفيدة من هذه الأوضاع الدولية المعادية للحركات من هذا القبيل.

د. عصام العريان: بسم الله الرحمن الرحيم. شكراً لكم على استضافتي في هذا البرنامج وفي هذه الحلقة، وفي الحقيقة التخوفات ليست وليدة اللحظة، ولكن التخوفات من تردي الأحوال الديمقراطية، تخوفات قديمة وهي وليدة الإرث المرحلة والحقبة الاستعمارية فعندما رحلت جيوش الاحتلال الأجنبي الإنجليزي والفرنسي وغيرها عن بلادنا العربية والإسلامية، في الحقيقة لم تدع الفرصة لشعوب هذه البلاد لاختيارات حرة، مبنية على أسس ديمقراطية حقيقية بل فرضت عليها نظماً معينة، وفرضت عليها خيارات محددة، وتتدخل من حين إلى آخر لاستمرار الأوضاع المفروضة بقوة الاحتلال الذي يستمر، وإن كان على.. في غير وجود القوات العسكرية، ولكن بصور أخرى لذلك جوهر الديمقراطية في الحقيقة -كما نعرفها في أدبياتها- هو الاعتراف بالآخر، هو قبول الآخر، هو تداول السلطة، هو الحق والحرية.. حريات التعبير والتنظيم وغير ذلك، والانتخابات الحرة التي لا يشوبها شائبة، هذا كله مُفتقد في بلادنا من زمن بعيد، ولا يوجد في بلد عربي ما يمكن أن نقول عليه أنه ديمقراطية حقيقية ولكن يمكن أن نقول أن البلاد العربية تتفاوت في الهامش الديمقراطي الذي تتيحه في هذه الحريات والحقوق الأساسية، أما جوهر الديمقراطية فهو مُفتقد ولا أدعي، ولا يمكن أن يدعي أحد أنه موجود في بلد من البلاد العربية، اللحظة الراهنة.

محمد كريشان[مقاطعاً]: يعني عفواً.. عفواً يعني هذا التفاوت في الهامش الديمقراطي هل سينعكس في طبيعته مدى القوة التي ستتوجه بها دولة من الدول العربية إلى الحركات، هل هذا سينعكس آلياً برأيك؟

د. عصام العريان: بالقطع سينعكس، لأنه إذا كان نحن في بلد مثل مصر نشكو، والكل يشكو من إنه لا يمكن أن تتم انتخابات حرة، وتكون هناك ديمقراطية حقيقية، في ظل وجود حالة طوارئ تفرض إجراءات استثنائية تتيح الاعتقال وتقييد الحريات وغيرها، فمن باب أولى إذا كانت أميركا الآن تفرض حالة طوارئ على العالم كله وتفرض أجندة خاصة بها تصنف بها من تشاء في خانة الإرهابيين، وتطلق سراح من تشاء خارج هذه الخانة، دون النظر إلى أي تعريف محدد أو واضح للإرهاب، فالمقاومة المشروعة مثلاً في فلسطين، والمقاومة المشروعة في لبنان، التي حررت الجنوب اللبناني، أصبحت مصنفة في عرف الأميركيين كحركات إرهابية، بينما هي في عرف العالم العربي والإسلامي، بل وشعوب العالم الحر التي لا تخضع للهيمنة الأميركية كحركات مقاومة وطنية وحركات تناضل من أجل تحقيق حريتها، هذه.. الحركات الآن مطالبة بأن تتم تصفيتها والدول التي تحتضن مكاتب لهذه الحركات مثل سوريا مثلاً أو بلد مثل لبنان، حزب الله يمثل قوة أساسية فيه معرض لعقوبات بفرض القوة.. بصوت سلطة القوة، وغطرسة القوة الأميركية، إذاً اللحظة الراهنة حملت بالفعل ليس تخوفات بل حملت إجهاض لأي حق في التعبير أو التنظيم أو العمل السياسي الحر، طالما أن هذه الحركات تحترم قواعد اللعبة الديمقراطية وتحترم صناديق الانتخابات، وأنا أريد أن أضيف أيضاً: أن اللعبة الأميركية في التدخل في شؤون الغير -كما أشار الأستاذ داوود الشريان- هي مرفوضة من البداية، لماذا تتدخل أميركا وتريد أن تفرض نظرية بناء الأمم، وأن تفرض نظماً على دول هي صاحبة الحق وتختار لشعوب ما تريد أن تمليه عليها دون النظر إلى إرادة هذه الشعوب، الحكومة الأميركية شجعت انقلابين عسكريين في بلدين إسلاميين ضد إرادة الشعوب، في الجزائر حدثت انتخابات حرة في سنة 92، وفازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وإذا بأميركا تصمت، بل تبارك الانقلاب العسكري على نتيجة انتخابات، وفي .. رغم المذابح التي جرت بقي بعد ذلك نتيجة هذا الانقلاب، وفي تركيا حملت صناديق الانتخاب رئيس الوزراء (نجم الدين أربكان) إلى سدة الوزارة ورئاسة الوزارة ولم يمكث فيها إلا سنة واحدة، وباركت أميركا بصمت أو برضا أو بمباركة باركت تدخل المجلس العسكري اللي هو يمثل الجيش التركي، لإخراج أربكان رئيس الوزراء المنتخب من كرسي رئاسة الوزراء، بل ومحكمة العدل الأوروبية.. محكمة حقوق الإنسان الأوروبية حظرت أو رفضت قضية رفعها نجم الدين أربكان ضد الحرمان السياسي الذي فُرض عليه، إذاً..

محمد كريشان[مقاطعاً]: على كل.. على كل سيد.. سيد عصام هذه التخوفات التي أشرت إليها سنحاول العودة إليها بالتفصيل طوال هذه الحركة، ضيفنا في لندن هو السيد ليزلي ماخلوخلان، ونريد أن نسأله سؤالاً، نعقبه بإيراد مقطع لوزير الخارجية (كولن باول)، السؤال للسيد ماخلوخلان هو: طالما أن الآن الأولوية في الولايات المتحدة وفي الغرب عموماً هي للأمن، هل هذه الأولوية ستنعكس بشكل آلي على طبيعة التعامل الغربي مع الدول العربية بمعنى أن هذه الدول إذا أعطت الأولوية للأمن وإذا أعطت الأولوية لضرورة قمع الحركات الإسلامية وكأنها تريد أن تُرضي واشنطن في هذا الاتجاه، هل معنى ذلك بأن الغرب سيكون أكثر تسامحاً وأكثر غضاً للنظر منه عما كان عليه في السابق؟

ليزلي ماخلوخلان: أستاذ محمد، أولاً: كل عام وأنتم بخير.

محمد كريشان: وأنت بخير.

ليزلي ماخلوخلان: ورداً على سؤالكم أستطيع أن أقول، يعني كمقدمة لهذه المشاركة في برنامجكم، حتى ولو لم توجد حالة ظروف طارئة مثل الأزمة الحالية، وجدت أميركا صعوبة في التعامل مع الظروف أو الأوضاع المتطورة بالنسبة للديمقراطية والحريات في العالم العربي، من الصعب على أميركا وعلى الغرب عموماً أن.. استيعاب معنى التطورات الحاصلة في العالم العربي، وعلى سبيل المثال لا على الحصر.. من الصعب أن يفهموا مثلاً ماذا يجري في دول مجلس التعاون في العشر سنين الماضية، بعد حرب تحرير الكويت، لاحظنا تقدماً يعني ملحوظاً في تطور المشاركة.. مشاركة الرأي العام في مجالس نيابية أو في مجالس شورى من الصعب على الأميركان وعلى البريطانيين والغرب عموماً استيعاب معنى هذه التطورات.

