أولى حروب القرن

انفجارات أميركا ..دافع للحوار أم لصدام الحضارات?

برنامج حواري مباشر يسلط الضوء على الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأميركية في 11/9/2001، وتداعياته المحلية والإقليمية والدولية وشكل الرد الأميركي عليه، والإجراءات التي سيتخذها المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب.
مقدم الحلقة غسان بن جدو
ضيوف الحلقة د. قاسم جعفر – باحث بالقضايا الإستراتيجية
غسان سلامة – وزير الثقافة اللبناني
عطاء الله مهاجراني – مستشار الرئيس الإيراني لحوار الحضارات
فليس أوكلي – مساعدة وزير الخارجية الأميركي سابقاً
حنان عشراوي – المفوضة الإعلامية للجامعة العربية
تاريخ الحلقة 29/09/2001

– تقييم نظرية صراع الحضارات
– النظرة الأميركية والغربية الحالية للعالم العربي والإسلامي وتداعيات ذلك
– أسباب استهداف أميركا في العمليات الإرهابية
– مدى وجود بعض الأفكار المتطرفة في العالم العربي والإسلامي وكيفية معالجتها

undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined

غسان بن جدو: مشاهدينا المحترمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج (أولى حروب القرن)، هذه المرة من الدوحة. خليطاً من كل شيء كان شعور.. كان شعور سكان أرجاء المعمورة كلهم ممن شاهدوا على شاشات التلفاز الأرضية والفضائية، وتحت الأرضية وما فوق الأرضية، واختاروا ما تشاؤون من التوصيفات لمرئيات أظهرت للعالم بالصورة الحية مشهد الخيال الحقيقة، وبالألوان الطبيعية، انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع (البنتاجون) في واشنطن.

شعورنا جميعاً كان وقتئذٍ خليطاً من الذهول، والارتباك، والذعر، والرفض، والغضب، والخوف، والحيرة، والتساؤل، كان ذلك يوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر الحالي، وتعاطف معظم العالم مع الضحايا والأبرياء، ولاشك أن من بين هؤلاء كان المفكر الأميركي ذائع الصيت (صمويل هنتنجتون)، بل لعله كغيره من الأميركيين شعر بالهول والألم، لكن ربما شعر هنتنجتون في الوقت ذاته ببعض من النشوة والنخوة، ربما، لأنه وقف على حدث جلل أكد نظريته الشهيرة. هنتنجتون، أيها السادة، معروف لدى النخب في غالبية بلدان العالم، ولمزيد من التذكير والتعريف به، بلا مقابل، هنتنجتون من الرجال.. يقول هنتنجتون أستاذ، أيها السادة نقول: هنتنجتون أستاذ نظم الحكم في جامعة هارفارد الأميركية المعروفة، نشرت له مجلة "Foreign Affairs" الشهيرة عام 93 مقالة دشنت حقبة من السجال والجدل بين المفكرين وبعض من السياسيين، عنوانها "صدام الحضارات"، وجوهر المقاربة قول هنتنجتون: إن المصدر الأساسي للنزاع في العالم الجديد لن يكون أيديولوجياً أو اقتصادياً بشكل أساسي، وأشار إلى سبع أو ثمان حضارات: هي الحضارة الغربية، الحضارة الكنفوشوسية، اليابانية، الإسلامية، الهندوسية، السلافية، الأرثوذكسية، والحضارة الأميركية اللاتينية، وربما أيضاً الإفريقية، والعنصر الأهم الذي يفرق بين حضارة وأخرى هو الدين.. ويضيف الرجل: "إن خطوط التماس بين الحضارات ستكون خطوط الحروب في المستقبل، وإن الحرب العالمية المقبلة ستكون حرب الحضارات". ويعتبر هنتنجتون الإسلام بأنه الدين ذو الحدود الدموية وهو العدو أو العدو الأول في هذا النزاع، لكن هنا يا ليت عنوان صدام الحضارات اقتصر على الكتاب المذكور، فالمشكلة الآن أن الصدام بات لدى البعض عنوان العالم الجديد. الرئيس الأميركي (جورج بوش) توعد بالانتقام من المجرمين والإرهابيين الذين نجهلهم واقعياً حتى الآن، وأطلق على حملته وصف (الحرب الصليبية)، كانت زلة لسان، ربما، لا بأس، فبعدها أسف بوش، وقام بمبادرات كلامية إيجابية تجاه المسلمين والعرب، جميل. بعدها أطلق على حملته العسكرية المرتقبة على أفغانستان عنوان (العدالة بلا حدود) بكل خلفياتها التاريخية السلبية كانت زلة لسان، ربما، لا بأس، فلقد غير اسم حملته، جميل.

رئيس الوزراء الإيطالي الملياردير (سيليفو برلسكوني) حليف اليمين المتطرف الفاشي تباهى بإعلانه.. بإعلائه قيم الغرب وحضارته، وجزم بأنها أرقى من الإسلام وحضارته، كانت زلة لسان، ربما، لا بأس، فالرجل تحدث بعدئذٍ بما لامس الأسف، جميل وجميل أكثر ما سمعناه من قادة أوروبيين انتقدوا برلسكوني، ربما عن قناعة أو لغايات سياسية في غمرة هيستيريا تشكيل تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، الإرهاب العربي والمسلم طبعاً، جميل.

لكن أمِن المعقول أن يتعاطى العالم مع قواه العظمى بمنطق زلات اللسان والقلم؟ ماذا لو زل إصبع الرئيس بوش وضغط على الزر النووي؟!

أما عن واقع العرب والمسلمين في الغرب الآن فمعروف، وكان الله في عونهم. نحن منحازون إلى حوار الحضارات والثقافات، ونخشى أن يهيمن منطق الصدام على منطق الحوار، لكن ينبغي أن نقر هنا أن في عالمنا العربي والإسلامي فكراً يروج للصدام، يستبطن التشدد والتطرف، وإقصاء الآخر، ومعاداة الغرب جملة وتفصيلاً، إذاً كان لابد ونحن نرصد تفاعلات ما وصفه الرئيس بوش بأولى حروب القرن أن نراجع هذا الملف، فهل أن العالم يتجه إلى صدام بين الحضارات بكل مفرداته الثقافية والدينية، والسياسية والأمنية، والجيوإستراتيجية، أم أن ما حدث ومازال.. ما يزال يتفاعل على الأرض سيفضي لا محالة إلى خيار عالمي عنوانه (حوار الحضارات)؟

في حلقة اليوم من برنامج (أولى حروب القرن) يسعدنا أن نستضيف في الاستديو الدكتور عطاء الله مهاجراني (مستشار الرئيس الإيراني لحوار الحضارات)، والدكتور قاسم محمد جعفر (الخبير السياسي والدبلوماسي الاستراتيجي)، ومعنا عبر الأقمار الاصطناعية من بيروت الدكتور غسان سلامة (وزير الثقافة اللبناني)، وعبر الأقمار الاصطناعية أيضاً من واشنطن السيدة فليس أوكلي (مساعدة وزير الخارجية الأميركي سابقاً). مرحباً بكم أيها السادة.

أنا أبدأ، اسمح لي دكتور غسان سلامة أن أبدأ معك من بيروت، وإن كنت ينبغي أن أود أن أنوه الآن إلى السادة المشاهدين بأنكم تعلمون جيداً في هذا الوقت بالذات كان ينبغي أن تشاهدوا حلقة جديدة من (حوار مفتوح)، لكننا آثرنا أن نستمر في البرنامج الجديد لقناة (الجزيرة) (أولى حروب القرن)، طالما أننا سنتحدث عن.. حول هذا الموضوع.

دكتور غسان سلامة، أولاً مساء الخير، وشكراً لك على تفضلك بالمشاركة من بيروت.

د.غسان سلامة: مساء النور.

تقييم نظرية صراع الحضارات

غسان بن جدو: دكتور غسان سلامة، أنت من الذين أول –تقريباً- العرب الذين كتبوا وساجلوا صمويل هنتنجتون عام 93، وبحسب علمي أيضاً بأنك ناظرت صمويل هنتنجتون شخصياً في أكثر من مناسبة، وشاركت في أكثر من مؤتمر وندوة بما فيها في (دافوس). الآن عام 2001م هل تعتقد بأن واقعياً –وليس نظرياً- العالم، الشعار الحقيقي والعنوان الأساسي أكثر واقعية هو صدام الحضارات، أم حوار الحضارات؟

د.غسان سلامة: لا طبعاً لا، أنا أعتقد أن نظرية صراع الحضارات هي نظرية مفهومياً خاطئة، وسياسياً خطرة، مفهومياً خاطئة لأنها تعارض كل ما نعلمه وتعلَّمناه وعلَّمناه في مجالات التاريخ والفلسفة والسياسة.

أولاً: هل يعني إذا أخذنا عناصر هذه النظرية وتساءلنا عن كل عنصر فيها أولاً: هل أن الصراع محتم بين الحضارات؟ ونظرنا إلى التاريخ لوجدنا أن سنوات بل قرون التواصل والتجاور والتحاور بين الحضارات هي أطول بكثير من أي صراع بينها، وبالتالي فإن أول حجة ضد نظرية (هنتنجتون) هو أن في عبر التاريخ فالتواصل، والتعاون، والتبادل مرت بمراحل أطول بكثير من مراحل التصادم أو الخلاف.

الحجة الثانية المهمة: لو درسنا تاريخ الحروب عبر التاريخ، وعبر تاريخنا نحن كعرب، أو تاريخ أوروبا، لوجدنا أن الحروب الداخلية داخل الحضارات هي أكثر عدداً، وهي أيضاً أكثر دماراً، وأكثر تقتيلاً للناس من أي حروب بين الحضارات، مثلاً: في عالمنا العربي والإسلامي الحرب العراقية الإيرانية دامت ثماني سنوات، وقضت على مئات الألوف من الناس، في داخل أوروبا، الحرب العالمية الأولى، الحرب العالمية الثانية، كانت حروب أهلية أوروبية بين الألمان والفرنسيين، أو بين قوى أوروبية وقوى أوروبية أخرى، إذاً الحروب داخل الحضارات هي أكثر عدداً، أكثر تقتيلاً، أكثر دماراً من الحروب بين حضارات وأخرى.

ثم الحجة الثالثة المهمة هي: هل فعلاً كما يقول (هنتنجتون) انتهت الدول، انتهت الأحلاف سياسية؟ أنا لا أعتقد ذلك على الإطلاق الدول هي.. قائمة وهي التي تقرر، أنتم كنتم تتحدثون عن بوش أو عن برلسكوني هؤلاء موجودون لا ليتكلموا باسم حضارات، بل لأنهم على رأس أجهزة دولة هي إيطاليا أو الولايات المتحدة، فالقول بنهاية الدول وبنهاية الحكومات وبـ.. يعني.. تفتتها لمصلحة قوى حضارية أمر خاطئ، ولكن الحجة الأقوى ضد نظرية هنتنجتون هي أن الحضارات نفسها غير موجودة كلاعبين في السياسة الدولية، من يتحدث باسم الغرب؟ من كلف بوش أو شيراك أو برلسكوني لكي يتحدث باسم الغرب؟ ومن هو المتحدث باسم المليار مسلم في العالم، لكي نقول أن الحضارة صارت لاعباً دولياً؟ الحضارة هي كنز، كنز نعود إليه لكي نستقي منه قيمنا، أذواقنا، فكرنا، طرق حياتنا، أذواقنا في الطبخ، في الملبس، إلى آخره. وبالتالي ليست هي لاعبة سياسية أو استراتيجية على الساحة الدولية لكي نقول بأنها تتحاور أو تتصادم.. هي الكنز، هي المخبأ، هي المرجع الذي نعود إليه لكي نستقي منه قيمنا وبالتالي فإن نظرية هنتنجتون، وهو أقر في ذلك في عدد من الأماكن، لاسيما في السجالات المباشرة التي يعني واجهته فيها إن في دافوس، أو في برلين، أو في هارفارد نفسها منذ سنتين، هو يقول بالواقع أن هذه النظرية هدفها الحقيقي هي تحويل الغرب إلى قلعة، وتبرير وتبرير استمرار حلف الأطلسي بعد غياب أو سقوط المنظومة الاشتراكية وسقوط العدو الأساسي لحلف الأطلسي، وفي الواقع وهذا آخر فكرة سأقولها..

