أولى حروب القرن

حوار حضارات أم صراع

هل الحرب على ما يسمى بالإرهاب فاتحة حوار بين الأديان والحضارات، أم هي بداية صراع بينها؟ خصوصا بعد أن قال الرئيس الأميركي في خطابه السنوي الأسبوع المنصرم إن هذه هي البداية؟ وهل نحن في العالم العربي والإسلامي في حاجة إلى حوار داخلي بالمثل بين الأغلبية والأقليات؟

مقدم الحلقة:

حافظ الميرازي

ضيوف الحلقة:

أحمد كمال أبو المجد: مفوض الجامعة العربية لحوار الحضارات
الدكتور ميلاد حنا: البرلماني المصري السابق

تاريخ الحلقة:

31/01/2002

– الرؤيتان الإيجابية والسلبية الأميركية للإسلام
– الفرق بين المعارض السياسي والإرهابي

– أميركا وحصاد ما زرعته في الدول العربية والإسلامية

– كيفية الخروج من الأزمة

undefined
undefined
undefined

حافظ الميرازي: (أولى حروب القرن) نقدمها الجمعة من واشنطن، ونرحب بكم مشاهدينا الأعزاء في هذه الحلقة التي نناقش فيها معاً، هل هذه فاتحة حوار الأديان والحضارات، أم هذه الحرب بداية صراع الأديان والحضارات؟ خصوصاً بعد أن قال الرئيس بوش في خطابه السنوي عن حالة الاتحاد هذا الأسبوع المنصرم، بأن هذه هي البداية، بداية الحرب وليست نهايتها، ولكن بوش يتحدث بالطبع عن الحرب ضد الإرهاب، التي بدأها في أفغانستان، ثم هل نحن في العالم العربي والإسلامي في حاجة أولاً إلى حوار داخلي بالمثل بين الأغلبية والأقليات الدينية والعرقية والثقافية، أم لا توجد أصلاً أقليات التي، وهو شعار أو مفهوم يرفضه الكثيرون بيننا؟ ونناقش في هذه الحلقة أيضاً. هل رؤية الغرب للإسلام تعود في تشويهها إلى واقعنا المشوه أحياناً، أو إلى الجماعات التي شوهته بممارساتها العنيفة التي لا تميز بين البريء وبين الخصم السياسي أو العسكري، أم تعود إلى عدم رغبة الغرب في الاعتراف أو الاهتمام بقضايا الأمة، كقضية مقاومة الاحتلال الأجنبي؟ هذه القضايا نناقشها مع ضيفي، ضيفين من ضيوف واشنطن جاء إلى القاهرة لحوار الحضارات والحوار مع المجتمع الأميركي بشكل مباشرة هذا الأسبوع، وهما الدكتور أحمد كمال أبو المجد (أستاذ القانون بجامعة القاهرة، وزير الإعلام المصري الأسبق، ومفوض الجامعة العربية لحوار الحضارات)، والدكتور ميلاد حنا (البرلماني المصري السابق عضو المجلس الأعلى للثقافة، ومؤلف كتاب (قبول الآخر) ضمن مجموعة من الكتابات الأخرى له كأحد المثقفين المصريين)، مرحباً بكما معا.

أحمد كمال أبو المجد: أهلاً.. وسهلاً

حافظ الميرازي: وربما تكون البداية بخطاب الرئيس الأميركي هذا الأسبوع، الذي ربما لم يتطرق فيه كثيراً -خلافاً لخطابه السابق في سبتمبر الماضي- عن المسلمين في أميركا أو عن الإسلام لكنه لمس الحديث عن الإسلام في موضوعين على الأقل، (جورج دبليو بوش) في خطابه عن حالة الاتحاد الذي حضره كرزاي (رئيس الحكومة الانتقالية في أفغانستان) وأشار فيه إلى حضور وزيرة المرأة في حكومة أفغانستان الجديدة ليؤكد على دور المرأة الجديدة فيما بعد طالبان في أفغانستان، جورج بوش تحدث عن الإسلام وكأنه يدافع عنه وكأنه منه، لنستمع إلى ما قاله جورج بوش حسناً عن الإسلام.

جورج بوش [الرئيس الأميركي]: فلينظر المتشككون إلى تاريخ الإسلام الثري بقرون من العلم والتسامح والتقدم، إن زعامة أميركا هي من خلال الدفاع عن الحرية والعدالة، لأنها قيمتان أصليتان وسمينتان ولا تتغيران لكل البشر في كل مكان.

حافظ الميرازي: هل هذه الكلمات هي لمجرد الاستهلاك الإعلامي ولا تعني شيئاً بالنسبة للممارسات الحكومة الأميركية، وأيضاً لنظرة الإعلام الأميركي، ونظرة المجتمع الأميركي في تعامله مع الآخر؟ ربما يكون ذلك وربما لا، ولكن حين تتحدث الحكومة عن خصومها من المسلمين تقول عنهم ما قاله بوش في خطابه.

جورج بوش: إن أعداءنا يرسلون أطفال الآخرين في مهام الانتحار والقتل، إنهم يتبنون الطغيان والموت كقضية ومبدأ، أما نحن فخيارنا مختلف، واتخذناه من أمد طويل ومنذ تأسيس دولتنا، ونؤكد اليوم من جديد على اختيارنا للحرية ولكرامة كل روح بشرية.

الرؤيتان الإيجابية والسلبية الأميركية للإسلام

حافظ الميرازي: رؤيتان للإسلام. إيجابية ورؤية أخرى ولكنها محددة لأعداء أميركا سلبية للغاية، البعض من خصوم العرب والمسلمين في أميركا يحاولون أن يعمموا الرؤية الثانية عن الأعداء وعن ممارساتهم، ليعمموها عن الثقافة الإسلامية وكأنها ثقافة عنف ثقافة موت، وغير ذلك من المصطلحات التي تعودناها كثيراً، دكتور أحمد كمال أبو المجد، من خلال وجودك في واشنطن من خلال حديثك، أيهما أقرب الآن في.. في المجتمع الأميركي أي الإسلاميين؟