محمد كريشان: نعم، بالإشارة.. نعم.

ليزلي ماخلوخلان: فكيف بظروف الأزمة الحالية؟ مشكلة أميركا أنها يجب أن تتعامل مع أزمة عالمية في منع ضربات إرهابية أخرى، وفي نفس الوقت التعامل مع تطورات سياسية هادئة، وطبيعية في العالم العربي.

محمد كريشان: نعم، سيد ماخلوخلان أشرت إلى موضوع المشاركة الشعبية، وهذه المشاركة أشار إليها (كولن باول) في خطابه الأخير، هذا الخطاب الذي حاول أن يقدم رؤية الولايات المتحدة للشرق الأوسط، هناك فقرات تتعلق بالمشاركة الشعبية، بالحرية، بضرورة إفساح المجال للناس للتعبير عن رأيهم، ربما وقع إهمالها، أو ربما لم تحظى بقدر كبير من الاهتمام لأن التوقع كان منصباً بالأساس على موضوع الشرق الأوسط. نتابع معاً هذا المقتطف من كلمة كولن باول حول المشاركة الشعبية.

كولن باول (وزير الخارجية الأميركي): أميركا لديها رؤية إيجابية لمنطقة يستطيع الإسرائيليون والعرب أن يعيشوا معاً في سلام وأمن وكرامة لدينا تصور لمنطقة حيث تعيش دولتان إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب ضمن حدود آمنة ومُعترف بها، لدينا رؤية لمنطقة، حيث يحظى كل الناس بأعمال تمكنهم من تحصيل لقمة العيش وتأمين المأوى، وتوفير التعليم اللائق لأطفالهم لدينا تصور لمنطقة حيث جميع الشعوب تعبد الله في إطار من التسامح والتفاهم ولدينا التصور لمنطقة، حيث احترام قدسية الفرد وحكم القانون وسياسة المشاركة تقوى يوماً بعد يوم.

التأثير الأميركي على الديمقراطية في العالم العربي في ظل الأزمة الأفغانية

محمد كريشان: كولن باول أيضاً أشار في نفس الكلمة بأنه في جزء كبير من المنطقة الأنظمة السياسية.. أنا أقتبس من كلامه.. كل الكلام بين قوسين "الأنظمة السياسية لا تتيح للمواطنين إبداء الرأي في الكيفية التي يحكمون بها، إنها لا توفر سبيلاً للشعب، كي يعالج بصورة سلمية حاجات وتصورات متنافسة لمستقبله" يضيف أيضاً في مقطع آخر بأن "الولايات المتحدة ستستمر في منح تأييد قوي لتوسع الفرص الاقتصادية في المنطقة والانفتاح السياسي والتسامح"، سيد داوود الشريان، سيد ماخلوخلان أشار إلى أن هناك تطور على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي في المشاركة الشعبية، سواء من خلال وجود بعض مجالس الشورى، ربما لم تكن موجودة من قبل، على الأقل في العشرية الماضية، بالطبع بعضها معين.. بعضها معين أو.. أو بالانتخاب، هناك دول تريد أن تجري انتخابات برلمانية في المستقبل مثل قطر، بعد ما أجرت انتخابات بلدية برأيك هذه الخطوات التي تبدو محتشمة هل يمكن أن تحظى برضا واشنطن التي تحرص على توسيع المشاركة، وكيف يمكن أن نوفق بين هذه الرغبة الأميركية وبين.. رغبة واشنطن أيضاً من هذه الدول أن تظبط الأمور أكثر على صعيدها الداخلي.

داوود الشريان: أنا في تقديري أن واشنطن لا يهمها الشكل، يهمها النتيجة، يعني هناك يعني الانتخابات في العالم العربي، هناك دول وصلت الانتخابات، الجزائر صار فيها انتخابات، فوصلت.. وصل الأحزاب الإسلامية إلى صندوق الاقتراع، فازت، هل أميركا ستقبل في حال أنه أوجد صناديق اقتراع أن تقبل في لبنان أن يصل حزب الله وأن تصل الجماعة الإسلامية في.. في الجزائر، وأن تصل في تونس وأن تصل في بقية البلاد العربية؟ إذاً واشنطن ليس لها علاقة بماذا تفعل أنت، ما هي الآلية التي تقدم فيها، هي يهمها النتيجة، هي لديها الآن إحساس أن المشكلة ناتجة من التيار الديني، من الأحزاب الدينية، هل الديمقراطية ستُبعد، ستنحي التيارات الدينية في العالم العربي؟ هذا سؤال واشنطن لا تعرف الإجابة عليه ولا أحد يعرف الإجابة عليه، إذاً واشنطن نفسها ليست.. ليس لديها تصور، أنا في تقديري أن واشنطن، يعني تتحدث عن صناديق الاقتراع أو عن المجالس المنتخبة، في العالم العربي نحن منذ الخمسينات نتحدث هناك دول وصلت إلى هذه التجارب ونعرف نحنا أنها غير حقيقية، نحن لدينا.. واشنطن تقفز على مشكلة أهم، وهي المشكلة الاقتصادية، تقفز على مشكلة أهم وهي المشكلة الفلسطينية، تقفز على مشاكل أكبر من الأوضاع الداخلية، هناك احتقان لا.. يعني لا يحركها الموضوع اليومي، هناك مشاكل أكبر..

محمد كريشان[مقاطعاً]: لكن المشكلة الاقتصادية عفواً مثلاً خطاب كولن باول أشار إلى بعض الدول التي تعاني من إشكالات تنموية حقيقية دول الخليج مبدئياً لا تعاني هذه الضائقة الوضع الاقتصادي رغم كل بعض المشاكل العابرة وضع مرفه إجمالاً، هل تعتقد بأن واشنطن التي أبدت بعض التبرم من مستوى الخطاب السياسي الموجود في بعض المساجد خلال الأزمة الأخيرة من برامج التعليم، وأنت أشرت إلى ذلك، حتى موضوع الإعلام، كولن باول أشار بأن.. عبر عن استياءه من الإعلام الذي يغذي -كما قال- الكراهية، كيف يمكن لواشنطن أن تكون لها كل هذه الملاحظات على السعودية ودول الخليج والدول العربية بشكل عام، وأن تطالب بفتح قنوات التعبير والتسامح والانفتاح السياسي، هل هناك تناقض على المستوى المنهجي أصلاً يعني؟

داوود الشريان: يعني هي تعتمد على الطريقة أنا في تقديري أن هناك نوع من الموافقة في منطقة الخليج السعودية وفي منطقة الخليج وفي العالم العربي على أن الخطاب الديني وعلى أن مناهج التعليم وعلى أن التعامل مع الآخر يجب أن يتغير الآن يعني محاولة نفي الآخر أو تكفيره أو.. أو التعامل معه على أنه عدو، يجب أن يُعاد النظر فيها، هذه لا خلاف عليها، لكن كيف ستتم هذه العملية؟ كيف سيتم التغيير؟ هل سيأتي.. يعني ستنزل كوماندوز إلى وزارات التعليم في العالم العربي وتختطف وزارات التعليم وتقرر مناهج جديدة؟ هذا هو.. هذا هو المهم، كيف تريد واشنطن أن تقيم هذه العلاقة معنا؟ كيف تريد أن تغير؟ يجب أن يكون هناك حوار داخلي بدءاً لمحاولة تغيير الخطاب الديني ومحاولة النظر في مناهج التعليم ومحاولة النظر في القضايا الديمقراطية، في مسألة الديمقراطية والمشاركة الشعبية، هذه الثلاث عوامل لا أحد يختلف مع واشنطن عليها لكن أخشى أن تكون هذه النظرة الأميركية تماماً كما حدث في العراق، يعني أن تتبنى معارضة.. واشنطن تتبنى معارضة، لو تبنت واشنطن حتى الديمقراطية في العالم العربي وتطوير الخطاب الديني وتطوير الخطاب السياسي قد يكون مرفوض لأنه قادم من واشنطن، فهذه هي الخشية نحن نخشى أن تكون المعركة.. المعركة الإرهاب لم تأت.. لم تأت بعد إذا حاولت أميركا أن تلعبها كما لعبتها في أفغانستان بـ.. بشكل.. من طرف واحد.