غسان بن جدو[مقاطعاً]: لكن للأسف، للأسف دكتور غسان، يعني الآن الواقع الموجود الآن صحيح ربما على مستوى الطموح أو المثال أو الرغبة أو الأمل نحن منحازون بشكل أساسي وأكبر إلى حوار الحضارات، ولكن ما هو قائم الآن ألا يُنبَأ للأسف ومع كل هذه الهستريا وهذا التشنج القائم بأن الأمر سيكون أو الصوت الأعلى سيكون للصدام وليس للحوار على الأقل في هذه المرحلة.

دكتور مهاجراني، يعني أنتم في إيران تحدثتم كثيراً عن حوار الحضارات، وحتى دفعتم الأمم المتحدة أن تتخذ من عام 2001م شعار لحوار الحضارات، واقعياً هل أن شعار حوار الحضارات أخفق وفشل الآن قبل أن يبدأ؟

د.عطاء الله مهاجراني: بسم الله الرحمن الرحيم. في البداية أريد أن أشكر منكم، وأضيف نقطة بكلمات دكتور غسان سلامة، أتصور إنه تبين تبييناً كاملاً بالنسبة لهذه القضية، وأضيف هذه النقطة بأنه نظرية هنتنجتون مش نظرية جديدة، لأنه قبل 50 سنة إذا نحن نقرأ كتاب مشهور لـ " Study of History " يتعلق بـ (تويمبي) هو يتكلم عن هذه القضية، وهو كتب كتاباً آخر اسمه " Civilization on Trial" وتكلم حول هذه القضية، ومش هذه النظرية نظرية جديدة، وهذه النقطة نقطة مهمة في نظري بأنه إذا نحن نقول الصدام أو الصراع بين الحضارات كيف نعرف أو كيف نعين أو نحدد الحضارات؟ من هو يعمل من جانب الحضارة؟ أتصور هذه نقطة مهمة جداً كما أشار دكتور سلامة بهذه النقطة. والنقطة الثانية: بأنه هنتنجتون قال في مؤتمر في قبرص وأنا أتذكر هذا المؤتمر، وقال: أنا مخالف لصدام الحضارات، أنا قلت وتبينت نظرية، لأنه الناس يجب لهم أن يلفتوا النظر لهذه المسألة ويتجنبوا منها، لا أنا مؤيد وأنا مدافع عن نظرية الصدام بين الحضارة، هذه نقطة ثانية. والنقطة الثالثة: إذا كان بالفرض إذا نحن نواجه مع الحوادث في أميركا أو حوادث أخرى في أي منطقة، وأُريد أن أضف نقطة هذه في (دور) البعض بأنه الأميركان يريدون أن يقولوا بأنه تغيرت الدنيا بعد حوادث 11 من سبتمبر.

غسان بن جدو: صحيح.

د.عطاء الله مهاجراني: لماذا تغيرت الدنيا؟ لأن قبل 11 سبتمبر..

غسان بن جدو: يعني عالم جديد أصبح الآن.

د.عطاء الله مهاجراني: العالم.. لماذا تغيَّر؟ يعني قبل 11 من سبتمبر نحن شاهدنا الضغوط كثيرة لفلسطينيين، يعني حُطِّم بيوتهم، ذُبح الفلسطينيين، تطلق الطائرات عليهم، تطلق الدبابات عليهم، تدمر بيوتهم، تذبح أبناءهم، لماذا لم يتغيَّر العالم؟! ولكن بعد الحادثة في أميركا تغير العالم، وأتذكر كلمة شفت هذه الكلمة في سفر الجامع في العهد القديم: "فليس تحت الشمس شيء جديد"، السبب مش شيء جديد مش تغيير العالم، ولكن الأميركان يعني إن هم يعتقدون بأن العالم يساوي أميركا، فعندهم إذا كان الحادث يحدث في أميركا يتغير العالم، وإذا كان هذا الأمر يعني علامة مثلاً بالفرض.. بالفرض محالة ممتنع بأن صدام الحضارات يجب أن نتجنب من صدام الحضارات، يعني نحن نتكئ ونستند على الحوار، وحوار رمزاً وعلامة واستناداً لنا لنحارب أو نواجه صدام الحضارات.

غسان بن جدو: نعم، طبعاً.. طبعاً حتى الآن نحن نغوص كثيراً في النقاش النظري، لأننا يعني لا.. لا نود أن نجعل من هذه الحلقة سجالاً مع هنتنجتون نظري، ولكن نريد أن نتحدث عملياً وواقعياً، ولذا سأتوجه بالحديث إلى السيدة أوكلي في.. في واشنطن ضيفتنا، حول هذه النقطة بشكل أساسي، أنتم في الولايات المتحدة الأميركية بعد الحادي عشر من سبتمبر كيف ترون العالم الآن؟ هل هو بالفعل عالم جديد ينطلق بشعار سيئ أم لا؟

[فاصل إعلاني]

النظرة الأميركية والغربية الحالية للعالم العربي والإسلامي وتداعيات ذلك

غسان بن جدو: سيدة أوكلي، أولاً مساء الخير، وشكراً على تفضلك بالمشاركة في هذه الحلقة، وطبعاً ينبغي أن نوجِّه لكِ العزاء والمواساة لك وللشعب الأميركي على ما أصابكم من ألم من جراء التفجيرات الإرهابية، ولكن هذا لا يمنعني من السؤال بشكل صريح، وننطلق من نبض الشارع العربي. سيدتي الفاضلة، الشارع العربي الآن الذي تعاطف كثيراً مع.. مع الشعب الأميركي في تفجيرات نيويورك وواشنطن، ولكنه جزء كبير منهم بل لعله بشكل عام مستاء الآن من هذه الشعارات المرفوعة في الولايات المتحدة الأميركية، ومما يتم التعامل به من قبل بجزء من الشارع هناك مع العرب والمسلمين، ولذا هو يشعر بأن الواقع الآن الموجود في الولايات المتحدة الأميركية شعاره الأساسي –حتى وإن لم يذكر- هو شعار الصدام مع الآخر، الصدام مع العرب والمسلمين، الصدام مع الحضارات، كيف يمكن أن توضحي لنا هذه النقطة؟

فليس أوكلي: شكراً جزيلاً على دعوتي، أنا سعيدة أن أكون هنا معكم وأن أشارك في هذا النقاش. اسمحوا لي أولاً أن أقدم لكم بعض الأفكار، أنا أتفق مع الذين يقولون بأن صدام الحضارات لا.. لا يمكن تجنبه، ونحن نعرف من الجهة الأخرى بأن هناك ربما بعض نقاط الخلاف أو الاحتكاك بين الثقافات المتعددة، وأعتقد لذلك بأن ما لدينا أن.. ما علينا أن ندركه هو إن ممكن أن تكون هناك فترات عصيبة، ولكن علينا أن نحافظ على الحوار، وأعتقد إن ذلك هو مفتاح الحل، أما أحد المتحدثين تحدث عن الأميركيين الذين يقولون بأن العالم تغير، وأنا ممكن أن أرى ذلك من وجهة نظر أخرى، أو أن ذلك قد يبدو استكباراً واستعلاءً من قبل الأميركيين، وربما خلال السنوات الأخرى كانت أميركا.. ذات كبرياء عالي ومستعلية، ليس فقط في العالم العربي، أو الإسلامي، أو في الشرق الأوسط، ولكن في العالم كله، ولذلك أعتقد أن علينا أن نتعامل مع هذه القضية نحن، وأعتقد بأن أفضل وصف هو أن نقول بأن العالم قد تغير بالنسبة للأميركيين، فنحن وبسبب موقعنا الجغرافي بين محيطين كنا دائماً محصنين ضد الكثير من العمليات الإرهابية الكبيرة والحروب الضخمة والتي أثرت على دول أخرى، ولذلك أعتقد بأن علينا أن نأخذ بالاعتبار كيف يرى الآخرين.. يرى الآخرون مثل هذه التعبيرات. نحن نشعر الآن بالضعف، وهذه هي النقطة الحاسمة.

غسان بن جدو[مقاطعاً]: يعني عفواً السيدة أوكلي، أنا أود أن أفهم منك هذه القضية الأخيرة إذا سمحت لي، ما الذي تعنينه بالتحديد من " أننا نحن الأميركيين الآن نشعر بالضعف"؟ أي ضعف تقصدون إذا سمحت لي.. تقصدين؟

فليس أوكلي: نحن لم يكن لدينا الكثير من الأعمال الإرهابية، لقد كنا ننظر إلى الدول الأخرى التي تعاني من الإرهاب فرنسا، وبريطانيا، والعنف والاغتيالات في دول أخرى، ورغم أن كان قليل منها هنا عندنا، ولكن رغم تفجير (أوكلاهوما) ومحاولات الاعتداء على مركز التجارة العالمي، لم يكن لدينا أي شيء مثل هذا الذي حدث من.. في السابق. أعتقد بأن ذلك دفع بالأميركيين أولاً إلى الاستغراب، وبعد ذلك إلى الغضب، والآن التفكير، وهذا التفكير حول كيفية تعاملنا مع الآخرين، وكيفية ملاحقة الإرهابيين، وكذلك تفكير حول مكاننا في العالم وكيف نتعامل مع الآخرين.

غسان بن جدو: هذه نقطة.. نقطة مهمة جداً سيدة أوكلي، خاصة في.. فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الآخرين، وأود أن أناقش بأكثر تفصيل هذه القضية مع الدكتور قاسم محمد جعفر بعد قليل.

[موجز الأخبار]

غسان بن جدو: ذكرت في المقدمة ما قاله رئيس الوزراء الإيطالي الملياردير سيلفيو برلسكوني، ماذا قال بالتحديد هذا الرجل والذي أثار حفيظة عدد كبير من الشارع العربي ومن المسؤولين العرب. نستمع إليه سوية إذا سمحتم.

سيلبفو برلسكوني (رئيس وزراء إيطاليا): يجب أن نعي بأفضلية حضارتنا، فالشرق سيستمر في التوجه نحو حضارة الغرب، وسيزداد هذا التوجه، لقد حدث ذلك في العالم الشيوعي، وحدث أيضاً في أجزاء من العالم الإسلامي.

غسان بن جدو: طبعاً للأمانة السيد برلسكوني تحدث بعدئذٍ في البرلمان وتحدث بلغة لامست الأسف، ولكنه لم يقدم اعتذاراً حتى الآن بشكل واضح، لكن ينبغي أن نقول بأن معظم الزعماء الأوروبيين اختلفوا وأعلنوا صراحة اختلافهم مع رئيس الوزراء الإيطالي.

رئيس الاتحاد الأوروبي حالياً أو الذي ترأس بلده الاتحاد الأوروبي حالياً –بلجيكا- وزير خارجيتها لويس ميشل تحدث بهذه الطريقة وقال:

لويس ميشل(وزير خارجية بلجيكا): إذا تحدث رئيس وزراء دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بهذا المنطق، فإن ذلك مرفوض تماماً، فاعتبار أن حضارة ما أفضل أو أن لها مكانة أرقى من الحضارات الأخرى يعد تعارضاً مع القيم الأوروبية التي نؤمن بها جميعاً.

غسان بن جدو: أما عنا نحن العرب، فلعلنا نختار أمين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى الذي أعتقد ونعتقد جميعاً بأنه تحدث بنبض الشارع العربي، وأجاب برلسكوني على النحو التالي:

عمرو موسى (الأمين العام لجامعة الدول العربية): أعتبر ما قاله السيد برلسكوني من قبيل العنصرية، وبهذا يكون قد تجاوز حدود المنطق وحدود اللياقة. وأشكر وزير خارجية بلجيكا الذي يرأس حالياً المجلس الوزاري للاتحاد الأوروبي، أشكره لرفضه وإدانته، فهذا المنطق لا يفيد، فنحن لا نؤمن بأن هناك حضارة أفضل، وإذا ظن السيد برلسكوني ذلك فهو مخطئ تماماً، وأعتقد أن عليه أن يعلم نفسه، عليه أن يقرأ عن الحضارة الإسلامية، وإلا فإنه سيضع نفسه ودولته إيطاليا في موقف حرج أمام دول حوض البحر الأبيض المتوسط، والدول العربية، والدول الإسلامية.