د. أحمد كمال أبو المجد: بسم الله الرحمن الرحيم، القضية في الواقع أعمق كثيراً وأوسع كثيراً، من النطاق الذي حدده خطاب الاتحاد السنوي للرئيس بوش، لأن هذا الخطاب بطبيعة الحال، ونحن نفهم السياسة الأميركية ونعرف عنها ما يكفي أو الكثير، هذا خطاب يعد لجمهور معين هو جمهور الناخبين في الولايات المتحدة، وهو تقرير عن حالة الاتحاد تحسب فيه الحسابات وتحدد فيه النسب، وتراعى فيه الظروف، فخطابه الأول غير خطابه الثاني، فهو بيعكس أمور ظرفية، ويعكس أيضاً توجه للرئاسة في فترة معينة، قضايا الحضارات لا تحسم بخطابات الاتحاد، إنما هناك حقائق ثلاث ثابتة، الحقيقة الأولى، أنه الحوار بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية لم يبدأ مع بداية هذا القرن ولا مع بداية هذا العام، ولا مع بداية حرب القرن هكذا سميت، هذا الحوار كان قائماً منذ سنوات ثم إن العلاقة بين الثقافات أكبر من كل الرئاسات ومن كل الحكومات، هذا نسيج تم غزله ونسجه عبر قرون، الحضارة العربية الإسلامية مكون ومصدر من المصادر التي تلقى عنها العقل الغربي والوجدان الغربي، المحققون من الفلاسفة والمؤرخون ودارسو الأديان المقارنة والثقافات المقارنة، وعلم الإنسان، وعلم الاجتماع، سجلوا ووثقوا العلاقة التي امتدت 13 قرن، بين الحضارة العربية الإسلامية وبين الحضارة الغربية، فالأمر إذن في.. في محتواه سابق على هذا،

لكن ..لكن مع بروز بعض روافد التيار الإسلامي التي تمارس شيئاً من العنف، ومع ما وقع في 11 سبتمبر، وظهور أسماء عربية وأسماء إسلامية وناس من مصر، وناس من السعودية، وناس من الإمارات، القضية اهتبلت واستعجل فيها، في هستريا القلق وهي هستريا مفهومة تماماً، لأن الضربة تفقد أي إنسان عاقل وعيه وتوازنه، حدث تعميم خطير جداً. بحيث أعتبر كل عربي وكل مسلم شريك على نحو ما مجهل في هذا الذي وقع، ثم حدث انتقال من الأفراد إلى الحضارة والثقافة، فاعتبرت الثقافة العربية الإسلامية مهيأة ومرشحة لأن تكون هي الخطر، وقد مُهد لهذا في عالم الفكر بكتابات غير قليلة، ليس فقط لـ (هنتنجتون) وإنما تلميحات لكُتَّاب أعرفهم بالاسم، وأعرف كتاباتهم، ولا أريد أن أسميها، إنما هذا التيار موجود، يحرص حرصاً شديداً على يجاد فجوة وثغرة ومسافة بين كل ما هو عربي إسلامي، والعرب هنا مسلمين ومسيحيين، وكل ما هو إسلامي عربي أو غير عربي، وبين الثقافة الغربية والولايات المتحدة بصفة خاصة فلما وقع ما وقع، أظن، حدثت محاولات غير أمينة لتصوير الأمر على أنه صراع بين الحضارة العربية الإسلامية وبين الغرب، وأنه هم العدو، العرب والمسلمين هم العدو، وأن في حضارتهم شيء أساس يجعلهم خطراً يتهدد.. مع المفكرين كتبوا وناقشو وحللوا، هذا بالنسبة للخطاب يعني.

حافظ الميرازي: لو توقفت إلى الدكتور ميلاد حنا رؤيتك أنت، إلى أي حد تصريحات أفعال المسؤولين الأميركيين، المسؤولين الغربيين و سياساتهم، ساعدت أو عوقت حوار الحضارات القائم منذ فترة طويلة كما أشار الدكتور؟

د. ميلاد حنا: شوف هو مع ثورة الاتصالات، ومع انتقال الأفكار عبر الأقمار الصناعية، والـ Television، وغيرها، لمس الناس المجتمع الأميركي مش كله قاعد متفرغ عمَّال يدرس الإسلام والحضارة العربية الإسلامية وتاريخها وآثارها على الحضارة الغربية، فهو يعالج الأمور من السطح، في هذا الإطار مثلاً، يعالج الحضارة من.. من إطار ملابس الناس يقول لك دول لابسين العقال والجلابية..

حافظ الميرازي: أو البرقع

د. ميلاد حنا: أو الدشداشة أو خلافة، وأصبح ده نوع من أنواع ده هو معبر عن الحضارة، يلاقي أفغانستان قبل ما حدث فيها بما حدث للمرأة أو هدم تمثال بوذا، وغير ذلك من الأمر هو الظاهر فيه نوع آخر من الإسلام، وهكذا، ولهذا السبب البعيد عن الصورة والبعيد عن الواقع بيلاقي الإسلام كأنه بوفيه مفتوح، التطرف الشديد موجود. ويزعم أنه هو الإسلام الحقيقي، بلغة صديقي و أٍخي الدكتور أبو المجد فيما يسمى التيار الرئيسي الوسطى المعتدل القابل للآخر، وده التيار الهام بالنسبة للإسلام، ثم في ناس حتى اللي ربما خارجين على التيار الحضاري الإسلامي، أنا كمصري قبطي عشت تحت مظلة الحضارة العربية الإسلامية أزعم إنني مستمتع كثيراً بهذه الحضارة، وقارئ لها، وأستطيع أن أطلع من الحضارة العربية ما يعطي صورة جليلة ورفيعة المستوى، ولها تأثير على الحضارة الغربية، وغير منكورة في الحضارة الغربية، وأستطيع إني أنتقي إذا كنت من موقف العدو أطلع أحداث وأطلع أفعال وأطلع نصوص تؤيد أن هذا الإرهاب من هنا بيأتي الجانب العقلاني، وده اللي خلي الدكتور أبو المجد وأنا جينا هنا، لقينا إن فيه التباس في المسائل، فلهذا السبب قلنا حضورنا كأستاذ رفيع المستوى ومن علماء الفكر الإسلامي، وأنا مجتهد في إطار قضية قبول الآخر وفي قضايا الأعمال السبعة عن الشخصية المصرية والتوافق بين الأقباط والمسلمين في مصر لكي نقدم عملياً لاثنين أفراد متقاربين في السن وجيل واحد، لكن بيحبوا بعض، وبيحترموا بعض، ومختلفين ومتفقين، ولكن هو ده نموذج الحضارة إن جاز التعبير، ومش عاوز أقول حوار الحضارات، إحنا حضارة واحدة، إنما عاوز أقول حوار الأفراد اللي عندهم رقي لقبول الآخر.

حافظ الميرازي: نعم، لكن.. اتفضل.