محمد كريشان: نعم، على كل، نحن مازلنا في هذا النقاش حول التداعيات المحتملة والحالية أصلاً لموضوع الحرب في أفغانستان والحملة الأميركية ضد الإرهاب على وضع الحريات والديمقراطية في البلاد العربية.

[فاصل إعلاني]

محمد كريشان: وننتقل إلى ضيفنا في القاهرة دكتور عصام العريان أشرت قبل قليل إلى تفاوت الهامش الديمقراطي أو هامش الحريات بتعبير أدق ربما من دولة عربية إلى أخرى، ولكن هل تعتقد بأن هناك أيضاً تفاوت على مستوى الحركات الإسلامية التي قد تكون مستهدفة، هل تعتقد بأن هناك دول مستهدفة أكثر من غيرها؟ وهناك ربما حركات إسلامية أكثر استهداف من غيرها.

د. عصام العريان: أولاً بالإشارة إلى ما سبق الحديث عنه أن الأجندة الأميركية تتضمن تغييراً في الخطاب الديني وتغييراً في مناهج التعليم، وتغييراً في طريقة المشاركة الشعبية، فهذا يحمل أخطاراً شديدة، ليس فقط على مستوى الحركات الإسلامية، التي سنأتي إلى تصنيفها الآن من درجة الخطورة.. من حيث درجة الخطورة، ولكن يحمل خطراً على مفهوم الإسلام نفسه، هل أميركا تريد أن تفرض مفهوماً جديداً للإسلام يتناقض مع ما جاء في أصول الإسلام، في كتاب الله –سبحانه وتعالى- وفي سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- البعض يكتب الآن على أن أميركا تريد أن تفرض إسلاماً أميركياً، إسلاماً ينزع عن الإسلام كل صفات المقاومة والجهاد والحق في حرية الإنسان، وتحرير المستضعفين في الأرض، هذا الإسلام المقاوم هو المطلوب رأسه الآن، وهو المراد..

محمد كريشان[مقاطعاً]: ولكن عفواً دكتور عريان يعني الإسلام في منطقة الخليج، في فترة من الفترات وُصف بأنه إسلاماً أميركياً، يعني دول الخليج، السعودية، قطر، الإمارات، لا يمكن أن توضع في خانة الدول المعادية للولايات المتحدة ولا الحركات الإسلامية التي فيها لها هذا البعد النضالي المقاوم، ومع ذلك تتعرض الآن إلى حملة انتقاد شديدة وبالتالي ليس فقط الإسلام المقاوم أو الإسلام المناضل -بين قوسين-، وإنما يبدو كل الأطروحات التي تراها واشنطن مغذية للكراهية، مغذية للعنف، حتى وإن لم تنتقل بعد إلى مرحلة العنف؟

د. عصام العريان: دعنا نكون أكثر وضوحاً المطلوب الآن تغيير مفاهيم الإسلام في أذهان المسلمين في العالم كله بغض النظر عن كونهم ملتزمين في حركات إسلامية أو غير ذلك، لماذا؟ لأن الإسلام في حقيقته يناصر المستضعفين في الأرض، ويوحد الأمة الإسلامية كلها في جبهة واحدة، ويعمل على تحرير البلاد الإسلامية التي وقعت تحت هيمنة احتلال أجنبي، أميركا الآن تعمل وفق أجندة صهيونية مسيحية أصولية مشتركة، وبالتالي هي تخشى أي مشاركة شعبية حقيقية، وتخشى أي انتخابات حقيقية، لأنها ستأتي في الحقيقة إلى كراسي البرلمان وإلى الوزارات التنفيذية بحركات شعبية تخضع لإرادة الشعوب، وإرادة الشعوب ترفض الوجود الصهيوني على أرض فلسطين، ترفضه من حيث المبدأ وترفضه من حيث التاريخ، وترفضه من حيث المنهجية، وترفضه من حيث الممارسات، وفي نفس الوقت الذي تُدعِّم فيه واشنطن هذا الإرهاب الصهيوني وما يسمى بديمقراطية إسرائيل المزعومة التي تحاكم الآن عضواً في الكنيست العربي.. من عرب فلسطين 48، لأنه يقول رأياً مخالفاً للمؤسسة الصهيونية، هي تؤيدها على أنها ديمقراطية، في حين أنها لا يمكن أن تصنف بحال من الأحوال ديمقراطية وهي عنصرية تميز بين المواطنين في دولة واحدة، رغم أنهم يكتسبون هذه المواطنة، إذاً أميركا تريد أن تغير كل هذا لتغير ثقافات الشعوب وتغير نمط التفكير الشعبي عن طريق تغيير الخطاب الديني، وتغيير مناهج التعليم، وفرض أجندة في المشاركة ترفض كل من يعارض السياسات الأميركية وهذا ينسف أساس الديمقراطية من جذوره، لأن الديمقراطية تعني في حقيقتها قبول الآخر، أميركا لا تريد أن تقبل الآخر في هذا العالم الآن..

محمد كريشان[مقاطعاً]: نتوجه بهذا السؤال.. نتوجه بهذا السؤال إلى أي مدى تنسف أسس الديمقراطية ككل إلى السيد ماخلوخلان في لندن، هل تعتقد بأن ما تفضل بذكره الآن الدكتور عريان فعلاً يؤدي إلى نسف الأسس الديمقراطية التي يتباهى بها الغرب، وهي تمثل جزء هام ومضيء من تراثه؟

ليزلي ماخلوخلان: أستطيع أن أتصور كيف ممكن لأميركا أن تتعامل مع الوضع السياسي في العالم العربي عندما تثبت من المقابلة التي أجريتموها مع السفير السابق كريستوفر روس يعني أثبتوا أنه لا يفهموا.. لا يفهمون حتى أبسط الأمور بالنسبة لأهمية قضية فلسطين، فيما يتعلق بالحملة الحالية التي تشمل حرب في أفغانستان، لم يفهم السفير أو تكلم بطريقة دلت على أنه لا يفهم العلاقة بين هذا الموضوع وموضوع التعامل مع العالم العربي مما له انعكاسات مهمة على التطورات السياسية داخلياً في العالم العربي، فأنا يعني متشائم جداً بالنسبة لهذه النقطة..

محمد كريشان: يعني إذا كانت الولايات المتحدة لا تفهم، هل بريطانيا تفهم أفضل منها؟

ليزلي ماخلوخلان: لا يوجد أي شك بأن بريطانيا لها خلفية في المنطقة تختلف كثيراً عن خلفية الأميركان، الأميركان عندهم خبراء، ومتخصصون على المستوى العالمي يفهمون حقيقة الأوضاع في العالم العربي، لكن كلامهم لا يصل إلى صنع.. صانعي القرار، هذا هو الفرق بين الوضع البريطاني والوضع الأميركي.

