أولى حروب القرن

الإسلام والغرب في أعقاب أحداث 11 سبتمبر

كيف ينظر الغرب إلى العالم الإسلامي نتيجة لأحداث 11 سبتمبر؟ وهل أقبل العالم على معرفة الإسلام تحببا فيه أم رغبة في الكشف عن العدو أي على طريقة اعرف عدوك.

مقدم الحلقة:

جمانة نمور

ضيوف الحلقة:

نهاد عوض: مدير مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية
د. عبد الحكيم ونتر: أستاذ في جامعة كيمبريدج

تاريخ الحلقة:

27/02/2002

– النظرة الإيجابية والسلبية للإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر
– تجربة د. ونتر في اعتناق الإسلام

– أحداث 11 سبتمبر وتحليله على أنه صراع حضارات

– الإسلام الليبرالي ورؤية الغرب له

– إمكانية التقاء الغرب والشرق في منتصف الطريق

undefined
undefined
undefined

جمانة نمور: مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في حلقة جديدة من (أولى حروب القرن)، ونخصصها هذه المرة للحديث عن أثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر على نسبة اعتناق الغربيين للإسلام. ضيفانا اليوم هما من واشنطن نهاد عوض (مدير مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية) ومن لندن الدكتور عبد الحكيم ونتر أو تن ونتر قبل أن يعلن إسلامه. ودكتور ونتر هو (أستاذ ومحاضر بجامعة كيمبريدج). البداية كالعادة مع هذا التقرير لحسن إبراهيم.

تقرير/ حسن إبراهيم: المتعارف عليه حتى الآن هو أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ارتكبها إسلاميون متشددون يهدفون إلى تركيع الحضارة الغربية.

بالطبع تحولت الرسالة السياسية والإعلامية في الحس الشعبي الغربي إلى اتهام للإسلام كدين، وبالفعل تنامت الاعتداءات ضد المسلمين وترجم هذا في الحس الجماهيري إلى استهداف أي رجلٍ له لحيةٌ كبيرة، وملامحُهُ آسيوية، وعن كل امرأةٍ تلبس الحجابَ الإسلامي، وحدثت مفارقات مضحكةٌ مبكية، حيث قُتل بعض المنتمين إلى طائفة السيخ الهندية فقط لأن ملامحهم آسيوية، ويلبسون العِمامات السوداء، وهذا في عُرف المواطن الأميركي العادي يعني أنه مسلمٌ، وقد يكون متشدداً أو حتى عضواً في تنظيم القاعدة. ومما لا شك فيه أيضاً أن الخطاب الغربي الرسمي أضحى أكثر عدوانية تجاه الإسلام. وما الدعوات إلى تنقيح المناهج في الدول الإسلامية من كل ما يُثير العداء تجاه الغرب إلا جزء من الجو العام المعادي للإسلام والمسلمين.

ورغم أن الرئيس (بوش) اعتذر عن تسميته الحملة ضد الإرهاب بالحرب الصليبية، إلا أن الجو العام في أجهزة الإعلام الأميركية مازال ينقل صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين. ولوهلة ظن كثيرون أن الدعوة إلى الإسلام في الغرب لن تقوم لها قائمةٌ بعد الحادي عشر من سبتمبر. وتصاعدت دعوات من كبار رجال الجماعات الأصولية المسيحية مثل الأغلبية الأخلاقية تسمى الإسلام دين العنف والإرهاب، وينتسر نصوصاً من القرآن الكريم خاصة من سورة (براءة) التي كانت إبراءً لذمة المسلمين من الذين حاربوهم وضايقوهم، فأخذوها دليلاً على أن الإسلام يدعوا إلى قتل غير المسلمين في كل الأزمان والأمكنة.

المفاجأة كانت في الأرقام متزايدةٍ من الغربيين سواءٌ في الولايات المتحدة أو في أوروبا الذين أقبلوا على اعتناق الإسلام بشكل متزايد ويبدو أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحملة الغربية ضد ما يسمى بالإسلام السياسي أثارت فضول كثيرين في الغرب.

وإن كان اعتناق الإسلام في الماضي يزيد في أوساط الأقليات العرقية المضطهدة إلا أن الأحداث الأخيرة أخذت تجتذب البيض من الطبقتين الوسطى وفوق الوسطى. فهؤلاء أكثر سكان الغرب إقبالاً على القراءة، ويبدو أن القراءة والفضول قد أفلحا في اجتذاب كثيرين إلى المراكز الإسلامية للتعلم، ومن ثم إعلان إسلامهم.


النظرة الإيجابية والسلبية للإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر

جمانة نمور: بعدما استمعنا إلى هذه المحاور من تقرير حسن إبراهيم وشاهدناها نتناولها الآن بالتفصيل والمناقشة مع ضيفينا في واشنطن وفي لندن. نبدأ من واشنطن سيد نهاد عوض هذا الاهتمام الذي ازداد بالإسلام والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هل هو برأيك أخذ المنحى الإيجابي أم السلبي؟