غسان بن جدو: دكتور قاسم محمد جعفر، دكتور غسان سلامة في بداية البرنامج أشار إلى حديث سيليفو برلسكوني، وقال إن هذا الرجل تحدث بصفته رئيساً لوزراء إيطاليا، يعني هي دولة لا أكثر ولا أقل، ولكن أنا ما أود أن أسألك بصفتك يعني عشت فترة طويلة في الغرب، هل أن ما يحصل الآن في الغرب بشكل أساسي، سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأميركية من رد فعل الشارع الغربي إجمالاً، هل تستطيع أن تقول إنه يعبر عن كمون في الثقافة الغربية، ولكنها ظهرت إلى السطح الآن من خلال هذه فورة الغضب، أم لأ هي مجرد يعني فورة انفعالية سرعان ما.. ما تعود إلى.. إلى وضعها الطبيعي الهادئ؟

د. قاسم جعفر: يعني أعتقد أن علينا أن ننظر إلى هذه المسألة من عدة زوايا وليس من زاوية واحدة، فمثلاً كلام برلسكوني أعتقد يعني ربما كما تفضل السيد عمرو موسى قبل قليل، يعني عليه أن يدرس ويثقف نفسه، ويا حبَّذا لو ظل رجل أعمال وتفرَّغ لإدارة مؤسساته المالية والإعلامية لكان وفَّر علينا هذا الوقت والجهد، لا يعبر كلام برلسكوني عن رأي أحد إلا نفسه وإلا شريحة ضيقة ومحدودة من العنصريين في أوروبا وفي أميركا، وهي شريحة طالما كانت موجودة وستظل موجودة، هذه الشريحة من العنصرية تتخذ أشكالاً مختلفة، هناك عنصريين يهاجمون الآسيويين ويهاجمون السود في شوارع المدن البريطانية، سواء كان هناك صراع في منطقة الشرق الأوسط أو في المحيط الهندي أو لم يكن، هناك عنصريون (كوكلس كلان) في الولايات المتحدة منذ عشرات ومئات السنين أو على الأقل منذ مائتي سنة، وهم يهاجمون السود ويحرقونهم، ويشنقونهم في الولايات الجنوبية، وخاضت الولايات المتحدة حرباً أهلية دامية كانت من أعنف الحروب في تاريخها من أجل إعتاق السود وإعطائهم حقوقهم السياسية، ودفع رئيسها (إبراهام لنكولن) ثمناً لذلك، ولا يزال هناك حتى الآن من يناهض الحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة، وهناك المجموعات التي تكافح من أجل الحقوق المدنية، وكما نسمع بأسماء مثل (جيسي جاكسون) وغيرهم، هناك مجموعات في الولايات المتحدة ممن تقول –حتى هذه اللحظة- أن الحقوق المدنية للسود لم تعط بالشكل الكافي، وبالتالي علينا أن نتابع الجهاد أو الكفاح من أجل ذلك، فهذه..

غسان بن جدو[مقاطعاً]: لكن للأسف يعني تتابعت بعد ما حصل منذ.. منذ اليوم الأول يعني وضع العرب والمسلمين الآن..

د. قاسم جعفر: هذه جزء.. هذا جزء، هذا..

غسان بن جدو: يشعرون ببعض الضيق، يعني رجل لا يسمح له بأن يركب الطائرة.

د. قاسم جعفر: صحيح.. صحيح.

غسان بن جدو: طلبة جامعيين سمعنا بأنهم يودون العودة إلى.. بلدانهم، حتى هذا الأمر ليس فقط في أميركا، حتى في أوروبا.

د. قاسم جعفر: صحيح، هذا جزء، هذا جزء من الأزمة الراهنة، وعلينا أن نتذكر أيضاً أنه خلال الحرب العالمية الثانية اعتُقل آلاف من اليابانيين.. الأميركيين من أصل ياباني، ووضعوا في معتقلات داخل الولايات المتحدة، رغم أنهم كانوا مواطنين أميركيين، ولم.. يعني واستغرق الأمر نصف قرن قبل أن تعتذر الحكومة الأميركية رسمياً لهم لمجرد الاشتباه بأصولهم أنهم كانوا من أصل ياباني عندما حدثت مسألة (بيرل هاربر) واشتبكت الولايات المتحدة واليابان في الحرب العالمية الثانية.

في بريطانيا البلاد التي يعني تعتز بتراثها الديمقراطي وبتحررها الاجتماعي والسياسي إلى آخره، وبالحقوق التي تعطى للأقليات فيها، خلال الحرب العالمية الثانية قُبض على المئات بل والآلاف من الألمان ومن البريطانيين من أصول ألمانية، ومن أصول أوروبية وُسطى وشرقية ممن كان يشتبه بأنهم قد يكونوا من المؤيدين للنازية خلال الحرب العالمية الثانية. ما يحدث في أوقات الأزمات وفي أوقات الصراع من قبل أقليات معينة، من قبل فئات فاشية، من قبل فئات عنصرية تجاه الهدف الأسهل الذي تجده أمامها، الذي يتمثل في عرق مختلف، أو في لون مختلف، أو في ديانة مختلفة، لا يجب أن يشكل لنا بالضرورة معياراً على ذلك المجتمع وعلى قيمه ومثله، ما يجب أن يشكل لدينا المعيار، وهنا ما يجب أن نركز عليه، ليس كلاماً صادراً عن برلسكوني وأمثاله، وليس تصرفاً صادراً عن رجل عنصري أو مجموعة من العنصريين ممن يلقوا حجارة هنا أو يهاجموا مسجداً هناك. ما يجب أن نركز عليه هو المؤسسات وطريقة تعامل المؤسسات الحكومية والسياسية في تلك البلدان مع أقلياتها العربية والمسلمة.

غسان بن جدو[مقاطعاً]: وهذا يخليني..

د. قاسم جعفر[مستأنفاً]: هل تغير القوانين؟ هل تغير الحقوق؟ هل.. هل تقلص من قدرة المواطنين على التمتع بحقوقهم وواجباتهم فقط لأنهم من أصول عربية أو إسلامية؟ إذا ما حدث ذلك نكون قد دخلنا مرحلة الخطر، أما إذا ظلت المؤسسات والقوانين تعطي المساواة لجميع مواطنيها، واقتصر الأمر على هذه الأقليات العنصرية، فإن هذه الأقليات العنصرية لا يجب أن تشكل بالنسبة لنا.. يعني انعكاساً أو تعبيراً عن المجتمع الذي تعيش فيه.

غسان بن جدو: نعم، وهذا ما يدفعني إلى التوجه من جديد إلى واشنطن مع السيدة أوكلي، خاصة وأن وقت الأقمار الاصطناعية معها سينتهي قريباً.

سيدتي، إضافة لما قاله الدكتور قاسم محمد جعفر، ربما تشاهدين قناة (الجزيرة) ونحن في الحقيقة لدينا هنا اتصالات عبر الجزيرة نت، يعني من.. كل المشاركات تقريباً، كل المشاركات بدون استثناء التي وردت إلى الجزيرة نت حتى الآن كلها أسئلة وملاحظات موجهة لك شخصياً وإلى الولايات المتحدة الأميركية، ملخصها سيدتي الكريمة، أن الشعب العربي يقول لك ولكم هناك في الولايات المتحدة الأميركية: تعاطفنا معكم كشعب، ونددنا بشكل كبير بهذه التفجيرات، لكن ما حصل بعدئذٍ أساء لنا.. أساء لنا كثيراً، وخاصة.. خاصة أن هناك منطقاً جديداً يبدو أنه موجود الآن، ليس فقط لدى شخص الرئيس الأميركي، وليس فقط لدى شريحة –كما تفضل الضيف قبل قليل- من شريحة عنصرية، ولكن هناك خوف من أن القوانين والمؤسسات في الولايات المتحدة الأميركية تصبح تعمل بطريقة أخرى تناقض فيها كل الحقوق وكل القوانين.

أنا أود أن أسألك سيدتي، غداة تفجيرات 11 سبتمبر الرئيس.. وزير الخارجية الأسبق (هنري كيسنجر) كتب في "الواشنطن بوست" يقول في عنوان: "الثأر ليس رداً كافياً" حتى لا أطيل عليك في هذا المقال لعلك قرأتيه، ما لفت انتباهنا أن السيد كيسنجر يقول: من الضروري ما حصل مواجهته بهجوم على النظام الذي أنتج هذا التهديد، ثم يحيل إلى ما حصل في (بيرل هاربر)، حتى يقول: "إن ما حصل وقتذاك انتهى فيها الهجوم على (بيرل هاربر) أي تدمير النظام الذي كان مسؤولاً عن ذلك"، وأنت تعلمين جيداً بأن نظام الحكم في طوكيو لم يسقط، لكن الذي حصل أن أميركا ضربت هيروشيما، ونجازاكي، وقتلت الآلاف بالقنبلة النووية، هذا السؤال الآن.. هل أن الولايات المتحدة الأميركية ستغير قوانينها وتغير طريقة تعاطي مؤسساتها، سواء في الداخل مع مجتمعها، أو مع الخارج نحن العالم الخارجي بشكل عام، بمنطق: "إما معي أو أنك ضدي"، تماماً كما قال السيد جورج بوش: إما مع الإرهاب أو معنا؟

فليس أوكلي: شكراً لهذه الفرصة التي تمنح لي لمناقشة ما قاله الرئيس. أعتقد بأن هناك قضيتين منفصلتين، وأود أن أقول شيئاً عن كل منهما، كلنا كل أولئك الذين لديهم أصدقاء من العرب كانوا قلقين عن التقارير التي تتحدث عن المضايقات والشتائم التي يتعرض لها العرب والأطفال في المدارس، وقد سنحت لي الفرصة لأن أتحدث مع صديقي (جيمس زغبي) الذي تحدث عن ذلك، وتعرض لها، وما كان يقلقه هو أن هناك أعداد كبيرة من هذه الحوادث التي جعلت من العرب والأميركيين.. العرب الأميركيين يشعروا بأنهم ليسوا في بلدهم، كما أنا السلطات الأميركية تركز كثيراً على كل المجموعات التي تمارس التمييز بهذا الشكل، فالمواطنين يجب عليهم أن يتصلوا بمنظمات حقوق الإنسان ومع السلطات، وكما فهمت أيضاً أمس كان هناك ثلاثة أشخاص قد تم تقديمهم للقضاء بسبب اعتداءهم على العرب الأميركيين، وأنا أعترف بأن ذلك موجود وسيستمر، ولكننا سنتخطى هذه الفترة العصيبة وأن نعود إلى ما كنا عليه. أعتقد إنه من الصعب جداً أن نناقش الانتقام وما يحدث بعده، أنا سمعت أحد المتحدثين يناقش ذلك ويقول: بأن الانتقام لا ينفع، وما يقصد بذلك هو أن عليك أن تفكر بذلك، وبالنسبة للعديد من الذين اختبروا العالم وعاشوا في الشرق الأوسط، وقد عشت في لبنان، وفي باكستان، وتزوجت في القاهرة، ما يقلقنا نحن هو.. هو أن أفعالنا لا تساهم بحل المشاكل التي تعترضنا، ولكن بعد ما قلت ذلك أعتقد بأن لديكم.. عليكم أن تفهموا بأن الأميركيين أصيبوا بجراح، وهم يعتقدون بأن أعداءهم يركزون عليهم، ليس بسبب الخلافات السياسية، فهذه ليست حرب تقليدية، أو حكومة تعلن الحرب، أو تتصرف بطريقة حضارية ووفقاً لقوانين الحرب، ولكن ما حدث هو إرهاب وشر ابتلينا به، وما قيل..

غسان بن جدو [مقاطعاً]: لا شك.. لا شك سيدة أوكلي، في ما أن ما تقولينه بأن الأميركيين مجروحون الآن، وبأن ما حصل هو إرهاب، لا شك في هذا ولا نقاش، ولكن هل هذا يبرر أن يقول الرئيس الأميركي جورج بوش ويقسم العالم: "إما معنا وإما مع الإرهاب"، يعني هل هذا تقسيم جديد الآن للنظام الدولي للعالم بهذا الشكل؟ يعني هل يعقل هذا الأمر؟

أسباب استهداف أميركا في العمليات الإرهابية

فليس أوكلي: أعرف بأن هذه الجملة.. لا أعتقد بأن هذا التقسيم صحيح، ولكن ما قاله: أنكم يجب أن تفهموا تصميم الولايات المتحدة، نريد أن نعمل معكم وخاصة مع الدول التي ربما كانت.. كان يشك في إيوائها لإرهابيين، ولا تقوم بالعمل الكافي بهذا المجال، وسنقوم بالضغط عليها، ولكن ما نحاول قوله بأننا لن نقوم بعملية انتقام وقصف المدن وقتل الناس، فهذا ليس الهدف، ما نريده هو أن نصل إلى جذور هذه المشكلة، وأن نجلب إلى العدالة أولئك الذين قاموا بهذه الأعمال الشريرة، ونحن نشعر بأن الأشخاص الذين يؤوهم هم عملاء لهم.