محمد كريشان: سيد داوود شريان، في مقابلة نشرت حديثاً في صحيفة "الشرق الأوسط" للدكتور غسان سلامة (وزير الثقافة اللبناني الحالي)، وهو قبل أن يكون وزير وبعد أن يكون وزير هو من أبرز الباحثين العرب والمحللين، يقول عندما يتطرق إلى موضوع الديمقراطية وموضوع الحداثة –افتح قوسين- يقول "لم يعد ممكناً في المجتمعات الإسلامية أخذ أدوات الحداثة دون تبني قيمها العقلانية والعلمية التي تسمح لهذه المجتمعات بإنتاج هذه الحداثة" ربما هو بدا ديبلوماسياً –منصب الوزير ربما يقتضي ذلك- لم يشر بصراحة إلى المجتمعات الخليجية والمجتمعات الخليجية قد تكون هي الأكثر معنية بهذا الكلام، دول الخليج أخذت كل أسباب الحياة العصرية، ولكن عندما يتعلق الأمر بأدوات الحداثة السياسية –إن صح التعبير- من ديمقراطية، من تعددية آراء، من انتخابات حرة، من وجود مؤسسات تعبر عن رأي الناس بشكل صريح تبدو هذه الدول متحفظة، هذه الإشكالية هل ترى دول الخليج في المدى المنظور أن تفتحها أو تفككها بشكل جيد.


داوود الشريان: أولاً: أنا أختلف معك أنها تنطبق فقط على دول الخليج، هي تنطبق على دول العالم العربي، قد تبدو في دول الخليج أكثر وضوحاً، لكنها في النهاية هي.. هي سمة عربية، أنا أتفق مع الدكتور غسان سلامة، أن الفكر في النهاية هو وفي للمنهج لا للمنتج، بمعنى أنك إذا قمت فكر معين في.. في.. في مجتمع، هؤلاء الناس الذين يتلقون هذا الفكر سيكون أوفياء للفكر لا أوفياء لك، وبالتالي –في تقديري أنا- أن هذه الأزمة يجب أن تجعل المفكرين والمثقفين والسياسيين في العالم العربي يجلسوا الآن ويبدؤوا حواراً حول الفكر، حول مضامين الخطاب الديني، مناهج الدين، ولكن لا يجب أن يربط هذا بهذه الحملة الأميركية، مشكلتنا نحن الآن مع الحملة الأميركية أنها أي حركة أو أي محاولة.

محمد كريشان: تبدو تحت الضغط.

داوود الشريان: تبدو تحت الضغط، وتصنف على أنها.

محمد كريشان: استجابة لضغوط الأميركية.

داوود الشريان: استجابة للضغوط الأميركية عمالة، هذا كلام يجب.. يعني يجب أن نتخلص منه، للأسف نحن لا نستطيع لن نتخلص على المدى المنظور.

محمد كريشان: ولكن على الأقل ربما أثيرت القضية بهذه المناسبة، يعني ربما لو لم يحدث ما حدث لما كان للملكة العربية السعودية مثلاً أو لغيرها أن تنكب على موضوع مناهج التعليم أو أن توجه بعض النصح أو الإرشاد، يعني مثلاً ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز اجتمع أخيراً عم بعض علماء الدين والأئمة ودعاهم إلى التروي والحكمة، ودعاهم أيضاً إلى توخي الدقة في الحديث إلى الناس، ربما هذا عكس حرص على التحكم –بشكل أو بآخر- في الخطاب الديني الذي يوجه إلى الناس.


داوود الشريان: نعم، هو طبعاً يعني حديث الأمير عبد الله مع.. مع العلماء هو له سابقة تاريخية، يعني الملك عبد العزيز حينما أسس الدولة، يعني حركة الإخوان في بدايتها كان فيها نوع من الشطط، لولا حكمة السياسي لما.. لما رأينا المملكة العربية السعودية –ربما- اليوم، وبالتالي –أنا في تقديري الآن- يجب أن يكون هناك جلوس مع.. يجب أن يكون.. يجب على العلماء المسلمين في العالم العربي وعلى التيارات الإسلامية، يجب عليها أن –يعني- تجلس إلى الأرض الآن، يجب أن نتفاهم، يجب أن تكون قابلاً للرأي الآخر، يجب أن تسمح للتيارات الفكرية في العالم العربي، يعني هذا الصد، أو هذا القمع، أو نفي الآخر هو محاولة.. هو –في تقديري أنا هو تقزيم الإسلام كما لو كان هذا الدين أو الفكر الديني ضعيف إلى درجة إما أنك تبقيه في غرفة مغلقة أو.. أو سينقرض، أو سيهزم، وبالتالي هذه أيضاً يعني يجب أن يعاد النظر في هذا الموضوع، يجب أن يكونون الإسلاميين يعني التيارات الفكرية أو.. أو الأحزاب الدينية في العالم العربي تجربتنا معها ليست تجربة جيدة، يجب أن نكون صرحاء، لكن أزمتنا الآن لو نتحدث هذا الحديث سنحسب على أننا نرضخ للضغوط الأميركية، ونحن في تقديري يعني لو زادت الضغوط الأميركية سيجدون الإسلاميين أن يمكن أشد العلمانيين غلواً في العالم العربي سيقف معهم، لأنه في النهاية هذا تدخل أجنبي، وهو فرض لديمقراطية كما قال الدكتور العريان مرفوضة حتى لو كانت يعني ستأتي بلبن العصافير.

محمد كريشان: وتأكيداً لكلامكم سيد شريان. بعض الاعتقالات التي جرت في في مصر، وتقريباً زهاء 260 سيعرضون على القضاء العسكري قريباً، زهاء 60 من عناصر الإخوان المسلمين جدد حبسهم، هناك أيضاً مجموعة إجراءات اتخذت في اليمن ضد بعض المدارس وضد بعض التيارات، أيضاً حسبت في سياق الخضوع للضغوط الأميركية.

[فاصل إعلاني]


التيارات الإسلامية وخضوع الدول العربية للضغوط الأميركية

محمد كريشان: سيد عصام العريان في القاهرة، أشرت أنا قبل قليل إلى بعض الاعتقالات الموجودة في مصر حالياً، هل لديكم تخوفات في حركة الإخوان المسلمين على الأقل بأن هذا الحركة التي ظلت -بشكل أو بآخر، رغم كل ما يقال- حركة مسموح بنشاطها في حدود معينة في مصر؟ هل تعتقدون بأن الآن المرحلة المقبلة لن تستثني أحد، وبالتالي الدور سيأتي على الجميع، ولا وجود لتصنيف تيار إسلامي معتدل، أو تيار إسلامي جهادي، أو عنيف، أو غير ذلك؟ هل تعتقد بأن هذه المرحلة ستأتي، وربما تكون مصر من ضمن الدول التي ستسير في هذا التوجه؟