نهاد عوض: الحقيقة الصورة معقدة. في أغلبه منحناً إيجابياً، وهذا يُؤيد من خلال الدراسات واستطلاعات الرأي التي قامت بها شركات مثل شركة A.B.C news، ومجلة News Week، وكلها تقول أن الرأي العام الأميركي، لأننا نتحدث الآن عن الولايات المتحدة ينظر نظرة إيجابية للإسلام والمسلمين أفضل من أي وقت مضى. والسبب في ذلك هو إطلاع هؤلاء على الإسلام، وإعطائهم فرصة للتعرف على الإسلام عن قرب من خلال المطالعة وقراءة الكتب، أو حتى زيارة المراكز الإسلامية والاحتكاك بالمسلمين بشكل مباشر. وأضف إلى ذلك أيضاً أن التصريحات الرسمية في بدايتها ولقائنا بالرئيس (بوش) وما تلى من تصريحات، وحذا بذلك أيضاً الكثير من المسؤولين الأميركيين للحديث بأسلوب إيجابي عن الإسلام والمسلمين شجع المشاهد والفرد الأميركي العادي للتعرف على الإسلام بنفسه، وليس فقط من خلال تلقي نشرات أخبار أو السماع لما يسمى بخبراء الإرهاب، أو المعلقين الذين لهم أجندة سياسية، وفي أغلبها كانت عدائية، وبالتالي نلحظ أن هناك تطوراً إيجابياً.

جمانة نمور: يعني في.. عفواً سيد.. سيد عوض، يعني.. الصورة هل هي فعلاً زاهية إلى هذا الحد من أميركا، أم أننا يعني نتناسى مثلاً التصريحات التي أدلى بها (بات روبرتسون) عبر وسائل الإعلام الأميركية والذي وصف فيها الإسلام بدين الإرهاب الذي يريد أن يتعايش إلى أن يسيطر ثم يدمر؟

نهاد عوض: نعم. أنا ذكرت أن هذه الصورة معقدة، في أغلبها، كما قلت هي صورة إيجابية لكنها ليست زاهية، وليست مُلونة كما نود جميعاً أن ننظر إليها، هناك معاناة.. الاعتداءات التي تمت ضد المسلمين الأرقام أيضاً قياسية، فُقتل 12 مسلم وغير مسلم بسبب انتمائهم للإسلام. سجل مكتبنا في واشنطن أكثر من 1700 حالة تمييز واعتداء على المسلمين وممتلكاتهم، وعدد هائل من المقالات السلبية وتصريحات مثل تصريحات (بات روبرتسون) التي تتهم الإسلام بالعنف، لكنني أنا أحب أن أوازن أنه في.. بشكل عام هناك تحول إيجابي نحو الإسلام، وأنا أذكر لك حتى إحصائية وردت عن شبكة News A.B.C أن 47% من الشعب الأميركي ينظر بشكل إيجابي تجاه الإسلام والمسلمين، في المقابل 39% ينظر بشكل سلبي، وبالتالي يعني هناك جزئين من الصورة في أغلبها أنا أرى أنني متفائل بأن الوضع يتحسن، لكننا لا ننسى أن الصورة بالأخرى أيضاً مؤلمة وواقعة، ونعيشها يوماً بيوم.

جمانة نمور: نتحول إلى لندن دكتور ونتر يعني كيف ترى انعكاس هذه الصورة بعد أحداث 11 سبتمبر. الرؤية إلى المسلمين من أوروبا؟

د. عبد الحكيم ونتر: أنا في الحقيقة أريد أن أؤيد الأستاذ نهاد فيما قاله عن الظروف في أميركا، ولكن ينبغي أن ننتبه أولاً إلى أن نظرة الأوروبيين إلى العالم العربي والإسلامي تختلف إختلافاً كبيراً عن نظرة الأميركيين للعرب والمسلمين، وذلك لأسباب وعوامل تاريخية كثيرة، منها أن المسلمين موجودين في بعض البلاد الأوروبية منذ مئات السنوات، والإسباني العادي مثلاً يفتخر بالتراث المبني في الأندلس أمثال قلعة الحمراء، ومسجد قرطبة، وما إلى ذلك، ونجد نفس الرأي من بعض البلاد الأوروبية الجنوبية الأخرى، ومع ذلك فنلاحظ هذه الصورة المعقدة، وهي لاشك معقدة، ولكن في نفس الوقت شيء من الاستقطاب –إن صح التعبير- بمعنى أن المتعصبين ضد الإسلام صاروا أكثر تعصباً مما كانوا قبل أحداث العام الماضي والمتعاطفين قد وقفوا معنا، وحتى أنهم قد ظهروا في الشوارع للدفاع عن مساجدنا ومراكزنا ونساءنا، وهذا لاشك أنه قد صار عاملاً من جملة العوامل التي دفعت بالفعل بعض المواطنين في بريطانيا وفي غير بريطانيا إلى اعتناق الدين الإسلامي، وهذه ظاهرة حقيقية وإن كانت عجيبة إلى حد ما بعد هذه الأحداث الإرهابية الفظيعة التي نُسبت إلى المسلمين ليزداد عدد المقبلين على الدين الإسلامي، ولكنه واقع وقد شهد على.. قد أعلن عن إسلامه على يدي أنا بالأمس مثلاً رجل مثقف محامي في.. في جامعة كيمبريدج، وفي الأسبوع قبل ذلك رجل آخر، وقبل ذلك طالب آخر، فهذه الظاهرة حقيقية، ونرجو من الله –سبحانه وتعالى- أن تزداد، ولكن الجانب السلبي هو أن التعصب من قبل اليمين المتعصب الذي يزداد قوة في كل عام أكثر البلاد الأوروبية، كذلك صار يخوفنا ويتشكل، ويجعل الإسلام هدفه الأساسي والعدو الرئيسي له.