غسان بن جدو: دكتور غسان سلامة في بيروت، هل تعتقد.. أنت تعلم جيداً بعد انتهاء الحرب.. يعني انتهاء حرب الخليج الثانية والرئيس الأميركي الأب جورج بوش بشر.. بشر بنظام دولي جديد وأعطاه بعض المعطيات والمفردات، الآن الرئيس جورج بوش الابن يبدو أنه يريد إعطاء مفردات أخرى، توصيفات أخرى لهذا النظام الدولي الجديد على قاعدة: "إما مع الولايات المتحدة الأميركية وإما مع الإرهاب". هل تعتقد بأن هذا الأمر سينعكس على.. علينا نحن في المجتمعات العربية أولاً، وعلى علاقاتنا مع الولايات المتحدة الأميركية التي هي بالأساس ليست إيجابية، على الأقل من ناحية الشعوب؟

د. غسان سلامة: يعني الرئيس جورج بوش الأب عندما كان نائباً للرئيس أيام (ريجان) كان رئيس لجنة رئاسية خاصة عملت لفترة حوالي السنة إذا أذكر تماماً، إما سنة 84 أو 85، لجنة خاصة بمكافحة الإرهاب، منذ 15 عاماً، وتقدمت للإدارة آنذاك بعدد من المقترحات، وما حصل في نيويورك في الحادي عشر من أيلول يثبت بأن مسألة مكافحة الإرهاب على الطرق القديمة الأميركية لم تنفع، والبرهان هو الآن أمامنا، أصبحت –كما كانت تقول السيدة فليس أوكلي- أصبحت الولايات المتحدة مثلها مثل عدد كبير من الدول، أصابها الإرهاب، وأصابها العنف ضد الأبرياء، وهذا يعني أن المقاربة الأميركية لمفهوم الإرهاب في العشرين سنة الماضية لم تكن ناجعة، ولذلك أنا أفهم أن يكون هناك في الولايات المتحدة حالياً إعادة نظر جذرية بالطرق التي استعملت لفهم أسباب الإرهاب أو للتعرف على من يقومون بذلك، وأنا أضع بالحقيقة بعض زلات لسان الرئيس الأميركي في إطار التوجه للرأي العام الداخلي، واستنهاض الهمم، ورفع المعنويات.

الموضوع الأساسي هو ما يدرس حالياً في الحلقات الأضيق داخل الإدارة الأميركية لإعادة النظر بعشرين سنة من المكافحة الفاشلة للإرهاب، والبرهان أنه سنة 2001م يعني 16 سنة بعد تأسيس لجنة برئاسة جورج بوش الأب لم تتحسن الأمور، بل على العكس من وجهة نظرهم ساءت، المسألة هي طبعاً..

غسان بن جدو [مقاطعاً]: طيب ألا تعتقد دكتور سلامة.. دكتور سلامة، أن..

د. غسان سلامة: نعم؟

غسان بن جدو: ألا تعتقد –عفواً- بأن المطلوب الآن ليس فقط مراجعة هل أن سياسة مكافحة الإرهاب نجحت أم فشلت، أن على الإدارة الأميركية أن تراجع سياساتها إجمالاً في هذه المنطقة، حتى تعلم لماذا ضربت أميركا فقط؟

د. غسان سلامة: آه طبعاً.

غسان بن جدو: المشكلة أن في الولايات المتحدة الأميركية، ونحن نتابع وسائل الإعلام الأميركية، ونتابع خطابات السياسيين، كلهم الآن يتحدثون من فجر؟ من الذي يؤوي الذين فجروا؟ كيف فعلوا؟ كيف قاموا؟ كيف خططوا؟ ولكن لا أحد يسأل: لماذا فعل بأميركا كل هذا؟

د. غسان سلامة: لأ، يسأل أحياناً، ربما ليس بالعمق وليس بالجدية التي نحن نريدهم أن يقوموا بذلك، لكن يسأل، وأنا قرأت في الصحافة الأميركية، وقرأت على لسان عدد من المسؤولين كلام يشير إلى بداية وعي، إلى عدد من الأمور:

أولاً: إن الفكرة القائمة منذ عشرين عاماً –ونحن في لبنان دفعنا ثمنها مراراً وتكراراً- بأن من يحمل السلاح لتحرير أرضه أو لزوال الاحتلال عنه هو بالضرورة إرهابي، لأن إسرائيل صنفته إرهابي، هذا الأمر هناك حالياً إعادة نظر فيه، وآمل أن تذهب إلى النهاية هذه الفكرة، لأن حمل السلاح للدفاع عن الأرض أو لإنهاء احتلال ليست إرهاباً، وليس هناك أحد مستعد لإعادة كتابة تاريخه لكي يأخذ بعين الاعتبار هذا الخلط غير المقبول بين التحليل الإسرائيلي والتحليل المقبول لما هو الإرهاب.

ثانياً: كانت النظرية السائدة منذ عشرين عاماً: أن الإرهاب هو دائماً عمل دولة تستعمل منظمات لمصالحها الخاصة، وكان دائماً السؤال الذي يطرح هو: من هو وراء هذه المنظمة التي.. الذي.. التي تقوم بهذه الأعمال؟

إذا صدقنا الرواية الأميركية عن اتهام بن لادن بما حصل في نيويورك فهذا يشير إلى أن هذه الفكرة البدائية بأنه ليس هناك دولة بالضرورة وراء أي تنظيم يقوم بهذا العمل، يجب أيضاً إعادة النظر فيها، هناك في عالم اليوم.. هناك في عالم اليوم منظمات أقوى من الدول، وهي تتعامل مع الدول وكأنها مستأجرة شقة عندها، وليس بالضرورة لأنها أداة لهذه الدول، وهذا ما نحاول أن نقوله للأميركان منذ فترة طويلة، ولكن طبعاً لم يكن يستمع إلينا لأن هناك تفكير معين، يعني كان غالباً على النظر إلى ما يسمى بالإرهاب.

الفكرة الثالثة: الأساسية والتي كانت غالبة، وربما أنها تغيرت، وآمل أن تتغير مع الحادي عشر من.. من أيلول الحالي، هو أن هناك دائماً أسباب سياسية.. أسباب سياسية، وأن بعض المواقف في السياسة الخارجية تنتهي الدول إلى حد ما بدفع ثمنها، وبأن حل المعضلات السياسية أمر أساسي، نحن كنا نقول هذا الأمر خلال حرب الخليج، وكنا نقول: نأمل بأن لا يتوقف القتال على الحدود الكويتية –العراقية تحت خيمة صفوان إلا ويكون.. وتكون القوة الفاعلة في النظام الدولي قد فهمت أن حلاً عادلاً وشاملاً للنزاع العربي –الإسرائيلي يسهم بعدم تكرار هذه.. هذه المآسي، لكن عندما تضاءل الخطر العراقي، أو ما كان ينظر إليه على هذه الطريقة في ذلك الحين، وعندما دخلنا في متاهات مدريد وواشنطن وإلى آخره، ربما هذه الأفكار التي كانت متداولة أيام أزمة الخليج تناساها.. تناساها طبعاً القادة في عدد من الدول، ونحن عدنا إليها اليوم.

هذه هي الأفكار الثلاثة الأساسية: واحد: التنظيمات المسلحة ليس وراءها بالضرورة دولة تحركها، ثانياً: حمل السلاح للدفاع عن قضية ليس بالضرورة إرهاباً، لاسيما في حالات الاحتلال والتفرقة، وما شابه من الأمور وثالثاً: إن حل القضايا السياسية هو الدواء الناجع لوقف تطرف فئات داخل.. داخل مجتمع معين.

غسان بن جدو: حول النقطة الأولى التي ذكرها الدكتور غسان سلامة بأن المنظمات الإرهابية ليست بالضرورة منظمات ترعاها دول، دكتور مهاجراني، أنتم تعلمون بأن إيران متهمة من قبل الولايات المتحدة الأميركية بأنها دولة ترعى الإرهاب، وفي هذه القضية الأخيرة عدد كبير من المراقبين، وربما حتى من السياسيين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، أصيبوا ببعض الحيرة في فهم حقيقة الموقف الإيراني، منذ اللحظات الأولى إيران نددت بتفجيرات واشنطن، نيويورك ووصفتها بالإرهابية، ثم تقدمت خطوة وقالت إن إيران مستعدة للتعاون مع المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب، قبل يومين أو ثلاثة أيام المرشد علي خامنئي وجه حمله انتقادات عنيفة على الولايات المتحدة الأميركية، حتى الرئيس محمد خاتمي وجه انتقادات للرئيس جورج بوش. أين إيران بالتحديد؟ يعني هل أنتم مع معسكر الإرهاب، أم مع المعسكر الذي تريد أن تقوده الولايات المتحدة الأميركية من أجل مكافحة الإرهاب؟ أين أنتم بالتحديد؟

د. عطاء الله مهاجراني: أظن موقف إيران موقف مشخص وواضح جداً، يعني نحن ندين الإرهاب في أي مكان بأي وسيلة، من ناحية أي جانب، يعني الإرهاب أمر لا يمكن لشخص أو لدولة أن يؤيد أو أن يساند الإرهاب طبعاً، ونحن كإيرانيين من بداية الثورة حتى الآن نحن ضحية الإرهاب، يعني كنا شاهدنا بعض التفجيرات في مقر رئاسة الجمهورية في إيران، في مقر رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران، استشهد رئيس الوزراء، استشهد رئيس الجمهورية، استشهد بعض الوزراء، استشهد أكثر من 30 نائباً في مجلس الشورى الإسلامي، استشهد كثير من الناس، آلاف من الناس استشهدوا، طبعاً نحن شاهدنا، ونحن كنا يعني بالنسبة للإرهاب مظلومين، في كل سنة في كل أسبوع في بعض الأحيان نحن شاهدنا الإرهاب، وطبعاً نحن ندين الإرهاب.

ولكن النقطة التي دكتور سلامة أشار إليها: بأنه الإرهاب يختلف مع المقاومة، وطبعاً إذا نحن نواجه مثل هذه المسألة، احتل أرض لبنان من جانب إسرائيل، احتل أراضي فلسطين، احتل الفلسطينيين من جانب الإسرائيليين، وطبعاً حق لشعب لبنان، حق لشعب فلسطين، أن يدافعوا عن حقوقهم، لا يمكن أن نقول هذه الأعمال إرهابية، ولكن لرجل هو يقتل أبرياء عملية عشوائية، بدون أي دليل، بدون أي مبرر، ويقتل الناس، طبعاً هو عمل إجرامي وعمل إرهابي، ونحن ندين. وأتصور يعني بالنقطة التي أنت تذكرتها بأن موقف السيد القائد في أنه رئيس الجمهورية أتصور هذا الموقف يرتبط بكيفية الكلمات والمواقف، ورئيس الجمهورية في أميركا السيد بوش، أنه هو تكلم بكلمات لا يمكن أن نقبل هذه الكلمات، أتصور في بعض الأحيان تذكرت بأن هذه الصياغة للكلمات التي يستخدمها السيد بوش مثل كلمات (جون فين) في أفلام سينمائية مثلاً I want Bin Laden dead or a live يمكن.. "يجب أن يكونوا معنا أو علينا"، لماذا يمكن أن نقبل هذه الكلمات وهذه الألفاظ، وأتصور يعني شخص مثل رئيس جمهورية أميركا مثل جورج بوش أو رئيس الوزراء الإيطالي يحتاجون إلى ضبط اللسان وإلى ضبط النفس، وهذه الكلمة كلمة عيسى –عليه السلام- في العهد الجديد أنا أتذكر هذه الكلمة: بأن "من لم يكن له ضبط النفس وضبط اللسان هو كمدينة منهدمة، ليس له سور". أتصور أن هذا الموقف السيد القائد السيد رئيس الجمهورية يعني السيد خاتمي انتقد من غطرسة ونرجسية التي ظهرت في كلمات السيد بوش وطبعاً..

غسان بن جدو [مقاطعاً]: أين أنتم الآن؟ انتقدتم، يعني هل أنتم مع..

د. عطاء الله مهاجراني [مستأنفاً]: طبعاً نحن.. نحن ندين الإرهاب لسنا لا مع الإرهاب، في أي منطقة من طريق أي شخص أو أي جمعية، وطبعاً نحن نوافق بأن يجب أن نكافح مع الإرهاب في المجتمع الدولي في ظل الأمم المتحدة مش في ظل دولة واحدة وأن تجربته.. تجربتها وتاريخها ومواقفها طبعاً يخلق لنا بعض الشكوك في بعض المسائل..