د. عصام العريان: إذا حدث هذا فسيكون من أكبر الأخطاء في تاريخ هذه البلاد وفي تاريخ المنطقة العربية كلها، الحركات الإسلامية المعتدلة بالذات، والتي تقبل بالعمل الديمقراطي، والتي من العجيب أن يطالبها الأستاذ داوود الشريان بأن تمتنع عن نفي الآخر، بينما هي التي تنفى، وتقصى، وتسجن، وتعتقل، وتحاكم. هذه الحركات أنا بأعتقد إنها صمام أمن في مجتمعاتها، وأنها تدعو إلى إسلام يناسب.. يعي الثقافة الإسلامية الحقيقية، إسلام مسؤول، إسلام قادر على التعبير عن تطلعات وأماني هذه الشعوب المسلمة كلها، إسلام يقبل بمعطيات العصر وبالتقنيات الحديثة، إسلام وسطي، إسلام يستطيع أن يتعامل في إطار العلاقات الدولية مع شعوب العالم الآخر، وهذه الحملة الأميركية ضد ما تسميه "إرهاب"، وهي لم تعطِ تعريفاً محدداً له حتى الآن، وتبقيها مفتوحة لأهداف لا تخفى على أحد، هذه الحملة إذا طالت الحركات الإسلامية المعتدلة في أكثر من بلد عربي ومنها مصر، فإنها ستكون –يعني- من أكبر الأخطاء التاريخية، لأنه أولاً: سيفهم في الشعور الشعبي العام أنها حملة لإرضاء أميركا، وليست لتحقيق مصالح هذه الشعوب، معروف أن هناك تحجيم ومنع لأنشطة إسلامية كثيرة، وأن مثلاً الإخوان المسلمون في مصر لا يتمتعون بحق التنظيم العالمي القانوني، رغم أنهم يصرحون على الدوام بأن في إطار.. في خلال 24 ساعة يستطيعون أن يشكلوا حزباً سياسياً يخضع لقواعد العمل السياسي القانونية والدستورية، وهم يعلنون دائماً أهم يعملون في إطار الدستور والقانون، وأنهم ليس لديهم ما يخفون إطلاقاً، وأنهم يعملون من أجل سلامة، واستقرار، وأمن الوطن المصري والوطن العربي والبلاد الإسلامية جميعها، وأنه خلال 30 عاماً منذ عاد الإخوان لممارسة نشاطهم لم يوجه إلى أحد منهم تهمة أي عنف، أو استخدام أي أدوات عنف، أو تشجيع حتى على عنف، هذه الحركات إذا تعرضت لمزيد من الضغوط في هذه المرحلة الحرجة فسيفسر ذلك على يعني التو على أنه استجابة لضغوط خارجية، وهذا ليس في صالح أحد..


محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم، ومع.. ومع ذلك.. مع ذلك دكتور عريان، يعني بعض بعض الدول العربية مثلاً على سبيل المثال، مثلاً: تونس لا تعتقد في وجود تيار إسلامي معتدل، وآخر متطرف، وآخر مغالي في التطرف، تعتبر أن أي توجه لتوظيف الدين سياسياً هو توجه خطير، يعني إذا كانت واشنطن مثلاً تنظر.. ببعض الشك والانتقاد لبرامج تعليمية في دول الخليج وبعض الدول العربية، وتراها مغذية للتطرف والإرهاب، فما بالك بوجود حركات سياسة، مثل: الإخوان المسلمين؟ البعض يعتبرها هي الحاضن للتطرف، بمعنى أنه ربما يخرج من رحم الإخوان المسلمين تيارات جهادية أو متطرفة، أنتم توصفون.. توصفون بأنكم –ربما- غير متطرفين، ولكن لا.. لا شيء يمنع من أن يخرج من رحم هذه الحركة المتطرفون.. غير.. غير قابلين بأي لعبة سياسية في المستقبل أو الآن.

د. عصام العريان: يا سيدي العزيز، هذه تهمة باطلة من الأساس، لأن الحركات التي توصف بالتطرف في أدبياتها، وفي بياناتها تهاجم الإخوان المسلمين، وأصدرت كتباً تعبر عن يعني نقمة شديدة على سلوكيات وسياسات الإخوان المسلمين، وغالبية دعاتها يتهمون الإخوان.. بأنهم مثبطون.. وأنهم، وأنهم، وأنهم، هذه الحركات ليست.. كانت في محضن من الإخوان المسلمين أبداً، بل هي خرجت من محضن النظم الحاكمة الاستبدادية القمعية التي سببت إحباطاً سياسياً شديداً، وأنا أنقل إليك تعبيراً قاله بعض الشباب ممن يتهم بالانتماء لهذه الحركات العنيفة، عندما وجدني أمثل أمام محكمة عسكرية وأحاكم عسكرياً، وأنا أحد دعاة الاعتدال، وأنا أحد دعاة الوسطية، ومارس العمل السياسي، ونائب سابق في مجلس الشعب، كان تعبيره البسيط: "إذا كنت أنت أمام محكمة عسكرية، ماذا أفعل أنا؟!".

إذاً نحن بسياسات باطشة في تونس وفي غير تونس، ندفع الشباب إلى يأس مدمر يدمر نفسه، ويدمر الحقل الإسلامي كله، ويدمر وطنه، بل الآن يسعى إلى تدمير أكبر من ذلك بكثير، هذه السياسات القمعية، هذه السياسات الباطشة، هذه السياسات التي لا تتيح فرصة لأي قوة سياسية، وأنا أقول هنا: ليس المقصود فقط القوة الإسلامية كالإخوان المسلمين لما لها من شعبية، بل أي حزب سياسي ولو كان شرعياً، ولو كان أخذ رخصة سياسية، وهذا في تونس نفسها موجود، أي قوة سياسية تطمح إلى المنافسة فإنها توأد فوراً، ولا يسمح لها بالتعبير إطلاقاً، نحن نفتقد جوهر الديمقراطية، ودعنا أقول شيء منهم تعليقاً على قضية الحداثة، وإنتاج الحداثة، ومنتجاتها، وفكرها، ومنهجيتها، أنا أريد أن أقول..

محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم، باختصار رجاءً حتى ننتقل للسيد ماخلوخلان حتى نأخذ رأيه في.. في هذا الموضوع.

د. عصام العريان: باختصار شديد جداً.. باختصار شديد، أنا أقول: إنه إذا أراد الغرب أن يحترم حقوق الآخرين وثقافات الآخرين فيجب ألا يفرض عليهم شيئاً معيناً، ويجب علينا أن نفسهم أن الإسلام فيه من القواعد الأساسية التي تتيح المشاركة السياسية من حرية الرأي، وحرية التعبير، وحرية النقد، وحرية تداول السلطة، وتحديد مدد المحكومين مما جعله الله مباح للشعوب الإسلامية لتختار بنفسها ما يجعلنا كشعوب إسلامية قادرين على إفراز نمط سياسي شوري يمكن أن نسميه ديمقراطية إسلامية، تتبع أساليب وآليات العمل السياسي الديمقراطي، وتحترم في نفس الوقت ثقافة وإرادة الشعوب الإسلامية، فلا يجب أبداً أن نقول أننا علينا أن نستورد كل شيء المنهج، والثقافة، والفكر، هذا من أخطر الأمور، لأن هذا سيضع هذا المنتجات وهذه الآليات في مصادمة حتمية مع الشعوب الإسلامية التي ستختار دينها وترفض هذه الحداثة المفروضة عليه.

محمد كريشان: نعم، يعني هذه التباينات التي أشرت إليها دكتور عريان، لنرى السيد ماخلوخلان إلى أي مدى في الغرب، سواء في الولايات المتحدة أو في بريطانيا على الأقل، باعتباره موجود هناك وخبير في هذا الموضوع، هناك نظرة إلى هذه الفروقات، ربما كانت هذه النظرة موجودة، لكن هل تعتقد الآن بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبسبب ما يجري الآن طمست الفوارق، ولم تعد هناك تباينات من وجهة نظر الغرب، كل ما هو حركة إسلامية هو بالضرورة إما إرهابي أو مرشح إلى أن يكون كذلك.

ليزلي ماخلوخلان: يا أستاذ محمد، يعني ردنا على سؤالكم، وتعقيباً على كلام الدكتور عصام، أستطيع أن.. أن أقول إنه.. تحليل الدكتور عصام لطبيعة الموقف الغربي أميركاني وأوروبي من غير المنصف أن يصف هذا.. هذا الموقف بأنه يمثل حملة صهيونية، يهودية مسيحية ضد العالم العربي أو ضد العالم الإسلامي، هذا النوع من التحليل لا يساعد لا.. في.. في إنتاج أو خلق نوع من التعايش أو التفاهم، ولكنه يحول أيضاً دون التطور الطبيعي في المؤسسات السياسية في العالم العربي والعالم الإسلامي، إذا كان للشباب في العالم العربي مواقف من.. من هذا النوع التي تعتبر.. الغرب موجه بدوافع معادية للإسلام لا فائدة في.. في الحوار، ولكن هذا لا يمثل الواقع لا قبل أحداث 11 سبتمبر ولا بعدها.