جمانة نمور: قبل أن نتحدث عن تجربتك الشخصية بالتفصيل دكتور أود أن أسأل السيد نهاد عوض في واشنطن، هل لاحظتم في أميركا إقبال أيضاً أكثر على اعتناق الإسلام؟ وهل هناك إحصاءات فيما يتعلق بالموضوع؟

نهاد عوض: ظاهرة اعتناق الإسلام ظاهرة مستمرة في الولايات المتحدة قبل سبتمبر وبعد سبتمبر، لكن حسب تقرير صحيفة (النيويورك تايمز) قالت: أن معدل اعتناق الإسلام وصل إلى أربع أضعاف المعدل السنوي العام بعد أحداث سبتمبر، وتناقلت بعض وسائل الإعلام العربية أرقاماً في بعضها نُسبت إلينا ووصل العدد إلى 24 ألف، لا أظن أن هناك رقماً حتى الآن –يعني ثابت- ممكن الاستناد عليه إلا أنه هناك تقارير كثيرة من المراكز الإسلامية كما تفضل الدكتور (ونتر) بمشاهدة وملاحظة أن الإقبال على الإسلام أكثر من أي وقت مضى، لكن أيضاً كما قال أيضاً هناك تعصباً أصلب مما مضى، لأن ظاهرة اعتناق الإسلام والإقبال الشعبي على التعرف على الإسلام ظاهرة أزعجت جهتين أو تيارين في المجتمع الأميركي، التيار الموالي لإسرائيل الذي يخشى من نمو المسلمين في أميركا والتيار الديني المسيحي المتعصب الذي أيضاً يرى أن.. أن الإسلام بشكل طبيعي يسحب البساط من تحت الكنيسة، وفي واقع الحال أن الإسلام لا ينافس أحد، إنما هذه رغبة الشعب الأميركي في التعرف على الإسلام.


تجربة د. ونتر في اعتناق الإسلام

جمانة نمور: دكتور (كيمبريدج) أنت اعتنقت الإسلام على ما يبدو قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هل لك أن تخبرنا عن تجربتك؟ ما الذي دفعك إلى إشهار إسلامك؟

د. عبد الحكيم ونتر: أنا أمعنت النظر طيلة عشرين سنة في العوامل والدوافع التي تحمل الناس في إنجلترا وخاصة المثقفين على اعتناق الإسلام ولا أجد أن هناك أي فرصة لـ.. أو مجال للتعميم، المقبلون على الإسلام يأتون من شتى الخلفيات ومن شتى مستويات المجتمع، أنا شخصياً اعتنقت الإسلام بعد دراسة خاصة، حتى أني أستطيع أن أقول: أنى ما تعارفت على أحد من المسلمين الملتزمين قبلما أخذت القرار في.. في دخول هذا الدين، مع أني قد زرت كعادة الشباب الأوروبي بعض البلاد الشرقية، وعلى رأس القائمة مصر والقاهرة وقد أعجبني أخلاق المصريين وتسامحهم واحترامهم لي رغم أني كنت في ذلك الوقت على دين أجدادي ولكن الباعث الأساسي بالنسبة لي كان الاقتناع الفلسفي والإعراض عن بعض مفاهيم الكنيسة الموروثة أمثال التثليث وتجسيد السيد المسيح وما إلى ذلك مما ما تمكنت من فهمها، فهي من ناحية إعجاب بأخلاق المسلمين في القاهرة ومن ناحية أخرى رحلة خاصة شخصية قد أدت بي –والحمد لله- إلى اعتناق الإسلام قبل عشرين سنة.

جمانة نمور: طيب ما هو الفارق الذي لاحظته إذن بين تجربتك الشخصية وبين الأشخاص الجدد الذين اقبلوا على الإسلام ما بعد 11 سبتمبر أو بمعنى آخر أيضاً من هم؟ ما هي خلفياتهم؟

د. عبد الحكيم ونتر: أعتقد أن الدافع خلف أكثر هؤلاء هو أنهم منذ سنوات طويلة تعاطفوا مع الإسلام واختلطوا مع المسلمين وأحبوهم وزاروا بيوتهم وتعرفوا على عائلاتهم ولعلهم زاروا بعض البلاد الإسلامية كالسواح، وبعد هذه الأحداث واستقطاب الرأي العام وحملة بعض المتطرفين من رجال السياسة والصحافة على الإسلام والمسلمين قالوا: إننا لابد الآن أن نختار ونقف موقف واعتناقنا للإسلام رمز لأننا نقف مع هؤلاء المظلومين ولا نكون مع.. مع الظالمين ومن أساء الظن بهذه الأقلية التي نراها بريئة، هذا من جملة الأسباب، ولكن لاشك أنه هناك أسباب حضارية عقلية، بل وروحية أخرى.