غسان بن جدو [مقاطعاً]: ولكن أنت تعرف جيداً -دكتور مهاجراني- بأن الأمم المتحدة يعني مقادة من قبل أميركا، يعني في سرعة قياسية مجلس الأمن أقر قانوناً لمكافحة الإرهاب وتجفيف ينابيع، فهذه القضية.. يعني هناك من يفهم بأن.. بأن موقفكم هو تكتيكي، وليس ثابت وليس مبدئي الآن في هذه اللحظة بالتحديد، يعني أنتم وكأنكم تريدون تفادي ضربة أميركية، يعني أميركا ربما ستهجم على هذه المنطقة، تريدون تفادي ضربة أميركية، ولكن في الوقت نفسه لا تريدون التخلي عن الجماعات التي تدعمونها، وهي مصنفة أميركياً بأنها إرهابية؟

د. عطاء الله مهاجراني: أتصور يعني بأنا كإيرانيين من بداية الثورة حتى الآن ليس هذه المسائل لنا جديدة، يعني نحن واجهنا مسائل ومخاطرات ومصائب ومشاكل متعددة ومختلفة.. نحن لسنا خائفين من أميركا أو من كيفية رد الفعل الأميركي في المنطقة، ولكن نحن نقول: كيف يمكن أن نمشي في ركاب أميركا؟ أنتم وسائر الإخوة العرب الفلسطينيين نحن نشاهد في كل يوم إسرائيل تطلق الدبابات على الفلسطينيين، يكون زيارة أو لقاء بين عرفات وبين بيريز في مطار غزة، وبعده.. يعني وبعده..

غسان بن جدو: مباشرة يضربون، نعم، على كل حال.. نعم.

د. عطاء الله مهاجراني: طبعاً.. كيف يمكن أن نقبل بأن أميركا التي.. هذه الدولة في كل الأحيان يساعد ويساند إسرائيل، في كل الأيام وفي كل الأحيان، يدعمه في كل الأمور،وطبعاً هذه هي الدولة التي يريد أن يكافح أو يحارب مع الإرهاب، كيف يمكن أن نقبل..

غسان بن جدو: طب، على كل حال سنناقش بأكثر تفصيل الهدف الاستراتيجي والجيوبولوتيكي -لو صح التعبير- كما يقال للحملة الأميركية المرتقبة.

[فاصل إعلاني]

غسان بن جدو: كنا نتحدث قبل قليل عن ما يعتبر تصنيفاً جديداً للعالم من خلال إما مع الإرهاب أو مع الولايات المتحدة الأميركية.

الدكتور غسان سلامة اعترض على هذا الأمر.. على طريقته في بيروت، الدكتور عطاء الله مهاجراني اعترض بشدة على طريقة أكثر وضوحاً هنا في الاستديو في الدوحة، وأنا لذا مضطر أن أعود لواشنطن للسيدة أوكلي، خاصة وأن لديها توضيحاً حول هذه القضية، لكن أرجو سيدة أوكلي أن تأخذي في الاعتبار وأنت تردين على ما سمعته إلى مسألة إضافية إذا سمحت. في معظم الأسئلة التي جاءتني، وهي يعني تتواتي بشكل مكثف أكثر، كلها بنسبة 99% ما عدا سؤال واحد موجه إلينا نحن في قناة (الجزيرة) وسأجيب عليه في نهاية هذه الحلقة، كلها إليك، ملخصها هذه الملخص الجديد. أن هناك تشكيك في أهداف الولايات المتحدة الأميركية من الشعار الذي ترفعه الآن من إمكانية ضربها لأفغانستان، باعتبار أن أفغانستان تؤوي أسامة بن لادن، وهو المفترض لديكم في الولايات المتحدة الأميركية بأنه المتورط الرئيسي في التفجيراته التي أصابتكم هناك.

هذا التشكيك سيدتي يقول: إن الهدف الأساسي للولايات المتحدة الأميركية هو أن تبسط سيطرتها على تلك المنطقة، من خلال أفغانستان تبسط سيطرتها على آسيا الوسطى، وعلى القوقاز، وعلى بحرقزوين، وعلى النفط، وتطوق إيران من جهة، ثم بعد ذلك تستهدف العراق –كما جاء في سؤال أحد الأصدقاء هنا- كيف توضحين لنا هذا الأمر سيدتي؟

فليس أوكلي: هناك القليل من الوقت أمامي وكثير من الأشياء أريد أن أقولها حول موضوعات عديدة تحدثتم عنها.

واسمحوا لي أن ألخص في الوقت المتاح لي، أن أعلق على بعض النقاط فقد عملت عليها خلال سنوات طويلة، ربما لن استطيع أن أقنع الناس بكلمات بسيطة، ولكن آمل أن أقدم وجهة نظر أو لمحات عما يمكن أن يفكر به الناس من خلال ملاحظاتي التي أخذتها.

أولاً: أنا أتفق مع التعليقات حول أن طبيعة الإرهاب قد تغيرت، فقد عملت على هذه القضية خلال السنوات العشرين الماضية، وأنا أدرس هذه المادة، وبالتأكيد فأن طبيعة الإرهاب قد تغيرت، وتغيرت بشكل كبير جداً، خاصة إذا.. بالنسبة لنا خلال الأيام الأولى لعمليات خطف الطائرات واختطاف الأشخاص والأميركيين، كانت هذه مراحل للإرهاب مررنا فيها وانتهينا منها، وأنا أتفق أيضاً بأن معظم هذه الحوادث كان لها دوافع سياسية محددة، والمنظمات كانت تعلن عن مسؤوليتها عن هذه الحوادث، ولهذا السبب.. أن ما نواجهه الآن هو شكل آخر من الإرهاب، حيث لا.. لا أحد يدعي مسؤوليته، ولا يظهر ذلك بأن له هدف سياسي واضح، وإنما يظهر لمعظم الأميركيين هو فقط لإيذاء الأميركيين.

ربما، ولكن كثير يقولون..، وأنا أطرح أيضاً السؤال دائماً: لماذا يكرهوننا بهذا الحد؟! لماذا يوجهون هجماتهم ضدنا ويتأمرون علينا؟ وهذا جزء من فترة التفكير التي يمر بها الأميركيين، أعتقد بأن الكثير قد أقر بأننا قد تصرفنا باستعلاء وبأن الأمور.. وإن الأمور ربما كانت جيدة بالنسبة لنا، لم تكن جيدة للآخرين، ولم ننتبه إلى احتياجات العالم من حولنا، ولكن اسمحوا لي أن أقول مرة أخرى: بأني أعتقد بأن نضع اللوم أو نتعامل مع الآخرين ليس كافٍ، فالانتقام أيضاً ليس كافي، فالسؤال المطروح هنا: أين سنذهب أو سننطلق من هنا، وكيف نجعل من هذه المواقف.. نحولها إلى وضع أفضل، الأميركيين يركزون على المستقبل، ولذلك آمل بأن الكثير من أصدقائنا العرب سيساعدونا بالتركيز على المستقبل، أين ننطلق من هنا من أجل أن نجعل ذلك..

غسان بن جدو [مقاطعاً]: سيدة.. سيدة أوكلي إذا سمحت.. سيدة أوكلي إذا سمحت لي بمقاطعتك هنا، أنت سألتي سؤالاً جوهرياً ومحورياً وأساسياً عندما قلت وتساءلت: لماذا يكرهوننا؟ وقد حسبت –في الحقيقة- أنكم بعد –على الأقل- مهلة التفكير، وخاصة بأنك خبيرة لمدة سنوات طويلة في متابعة هذه الشؤون، حسبت بأنك ربما ستلمحين لنا ولو ببعض الإجابة، هذا لم يحصل، أنا أعاود السؤال: لماذا –كما تقولين- يكرهونكم؟ ألا تعتقدين -سيدتي- بقطع النظر عمن هو وراء التفجيرات حقيقة في الولايات المتحدة الأميركية ، مع العلم -سيدتي الكريمة- بأن معظم الشارع العربي لا يصدق مطلقاً بأن العرب وبن لادن هم وراء هذا الأمر، ولكن على كل حال هذه قضية أخرى، ألا تعتقدين بأن السياسة الأميركية في المنطقة العربية، وفي منطقة الشرق الأوسط، وخاصة منها هذه الحماية اللا محدودة لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية، وعلى حساب الحقوق العربية لا محدود، وانحياز حتى غير موضوعي؟! ألا تعتقدين -سيدتي الفاضلة- بأنه جزء أساسي لهذه النظرة السلبية لجزء من الشارع العربي للإدارة الأميركية؟

فليس أوكلي: لابد أن أقاطعك كما قاطعتني، ما أقوله هنا: هو أن الأميركيين سيحاولون أن يفهموا ذلك، أعتقد بأن الشعور الرئيسي لمعظم الأميركيين المثقفين هو أن ذلك كان عمل متطرفين، وكان.. وقد رأينا ذلك على كل الصور بسبب الكره الكبير والمستأصل ضد الولايات المتحدة، هذه حقائق، أنا لا أقول بأن ذلك صح أو خطأ، ولكن هذا واقع في العالم العربي بأن الولايات المتحدة ينظر إليها بأنها داعمة لإسرائيل بشكل مطلق، ولا تفعل.. ما هو كاف للعالم العربي.

وإذا سمحت لي بأن أكمل: إنه إذا كنت أحد قادة العالم العربي أو الإسلامي ما سأقوله للولايات المتحدة الآن: نعم ما حدث لكم هو فظيع، ونحن أيضاً حصلنا على حصتنا من الإرهاب، وسنساعدكم في التعامل مع هذه القضية.. قضية الإرهاب على أساس إنكم ستضاعفون جهودكم، من أجل أن يكون هناك سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، أنا.. لقد خاب ظني كثيراً بفشل جهود كلينتون، وكان فشلاً ذريعاً، ممكن أن نناقش ذلك لفترة طويلة، ولكنني قلقة على مستقبل السلام في الشرق الأوسط، منذ عام 73 عندما كنت أعيش في بيروت، وبرأيي إنه كان هناك تقدم ضئيل، ومن الواضح أننا تراجعنا كثيراً، علينا أن نركز على..

غسان بن جدو [مقاطعاً]: شكراً.. شكراً لك.. شكراً لك سيدة أوكلي.. شكراً لك سيدة أوكلي، على هذه المداخلة القيمة، وهذا التوضيح الواضح، ولكن الأقمار الاصطناعية لديك سينتهي بعد لحظات، شكراً لك على مشاركتك، وأنا مضطر الآن إلى الانتقال إلى رام الله، حيث تلتحق أو تنضم إلينا الآن الدكتورة حنان عشراوي (المفوضة الإعلامية لجامعة الدولة العربية). مساء الخير دكتورة حنان.

د. حنان عشراوي: مساء النور، أهلاً غسان.

غسان بن جدو: دكتورة، تذكرين من مفارقات الزمن أن يوم 11 أيلول سبتمبر الحالي كنت أنا في الدوحة هنا وأنت -على ما أعتقد- في القدس، وكنت قد اتصلت بك هاتفياً، والمفارقة وقتذاك أنه.. أنه هذا الاتصال الهاتفي كان قبل حوالي ساعتين أو ثلاثة ساعات من التفجيرات، المفارقة وقتذاك أنني كنت.. أهيئ معك حلقة حوار مفتوح لهذا المساء، وكان يمكن أن تكون في نيويورك، وكنا قد هيأنا لهذه الحلقة منذ أربعة أشهر، والموضوع وقتذاك -دكتورة حنان عشراوي- هو إمكانات التأثير العربي في الولايات المتحدة الأميركية.

الآن السؤال –لو صح التعبير- معاكس بشكل آخر، بعد ما حصل في الولايات المتحدة الأميركية، هل بقي لنا شيء –لا نتحدث عن العرب والمسلمين هناك ولكن نحن الذين هنا- هل بقي لدينا شيء هناك، حتى نؤثر به على المؤسسات والمجتمع الغربي والأميركي بشكل خاص؟

د. حنان عشرواي: أنا في رأيي يعني أولاً: أذكر ذلك التاريخ، وأذكر أننا تكلمنا أيضاً عن صراع الحضارات والحوار ما بين الحضارات والثقافات.

غسان بن جدو: صحيح.