محمد كريشان: وهل تعتقد سيد ماخلوخلان بأن مثلاً دولة، مثل: بريطانيا التي مانعت في السابق من تسليم بعض الرموز الإسلامية معارضة هناك قد تبدو الآن أكثر تجاوباً في إطار هذه الحملة الدولية على أن تسلم الكثير، سواء انخرطوا في أعمال عنف أولاً، هل.. هل هذا فعلاً خطر محتمل؟

ليزلي ماخلوخلان: الذي يجري الآن في بريطانيا تطور طبيعي يمثل الديمقراطية بكل معنى الكلمة، بمعنى أن للحكومة اقتراحات معينة.. خاصة بالتعامل مع الوضع المتأزم، ولكن هذه.. الاقتراحات قابلة للنقاش في.. مجلس النواب، ولاحظنا في الأيام الأخيرة أن الاقتراحات التي قد يعتبرها بعض.. بعض الناس –يعني- متشددة بالنسبة لتسليم المشتبهين في أمرهم للخارج، هذه الاقتراحات قد ترفض من.. من قبل مجلس النواب، فالعملية.. المسألة تتطور بشكل طبيعي وبدون الاستعجال في اتخاذ القرارات.

محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم.. على كل البعض ربما يعتقد بأن..

ليزلي ماخلوخلان [مستأنفاً]: بالنسبة للتعامل مع ما يسمى بـ "الإرهاب".

محمد كريشان: نعم، البعض ربما يعتقدون بأن الإجراءات التي قد تطال بعض الحركات السياسية في البلاد العربية، وأساساً الحركات الإسلامية، البعض يراها ربما توجها خطيراً سيزيد في تفريخ حركات إرهابية عوض القضاء على جذور هذه الظاهرة الأخيرة، سواء بالنسبة للدول العربية أو بالنسبة للدول الإسلامية، سنحاول أن نعالج هذا الموضوع في الفقرة المتبقية من برنامج (أولى حروب القرن).

[موجز الأخبار]

ملاحقة الحركات الإسلامية وأثرها في تفريخ حركات إرهابية

محمد كريشان: سيد داوود شريان، كان لديك تعقيب، تفضل.

داوود الشريان: نعم، أنا أريد أن أعقب على تعليق الدكتور العريان على رأي الدكتور غسان سلامة، الدكتور بس.. يبدو أن هناك يعني.. يعني.

محمد كريشان: التباس.

داوود الشريان: التباس في.. في.. في ما.. فيما نقل عن الدكتور سلامة ففهمه الدكتور العريان بشكل، هو لا يطالب.. باستيراد فكر، هو يتحدث عن منتج بفكرة، هذه المنتج إما أنك أن.. يعني أن تتصالح مع فكرة أو لا تتعاطى معه بالكلية، وبالتالي إذا.. إذا.. إذا أتيت بمنتج هذا.. المنتج التليفزيون منتج يحمل فكره، فإذا قبلت التليفزيون وأنت تصادمت مع فكره، فأنت لن تستفيد من التليفزيون وربما تحول التليفزيون إلى أزمة، هذا ما قصد الدكتور غسان، لم يقصد استيراد فكر.

محمد كريشان: نعم، سيد شريان، فترة من الفترات وقع حديث عن الهرولة.. هرولة العرب في.. في موضوع التطبيع مع إسرائيل، هناك.. سؤالي: هل هناك خوف الآن من نوع آخر من الهرولة؟ هرولة كثير من الزعامات العربية لتقديم فروض الطاعة والولاء للولايات المتحدة في هذه الحرب ضد الإرهاب، وبالتالي ربما نشهد مزيد من الإجراءات القمعية داخل البلاد العربية، وهنا اسمح لي مشاركة من الإنترنت رقم 14 من السيد نزار لم يذكر من أي بلد، يقول: بصراحة العرب متخلفون حضارياً ويعانون من قمع بعضهم الآخر قبل أن يقمعهم غيرهم، وإذا كانت حرب أميركا مع العرب لأجل تغيير مناهج التعليم والحريات فأهلاً بهذه الحرب. وهنا أريد أن أدعم هذا الرأي في برنامج (60 minutes) في CBS الأميركية الشيخ سعود ناصر الصباح في.. في الكويت وزير.. الوزير السابق، يقول: يتحدث للأميركيين، يقول: "نحن بحاجة إليكم أكثر مما تحتاجوننا أنتم، وأيضاً دعا حتى إلى دفع تكاليف إعادة بناء البنتاجون وزارة الدفاع الأميركية، التي ضربت في الحادي عشر من سبتمبر، دعا الكويت إلى تحمل نفقات إعادة بنائها، هل هناك خوف حقيقي –سواء في الخليج أو غير الخليج- من بروز زعامات تدعي الحرص أكثر من الزعامات الحالية على خدمة الولايات المتحدة؟


داوود الشريان: أنا أعتقد أنه سيحدث العكس، يعني السياسة الأميركية الآن، الحديث الغامض عن محاولة مطاردة الإرهاب، الآن الإرهاب بشكله المادي، فهمنا أنه يقضي على طالبان والقاعدة وستنتهي الحرب، ولنقل أيضاً أنها ستطارد بعض التيارات الإسلامية، تجميد بعض الأموال، كل هذه لنقل أنها شيء مادي ملموس، الشيء الآخر لا.. لا.. لا لا نراه، الحكومات والشعوب في نفس السلة لا ترى شيئاً واضحاً، وبالتالي أعتقد أنا أن التعاون مع الولايات المتحدة من الأنظمة في المرحلة القادمة لن يكون بالشكل الذي كان عليه في حرب الخليج، لأن الأنظمة السياسية في العالم العربي لديها توجس من الخطوة الأميركية، هي لا تعلم ماذا تريد أميركا بالضبط، ثم أن هذه الأنظمة كل على حدة أوجد صيغة للتعايش مع.. مع مواطنيه، فهو لا يريد أن.. أن يحدث تغيير في هذه التركيبة، هناك خشية –في تقديري أنا- من الأنظمة السياسية أكثر من الشعوب، الأنظمة السياسية لديها توجس من الولايات المتحدة أكثر حتى من التيارات الإسلامية والأحزاب الإسلامية، فالهرولة هذه المتوقعة أنا أعتقد أنها لن تكون بهذا الشكل.