د. أحمد كمال أبو المجد: يعني أنا.. أنا موافق تماماً على اللي قاله وعايز أضيف كلمتين الحقيقة، إنه منذ بدأت الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان تصريحات الرئيس (بوش) وعدد من المسؤولين إيجابية.

حافظ الميرازي: أنت أولاً قابل لتعريف الحرب ضد الإرهاب، البعض يحاول أن يعضها بين أنصاف كلمة الإرهاب.

د. أحمد كمال أبو المجد: آه، يعني أنا.. الحملة ضد الإرهاب أفضلها، لأن كلمة الحرب لها مدلول في القانون الدولي ولها تداعيات ولها نتائج في معاملة الأسرى، في.ز إلى آخره.. إلى آخره، فكلمة حرب أنا أخشى أن تكون استخدمت استخداماً مجازياً وليس استخداماً قانونياً.

حافظ الميرازي: لكن موافق على الجزء الثاني وهو الإرهاب؟

د. أحمد كمال أبو المجد: أي نعم، سيكون.. نعم

حافظ الميرازي: ما تحدده الولايات المتحدة.

د. أحمد كمال أبو المجد: لأ، مش ما تحدده، ما يتفق الناس على إنه إرهاب، وأنا هنا من حقي ومن واجبي أن أشر إلى ما ذكره الرئيس المصري، الرئيس المصري حسني مبارك من سنوات عديدة يقول: إن الإرهاب خطر دولي ويقول معاه كثيرين، وأنه لابد من جهد دولي منظم للوقوف في وجه الإرهاب، لأنه تحول إلى ظاهرة عابرة للقارات، فما دام عابر للقارات لا تستطيع دولة ولو كانت الولايات المتحدة في قوته وتقدمها التكنولوجي أن تحارب وحدها، أنت محتاج إلى تعاون الآخرين.

الفرق بين المعارض السياسي والإرهابي

حافظ الميرازي: لكن كيف تفرق بين المعارض السياسي أو الخصم السياسي والإرهاب، خصوصاً إذا كان يرد عليك، أنا لا أناقش هنا قضية الاحتلال مثلاً، أنا أناقش القمع.. القمع النظامي سواء من أميركا مثلاً كدولة عظمى للقمع على مستوى المجتمع الدولي، أو من أي حكومة أن تقمع شعبها ولا تتوقع منهم إلا أن يسموا "إرهابيين" إذا ردوا؟

د. أحمد كمال أبو المجد: شوف حضرتك المسألة مش لغوية فحسب، نستطيع أن نضع معايير موضوعية من المؤكد أن حق نقد الحكومات والتعبير عن ذلك بكل الوسائل النظامية أمر يجب توفيره، وأن التقصير في توفيره يفتح باباً للخروج على القانون، أنت إذا أعطيتني قلماً ومنبراً كان من حقك إذا لجأت إلى وسائل تحتية أن تقمعني، إنما إذا لم تعطني قلماً، وقصفت جميع الأقلام، وسددت جميع النوافذ، وقيدت حريتي، وآذيتني في شخص بتديني شرعية كاذبة، بتديني عذر في إني أنا أخرج على القانون أو أخرج على القانون في يدي.. هذا على المستوى الداخلي.

حافظ الميرازي: كلاكما.. كلاكما دكتور أحمد كمال أبو المجد سجنتما، أنت في عهد عبد الناصر.

د. أحمد كمال أبو المجد: أي نعم. أنت التاريخ

حافظ الميرازي: والدكتور ميلاد حنا في عهد السادات.

حافظ الميرازي: لأ، يعني أنتم إعلام في بلدكم، ودفعتم ثمن الكلمة الحرة.

د. أحمد كمال أبو المجد: على فكرة هذا ؟أمر.. لا يدرك قيمة الحرية إدراكاً حقيقياً إلا من عرف معنى غيابها.

د. ميلاد حنا: مضبوط.

د. أحمد كمال أبو المجد: أما ما عدا ذلك الكلام سهل قوي.

حافظ الميرازي: هل تجربة السجن من الممكن لكل شخص أن يكون ميلاد حنا أو أحمد كمال أبو المجد، ويكون رد الفعل ثقافي وفكري، أم حين تمارسه مع شباب لا يمكنك أن تتوقع إلا.. إلا عنفاً مضاداً؟

د. ميلاد حنا: أنا لما حصل اللي حصل في الزاوية الحمرا، والرئيس مبارك قال أنا رئيس مسلم لدولة إسلامية، أنا جزعت…

حافظ الميرازي: الرئيس السادات.

د. ميلاد حنا: الرئيس السادات.

حافظ الميرازي: والزاوية الحمرا كانت أحداث فتنة طائفية بين المسيحيين والمسلمين.

د. ميلاد حنا: من يونيه.. يوليه 81.

حافظ الميرازي: 81، قبل شهور بسيطة من اغتيال الرئيس السادات.

د. ميلاد حنا: مضبوط، أنا انزعجت، ولأن كانت حرب لبنان قريبة.

حافظ الميرازي: لأنه قال إنني رئيس مسلم لدولة مسلمة.. لدولة إسلامية.

د. ميلاد حنا: لدولة إسلامية مضبوط فقلت ده تحريض لمجموعات ضد مجموعات، فخشيت إن مصر تخش في اتجاه لبناني، ولذلك حضرتك تلاقي في الكتاب بعدي لن تتلبنن مصر، لأن أنا كنت عاوز أضحي بحياتي في نظير إن ده ما يحصلش، في هذا الإطار أنا قلت سيدي الرئيس أنت رئيس مسلم.. أنت رئيس مصري لشعب مصري، وكتبت كتاب مشهور، اسمه "نعم أقباط، لكن مصريون"، أؤكد فيه أن انتماء الأقباط لا يمكن أن يكون إلا لمصر ومصر وحدها، لا هم أرمن، ولا هم شوام، ولا هم خلافه، إذاً هذا كان بالنسبة لي موقف نضالي وصلب، وكنت مستعد إني أدفع فيه حياتي، لكن تكرم وتفضل الرئيس السادات ورحل بدري شويَّة.. فإدانا فرصة إن إحنا نطلع من المعتقل إلى رئاسة الجمهورية في بداية عهد الرئيس مبارك.

حافظ الميرازي: إذاً عمل إرهابي أنت تباركه الآن، وتعتقد أنه كان جيداً، وهو عمل اغتيال الرئيس السادات؟

د. ميلاد حنا: لأ، أنا لم أقل هذا، أنا قلت: إنه تكرم الرئيس السادات فرحل مبكراً، لم أقل هذا، ولا أبرر هذا، ولو كان أدفع حياتي في إن أقعد في السجن وأموت في السجن، والرئيس السادات يتشال بطريقة قانونية شرعية ويبقى رئيس سابق أنا كنت أفضل الحل الثاني.