د. حنان عشرواي [مستأنفة]: وأقول بأننا الآن يعني يجب ألا نستسلم لمحاولات التبسيط وخلق واقع مبسط أو واقع مستقطب ما بين الحضارة الغربية والشرقية والإسلامية والمسيحية، أو كل هذه النظريات التي حتى هي تبسيط لكتاب هنتنجتون والذي يتعامل العالم معه وكأنه اكتشفه اليوم، وهو موجود يعني منذ عدة سنين، منذ عام 93 أظن، فبالتالي القضية هي قضية تعريف الذات، تعريف الهوية، تعريف القيمة الذاتية، قسمة الثقافة والحضارة بشكل متكامل، وتعريف أيضاً أن الحضارة هي إرث إنساني متكامل، ولم تكن في أي يوم من الأيام محصورة في فئة، أو في طرف، أو في دولة، أو في مجموعة، وإنما تبقى متكاملة باعتبارها إرث إنساني،وتتفاعل بشكل مستمر، وما وصلنا إليه اليوم –أنا في رأيي- هو محطة، نقطة تحول، الولايات المتحدة الآن في صدمة كبيرة اكتشفت –ولو على فجأة- بأنها غير معصومة، وبأنها لا تملك الحماية الكاملة التي كانت تظن أنها تملكها، وبأنها تستطيع أن تتدخل في العالم بدون أن يتدخل العالم في شؤونها، فبالتالي هناك صدمة آنية وردود فعل عاطفية، ربما دعوة للانتقام وللثأر، ولكن بعد أن تهدأ الأمور، وقد بدأت مظاهر يعني إعادة التفكير، هناك محاولات للتقييم ومحاولة للوصول إلى أسباب هذا العمل الإجرامي الذي حدث في الولايات المتحدة، وأيضاً عن التفاعلات طويلة الأمد والأعمق قليلاً من ردود الفعل الآنية والسطحية التي رأيناها، ربما تشكل هذه مناسبة للتدخل.

غسان بن جدو: يعني ربما استراتيجيتكم الآن دكتورة حنان عشراوي استراتيجيتكم لأنه أنا أذكر جيداً بأنكم يعني هيأتم استراتيجية ما للتأثير في.. في الغرب، يعني هل أن استراتيجيتكم الإعلامية على الأقل الآن أدخلتم عليها أو سوف تدخلون عليها تحويلات جذرية بعد ما حصل؟

د. حنان عشراوي: أقول لك بصراحة كانت هذه موجودة، لو.. يعني الخطة والاستراتيجية موجودة ومعدة قبل 11 أيلول، وكنا قد نوهنا في هذه الاستراتيجية والرؤية أن هاك ساحة منحازة أي غير حيادية، ونحن ندخل عليها بإرث عنصري أيضاً لأن اللوبي الداعم لإسرائيل، ولأن الكثير من المصالح الضيقة في الولايات المتحدة حاولت كثيراً أن تحور، أن تزيف، أن تشوَّه من الواقع العربي والإسلامي، وأن تقدمنا باعتبارنا نحن العدو، وأن الخطاب السائد ليس خطاباً أصيلاً عربياً، والرواية ليست رواية مقدمة من قبل المعني فيها، وإنما مقدمة من أطراف أو مصادر لديها مصالح في تشويه هذه الرواية. فبالتالي الاستراتيجية موجودة للتدخل الفاعل بدون اعتذار، بدون دفاع عن النفس، وإنما بتقديم الخطاب الواضح، الرواية الحقيقية، والتفاعل على أساس من الندية بهدف الإقناع. وقلنا آنذاك أن القضية هي كيف ننظر نحن إلى أنفسنا؟ كيف نعرف الذات؟ وبالتالي كيف نشتبك مع الآخر في حوار وفي لغة تحاول التشبيك من منطلق القيم والمفاهيم المشتركة، وليس من قيم الاغتراب أو التغييب أو التشويه، وبدون ردود فعل سلبية. هذا جزء من الخطاب، والخطاب الإعلامي –كما تعلم هو- خطاب سياسي، خطاب.. خطاب فكري، خطاب ثقافي، هو خطاب وتفاعل متكامل.

غسان بن جدو: طيب الدكتور قاسم محمد جعفر، طالما أنت تعلم جيداً الغرب..

د. حنان عشراوي: بس أطلب منك إنه ما يرجع صوتي، تعمل معروف.


مدى وجود بعض الأفكار المتطرفة في العالم العربي والإسلامي وكيفية معالجتها

غسان بن جدو: ليست مشكلة سأعود إليك دكتور حنان عشراوي. يعني في إطار ما يحصل الآن هل تعتقد بأن نحن العرب، يعني في هذه المرحلة على الأقل هل لدينا إمكانات حقيقية من أجل –لو صح التعبير- هجوم معاكس، وهجوم معاكس برحمة، بلطف بطبيعة الحال، من أجل إبلاغ أفكارنا، من أجل توضيح صورتنا، من أجل على الأقل يعني توضيح حقيقة معاناة الشارع العربي لما يحصل بهذا الأمر، خاصة في ظل الهيمنة يعني الهيمنة الإعلامية والسياسية التي تعرفها؟

د. قاسم جعفر: هناك مشكلة.. المشكلة غسان، هناك مشكلة حقيقية، وأعتقد يعني من خلال كل النقاشات التي.. نتداول فيها تظهر هذه المشكلة أكثر وأكثر، يعني عندما نريد أن نسأل أنفسنا نحن في نهاية المطاف. هل نريد نحن فعلاً أن يكون هناك صراع حضارات، أم أن نكون جزءاً من الحضارة العالمية، نحن كعرب وكمسلمين؟ يعني هل نريد أن نزيد من حدة التصارع الحضاري الذي نحن نشعر به وكأنه مشكلة تؤرقنا من جانب الغرب حيالنا، وبالتالي حتى نقنع أنفسنا أننا علينا أن نرد على هذا التحدي الحضاري الغربي بتحدي معاكس عربي وإسلامي؟ هذا سؤال علينا أن نجيب عليه بصراحة، هل أن المشكلة بيننا وبين الغرب وبين الولايات المتحدة –دعنا ننسى الغرب قليلاً- ونقول الولايات المتحدة.

غسان بن جدو: الولايات المتحدة الأميركية، نعم.

د. قاسم جعفر: هل هي مشكلة سياسية أم مشكلة شاملة، مشكلة وجودية؟ هل أن وجود الولايات المتحدة يناقض وجودنا، ووجودنا يناقض وجود الولايات المتحدة، أم أن هناك مشاكل سياسية واقتصادية مثلها مثل الكثير من المشاكل التي تعاني منها الكثير من الدول مع الولايات المتحدة، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، وفي اليابان، مشاكل بين الصين والولايات المتحدة إلى آخره؟ يعني على العرب –وهذا أعتقد يجب أن تكون الخطوة الأولى التي يترتب علينا أن.. أن تحطوا فيها قبل أن نتوجه إلى الغرب كما تفضلت الدكتورة حنان قبل قليل- علينا نحن أعتقد أن نجيب ليس كعرباً فقط، كعرب وكمسلمين طبعاً، أن نجيب على بعض الأسئلة الأساسية فيما يتعلق بنا، أين نريد أن نكون في العالم؟ ماذا نريد من دورنا أن يكون في العالم؟ كيف نريد أن نتفاعل مع هذا العالم؟

غسان بن جدو: كيف تراه أنت؟

د. قاسم جعفر: يعني هذا ليس لي الجواب، أنا.. أنا من أنصار حوار الحضارات.

غسان بن جدو: كيف.. كيف.. الواضع الحالي.. الوضع الحالي الآن هل تعتقد.. هل..

د. قاسم جعفر: الوضع الحالي..

غسان بن جدو: هل تعتقد بأن العرب بالفعل يريدون أن ينخرطوا في الحضارة العالمية أم لا؟

د. قاسم جعفر: علينا.. علينا أن نوجه رسالة واضحة وصريحة، هذا أنا وجهة نظري.

غسان بن جدو: نعم.

د. قاسم جعفر: علينا أن نوجه رسالة واضحة وصريحة، ليس فقط للولايات المتحدة، ولكن للولايات المتحدة وللعالم أجمع، بأن الصراع السياسي بيننا وبينهم لا يجب أن يتحول ولا يجب أن نسمح له بالتحول إلى صراع وجودي، ولا أستعمل كلمة حضارة هنا لأن المسألة مختلفة، ويعني أنا فعلاً لا أريد أن أدخل في كل هذه المتاهات حول.. حول صراع الحضارات وغير ذلك، في نهاية المطاف الحضارة العربية والإسلامية جزء أساسي وحيوي..

غسان بن جدو [مقاطعاً]: لأ هي ليست متاهة، يعني هذا الأمر مناقش الآن عالمياً.

د. قاسم جعفر [مستأنفاً]: لا يتجزأ من الحضارة الغربية والعكس صحيح، العرب والمسلمين تفاعلوا مع الحضارة الإغريقية، والحضارة الفارسية، والحضارات الأندلسية، والحضارات الأوروبية في أوروبا، وكان العكس صحيحاً أيضاً، حركة الترجمة والنقل التي تنقلت بين العرب وبين المسلمين وبين أوروبا العلوم، الفلك، هذه ليس العرب بحاجة..

غسان بن جدو [مقاطعاً]: نحن لا نريد أن نحددها فقط في الجانب الثقافي، نحن نريد أيضاً أن نحددها في الجانب السياسي وأمني.

د. قاسم جعفر [مستأنفاً]: ما أريد أن أقوله علينا نحن كعرب ومسلمين أن نتخلى عن هذه العقدة، أن نزيلها عن كاهلنا التي..، وعلينا.. وكأنه علينا دائماً أن نثبت أننا حضاريون، يا أخي، نحن فعلاً حضاريون ولسنا في حاجة إلى إثبات ذلك، وعلينا أن نمتلك ما يكفي من الثقة بالنفس وبالحضارة وبتاريخنا وبتراثنا، حتى نتوجه إلى العالم من منطلق المساواة، ليس من منطلق التابع، لنقول له: الصراع بيننا وبينكم صراع مصالح، صراع سياسية، صراع استراتيجية، صراع أمن، صراع حدود، صراع كذا وكذا، فلنقف ونتفق على ما يمكن أن نتفق عليه ولنتحاور حول ما نختلف عليه.

ما هي المشكلة مع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟ شغلة بسيطة يا أخي، لماذا هذا عندما يسال الأميركيون: لماذا يكرهوننا؟

غسان بن جدو: يكرهوننا.

د. قاسم جعفر: من هم الذين يكرهونهم؟ يكرهونهم العرب والمسلمون، لماذا؟ لأن أميركا تدعم إسرائيل؟ ما مفهوم يعني، لأن.. لأنها تمارس سياسة نسميها "ازدواجية المعايير" Double Standards فهي تحاصر العراق وتجوع شعبه لأن قيادته لا تريد أن تنفذ قرارات الأمم المتحدة، بينما إسرائيل لا تنفذ قرارات الأمم المتحدة، ولا أحد يسائلها في ذلك، طب ما هذه الأمور واقعية ملموسة، لماذا لا نذهب إلى العالم كعرب وكمسلمين ونعطيهم وقفة واحدة موحدة ولو لمرة واحدة في تاريخنا، لنقول لهم: يا أخي، هذه هي الأمور التي نختلف عليها، تعالوا لنصل إلى نتيجة واضحة في إطار الأمم المتحدة كما تفضل الدكتور مهاجراني.