جمانة نمور: سيد عوض يعني إلى جانب الحديث كيف ينظر الأميركيون أو الآخرون إلى الإسلام، إسلام الأميركيين بالذات؟

نسمع أيضاً أصوات مثل (بدر الدين محمد) يقول إنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر يجب أن نجد الشجاعة –يعني كمسلمين- لنعيد النظر برؤيتنا للمسيحية واليهود والحضارات الغربية. هل ترى فعلاً أن الآن المسلمين الأميركيين يعيدون النظر بكل هذا وبعلاقاتهم مع الحضارات الأخرى؟

نهاد عوض: أنا في اعتقادي أن الخطاب الإسلامي بشكل عام، سواء في الغرب أو حتى في الشرق الأوسط لأننا نعيش حقيقة في قرية مصغرة، وما يقال وما يكتب في بلد عربي أو غربي هو يُقال ويُكتب على الملأ جميعاً، والحقيقة الذي يجب أن يتم هو إعادة صياغة الخطاب الإسلامي لتعديل النظرة للآخرين حسب ما يريده الإسلام منا ولا يكون حسب مفاهيمنا الثقافية أحياناً والعرقية المغلوطة، وننظر بنظرة تعسفية ومتطرفة للآخرين، هم شركاء في الحياة وشركاء في الكلأ والنار كما ذكر الرسول –صلى الله عليه وسلم- وبالتالي يجب أن تكون نظرة التسامح نظرة موجودة وهي النظرة الأولى في ظل الكثير من الآيات والسنن النبوية التي تدعو إلى التسامح والتعامل مع الآخرين، وفي اعتقادي أن المسلمين في أميركا وفي الغرب تحديداً يجب أن ينقلوا هذه الصورة ليس بأسلوب نظري، إنما بأسلوب مُمارس وأن نمكَّن لهؤلاء من المتعطشين للتعرف على الإسلام أن يروا أننا نعيش الإسلام في منازلنا، في.. في أحيائنا، في أعمالنا، في خدماتنا وفي.. ليس فقط بيننا كمسلمين، إنما مع الآخرين، مصداقاً لقول الرسول.. لقول الله سبحانه وتعالى عن الرسول: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، حتى يرى الشعب الأميركي والغربي أننا رحمة لهذه المجتمعات هذا سيساعدهم للتعرف على حقيقة الإسلام، وعندئذٍ عندما يروا ما يُقال في التليفزيون أو ما يُذكر في الصحف عن الإسلام يُقارنوا بين هذه الصورة المشوهة من هوليود وغيرها، وبين الصورة الحقيقية التي يعيشها الفرد المسلم، ومن هنا تأكيد لكلام الدكتور (ونتر) عندما يحتكوا ويروا بأنفسهم يأخذوا موقفاً شجاعاً ولا يعتنقوا الإسلام بسبب.. بسبب موقفٍ واحد وبين عشيةٍ وضحاها، إنما هي يعني خطوة وأسلوب مُمارس على مدى بعيد من الوقت من.. من القناعة وتشكيل هذه القناعة، حتى عندما تأتي حادثة معينة يأخذوا موقفاً حاسماً ويكون في صالح الحقيقة والعدالة.

جمانة نمور: إذاً أنت ترى أن المسئولية الآن على عاتقكم، أو على عاتق المسلمين الأميركيين أصبحت أكبر؟ يعني مثلاً (إنجيل واتسن) اعتبر تصريحات (روبرتسون) التي أشرنا إليها في بداية الحلقة.. انعكاساً لبعض تصريحات الأميركيين المسلمين الذين قالوا: إن أي كان يرغب بتدمير أميركا لأن لها أعداء كُثر، لأنها غير عادلة بسياستها الخارجية، برأيك هل أصبحت المسؤولية أكبر الآن على ما ينطق به المسلم الأميركي في أميركا؟

نهاد عوض: يعني الحقيقة أمثال (بات روبرتسون)، و(جيريفولو)، (فرانكن جرام) لهم تاريخ من العداء، لأن نظرتهم قاتمة جداً، ويحاولوا إشعال الصدام بين المسلمين والمسيحيين، ويجب على المسلمين والمسيحيين العقلاء أن يُفشلوا هذه المحاولة، فهم لديهم مواقف مُسبقة، وينتهزوا بعض المواقف المأساوية مثل أحداث سبتمبر، وبعض التصريحات على ألسنة بعض المسلمين للانقضاض على.. على حقيقة التعامل الإيجابي بين المسلمين والمسيحيين في أميركا وفي الغرب لإشعال تيار الفتنة، لاشك أنا متفق معاكِ أن ما يُقال على ألسنتنا وألسنة الجميع يجب أن.. أن يكون حذراً، ويجب أن يكون منضبطاً، ويجب ألا نتحدث فقط لأنفسنا، إنما نتحدث للعالم وبلغة عالمية.

[فاصل إعلاني]


أحداث 11 سبتمبر وتحليله على إنه صراع حضارات

جمانة نمور: دكتور ونتر، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر سمعنا أصوات كثيرة وتحليلات كثيرة قالت: أننا في صراع الحضارات، وهذا صراع بين الغرب والشرق الذي كان بدأ منذ عام 1095 نحن على أبواب امتداده وعلى أبواب تداعياته وتجلياته أكثر فأكثر، برأيك هل تغيرت الصورة الآن بعد مرور أكثر من خمسة أشهر؟