حافظ الميرازي: أحد الشيوخ المصريين قال إنه.. إنه سجد لله شكراً حين هزمت مصر في قيادة عبد الناصر 67؟

د. أحمد كمال أبو المجد: شوف حضرتك هذه كلها عبارات منطوية على مبالغات ومجازات وقضايا الشعوب لا تصلح لها المبالغات ولا تجوز فيها المجازات، نحن نتكلم عن قضايا حقيقية، سيادتك طرحت قضية.. يعني هل.

حافظ الميرازي: لأن الغرب يقول إن المشكلة لديهم أنظمة قمعية هي التي أفرزت هؤلاء.. هذا العنف، ونحن نقول: المشكلة لدينا احتلال أجنبي هو الذي افرز بعض هذا العنف أو.. أو تدخل..

د. أحمد كمال أبو المجد: أنا هأقول لحضرتك.

د. ميلاد حنا: الاتنين الاتنين مضبوط.. الله.

د. أحمد كمال أبو المجد: والاتنين أصله أنا بأتكلم على ساحتين، إذا كنا نتكلم عن الساحة الداخلية، العنف داخلياً عادة ثمرة أربع عوامل، هناك بالتأكيد عنصر سياسي، يساعد على خلق مناخ العنف، وهو غياب فرص التعبير وانسداد القنوات الشرعية له. الأمر الثاني.

حافظ الميرازي: وهذا موجود في العالم العربي.

د. أحمد كمال أبو المجد: بنسب مختلفة، أنا لا أحب المبالغة، بنسب مختلفة.

د.ميلاد حنا: وفي ظروف متباينة، مفيش تطابق.

د. أحمد كمال أبو المجد: وفي ظروف متباينة التعميم، لكن التوجه بتاعنا مع الحرية ومع الديمقراطية.

الأمر الثاني: غياب سيادة القانون، أنت لا تستطيع أن تكيف سلوكك وسط قاعدة قانونية معلومة.

الأمر الثالث: اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء مع انسداد فرص الانتقال من طبقة إلى طبقة.

الأمر الرابع: غياب التربية الثقافية والسياسية التي تنفر من العنف والتي توسع الصدر والعقل، وتفتح الباب للحوار لا للعنف والضرب إلى آخره. وبالتالي تجمع هذه العناصر من شأنه أن يخلق بيئته ينمو فيها الإرهاب الداخلي، لكن الإرهاب الداخلي عادةً الأجندة، الملف بتاعه لا يتعلق بالخارج، إنما إمتى يتعلق بالخارج؟ لما تيجي قضية وطنية أو قومية أو دينية يحس فيها بظلم شديد من جهة أجنبية، يقول: هذه الجهة مسؤولة عني، وهنا أفرق بقى، ما أقولش إن اللي عمله قلة الثقافة، أو إن عمله الفقر، طب وأيه دخل الفقر من أن ينتقل إلى بلد آخر، أنا أنتقل أو ينتقل الضارب أو المتعدي إلى بلد آخر لما في إحدى القضايا يصاب بالإحباط، وأنا بأقول: هناك عينان لا تجتمعان، عين كلمة العدل وعين كلمة العنف إذا ظهر العدل قل العنف.

حافظ الميرازي: دكتور ميلاد.

د. ميلاد حنا: شوف حضرتك في مصر بالذات تحديداً عشان التاريخ الوطني سنة 19 الشعب بتلقائية من خلال الثورة رفع شعارين، عاش الهلال مع الصليب، ده اختراع مصري ما حدش عمله مثال فعمل وحده وطنية، الاختراع الثاني قال: الدين لله والوطن للجميع، معناها إيه؟ معناها إن الانتماء إلى مصر الأم يسبق الانتماء إلى الدين، ومن هنا تكونت ومشيت الثقافة الليبرالية المصرية مع الاحتفاظ بالتدين المعتدل القابل للآخر ولهذا السبب بتلاقي الأقباط والمسلمين حبايب مش بقرار جمهوري، بمودة شعبية، لما حصل تغيرات ثقافية نتيجة لظروف ليس هذا مكانها حصل إن الانتماء الديني أصبح سابق على الانتماء الوطني، ولهذا السبب أنا كجيل وبرضو الدكتور أحمد ما هو من الجيل بتاعي وأصغر شوية عندما الإحساس رغم التدين المعقول هو أن الانتماء الوطني يسبق الانتماء الديني دي جانب ثقافي.

د. أحمد كمال أبو المجد: يعني عايز أقول حاجة الحقيقة، أصله التدين له أكثر من صورة، وأنا لي تحليل لما وقع في مصر وفي بلاد أخرى، مع منتصف هذا القرن احتجاجاً على المادية وعلى المظالم وعلى.. وعلى حدثت عودة إلى القيم الروحية، في اليهودية والمسيحية والإسلامية، فيه.. فيه تدين متزايد التدين له صورتين، صورة أن.. أرجع إلى القيم الأساسية للأديان، والقيم الأساسية في المسيحية والإسلام، قيم إنسانية واسعة تقبل الآخر وتتسع له وتمد له يديها وزرعيها وتحضنه في مودة كاملة، لكن على مستوى آخر هناك التدين الإنتمائي بحيث أنه ينضم إلى حوزة هذا الانضمام إلى حوزة، يدخل في باب التعصب ولا يدخل في باب التدين، والتدين لا يفرز إلا خيراً، و التعصب لا يفرز إلا شراً، فالذي وقع نتيجة موجة التدين، مزيج من الأمرين، ولذلك شهدنا بعد آثار إيجابية له، وشهدنا آثار أيضاً سلبية.. على المثقفين وعلى الساسة، أن يفرقوا بين هذين الأمرين وأن يشجعوا في الخطاب الديني ما يجعله خطاباً روحياً إنسانياً أخوياً متسع الصدر، وأنه يلجموا التصرف الناتج عن الحوزة، وضرب الآخر إحنا مش في معركة.

ميلاد حنا: لا هو..

حافظ الميرازي: لكن، ولكن موجة التدين اللي حضرتك لم ترد أن تدخل في تفصيلها، ألم تكن تدخلاً أجنبياً ألم تكن محاول سياسية لضرب اليسار، بتشجيع الـ..

ميلاد حنا: شوف، شوف، إذا أذنت لي

حافظ الميرازي: تفضل.