محمد كريشان: نعم، سيد عصام العريان في.. في القاهرة، بعض الحركات الإسلامية في مصر وخارج مصر كثيراً ما حظيت بتعاطف –إن صح التعبير- من منظمات حقوق الإنسان، والكثير من المنظمات التي أرسلت الكثير من الرسائل للحكومات العربية تتحدث عن ضرورة مراعاة القانون، وحقوق الإنسان أو توفير المحاكمة العادلة وغيرها من المطالب المعروفة على صعيد القانون الدولي الإنساني، هل تعتقد الآن أن الخوف..أن ربما سنشهد في المرحلة القادمة، محاكمات عديدة عسكرية أو مدنية، اعتقالات تعسفية، غيرها من الإجراءات، ولن يتحدث أحد سواء المنظمات الإنسانية التي اعتادت المطالبة باحترام القانون أو ببعض الدول، مثلاً الولايات المتحدة كانت لها تقرير سنوي عن وزارة الخارجية لانتهاكات حقوق الإنسان في عدد من البلدان، ربما ستصبح متجاهلة، لذلك، هل هناك خوف –باختصار- من حرب شرسة ضد الحركات الأصولية دون أن يبكي عليها أحد؟

د. عصام العريان: الحقيقة أنا أدعو الآن منظمات حقوق الإنسان إلى أن تتجه إلى أميركا ذاتها وإلى بريطانيا قبل أن تتجه إلى الدول العربية؟

فالمحاكمات العسكرية ستبدأ أو لعلها بدأت بالفعل في أميركا، وهي محاكمات عسكرية أصدر الرئيس (بوش) قراراً بها بلا ضمانات إطلاقاً، لا دفاع، لا أدلة، لا شهود، محاكمات سرية، وهذه المحاكمات ستطال كل من يشتبه فيه، وممكن أن تقضي عليه بالإعدام أو بالسجن على أنهم مجرمي حرب، والآن هناك آلاف من العرب والمسلمين، بالذات من العرب وليس غيرهم قيد الاحتجاز والاعتقال الإداري الأميركي دون أن تخطر حتى دولهم كما تأتي التقارير، ولا نسمع صوتاً لمنظمات حقوق الإنسان الآن في الغرب حول هذه الإجراءات الاستثنائية، وأنا أعتقد أنه.. الأجندة الأميركية كما قال الأستاذ داوود خفية وغير واضحة، وهي من البداية هناك أجندة تسعى الإدارة الأميركية إلى تنفيذها، والغرض من هذه المحاكمات وهذه الاعتقالات هو إخفاء الحقيقة، لا أحد يدري حتى الآن حقيقة ما جرى في 11 سبتمبر، هذه مشكلة كبيرة جداً، لأنه إخفاء الحقيقة يمكن أن يؤدي إلى تنامي الحملة لسنوات طويلة، ويعيش الشعب الأميركي وتعيش شعوب العالم كلها تحت سيف الإرهاب الأميركي والغطرسة الأميركية.

محمد كريشان: نعم، ولكن يعني عفواً سيد عريان، يعني لماذا.. لماذا دائماً نوجه خطابنا للولايات المتحدة ونوجهه للحكومات العربية، ولا توجهون أنتم في سياق الحركة الإسلامية لبعض هذه الحركات يعني.. كل ما جرى ألا يطرح عليكم تغييراً ما في الخطاب السياسي، تغيير ما في الأطروحات، تغيير ما في كيفية التعامل مع الآخر؟ يعني إلقاء كل المسؤولية على الحكومات العربية وواشنطن هذا أسلوب يعني بات تقليدياً.

د. عصام العريان: سيد، لم..

محمد كريشان: هل هناك حاجة لمراجعة معينة على صعدي الحركات الإسلامية؟ لنكون صريحين يعني.

د. عصام العريان: أنا أقول بكل وضوح أن أكثر البلاد العربية التي سمحت بهامش ديمقراطي حدث تفاعل حقيقي وخطاب سياسي جدير بالاهتمام من الحركات الإسلامية، لديك في الأردن حزب إسلامي، لديك في لبنان أحزاب إسلامية، لديك في اليمن، وفي الكويت وفي غيرها، وحتى في تونس نفسها حركة النهضة المحظورة المقموعة التي يعيش أفرادها في السجون والمعتقلات في ظروف بالغة القسوة هي صاحبة خطاب إسلامي معتدل، ولديك في الجزائر حركة إسلامية، وفي المغرب كذلك، هذا كله يدل على أن هناك تطوراً في الخطاب الإسلامي وقبولاً في الحركات الإسلامية لمنهج الوسطية، والاعتدال، والقبول بالآخر، والاعتراف به، والتعامل معه.

الإخوان المسلمون في مصر وقعوا مع كل القوى السياسية على برنامج للإصلاح الدستوري والسياسي الشامل من خمسة عشر نقطة أجمع الجميع عليها، والإخوان كانوا من أول الموقعين عليها، ولكن هذا البرنامج أصبح حبراً على ورق، لأنه لا تلتزم الحكومة بأي نقطة منه الحركات الإسلامية تعيش في مناخ لابد أن تتفاعل معه، فإذا كان مناخاً قمعياً فيسفجر المجتمعات من الداخل، وهذا ما أريد أن أقوله أن أميركا تريد أن تفجر المنطقة، أميركا ترى الآن أن.. حملتها من أجل دعم النظم المعتدلة –في تصورها- لقبول إسرائيل وصلت الآن إلى طريق مسدود، لأن إسرائيل ككيان استيطاني عنصري لا يقبل العيش في سلام أبداً مع جيرانه، وهذا المستوطن الذي جاء من أقاصي الأرض لينزع مواطناً عربياً من أرضه أو من حقله، ومن داره، ويلقي به إلى المخيمات يعيش في أبأس الأوضاع، لا يقبل أبداً أن يكون هناك سلام، بل يريد أن تستمر حالات الحرب، بذلك أميركا تريد أن تسجل المنطقة، وكما قلت..

محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم، سيد.. سيد عصام.. سيد عصام العريان، أشرت إلى.. إلى وجود عديد من النماذج الحركات الإسلامية في عدد من الدول العربية التي قد تكون مستعدة للعبة الديمقراطية بشكل مختلف تماماً عن حركات أخرى، بالنسبة للسيد ماخوخلان، هل تعتقد سيد ليزلي ماخوخلان بأن الولايات المتحدة والغرب مدركة لهذه التباينات داخل الطيف الإسلامي، وبالتالي مثلاً: حركة النهضة في تونس هي غير حركة الجهاد الإسلامي في مصر، حزب العمل الإسلامي في الأردن هو غير الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، جماعة العدل والإحسان في المغرب هي.. غير حزب الله، هل تعتقد بأن الغرب لم يفقد صوابه وقادر.. مازال قادراً على التمييز، وبالتالي لم يصب بعمى الألوان في التعامل مع هذه المسألة؟

ليزلي ماخلوخلان: بالاختصار من الصعب.. لغير المتخصصين أن يفهموا الفروق بين هذه الحركات الإسلامية الكثيرة، ولكن من المستحيل لصانعي القرار أن يستوعبوا أهمية هذه الفروق، فلدينا خبراء في كلٍ من أميركا وأوروبا وبريطانيا يفهمون هذه.. هذه الاتجاهات في الحركات الإسلامية وغيرها، ولكن لا يوجد تفهم عند صانعي القرار مع الأسف الشديد.

محمد كريشان: رغم أن صانع القرار عادةً ما يعتمد على الدراسات وغيرها؟

ليزلي ماخلوخلان: الدراسات كثيرة، وكثيراً ما تهمل هذه الدراسات، وأكبر دليل على هذه الدراسة التي عملوها المتخصصون في الإرهاب، يعني المتخصصون الأميركان الذين تنبأوا قبل أحداث سبتمبر بستة أشهر، تنبأوا بما يمكن أن يحصل، ولكن هذه.. هذه الدراسة أهملت، ولم تتخذ السلطات الأميركية الإجراءات المطلوبة في هذه الدراسة، فهذا يحصل كثيراً ما في.. في الأوساط الحاكمة.

محمد كريشان: نعم، هو على كل ربما إهمال الدراسات يعني ليس عيباً أميركياً فقط، وإنما أيضاً حتى عيباً عربياً كثير من الدراسات أجريت أيضاً، ولكنها لا تحظى بالاهتمام الذي من قبل صانع القرار.