د. عبد الحكيم ونتر: لا أعتقد أن الصورة كانت بهذه البساطة حتى بعد الأحداث مباشرةً، لا يعتقد أكثر المثقفين والنقاد عندنا أن هناك صراع بين الإسلام والغرب، يعلم الجميع أن الإسلام قد صار جزءاً لا يتجزأ من حضارة الغربية، فعدد المسلمين المطبقين لدينهم في الكثير من مدن بريطانيا أكثر بكثير من عدد المسيحيين الملتزمين، وهم نواب في البرلمان ورجال الشرطة، وضباط الجيش وما إلى ذلك، ففكرة الصراع هذا شيء مستحيل، ولا يستطيعه العقل الغربي أنه إذا قُبل ينهار المجتمع، فلا يتكلم أحد من.. من المنصفين أو العقلاء بهذه الصورة، ولكن نجد أن التعاطف الذي تم التعبير عنه بعد الأحداث مباشرةً قد تغير في بعض الأوساط إلى شيء من.. من التشكيك وشيء قد نُسميه بـ"الانتظار" ينتظرون منا كمسلمين أن نقوم نحن بمكافحة التطرف، يقولون: إن مسؤولية قمع هذا الشيء، هذا التطرف، هذا التشدد، هذا الغلو الجديد في دينكم مسؤولية تقع على.. عليكم أنتم لا علينا، وأميركا لا ينبغي لها أن تدعي أنها خلافة.. خليفة المسلمين، وأن قمع الإرهاب أساساً مسؤولية الخليفة أو الأمير، أو الإمام، أو الحاكم، أو الجماعات الإسلامية، فنحن الآن في بريطانيا مطالبون بتكوين برنامج لمكافحة الغلو الذي هو موجود في بعض المساجد عندنا، لا يشك أحد في ذلك، وإن كان ينتمي إليه قلة قليلة جداً من أبناء المسلمين، فالجو قد تغير الآن من فترة تعاطف إلى فترة حب استطلاع، والآن شيء من التهمة، لأنهم يقولون: أنتم عليكم أن تُّعالجوا هذه المشكلة، ولا نراكم.. لا نرى منكم أي مبادرة للقضاء على هذا الغلو الذي يهدد العالم ويهددنا كمسيحيين يهددكم كمسلمين، أين الحل؟

جمانة نمور: إذا كان.. إذا كان الغرب دكتور بالفعل مقتنع بأن الإسلاميين عليهم قمع ما يسمونه بظاهرة التطرُّف والإرهاب، إذاً ألا ينتفي حينها قيام أو شن أميركا بهذا.. بهذه الحرب على الإرهاب تنتفي مبرراتها؟

د. عبد الحكيم ونتر: يعني أعتقد أنهم يظنون أن لو قدر العالم الإسلامي على إيقاف هذا التيار الخاطئ داخل الدين الإسلامي لما احتاج أميركا إلى شن هذه الغارات وهذه الحروب، هذه.. هذه وجهة نظرهم.

جمانة نمور: على كل حال نحن نتقبل وجهات نظر جميع المشاهدين من عبر مشاركتهم من خلال الإنترنت وعنوانها هو: www.aljazeera.net

وعبر الفاكس، والرقم هو: مفتاح قطر: 00974 ثم 4885999.

سيد نهاد.. نهاد عوض في واشنطن، هل التعايش الآن بعد أتباع الديانتين خاصة المسيحية والإسلامية.. بعد الحديث عن صراع الحضارات عقب 11 سبتمبر أصبح أكثر بُعداً أم أنه لازال هناك مجال لإصلاح ذات البين؟

نهاد عوض: الحقيقة يعني وهذه.. هذا واقع نعيشه في الولايات المتحدة أن الفرد المسيحي العادي والفرد المسلم العادي علاقته بغيره من.. من الجانب الآخر تطورت بشكل إيجابي في الولايات المتحدة، هذا ما نلمسه من خلال مشاهداتنا، الكثير من الوفود المسيحية زارت المراكز الإسلامية للتعبير عن مساندتها والوقوف معها أمام الهجمات من المتطرفين ليس فقط المتدينين حتى الذين ليس لهم دين بسبب التشويه الإعلامي وربط الإسلام بالإرهاب في الأيام الأولى في أحداث سبتمبر، وكذلك الحال فتحت المراكز الإسلامية على أبوابها لغير المسلمين للزيارة، وأنا أذكر أمثلة بسيطة جداً أحد المراكز الإسلامية في ميتشجان يتسع إلى ستمائة شخص أو ضيف، وبعد أحداث سبتمبر فتح المركز أبوابه لغير المسلمين للزيارة وشارك حوالي ألفين، وتكررت هذه الحادثة في أكثر من مدينة في الولايات المتحدة، أنا في اعتقادي المشكلة ليست بين المواطن المسلم العادي والمواطن المسيحي العادي، هناك من يحاول أن يختطف هذه العلاقة ويقودها نحو التصادم بسبب تأويلات الأحداث التي تمت، أنا كأميركي مسلم لا يجب أن يكون خطابي اعتذاري بتبرير ما جرى في سبتمبر أو أن أقول: أن الإسلام ليس له دخلاً بذلك وأحاول أن أدافع عن الإسلام، أنا أدافع عن الإسلام فقط عندما يُتهم الإسلام، لكن خطابي كأميركي أعتقد أن الاعتداء الذي تم.. تم علينا كمجتمع مسلم، وتم علينا كدين، وتم علينا كمجتمع أميركي، لكن في المقابل دعيني أذكر نقطة هامة، أن قضية صراع الحضارات من وجهة نظر أميركا يجب أيضاً أن تفسر من جانب آخر، هناك.. هناك غضب عام ضد السياسة الأميركية وليس ضد الشعب الأميركي، وحسب إحصاءات واستطلاع الرأي صدر بالأمس فقط عن طريق مؤسسة اسمها (جالوب بول) 53% من المسلمين في العالم الإسلامي الذين تم استطلاع رأيهم لديهم عواطف قوية سلبية ضد السياسة الأميركية، وعلى الساسة الأميركيون أن يفسروا ويحللوا هذه الظاهرة ويجب أن يعالجوها وليس فقط أن يحاولوا القضاء على ظاهرة الغلو إنما يجب سبر غور هذه المشاعر التي ولدت بعضها السياسات الخارجية الأميركية غير العادلة وتحديداً قضية الشرق الأوسط.