ميلاد حنا: علشان نرجع لنقطة البداية اللي إحنا بنتكلم فيها، بعد خطاب الرئيس "بوش" الذي وضع أجندة الدين واستخدام الدين في السياسة كان (جون فوستردلس) لما عمل (…..) بحر التفاهم، ثم أنشأ بقي جميع التنظيمات بما فيها التنظيمات الإسلامية، وبما فيها الهندوكية وغيرها، وانتهى به الأمر في إنه هو الذي مول وقوى وجمع المجاهدين لدعم الحركة الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي، فالنهارده ما يجيش أميركا.

حافظ الميرازي: ما، لك أن تتحدث عنه فيما بعد.

ميلاد حنا: لا، أتحدث بقي ما هو دلس فضل يتطور، لحد لما وصل.

حافظ الميرازي: حتى أصبح خليفة في C.I.A كيسي في عهد ريجان لحد ما هو الذي هندس.. لأغلب هذه الأمور.

د. ميلاد حنا: مش بس كده، دا العملية بتاعة "بيشاور" والتدريبات والتسليح والصواريخ، كل ده إنتاج أميركي فلازم عشان برده نبقي منصفين للحق، علشان إحنا ساعات نبقى غاوين جلد الذات، إحنا اللي شايلين أسامي العالم، ليه ما هو غيرنا كمان لازم يشيل شلته.

[فاصل إعلاني]

أميركا وحصاد ما زرعته في الدول العربية والإسلامية

حافظ الميرازي: توقفنا عند تحليل الدكتور ميلاد حنا، وهو تحليل يسمح لي أن أقول يساري عربي بأن أميركا هي التي روجت هذا، وهناك كثيرون يقولون بأن في عهد الرئيس السادات على الأقل بالنسبة لهذا الجزء من العالم تم الاستعانة بإنعاش خلايا الإخوان المسلمين التي هاجرت إلى الخليج، واستجلابها لكي تردع اليسار والناصرية في مصر،.. وإذا بنا نحصد الآن ما زرع من قبل وبما في ذلك حصدته الأنظمة على المستوى الداخلي، ثم حصده النظام العالمي الأميركي الجديد.

د. أحمد كمال أبو المجد: الحقيقة أنه برضو في مسائل تبسيط من ناحية الرؤى، أنا مع الدكتور ميلاد، ولا أريد أن أرجع إلى التاريخ القديم، إنما إذا كانت ما يسمى تجاوزاً بأولى حروب القرن، وقعت بضرب أفغانستان فلنسأل: كيف تطورت الأوضاع في أفغانستان؟ من المؤكد أنه الحكومة الأميركية أرادت أن تتخلص من الوجود السوفيتي في المنطقة فرفعت النبرة الإسلامية وأنا أحياناً كنت أقابل، وأنا مسافر يجلس جانبي شاب يقول لي: دنا بأحارب في أفغانستان، أدردش معاه على، يعني أحادثه، لا أجد فيه إلا كل حسن نية، وإلا كل براءة، وهو يتصور إنه يؤدي خدمة دينية ووطنية ضد الاستعمار السوفيتي للعالم العربي والإسلامي، لكن دايماً هناك المحرك، المحرك راسم الـ Design اسم الخطة الكبرى، إنما الأفراد اللي بيشتركوا قد يكونوا في منتهى حسن النية، ونبل المقصد، لكن توجيه هذه الطاقة للتخلص من الاتحاد السوفيتي، طيب ما هو إنتَ دربت هؤلاء الناس، وفهمتهم أن الدفاع عن أفغانستان أمراً مقدس، فإنتَ أيضاً الدفاع ضدك بالنسبة لهم، أصبح أمر مقدس، وبالتالي هناك مسؤولية جزء من المسؤولية كبير يقع على الولايات المتحدة، لكن من الناحية الثقافية..

حافظ الميرازي: والحكومات التي ساعدت الولايات المتحدة، في تجنيد هؤلاء.

د. أحمد كمال أبو المجد: والحكومات التي ساعدت في.. في تجنيد هؤلاء، لكن في الحقيقة المسألة لها بعد ثقافي آخر، لأنه النموذج الذي نما وتطور واستقر على أيدي الطالبان في أفغانستان، في رأي الشخصي، أنه نموذج متعدد التجاوز لأساسيات إسلامية.

ميلاد حنا: أيوه دي قضية مهمة قوي.

د. أحمد كمال أبو المجد: وأنه لنظرة العامة التي صور نفسه وصور الإسلام بها، ليست هي نظرة ولا صورة الألف مليون مسلم الذين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ويتزوجون، ويبيعون، ويشترون ويخرجون في الساحة.

حافظ الميرازي: لماذا لم نسمع هذا الكلام من المفكرين الإسلاميين حين كانت طالبان في الحكم؟

د. أحمد كمال أبو المجد: يا سيدي لقد قيل، لكن أنا ما أعرفش ليه في عالمنا العربي والإسلامي وفي العالم الغربي، ولعوا بالسماع للباثولجي للأشياء المنحرفة، أما التيارات المعتدلة فلا يستمع إليها أحد؟ وأنا سأشير إلى أمرين، أنا شخصياً بكل تواضع أقول من عشرين سنة، كتبت كتاباً أسمه "حوار لا مواجهة" ومن عشر سنوات مع آخرين، كتبت كتاب اسمه "رؤية إسلامية معاصرة" فيه نقد محدد جداً لكل هذه التوجهات، صديقنا وزميلنا الأستاذ "فهمي هويدي" ألف كتاباً قيماً، أنا لم أكن أعرف بوجوده، اسمه "طالبان جند الله في المعركة الغلط"، وقرأته فإذا به نقد شديد من الألف إلى الياء إلى كل ما يفعله طالبان، الناس شغلت عن هذا كله.

حافظ الميرازي: ربما لأن الذين يروجون للكتب الإسلامية، ليسوا من هوات الانتقادات لطالبان..

د. أحمد كمال أبو المجد: شوف المعتدلون مبتلون، لأن خصوماتهم لا تتوقف على جانب آخر، يحاربون من يمين أو شمال.

حافظ الميرازي: من الجانبين.

د. أحمد كمال أبو المجد: وتوجه السهام إلى ظهورهم وليس إلى صدورهم.

حافظ الميرازي: دكتور ميلاد حنا..