غسان بن جدو: نعم، حجز الأقمار الصناعية للدكتورة حنان عشراوي سينتهي، أنت معنا الدكتور قاسم محمد جعفر. دكتور حنان عشراوي، سؤال أخير، وخاصة وأنك استمعت إلى السيدة أوكلي تتحدث قبل قليل وتقول بأن: ثمة إمكانية طبعاً لمراجعة جزء من السياسة. بعد ما حصل موضوعياً وعملياً، هل تعتقدين بأن الإدارة الأميركية يمكن أن تراجع سياستها في المنطقة، وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتعاطيها مع إسرائيل، أم لا؟

د. حنان عشراوي: يعني يمكن وقد بدأت، ولكن القضية هي كيف؟ وإلى أي حد؟ الآن بدأت الولايات المتحدة تشعر أنها آنياً ولظروف احتياجاتها الآن تحتاج إلى مرحلة هدوء في المنطقة، ولا تريد الالتهاء بما يسمى بالعنف بين فلسطين وإسرائيل، وبالتالي ضغطت على الجانبين من أجل إجراء لقاء واحد، وهذا اللقاء ولو شكلي إلى آخره هو المرة الأولى التي تتدخل فيها هذه الإدارة بشكل فاعل للضغط على إسرائيل. ولكن السؤال هو: هل هناك تقييم حقيقي لسياسة الولايات المتحدة؟ وأنا يعني أتفق في الرأي مع.. مع أخي قاسم جعفر، لأن القضية واضحة هي قضايا سياسية، قضايا مصالح، قضايا.. حتى مصالح ذاتية داخلية في الولايات المتحدة، في كثير من الأحيان الولايات المتحدة كانت تضحي بالمصلحة القومية الأميركية في سبيل مصالح فردية ضيقة، انتخابية داخلية ذاتية، خاصة على ضوء القوى الكبيرة للوبي الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة، ولا أقول أنه يهودي، لأن هناك أصولية مسيحية أيضاً داعمة لإسرائيل أكثر حتى من اللوبي اليهودي. فبالتالي هناك عدة عوامل داخلية في الولايات المتحدة التي أملت عليها السياسة الخارجية، ولو على حساب مصالحها مع العالم العربي، مع العالم الإسلامي، مع.. في.. في منطقة الشرق الأوسط، وحتى أحياناً مع أوروبا، الاستعلاء الذي ذكرته فليس أوكلي هو أيضاً سمة من سمات التعامل مع العالم العربي، الاستهانة بالرأي العام، افتراض غياب الديمقراطية، محاولة التعامل بشكل فوقي، (..) من المسلمات المقدرات..

غسان بن جدو [مقاطعاً]: شكراً.. شكراً لك دكتور حنان عشراوي، شكراً لك على تفضلك بالمشاركة.

[موجز الأخبار]

غسان بن جدو: دكتور عطاء الله مهاجراني، لنترك الآن الولايات المتحدة الأميركية وما حصل إليها جانباً، وأسألك بشكل واضح: نحن هنا في العالم العربي والإسلامي أليس بشكل صريح هناك لدينا ثقافة سائدة، ربما ليست سائدة بشكل مطلق، ولكن هناك ثقافة، ثقافة اللا تسامح، ثقافة إقصاء الآخر، ثقافة التعبئة والتحريض، والتي تجعل من بعض الجماعات تستهدف الغرب هكذا بشكل.. بشكل غير طبيعي؟ ألا نتحمل نحن مسؤولية لكل هذا.. هذا الفكر المتحجر –إن صح التعبير- القائم، وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأميركية يصبح لها شرعية –أحببنا أم كرهنا- في أن تواجه الإرهاب وتتصدى إليه بالطريقة التي تراها مناسبة؟

د. عطاء الله مهاجراني: أتصور هذا صحيح، يعني أنا أوافق مع كلمتكم بأن نحن نواجه ونشاهد في عالمنا الإسلامي والعربي بعض (الإفراط) متطرف ومتحجر جداً، يعني يمكن أن نقول: مثلاً نحن في ناحية الفكرية يمكن أن نشوف أو يمكن أن نقسم كيفية الفكر، أو كيفية التيارات الإسلامية، طيب فيه جزءان أو فيه قسمان: المدرسة الاعتدالية والمدرسة المتطرفة إذا كان هذه الكلمة صحيحة، المدرسة المتطرفة، طبعاً المدرسة يختلف مع التطرف أو التشدد أو المتشددين، وأتصور يعني كيفية عمل المسلمين، يعني كيفية عمل المفكرين والفلاسفة والمتدينين وعلماء الدين طبعاً يؤثر على هذا المدرستين، يعني نحن نقف في مدرسة الاعتدال، وأنا أعتقد وأؤكد على هذا المسألة بأن الإسلام دين التسامح، دين المحبة، دين الصلح، اسم ديننا إسلام، نحن مسلم، نحن إذا نلتقي نقول: سلام.

د. قاسم جعفر: صحيح.

د. عطاء الله مهاجراني: يعني كل هذه الكلمات يعني يتكئ على السلام، على المحبة، على الصلح، وإذن نحن نتعلق بدين.. بدين الإسلامي وكتابنا القرآن المجيد يؤكد على كيفية الحوار مع الآخرين، حوار مع المشركين (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)، حوار مع الكافرون (قل يا أيها الكافرون)، حوار مع الأديان العصرية والرسمية في العالم (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً)، حوار مع آخرين من موضع أو من منطلق تكافئ مثلاً، رسولنا يقول: "إنه يكون على هدى أو في ضلال مبين"، يعني نحن نحتاج إلى الحوار ليشخص أو نميز من هو من ضلال.. أو من هو على هدى. طبعاً أتصور على.. على منطلق الإسلامي نحن يمكن لنا أن نشرح أو نبين بأن ديننا دين الحوار، دين التعادل، دين التسامح، ولكن بعض الفئات بعض الجمعيات لهم بعض العقائد، ونحن نحتاج إلى الحوار في إطار الحضارة الإسلامية، حوار داخلي طبعاً، وننتقد من بعض المتطرفين والمتشددين، ويعني نصحح أغلاطهم أو نصحح بعض اشتباهاتهم بالنسبة لهذا الأمر.

غسان بن جدو: لكن ألا تعتقد بشكل صريح أيضاً أن ليس فقط الغرب كما يقول (ناعوم تشاومسكي) الذي يقول: إن الغرب هو دائماً في حاجة إلى عدو حتى يثبت ذاته ووجوده". لكن حتى نحن في العالم العربي والإسلامي وكأننا نريد أيضاً عدواً، نريد طرفاً آخر حتى نثبت وجودنا، يعني حتى أكون أكثر.. أكثر عملية حتى لا أحلق في الفضاء، يعني أنتم في.. في إيران باعتباركم ترفعون الشعار الإسلامي أو بعض الجماعات الإسلامية الموجودة في العالم العربي، يعني صحيح ربما هناك حديث عن الحوار، وعن الثقافة، وعن التسامح إلى آخره، ولكن عملياً ما هي الثقافة الرائجة؟ ما هو الخطاب الرائج؟ ما هو الخطاب السائد؟ أليس خطاب إقصاء الآخر، خطاب عدم التعاون مع الآخر، خطاب التحريضي والتعبوي؟ يعني أليس أنتم في إيران الآن بحاجة إلى عدو دائماً حتى تثبتوا وجودكم باعتباركم ترفعون الشعار الإسلامي؟

د. عطاء الله مهاجراني: أتصور إذا كان مثل هذا الأعمال التي أنتم أشرتم إليها، ولكن يجب أن نعارض مع هذا الأمر، يجب أن نبين يعني كيفية عقيدتنا، كيفية فكرنا وننتقد، ومثلاً أنا في إيران كما تعرف أو تعلم كتبت كتاباً حول هذه القضية: الإسلام دين التسامح مش دين العنف، يعني ممكن بعض العلماء بعض التيارات إنهم يعتقدون بأنه مثلاً نحن يجب أن نستفيد من غلظة لتوسعة الدين، ولكن نحن ننتقد منهم، ونحن نقول بأن الدين يعني هو مؤسس على أسس المحبة والعدالة والصلح والحوار، مش على مثلاً الخشونة والغلطة والظلم وغير ذلك، طبعاً أتصور مثل إيران يكون تيارين في مصر، يمكن أن نجد مثل هذا التيارين في بلاد أخرى الإسلامية والعربية، ممكن، ولكن أضيف نقطة آخرى، بأنه مثلاً نحن في إيران، إذا نحن نذهب إلى الجامعة، أو إلى.. نذهب إلى الصحف، أو إلى نذهب.. نذهب.. إلى مثلاً بعض المؤسسات فكرية نظرية وعلمية، نجد بأن أكثر الناس، أكثر المفكرين، أكثر الفلاسفة، هم يؤيدون التسامح والتساهل الديني، الشريعة السمحة السهلة، ولكن بعض الأشخاص لهم عقيدة أو لهم فكر متطرف ومتشددة، ولكن كأنه لهم حجم أكبر من ناحية إعلامية وتبليغية، يعني إذا نحن نريد أن نقضي على هذا الأمر يجب أن ننظر أو نذهب إلى الجامعات، نتكلم مع العلماء، مع الأساتذة في الجامعات، مع الطلاب، وطبعاً يمكن أن نقارن أو نتميز بينهم.

غسان بن جدو: طب عفواً دكتور، في هذه القضية -دكتور قاسم محمد جعفر- في هذه القضية التي أشار إليها، هناك ملاحظة بطبيعة الحال بأن صوت من يوصفون بأنهم متشددون ومتطرفون وراديكاليون صوتهم دائماً مرتفع، هل أن هذا السبب يعود إلى أن إجمالاً وسائل الإعلام أو الجهات السياسية تريد الإثارة وبالتالي تريد هؤلاء، أم حقيقة يعني هؤلاء يمثلون شريحة أساسية وكبرى داخل مجتمعاتنا؟

د. قاسم جعفر: أولاً مع الاتفاق التام مع ما تفضل به الأخ الدكتور عطاء الله وحول جميع النقاط وفعلاً أوافق بشكل كبير عليها.

غسان بن جدو: ولكن.

د. قاسم جعفر: وكجواب على هذا السؤال، بطبيعة الحال أن المتشدد سيكون أعلى صوتاً، وسيكون أكثر حماساً، وسيكون أكثر انفعالاً، وأكثر قدرة على الإثارة، وعلى الظهور وكأنه يمثل الأغلبية في وقت لا يمثل هو فيه الأغلبية، ولكن دعنا نتحدث عن هذه الناحية بالذات، بالطبع ولا شك في أن الإسلام هو دين التسامح، ولكن الإسلام أيضاً هو دين تفاعل، وهو دين تطور، ليس كما يقال –وللأسف- هو دين انغلاق ودين تقوقع، بالعكس العصر الذهبي للإسلام وللمسلمين كان عندما كانت الحضارة الإسلامية تتفاعل مع الحضارات الأخرى في العالم، وعندما كان الإسلام ينتشر في العالم ويأخذ ويستوعب كل التراثات والحضارات الإنسانية الأخرى ويعطيها من تراثه ومن حضارته، هذا كان العصر الذهبي للدولة الإسلامية.

غسان بن جدو: طيب ما هو قائم الآن.. ماذا قائم الآن؟ ما هو قائم الآن؟

د. قاسم جعفر: للأسف الشديد مر الإسلام على مر العصور.. بعصور انحطاط وبعصور ترهيب، وبعصور ضلالة، وبعصور جهالة، ثم جاءت فترة بدأت فيها بعض بوادر التحديث، وبعض بوادر التطوير، ونحن الآن بحاجة إلى استئناف واستكمال هذه المسيرة، في نهاية المطاف يجب أن يكون هناك قدرة على يعني التعاطي مع الفكر الإسلامي من منطلق التطور إلى الأمام وليس من منطلق الرجوع إلى الوراء. نحن.. ما نحن مواجهون به الآن هو: كيف يمكن لنا كمسلمين أن نحتفظ وأن نعتز بتراثنا وبإسلاميتنا، وبمثلنا، وبقيمنا، وبمبادئنا، وبديانتنا؟ وفي الوقت نفسه أن لا نعود إلى القرون الوسطى في مجتمعاتنا، بل أن نجعل من هذه المبادئ والقيم التي نعتز بها ونتمسك بها أساساً نبني عليه للتطور إلى الأمام، للدخول في عالم المستقبل، وهذا هو الخيار..

غسان بن جدو [مقاطعاً]: طيب، ألا..

د. قاسم جعفر [مستأنفاً]: فكيف نتوجه إلى الآخرين، إلى الغرب؟ علينا أولاً أن نحدد نحن ماذا نريد، هذا يعني.. هذا ما أريد أن أقوله، هناك أصولية إذا صح التعبير كلمة أصولية أنا لا أتفق معها، ولكن هناك أصولية بالمعنى المتعارف عليه في العالم، في كل الأديان، هناك أصولية يهودية، وهناك أصولية مسيحية أشارت إليها الدكتور حنان قبل دقائق موجودة في أميركا، وهناك أصولية في الإسلام، ولكن في مقابل ذلك هناك الـ Main Stream ما يسمى بالبعد العام، بالهيكل العام الذي علينا نحن، كمفكرين، وكمثقفين، وكسياسيين، وكقيادات، أن نعمل على تكريسه وتأمين ازدهاره، وأن يصبح هو الأساس الشائع للحوار مع الحضارات الأخرى، وليس للأسف الصوت الأعلى صوت المتشددين وصوت الذين يريدون الرجوع إلى الوراء.