جمانة نمور: طب دكتور كيمبريدج يعني إذا ما تحدثنا عن التعايش بين هذا.. الحضارتين، برأيك كيف يكون عليه شكل هذا التعايش؟

د. عبد الحكيم ونتر: ينبغي أن نتذكر أولاً أن من حسن حظ العرب والمسلمين أن الحضارة السائدة في العالم اليوم حضارة من حضارات أهل الكتاب، بمعنى أن لدينا الآن الكثير من القيم والعقائد المشتركة، لو ظهرت حضارة عالمية من اليابان مثلاً أو من مجتمع هندوكي أو من الصين لصعب بناء القناطر العقائدية والأخلاقية بين الحضارتين، ولكن العالم المسيحي أقرب ما يكون إلى العالم الإسلامي من.. من نواحي شتى وهذا لا ينكره أحد من المفكرين أو المؤرخين، فنجعل هذه بداية جيدة وعلى أساس هذه البداية أنا متفائل بأن التعايش الإبراهيمي كما نسميه من حين لآخر بين اليهود والمسلمين والمسيحيين في الغرب له مستقبل برَّاق وجميل إن شاء الله ونجد ونرى بوادر ذلك الآن في الشوارع وفي الجامعة فنادراً ما نجد التعصب الأعمى في قلوب الإنجليز أو في قلوب الإيطاليين مثلاً ضد الإسلام والمسلمين، نعم التطرف في أحزاب اليمين موجود في بعض البلاد الأوروبية ولكن ليس مثل التطرف الموجود في الثلاثينيات مثلاً أو في الأربعينيات، وقد انتهت فترة الشيوعية التي كانت تهدد الإسلام أكثر.. أكثر بكثير مما قد يهدد الإسلام، قوات أميركا والكتلة الغربية الآن فأنا في المستقبل البعيد –إن شاء الله- متفائل جداً ونرى في الشوارع وفي أماكن العبادة وفي المصانع وفي المكتبات وحتى في الحكومة وفي الجيش وفي الإذاعة صداقات ودية ومخلصة بين المسلمين وبين غير المسلمين وهذا يزداد يوماً بعد يوم وهذا ما أراه يومياً فلهذا السبب أنا متفائل.

جمانة نمور: دكتور ونتر، أرجو أن تبقى معنا لنسمع بعض المشاركات التي وصلتنا عبر الإنترنت، (نسيمة) تقول: يجب أن نكون موضوعيين وأن لا ننسى ما قام به بن لادن، (أبو سعد الرباطي) من كندا يقول: الآن أصبح أي مسلم يذكر أميركا بسوء هو إرهابي وعميل لبن لادن ومتشدد فأين هي.. إذن هي الديمقراطية المزعومة، من مصر أيضاً لدينا مشاركة تقول: حتى لو أقبل الغرب على معرفة الإسلام على طريقة إعرف عدوك فهي فرصة ذهبية لتوضيح صورة الإسلام الحضارية، أيضاً لدي أسئلة مثلاً في اليمن عن المضايقات التي يتعرض لها أبناء الجالية العربية والإسلامية، أعتقد إننا تحدثنا عن هذا الموضوع في بداية الحلقة، من موريتانيا (بيان ولد السالك) يقول: يخطئ من يظن أنه حصلت نظرة إيجابية للإسلام عند الرأي العام الغربي، النظرة تغيرت إلى الأسوأ، يجب أن نسأل أنفسنا لماذا لا نكون نحن من يغير النظرة إلى الغرب باعتباره خصماً؟ السيد (نهاد عوض) كيف ترد على هذه المشاركات حتى الآن؟

نهاد عوض: هذه مجموعة من الأسئلة حاولت أذكر يعني الكلمات الرئيسية بها، يعني مرة أخرى يجب أن نكون متوازنين ولا ندغدغ العواطف التي تريد أن ترى الصورة الوردية، ولا نريد أيضاً أن ندغدغ العواطف التي تريد أن تؤكد فكرة العداء بين المسلمين وغيرهم، هناك واقع معقد يجب أن ننظر إليه بأسلوب موضوعي، هناك تفهماً أكبر ووعياً بقضية الإسلام، 65% من الشعب الأميركي لا يعرفوا أبسط مفاهم.. مفاهيم الإسلام، ومن هنا علينا أن نصل إلى هؤلاء، غالبية كبيرة في الشعب الأميركي غير متدين يبحث عن الحقيقة ويبحث عن إرشاد روحي ليوجه حياته، ولا يجب أن ننظر إلى الشعوب هي صورة طبق الأصل عن الحكومات والمواقف السياسية. 89% من الشعب الأميركي يتحفظوا على موقف الإدارة الأميركية تجاه قضية فلسطين وبالتالي هذا يعطينا فرصة كبيرة جداً للعمل مع الشعب الأميركي الذي هو يعتبر صانع القرار السياسي الأول ونلاحظ ذلك في الانتخابات الأميركية ودورهم في وضع من يشاؤوا في البيت الأبيض وإخراج من يشاؤوا في أوقات الانتخابات وبالأسلوب الديمقراطي المناسب، النظرة الأخيرة هي الاعتداءات التي تمت ضد المسلمين وغيرهم، هذه موجودة وموثقة لكن لا يجب أن ندع هذه الاعتداءات أن نوجه طريقتنا وخطابنا في التعامل مع الآخرين، إنما يجب أن نعاملها بأسلوب موضوعي وحساس لأننا نريد أن نبني جسور تعاون وتفاهم مع الآخرين دون أن نتنازل عن هويتنا ومبادئنا، وأنا أشعر أن المسلمين في أميركا وعددهم يزيد عن 6 إلى 7 مليون يعيشوا الإسلام بأسلوب عصري وأسلوب حضاري، نعتقد أننا في الولايات المتحدة نعيش الإسلام في أبسط وأفضل صوره من حيث الحرية والممارسة.