د. ميلاد حنا: أنا وجهة نظري إن التحالف الأميركي الضخم ضد الإرهاب، الحرب ضد أفغانستان، وما يليها أو يمكن يليها من حروب مسألة هتدخل العالم إلى الهاوية وإلى الهلاك، ولهذا السبب كلام الأخ العزيز دكتور أبو المجد طلَّع في مخي ما كنت قد عرضته في "الأهرام" من وجود تحالف دولي آخر بين البشر المعتدلين من جميع الأديان، لأنك شوف في الحياة بشكل عام في الغرب ربما بعض الغرب بيبقى ضايع شوية، لأنه هو تخلى عن فكرة الدين تماماً فضاع، في الشرق تدروشنا فبرضو ضعنا يساراً ويميناً، التيار المعتدل في العالم قبله الآخر، ولهذا السبب تلاقي مصر مثال لهذا، وأغلب الدول اللي فيها ديانات مسيحية وإسلامية في العالم العربي، وكان زمان اليهود، قبل إنشاء فلسطين في العراق وفي المغرب وفي اليمن وفي غيرها، وكانوا عايشين سعداء وبيتباكوا الآن على الأيام الحلوة اللي جدودهم عاشوا فيها، في الكنف الحضارة العربية الإسلامية في هذا الإطار اللي أنا شايف إنه التوازن توازن ثقافي، إنت مش هتقدر تجيب كوم من التبن كده وتدور بالمنكاش وتقول: والله دا إرهابي ودا إرهابي وأفتشهم وأوديهم لقوة، دا كلام -لا تأخذني- ساذج وينم إزاي يعني، أنا أفهم إن هتلر كسرته ودخلت برلين، لكن هذا الإرهاب تحاربه إزاي؟ دا وهم، ولهذا السبب الحرب هي حرب ثقافية، في الأساس، والتيار والمعتدل في جميع الأديان بما فيها الديانة اليهودية، هذا كله يمكن أن يتحالف، وقابلاً للآخر.

حافظ الميرازي: لكن في الحرب ثقافية، من يسمعكَ إذا كان الطرف الأقوى هو الذي لديه أيضاً القدرة التكنولوجية، كم عدد الذين سمعوكم في واشنطن بالمقارنة بالذين يقرؤون تعليقات (النيويورك تايمز) و(واشنطن بوست) التي بعض كتابها مليئة بالكراهية ضد العرب والمسلمين؟ أنا لا أقلل من إنجازكم.

د. أحمد كمال أبو المجد: شوف حضرتك.. أنا.. أنا يعني.. أنا مهما بلغت لن أستطيع أن أصور لك مقدار المرارة التي يشعر بها المعتدلون في الدنيا كلها، لأنه جهدهم غير متطور، سيدي هناك ملحمة تدور منذ نحو ثلاثين سنة، يلتقي فيها المعتدلون عبر الأديان وعبر الحضارات، ويبحثون عن المشترك، ويقولون عشرة أضعاف كل ما قاله الساسة في السنة الأخيرة، المناهج الدراسية، الإعلام، الثقافة، التربية السياسية، الحرية فتح القنوات، قبول الآخر، ده بنتكلم فيه يا سيدي مع آلاف من المفكرين و الفلاسفة وعلماء السياسية، لكن لم يلتفت إليه أحد، لأن الإعلام ليس أداة رئيسية للتثقيف، وإنما هو أداة رئيسية للإثارة، التحالف المطلوب الآن له هدف محدد جداً، لأنه يتميز أصحابه بأنه أكثر وعياً بالآثار المدمرة الهائلة لوقوع صراع الحضارات، فنحن أدرى الناس بأنه حوار الحضارات أو إشاعة جو من الحوار وقبول الآخر مع اختلاف الحضارات والتنوع الذي هو سنة من سنن الله هو العاصم الوحيد من وقوع كوارث، الساسة يرون أولها ولا يرون آخرها.

حافظ الميرازي: دكتور كمال أبو المجد في.. في إحدى الندوات التي حضرتها لك في واشنطن مع الدكتور ميلاد حنا أمام تجمع دبلوماسي أميركي، قلت: نحن نحتاج إلى مرآة ونافذة.

د. أحمد كمال: نعم، تمام.

حافظ الميرازي: مرآة للنظر إلى أنفسنا، ونافذة للنظر إلى الآخر، ماذا نرى في.. في هذه المرآة في أنفسنا من عيوب؟

د. أحمد كمال أبو المجد: الدكتور ميلاد تحدث عن تجنب جلد الذات، وأنا معه، لكن يا سيدي هو فيه جلد الذات وفيه أمر آخر، نحن أمة معتزة بنفسها وثقافتها، فلا ننتظر أن يعلمنا الآخرون ماذا نفعل، لكن لا نستكبر على النقد إذا كان موضوعياً، وإذا أشار إلى عيب فينا، لأنه القضية هي مش مباراة، القضية قضية إصلاح، ومصير، ومسؤولية، ومستقبل، نعم سيدي عندنا عدة عيوب، وأنا أستطيع أن ألخصها كما يلي دون توسع:

أولاً: اعتدنا لأننا خارجين من استعمار طويل، ومن هزائم عسكرية وثقافية، ومن خوف من ضياع الهوية اعتدنا على المبالغة في تعظيم الذات.

د. ميلاد حنا: أيوه مضبوط.

د. أحمد كمال أبو المجد: والتغطية على العيوب وإنكارها بشدة وحماس.

الأمر الثاني: بسبب أن حاضرنا ليس كما نحب، وأن مستقبلنا مخوف فقد لجأنا إلى الماضي، هذه الماضوية لا تبني الحضارات سيدي، والأديان لا.. إذا كانت بتنتمي تاريخياً إلى الماضي إلا أنها سنن قائمة وخالدة، فيه في الأديان كلها أشياء لا تقبل النسخ، لما القرآن يقول: (لا إكراه في الدين) ولما المسيحية تدعوا إلى المحبة ما أقبلش إن حد يقول لي ده نسخ وده نسخ، الحب لا ينسخ، والحرية لا تنسخ، فإنه هذا الالتفات إحنا نريد يداً قوية عاقلة تدير أعناق أبناء هذا الجيل من الماضي إلى المستقبل.

الأمر الرابع: أننا العقلانية تنقصنا كثيراً في المواقف فنتصرف بانفعالية، ما لم نصلح هذه الأمور، وما لم تكن عندنا الشجاعة أيضاً لئلا نجامل المنحرف من بيننا، وحضرتك أثرت للأسف. بكل حق، طب ليه ما حدش قال لطالبان إنهم غلط؟ وفيه غير طالبان توجهات وأنا سأكون صريحاً وليغضب الغاضبون، هناك يا سيدي 3 تيارات في عالمنا الإسلامي إصلاحها بالرفق واللين والكلمة والتعليم فرض عين، يدخل فيما اسميه.. فيما يسميه الحديث الشريف إماطة العظم والأذى والشوك من الطريق، الأمر الأول: التفسير الحرفي المطلق للنصوص الدينية، هي نصوص دينية وسائل غاية. الأمر الثاني: الرؤية الدينية الخرافية التي تسقط القوانين وعلى رأسها قانون السببية.