غسان بن جدو: طيب من يتحمل مسؤولية بروز هذه الجماعات المتطرفة بشكل أساسي؟ هل هي في ذاتها؟ هل هي من الحكومات؟ هل هي من.. من الفكر، إلى آخره؟

[فاصل إعلاني]

غسان بن جدو: حتى نشرك أو نشرك عدد كبير من الإخوة الذين شاركوا معنا في الجزيرة نت هناك عدة مداخلات، ولكن هناك مسألة لفتت انتباهي قالها الأخ سعود السيف (وهو صحفي من السعودية). دكتور مهاجراني، يقول: كثير الحديث عن نوع الصراع بين الغرب والشرق وادعى البعض أن هناك نقاط للتلاقي، وأعتقد أن هذا الصراع لن ينتهي كونه صراع ديني عقدي وليس لمصالح دنيوية قد تختلف وتلتقي، أعتقد أنه صراع أبدي.

د. عطاء الله مهاجراني: أتصور لا يمكن أن نقول صراع أبدي بأنه نحن كمسلمين أنا أشرت بالآية القرآنية (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) هذه الآية يعني نحن يمكن لنا التحاور مع.. المسيحيين، نتحاور مع اليهوديين، نتحاور مع الآخرين، لماذا؟ يعني يكون كلمة مشتركة بيننا، نحن لا نقول نتحاور إلى كلمتنا.

غسان بن جدو: بس كيف يا دكتور مهاجراني، يعني هل هو بالكلام فقط؟ هل هو بالخطاب فقط؟ يعني هل تريد فقط منا نحن العرب والمسلمين أن نقول للغرب، الولايات المتحدة الأميركية: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، سنتحاور، سنتفاعل، سنتعاون، إلى آخره؟ أليست الأمور هي مصالح؟ أليست الأمور هي موازين قوى؟

د. عطاء الله مهاجراني: أتصور يعني..

غسان بن جدو: يعني نبقى دائماً نحن في مرحلة الدعوة للحوار؟

د. عطاء الله مهاجراني: المسألة فيه مستويات مختلفة طبعاً، يعني الأخ سأل مني بالنسبة للدين، يعني.. يعني أنا أجيب بالنسبة للسؤال، يعني هو سأل مني بأنه بين دين الإسلام ومثلاً الدين المسيحي أو سائر الأديان يكون صراع دائم أو صراع أبدي، أنا أقول: بأنه الدين يمكن أن نقول: الدين هو روح الحضارة أو روح الثقافة، وأنا أعتقد بأنه لا يمكن لنا أن نقول بأن الإسلام كلما أو في كل.. أو في كله ينظر إلى الآخرين كأعداء، يعني نحن نعتقد بأن نكون بيننا وبينهم كلمة مشتركة، ولكن شرط، يعني شرط التحاور لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً، يعني أتصور مشكلة ينشأ أو ينبثق من هذا الأمر، بأن طرف يحاول أن يكون نظريه نظرية غالبية بدون سماع أو بدون توجه إلى نظرية أخرى، يعني إذا نحن أتصور نذهب على هذه (المشي) ونتكلم ونسمع لكلام الآخر، طبعاً يمكن أن نتحاور، وطبعاً فيه مستويات آخر –أتصور- بالنسبة للحضارة إذا نحن نتكلم في إطار الحضارة، نحن كمسلمين طبعاً نحتاج إلى العلم، في العصر الذهبي الحضاري يتعلق بالإسلام، يعني كان العلم في المجتمع الإسلامي أمر مؤثر وأمر جيد في شتى أنحاء العالم، وفي مستويات مختلفة، ولكن بعد ما نحن نسينا دور العلم وتوجهنا إلى الصوفية، الطرق مثلاً، عرفانية أو غير ذلك ونسينا مثلاً الفلسفة، الفكر، الفيزياء، الرياضة، وغير ذلك طبعاً نحن أخرنا بالنسبة لصنع القرار أو صنع الحضارة.

غسان بن جدو: ألا تعتقد أن العكس هو الصحيح دكتور قاسم؟ ألا تعتقد لأنه ربما نحن نتمسك كثيراً بالفلسفة وبالنظريات وبالـ.. وننسى الأمور العملية، لذا نحن تأخرنا والآخر هو الذي تقدم، ولذا الآن الولايات المتحدة الأميركية هي التي تفرض شروطها لأنها أكثر علمية وأكثر واقعية؟

د. قاسم جعفر: وهذا ما.. يعني وهذا بالضبط أعتقد عندما تخلينا عن العلم وتخلينا عن الفكر وتخلينا عن الرغبة والمشيئة بالتطور والتقدم إلى الأمام والالتحاق بالعصر، وهذا الأمر منذ.. منذ مئات السنين، ليس.. ليس جديداً، نحن الآن ندفع ثمن مئات أو قرون عدة من الزمن الذي –للأسف الشديد- كبوت يعني كبت فيه الحضارة الإسلامية. ولكن هناك مسألة مهمة أخرى، عندما نقول: أن الصراع بين الغرب والإسلام هو صراع أبدي كما تفضل الأخ في رسالته، لماذا؟ يعني علينا أن نحدد ما هي أسبابه، كل صراع يجب أن يكون لديه أسباب ودوافع وجذور وأهداف، يعني ما.. ما هي أسباب هذا الصراع؟ إذا كنا نريد أن ندرس هذه.. هذا الرأي وهو رأي جدير بالدراسة، إذا كان هناك شريحة من المسلمين والعرب ممن يعتقدون أن الصراع بين العرب والإسلام من جهة وبين الغرب من جهة أخرى هو صراع حتمي وأبدي لابد منه، ولا مفر منه، علينا أن ندرس هذه الظاهرة بعناصرها، لماذا؟ تحقيقاً لم؟ يعني ماذا يمكن أن يتحقق من خلال هذا الصراع؟ كيف تعايش الإسلام مع الغرب ومع الحضارة الغربية والمسيحية واليهودية مئات السنين؟ 1400 سنة لا تمكن الإسلام من القضاء على المسيحية أو اليهودية، ولا تمكنت المسيحية واليهودية من القضاء على الإسلام.

غسان بن جدو: طيب دكتور.. دكتور قاسم، حتى.. حتى أكون أميناً أكثر مع مداخلات الإخوة في الإنترنت، يعني الأسئلة مختصرة، وأجوبة أرجو أن تكون مختصرة، أولاً: هناك من يسأل: هل تعتقد بأن أميركا بالفعل ستضرب أفغانستان؟

د. قاسم جعفر: هذا موجه ليَّ السؤال؟

غسان بن جدو: نعم.

د. قاسم جعفر: هذا يجب أن يوجه إلى الرئيس بوش.

غسان بن جدو: في رأيك كمحلل، كمحلل وكخبير استراتيجي، في رأيك هل تعتقد بأنها ستضرب أم لا؟

د. قاسم جعفر: يعني.. كما يفترض أن نقيم ونحلل ونقدر هناك طبعاً فعل حدث، وربما من الأرجح كما يقولون أن يكون هناك رد فعل عليه، كيف سيتخذ هذا الرد الفعل من أشكال، ومن توقيتات، ومن أهداف، ومن طبيعة، أعتقد أن الأمر لم يحسم حتى داخل الإدارة الأميركية، ليس فقط يعني بين الإدارة الأميركية وحلفائها، أعتقد أن ما نشهده الآن هو مرحلة من البناء التكاملي المرحلي، من البناء السياسي باتجاه الائتلاف الذي أعلن عنه بوش، وأيضاً وضع الأمم المتحدة في الإطار استجابة لطلبات من دول معينة، بما في ذلك إيران وروسيا ومصر وغيرها، التي تفضل أو تشعر بقدر أكبر من الارتياح إذا كان هذا العمل سيتم ضمن إطار الأمم المتحدة..

غسان بن جدو: طيب هناك السيد ضياء الجنابي، وهو يعتقد بأن أميركا هي التي صنعت.. ما تبكي.. صنعت ما تبكي عليه لجر العالم إلى حرب هي حددت وقتها ومكانها لتصفية حسابات وفتح تحالفت بالضد مما كانت عليه، والخطوة القادمة رفع الحظر عن العراق. هل تعتقد هذا الأمر؟

د. قاسم جعفر: لأ، يعني لا أعتقد أن جورج بوش جاء إلى الحكم، وكان في حساباته الجعبة كاملة من الـ.. يعني درع صاروخي استراتيجي، وتخفيض الضرائب، وتوفير مليارات من الدولارات لكي يتعامل مع الصين ومع السوق الأوروبية المشتركة، ثم جاءت هذه الواقعة التي زلزلت الأرض من تحت أقدامه ليجر الأرض إلى حرب، يعني ما هي المصلحة في ذلك؟

غسان بن جدو: يعني هل تعتقد ربما بعد أفغانستان –إذا حصل الأمر- قد يتجه إلى العراق؟

د. قاسم جعفر: لأ.. لأ، لا أعتقد ذلك، أعتقد ما سيحصل هو سيكون مرتهناً فعلاً بطبيعة يعني ما سينعكس عليه الأمر، بعد الضرب أو بعد الرد الأميركي، لم نشهد حتى الآن الرد الأميركي أعتقد أنه سيأخذ وقته، أعتقد أنه لن يكون –كما قالوا- فورياً أو كبيراً أو ضخماً، بل أنا أصدقهم عندما يقولوا: أنه سيكون بطيئاً ومرحلياً، ومتعدد الأوجه والأشكال، وبعد ذلك يعني..

غسان بن جدو: وضرب الجماعات وتجفيف الينابيع، وكما قال أحد المتداخلين..

د. قاسم جعفر: وإلى ما هنالك..

غسان بن جدو: الاستيلاء على أموال رجال الأعمال المسلمين والعرب في العالم.

د. قاسم جعفر: وبعد ذلك، سيصبح من الممكن.. ماذا سيكون مستقبل العلاقة الأميركية مع إيران؟ هذا سؤال مهم، ماذا سيكون مستقبل الصراع العربي –الإسرائيلي والقضية الفلسطينية؟ ماذا سيكون مستقبل العلاقة الأميركية مع الباكستان ومع الهند؟ ماذا سيكون مستقبل آسيا الوسطى ودول آسيا الوسطى المعرضة للتأثر بشكل مباشر في كل ما سيحدث في أفغانستان؟ ماذا سيكون مستقبل العلاقة مع روسيا؟ كل هذه الأمور قبل أن نأتي ونقول أن مسألة هذا الهدف أو ذلك البلد ستكون على بساط البحث، فلننته أولاً من هذه..

غسان بن جدو: نعم، سؤالي الأخير دكتور مهاجراني، بكل صراحة: الولايات المتحدة الأميركية ضربت بعملية إرهابية، ألا تعتقد أن لدى الولايات المتحدة الأميركية المشروعية الأخلاقية والقانونية والدولية من أجل أن تقود مكافحة الإرهاب؟

د. عطاء الله مهاجراني: نحن يعني أظن لا يمكن نقبل هذا الكلام، و.. السيدة الأميركية قالت كلمة جيدة جداً، يعني قالت أميركا انتقلت من مرحلة الاستغراب إلى مرحلة الغضب، ومن مرحلة الغضب إلى مرحلة التفكير..

غسان بن جدو [مقاطعاً]: هل لديها مشروعية القيادة؟ إذا سمحت.

د. عطاء الله مهاجراني [مستأنفاً]: طبعاً أتصور إذا نحن في مرحلة التفكير يجب أن نعرف أو نبين الإرهاب، والإرهابي وكيف..

غسان بن جدو [مقاطعاً]: هل لديها مشروعية -الدكتور مهاجراني الوقت يداهمنا- لقيادة مكافحة الإرهاب عالمياً أم لا، في رأيكم؟

د. عطاء الله مهاجراني: لا.. لا.. لا.

غسان بن جدو: ليست لديها، شكراً لك يا دكتور عطاء الله مهاجراني (مستشار الرئيس الإيراني لشؤون حوار الحضارات)، شكراً لك يا دكتور قاسم محمد جعفر (الخبير السياسي والاستراتيجي)، شكراً للدكتور غسان سلامة (وزير الثقافة اللبناني)، الذي اضطر لمغادرتنا لارتباطه بأمور أخرى.

شكراً للسيدة أوكلي (مستشارة أو مساعدة وزير الخارجية الأميركية سابقاً)، شكراً للدكتورة حنان عشراوي التي تفضلت بالمشاركة من رام الله، شكراً لكم مشاهدينا المحترمين على حسن المتابعة وإلى لقاء آخر بإذن الله، في أمان الله.