الإسلام الليبرالي ورؤية الغرب له

جمانة نمور: نعم، يعني هل لك أن تكون أكثر تحديداً سيد عوض، ماذا تقصد بأسلوب عصري؟ هل أصبح يلتقي مع ما أصبح يعرف خاصة بالكتابات الغربية هذه الأيام بالإسلام الليبرالي الذي يرون أنه هو سوف يكون له المستقبل في العالم؟

نهاد عوض: لأ، أنا أنظر إلى الإسلام على أنه دين شامل، مفهوم الجهاد في الإسلام وارد ويجب على حركات التحرر في فلسطين وغيرها أن تُساند، نحن لم نتنازل، ولن نتنازل –إن شاء الله- عن المفاهيم الإسلامية الثابتة، لكن لا نريد أيضاً ننجر خلف بعض المصطلحات التي تحدد هوية المسلمين بأسلوب من لديهم أجندة سياسية، نحن المسلمين في أميركا نعيش الإسلام بواقعه الحقيقي، ننظر إلى الأمام ونقتبس من السيرة النبوية ونعيش الإسلام بالمعاني التي نفهمها أنها متوازنة، والإسلام منذ بدايته كافح وحارب أسلوب الغلو والقرآن الكريم عالج أسلوب الغلو وطالب المسلمين دائماً أن يكونوا أمة وسطى، الأمة الوسطية لا يعني أننا نكون اعتذاريين ولا نقف ونقول كلمة حق أمام سلطان جائر، في الكثير من لقاءاتنا بالمسؤولين الأميركيين نأخذ موقفاً حاسماً عندما يتطلب الموقف ذلك وندافع عن قضايا الأمة، وأظن أن الوسائل الإعلامية العربية وغيرها تشهد بذلك أننا جالية نحاول أن نحافظ على تراثنا ومواقفنا السياسية التي تعكس آمال الأمة الإسلامية داخل أميركا وخارجها..

جمانة نمور: أريد أن أتحول إلى دكتور ونتر في.. في لندن يعني.. ما رأيك بمفهوم القائل الذي تناوله بالتفصيل (تشارلز كورزمن)؟ تحدث عن الإسلام الليبرالي الذي قال إن لديه الأمل أن يتعايش مستقبلاً مع الديمقراطيات الموجودة لأن النقطة الجوهرية الأولى فيه أن الشريعة تتطلب الديمقراطية، هل أنت مع هذا الطرح أم أنك من القائلين بأن مفهوم الإسلام الليبرالي هو اختراع غربي؟

د. عبد الحكيم ونتر: في الحقيقة لا يجوز للغربيين أن يتدخلوا في شؤون ديننا الداخلية كما لا يريدون أن نتدخل في شؤون المسيحية ونقول إن عليهم أن يغيروا هذه العقيدة.. العقيدة مثلاً أو أن يغير هذه العادة المتبعة في الكنائس، أمر التجديد والاجتهاد في الإسلام ينبغي أن يترك لأبناء الإسلام ومع أننا نتمنى من أبناء الحضارات الأخرى حسن ظن في إخلاصنا في.. في السعي إلى تحقيق الاجتهادات التي تجعل الإسلام أساس حضارة ناجحة في.. في هذا العصر، ومع ذلك لا نقبل تدخلهم واقتراحاتهم في.. في إصلاح ما هو خاص بنا، وهذه المصطلحات التي يكثرون من استخدامها أمثال الأصولية (ponmenlezem) والليبرالية هي مصطلحات في الحقيقة غربية عن منطق الإسلام وينبغي أن لا نعقد الأمر باستيراد مصطلحات غربية مسيحية ليس لها مكانة طبيعية داخل الإسلام، نعم يعلم الجميع أن..