الأمر الثاني: الرؤية الغاضبة التي تتصور أبناء الدين في قتال مع الدنيا كلها، مع.. دي الـ3 دول إذا انزاحوا يأتي بقى الاعتدال ونبني على أرض الواقع.

حافظ الميرازي: دكتور.. دكتور ميلاد حنا من ضمن النظرة إلى المرآة، إلى أنفسنا حين تتحدث إلى الأميركيين يقولون لك: أنظر كيف تعامل كأقلية مسلمة لدينا، وأريد أن اعرف كيف تعامل الأقلية المسيحية لديكم؟ هل هذا من الأمور التي يجب أن ننظر فيها إلى المرآة؟

د. ميلاد حنا: شوف أنا هأقول لحضرتك أمرين، الأمر الأول: أنا كمصري ما بأحبش إحنا وهُمَّ، لأن إحنا مصريين.

حافظ الميرازي: إحنا.. إحنا وهم تقصد معنى.

د. ميلاد حنا: هو مصري كده إحنا كلنا حاجة واحدة، أنا بأكلمك بصدق وحياة أولادي، إن دي عقيدتي الداخلية والمصريين كلهم متفقين معايا في النقطة دي.

حافظ الميرازي: ربما لأنك من المرفهين الذين اختيروا لمجلس الشعب.

د. ميلاد حنا: وسبته، واستقلت، وممنوع إني اخشه تاني، ومبسوط إني مش هأخشه.

حافظ الميرازي: ليه.. ليه ممنوع؟

د. ميلاد حنا: أقول لك: لأن أنا في الحقيقة الجزئية دي اللي شاغلني هو التماسك في الوطن اكثر من شغل المناصب، المنصب هيبقى وزير سابق، يا عم قول يا باسط كده كويس.

حافظ الميرازي: لكن لا توجد مشكلة دينية في عالمنا العربي شكل عام أو في مصر بشكل خاص.

د. ميلاد حنا: أقول لك المشكلة، لا فيه، لا فيه، لا فيه وهنا، وهنا في أميركا جم بعض الناس وجهوا لي بعض النقد، وإحنا جايين ومعقول ولولا إنه أنا عندي رصيد.

حافظ الميرازي: ما هو الموضوعي في هذا النقد؟ ما هو الموضوعي؟ ما الأشياء الموضوعية فعلاً؟

د. ميلاد حنا: الأشياء الموضوعية هو إنه عاوزين بقدر الإمكان نبقى مجتمع علماني، بمعنى الدين شخصي والوطن للكل، والوظايف للكل، والفرص للكل، والمحافظين والوزراء وغير ذلك من أمور تبقى مسائل عادية والقضا وأجهزة الدولة المختلفة تبقى موجودة لكل الناس، الأقباط ما لهمش.. لأن ما فيهمش أكفاء ماشي، لكن الأقباط مستبعدين لأن هم أقباط، مرفوض، وده غلط، ولازم يتغير، لكن أنا للي هاممني أكثر من هذه القضية الثقافية، لأن أنا مصادفة بدأت مهندس وقعدت 50 سنة مهندس فأنا ابن الثقافة العلمية الفيزيائية كيمياء وطبيعة وطب وهندسة وزراعة، وإحنا كلنا مع كل الحب وللأخ دكتور كمال أبو المجد العلوم الإنسانية إحنا طار قوي فيها، ولهذا السبب مانيش شايف Teak of للحضارة العربية الإسلامية اللي أنا جزء منها، واللي أنا من مكوناتها، واللي أنا بأدفع على أن تتقدم إلى الأمام، أنا مش سلبي، لهذا السبب لازم نقوي الجناحين، مش هينفع من غير ما يبقى عندنا اهتمام عام بالجانب العلمي العقلاني بصرف النظر عن فلسفة ابن رشد وغير ذلك من علوم وسيادة العقل، ولهذا السبب تلاقي في المجلس الأعلى للثقافة أنشأنا لجنة اسمها "لجنة الثقافة العلمية" وفي أكاديمية البحث العلمي عملنا "لجنة الثقافة العلمية"، علشان يسود الفكر العلمين علشان الغيبية تروح.

كيفية الخروج من الأزمة

حافظ الميرازي: الدقائق البسيطة المتبقية من.. من وقتنا للأسف الشديد، دكتور كمال أبو المجد، الحل هل علماني؟

د. أحمد كمال أبو المجد: أصله كلمة العلمانية كلمة خادعة، أنا يهمني أمرين من مكونات هذه العلمانية: حرية إقامة.. حرية الاعتقاد، وحرية إقامة الشعائر الدينية والمساواة الكامل المطلقة في الحقوق السياسية والمدنية والقيمة الاجتماعية، إذا تحقق ذلك سميها ما شئت.. إنما.

حافظ الميرازي: حين كنت وزيراً للإعلام هل كنت تسمح للمسيحيين أن يبثوا صلواتهم وكل شيء مثل المسلمين؟

د. أحمد كمال أبو المجد: نعم، سيدي يا سيدي، يا سيدي نعم، هذا أمر في دمي وفي اعتقادي ويعني فلتذهب مائة وزارة وليبقى هذا الأمر، إحنا لسنا.

حافظ الميرازي: لا أنا بأسأل على تجربتك أنت الشخصية، هل وجدت من يعارضون هذا المنهج؟

د. أحمد كمال أبو المجد: أبداً لم أجد من يعارضون، إنما أنا عايز أقول لحضرتك حاجة وقد يوافقني عليها دكتور، فيه ظروف مجتمعية خلت بعض الإخوة المسيحيين عندهم تردد أو تباعد، وأنا لا أحب هذا، أنا لا أحب هذا ولا أظن أنه يحل مشكلة، وأيضاً بتجد إحنا دايماً في أميركا يقول لك فيه action state يعني لما يتكلم على التمييز ضد الملونين أنا أدينه اجتماعياً وثقافياً لما يبقى من أي فرد، لكن أحمل الدولة المسؤولية إذا كان نظامها القانوني.

حافظ الميرازي: ترعى هذا.