[فاصل إعلاني]

محمد كريشان: المشاركة رقم 32 من شريف عبد الهادي عبد الغني، لم يذكر من أي بلد، يقول: أعتقد أن بعض الدول العربية بدأت الطريق نحو التحديث والديمقراطية، مثل: مصر والبحرين، وقطر، لذلك لا يجب أن يأتي أحد ويملي علينا ما نعلمه لأبنائنا، لأننا ندرك تماماً ما نغفله.

الدكتور نبيل شرف الدين، وهو صحفي من مصر، يقول –منتقداً الحركات الإسلامية: خبرة الشعوب مع الحركات الإسلامية تستند إلى تراث طويل من القمع والعنف، وقد تعولمت هذه الخبرة المحلية مما يؤكد أن المستقبل لن يكون لهم فيه موضع دكتور.. سيد شريان.

داوود الشريان: يعني انطلاقاً من كلام الدكتور شريف.

محمد كريشان: نبيل شرف الدين.

داوود الشريان: نبيل شرف الدين حول وضع الحركات الإسلامية كلها في سلة واحدة، قبل أن نلوم الغرب يجب أن نلوم الأنظمة العربية أيضاً، يعني الأنظمة العربية تضع الحركات الإسلامية كلها في سلة واحدة، وقبل أن نلوم الأنظمة العربية يجب أن نتوجه باللوم إلى الأنظمة.. إلى التيارات الإسلامية، هذه التيارات لا يوجد بينها حوار، لا تنتقد المطرف منها، الحركة.. الحركات الإسلامية في العالم العربي كلها وقفت وراء طالبان، المتمدن منها والمتحضر وقف وراء طالبان، دعم طالبان..

محمد كريشان [مقاطعاً]: ليس.. ليس.. ليس.

داوود الشريان [مستأنفاً]: ويقول.. ليس معظمهم ليس، يقول: ليس حباً في طالبان، كرهاً في أميركا، بالتالي نحن نريد من الحركات الإسلامية أن تتحرك هي وتوجد.. توجد حالة نقدية بينها وبين بعضها، لكي يرى الشارع العربي أننا كما قال الدكتور نبيل نحن فعلاً لدينا تجارب مريرة معها، يعني لدينا تجربة الجزائر، ولدينا تجربة السودان، حركات رفعت شعار الإسلام، لكنها لم تأتِ لنا بشيء.

محمد كريشان: نعم، سيد شريان، بعد نهاية الحرب الخليج الثانية بعد الغزو العراقي للكويت انطلقت دعوات أميركية لتحرير المنطقة والمشاركة الشعبية وغيرها، والآن مضت عشر سنوات تقريباً لم نشاهد فيها إلا بعض المبادرات الخجولة في.. في قطر أو في البحرين أو.. وأخيراً ليست من.. من فترة طويلة. الآن تعاد نفس النغمة تقريباً، ضرورة المشاركة الشعبية، ضرورة الرقابة، ضرورة المؤسسات القوية مرة أخرى، هل تعتقد بأن هذه الدعوات الأميركية الآن لديها مصداقية؟ هل ترى واشنطن بأنها ستتابع هذه الدعوة بكثير من الصرامة؟

داوود الشريان: مشكلة الولايات المتحدة أنها في هذا الموضوع فاقدة للصدقية، حينما تكون مصالحها تسير على ما يرام تسكت عن بعض الملفات التي.. المسكوت عنها، وحينما تتعرض مصالحها إلى مشكلة تفتح هذه الملفات، كما تفتح عادةً ملف حقوق الإنسان على بعض الدول، يعني التجربة دائماً مع السعودية ومصر، الولايات المتحدة في تجربتها مع السعودية ومصر تؤكد هذا، دائماً هناك مواسم للهجوم على السعودية وللهجوم على مصر، يعني ما الذي يجعل السعودية في.. في هذا الشهر يعني لا تطبق يعني.. الديمقراطية ولا مصر.. لديها مشاكل وهي في شهر 4 دولة صديقة حليفة ولا أحد يتحدث عنها، إذاً هذه فقدت الصدقية، لأنها يرى.. يرى الآخر، يرى المراقب، ترى الأنظمة، تستطيع أن تقول أنها ليست محايدة، ليست موضوعية.

محمد كريشان: دكتور عريان، موسم السعودية ومصر، يعني ما هي تهاليله بالنسبة لمصر؟

د. عصام العريان: مصر تعاني الحقيقة أزمة مع أميركا في ضغوط شديدة تمارسها أميركا على مصر للضغط على السلطة الفلسطينية لقبول ما لا يمكن قبوله إطلاقاً، هذه بخصوص أهم ملف بيوتر العلاقات المصرية الأميركية. أنا أريد أ أقول: إن الحركات الإسلامية تخاطب –كما يقول الأستاذ داوود- بمنطق الشاعر:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

حركات إسلامية ممنوعة من حقها الطبيعي في التعبير، والتنظيم، والمجلات، والحضور، أنا أقول: إن المشاركة وفتح الأبواب، وفتح النوافذ سيجعل هذه الحركات قادرة على نقد نفسها بنفسها والتعايش السلمي مع الآخرين، وأنا أضرب مثالين فقط، الإمام الشهيد حسن البنا في الثلاثينات والأربعينات انتقد بعض الشباب عندما قاموا بتحطيم محلات الخمور التي عرضتهم للمسائلات القانونية، واعتبر أن هذا ليس الأسلوب الصحيح في تغيير المنكرات، أيضاً الإمام حسن الهضيبي (المرشد التاني للإخوان المسلمين) وهو في غياهب السجون أصدر كتاب "دعاة لا قضاة" ليرد غلاة الشباب إلى منهج الوسطية والاعتدال، ليقول لهم: أنتم لستم بمنطق أو بمحل الحكم على الناس كقضاة في إيمانهم وكفرهم، بل أنتم دعاة ترشدونهم إلى السبيل الصحيح، إذاً الحركات الإسلامية تقوم بالنقد..

محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم، دكتور عريان، سيد داوود شريان أشار إلى نقطة مهمة وهي قضية مصداقية الولايات المتحدة، ونحن في نهاية البرامج لم يبق سوى أقل من دقيقتين سيد.. ماخوخلان في لندن، هل تعتقدون مرة أخرى بأن المصداقية الأميركية عنصر مهم في تحديد طبيعة العلاقة وطبيعة موضوع الديمقراطية في البلاد العربية؟

ليزلي ماخلوخلان: بالطبع، لأنه موضوع الطبيعة الحقيقة للديمقراطية كان دائماً مأخذاً على الأميركان، فمنذ تأسس الجمهورية الأميركية.. الأميركية كان يوجد إصرار على ضرورة نشر الديمقراطية في كل أنحاء العالم مع استمرار الرق في.. في أميركا فهذا كان دائماً مأخذاً على أميركا، هناك ظواهر أخرى لا تزال موجودة في أميركا تعتبر مأخذاً على الأميركان، فالانتقادات الموجهة ضد أميركا، بسبب الإصرار على النشر، نموذج معين من الديمقراطية والحرية في العالم كله، يعني هذا.. الاعتراض على هذا شيء طبيعي ويعبر عن رفض هذا.. هذا التفكير الكثير من المفكرين العرب والمسلمين، فهذا الشيء طبيعي.

محمد كريشان: نعم، سيد ليزلي ماخلوخلان (مدير مركز لندن للدراسات العربية) شكراً جزيلاً لك، نشكر أيضاً من.. معنا هنا في الاستديو السيد داوود الشريان وهو (كاتب وصحفي بجريدة الحياة اللندية)، وأيضاً عصام العريان (أحد القيادات البارزة في حركة الإخوان المسلمين في القاهرة) وإلى أن نلتقي في حلقة قادمة تحية طيبة، وفي أمان الله.