د. أحمد كمال أبو المجد: أو بيقبل هذا، أو يقبله، مش لازم يشجعه مجرد أن يقبله، عليها أن تنكره، فبالتالي مع التثقيف العام وعودة النسيج الوطني إلى التلاحم الذي كان والذي عشناه، والله في شبابنا الأول ما كنا نعرف ده مسلم أوده مسيحي، أبداً، دا أنا كان لـ.. إلى يومنا هذا، أنا ليَّ أصدقاء من المسيحيين في منتهى الاقتراب الوجداني والعاطفي مني، وهذا موجود في الجيل القديم أكتر، إنما الجيل الجديد حصل له.. حصل له عصبية، وحصل له إحباط، وتعبيره عن رأيه كله مليء بالعنف والقلق و علينا أن نفهم هذا، لكن المثقفون والحكومة عليها مسؤولية تشجيع هذا الترابط الوطني وتطبيق القانون تطبيقاً شاملاً للمساواة، وأنا أحب أقول لحضرتك حاجة، ولذلك لما بيقول لك الرؤية الإسلامية غير الصحيحة، الرؤية الإسلامية الصحيحة، ترى أن أهل الكتاب والمسيحيين أولاً، أصل كلمة "الذمي" عملت لخبطة أنا بقى رجل قانون، كلمة "ذمي" دي إشارة إلى الإدارة القانونية التي تم بها في التاريخ إقرار وضع أهل الكتاب، وهي لا تشير إلى مضمون Status ، أم مضمون Status فهو المساواة الكاملة،.. عقد الذمة ذهب تاريخياً حل محله إيه؟ الدستور، والدستور يعطي في مواد عديدة منه مساواة كاملة مطلقة، بقي أن يطبق تطبيقاً فيه روح الدستور، فيه روح الإسلام.

حافظ الميرازي: كلمة أخيرة يا دكتور، ميلاد حنا.

ميلاد حنا: مصر بتضيء.. الشمعة في وسط الظلام وتقدم نموذج جيد وعظيم ولها تأثير على العالم العربي في مجمله، إذا مشينا خطوات أكثر في مجال تعميق الديمقراطية وتداول السلطة والحريات، وتكافؤ الفرص سوف يشع هذا على العالم العربي، أنا لا آتي إلى أميركا لكي أغير وجهة نظرهم، ولكن الأميركان سيشاهدون من بُعد التغير الحقيقي الذي يحدث ورئيس الدولة يعني لما الرئيس مبارك يروح معين 2، 3 محافظين لا هيزودوا ولا ينقصوا (….) مفيش مشكلة، لكن ده رسالة أقوى من إنه يقول: والله أنا عندي إسلام معتدل قابل للآخر، هنا بإن إن قبول الآخر حقيقة مش مجرد شعارات.

د. أحمد كمال أبو المجد: ويبقى جزئية.

حافظ الميرازي: نعم، تفضل.

د. أحمد كمال أبو المجد: إحنا كما تفضل.. هي القضية مش قضية صورة العرب والمسلمين، جزء منها حالة العرب نفسه، لكن يظل صحيحاً أيضاً أن الإعلام يستطيع أن يساهم مساهمة إيجابية وأحياناً يشارك مشاركة سلبية وأنا أزعم أن العالم الغربي لسبب أو لآخر كانت مساهمة في الغالب سلبية ركزت على السلبيات ونسيت صور كثير جداً مشرقة مش هأقول في وطننا العربي كله، لأن كل بلد عربي على حال، إنما في مصر فيه النماذج الطيبة جداً، لا أدري لمصلحة من يكون التركيز على الجوانب السلبية التي يوجد مثلها في مجتمعات أخرى، يعني أنا بس أردت أن أختم المسألة.

حافظ الميرازي: في الدقيقة الأخيرة طالما تحدثت عن الإعلام الغربي، الإعلام الغربي هل هو بسرعة ساعد أم لم يساعد، أم عرقل؟

د. أحمد كمال أبو المجد: الإسلام.. الإعلام العربي قصر تقصيراً شديداً لا عذر له فيه، أولاً تخلى ولم يعد وجوده ملموساً، فأفسح المجال والناس تتعلم مما تسمع.

حافظ الميرازي: رؤوس موضوعات لو أمكن فيما تبقى من وقت.

د. أحمد كمال أبو المجد: يعني لم يسلط على الإيجابيات، لم يسلط على القضايا العربية والإسلامية والمصرية تسليطاً ذكياً، لم يكن حاضراً في عملية الحوار الإعلامي، لم ينافس الإعلام الغربي، فأصبح أكثر المشاهدين استمعوا إلى وجهة نظر.

حافظ الميرازي: واحدة.

أحمد كمال أبو المجد: وكما يقول (مارسال) الفرنسي: "من لا يسمع إلا ناقوساً واحداً لن يعرف إلا نغمة واحدة"، ولازال مقصراً.

حافظ الميرازي: كلمتك.

د. ميلاد حنا: أنا سعيد.. أنا سعيد النهاردة بهذا الحوار، وأنا من المشاهدين المتابعين قوي لقناة (الجزيرة) وبأشوف الندوة بتاعتنا النهاردة إحنا التلاتة، شوف قد أيه فيه حوار وفيه اختلاف وفيه تقدير واحترام متبادل، ده نموذج أحلى وأظرف من الخناقات والبتاعات، ليه؟ ما إحنا عاوزين الحضارة، هي الحضارة هي قبول التنوع، والتنوع ظاهرة وطنية.

حافظ الميرازي: اعتبر هذه هي الكلمة، نعم.

د. ميلاد حنا: مَنْ منا، مَنْ منا قد اختار ديانته؟ ومَنْ منا قد اختار لون بشرته؟ ومَنْ منا قد اختار اسمه وأبوه وعائلته؟ ومن هنا.

حافظ الميرازي: وحتى حين يختارها يجب أن يعتز بها ويحترم أعتقد الآخر واختيار الآخر لما اختاره.

د. ميلاد حنا: ومن هنا كانت قبول الآخر.

حافظ الميرازي: شكراً جزيلاً كلما، دكتور أحمد كمال أبو المجد، والدكتور ميلاد حنا، أشكر مشاهدينا في هذه الحلقة من (أولى حروب القرن) من واشنطن، ركزنا فيها حول حوار الحضارات بدلاً من صراع الحضارات، الذي يبدو أن ونتمنى أن يبدأ من الداخل وينطلق إلى الخارج ليكون متسقاً مع الذات.

أشكركم وإلى اللقاء مع الشكر لفريق البرنامج من واشنطن وتحياتي حافظ الميرازي.