جمانة نمور[مقاطعةً]: لكن دكتور يعني قد يقول البعض إننا نعيش في عالم، هناك أيضاً عدد كبير من المسلمين يعيشون وفق طرق معيشية معينة مختلفة تستطيع أن تستخدم مفاهيم أجنبية أو عربية، ولكن ليس جميع الإسلام يعيشون بنفس الطريقة، هل تنكر أن هناك أعداد كبيرة إذا صحت التسمية معتدلة؟

د. عبد الحكيم ونتر: أعتقد أن طبيعة المسلم هو الاعتدال من معاني الصراط المستقيم أنه هو الذي يبتعد من.. التفريط والإفراط، وهذه سمة المسلمين في كل مكان وفي كل زمان في عقائدهم وفي حياتهم الروحية وفي تفسيرهم للشريعة ونعم.. نعلم جميعاً أننا نعيش في فترة صعبة للإسلام ويُطالب منا أن.. أن نتغير كما تغير المسيحية في فترة أربع قرون ونتغير نحن في جيل أو جيلين وهذا مستحيل وفي نفس الوقت نجد أننا كلما نسافر في العالم الإسلامي نجد أن من يريد التعايش السلمي مع الغربيين أكثر ما يكون من المحافظين جداً، كبار مشايخ الأزهر مثلاً يحسنون الظن بالغرب ويريدون الحياة السلمية وتبادل المصالح مع الغرب أما من يتعصب ضد الإسلام وضد الغرب ويقول: إن التعايش مستحيل فأكثرهم من خلفيات غير دينية وقد اكتشفوا أنهم مسلمين في.. في الجامعة مثلاً وهؤلاء هم المشكلة، المحافظين وكبار المشايخ وأبناء الكليات والجامعات الإسلامية الكبيرة لا يشكلون أي.. أي مشكلة في.. في نظري أنا وأنا شخصياً كابن لحضارتين لأنني مسلم وولائي للإسلام وللشريعة الإسلامية، لكني في نفس الوقت غربي ومن أبناء الغرب فأعتقد أنني أستطيع أن أفهم الحضارتين وأعرف أن المستقبل الناجح للمسلمين إن شاء الله ليس في الإصلاح الليبرالي هذا المزعوم، ولكن في استخدام أصول الفقه الموجودة ومقدرة الشريعة الإسلامية على الاجتهاد حتى يكون الشريعة متسايرة مع روح الزمان وهذا في رأيي شيء في غاية الأهمية.

جمانة نمور: دكتور نعم، لنسمع مشاركة دكتور إيهاب المقداد وهو أستاذ جامعي من الولايات المتحدة الأميركية يقول في رأيه الشخصي هو لا يعتقد أن أميركا قد شنت هذه الحرب إلا لكي تقول للمسلمين جميعاً: أنه ممنوع عليكم أن تتقدموا وتنظروا إلى حرياتكم السيد عوض في واشنطن ما رأيك في هذا الطرح؟

نهاد عوض: أنا لا أشك أن علاقة الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي في.. في.. في حالة تدهور بسبب موقف أميركا من الكثير من القضايا الحساسة في النقاط الساخنة مثل قضية فلسطين في.. وفي صراعهم مع الإسرائيليين وغياب موقف عربي متماسك يدع أي جهة أو أي تيار صدامي داخل الإدارة الأميركية أن ترسل ما تريد أو ما تشاء من الرسائل وتحاول أن تفرض على العالم العربي والإسلامي ما تحاول فرضه، ويجب على العالم الإسلامي أن.. أن يتكاتف ويرسل رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة أنه يجب أن يكون هناك احترام لهذه المصالح والتعديل في السياسة الخارجية لتحمي مصالحها على المدى البعيد وأيضاً تحفظ مصالح وحقوق الشعوب والبلاد العربية والإسلامية لاشك أنا أعتقد أن هناك التيار الصدامي في الإدارة الأميركية يحاول أن يرسل رسالة ويحاول أن يرسم خارطة جديدة للعالم الإسلامي ويجب على العالم الإسلامي أن يساهم في المساهمة بصناعة هذه الخارطة بما يتوافق مع مصالح العالم الإسلامي والخطاب إصدار خطاب سياسي واضح للولايات المتحدة حتى تفهمه وتستند إليه من خلال المصالح المشتركة وليس أن تكون هناك خطاب أحادي من الولايات المتحدة، فأنا أتفق بحدٍ ما مع الأخ الذي سأل السؤال.


إمكانية التقاء الغرب والشرق في منتصف الطريق

جمانة نمور: طيب يعني برأيك واقعياً الأمور في هذه الأشهر المقبلة الآن ستسير هل تتفق مع الكاتب سعد محيو الذي يقول: أنه مع إغلاق صفحة أفغانستان وسقوط الرهانات على نشوب صدام حضارات يُرجِّح أن يشهد العام 2002 جهوداً متصلة من الغرب والشرق لالتقاء في منتصف الطريق؟ هل ترى أن هذا الأمر وارد؟

نهاد عوض: أنا اعتقادي أن هذا أمراً حتمياً بل واجباً ولا يجب أن نعيش في فترة الانتظار.. انتظار.. انتظار الطرف الآخر لأن يأخذ البادرة ونحن نرد عليهم بشكل إما بنعم أو لا يجب أن يكون لدينا بادرة ونظرة استراتيجية في شكل العلاقة القادمة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي ويستند ذلك على ثوابت واضحة وتواصل ثقافي وسياسي، وأنا في اعتقادي يعني أن الإعلام العربي وتحديداً دور (الجزيرة) لعبت دوراً هاماً جداً في إرسال رسالة واضحة، أن الرأي العام العربي والإسلامي لا يختلف عن الرأي العام الرسمي في العالم العربي وبالتالي أميركا الآن تحاول أن تشتري الرأي العام العربي من خلال حملة.. حملة علاقات عامة ويجب العالم العربي أن يقول لأميركا أننا لا نكتفي بحملة علاقات عامة إنما يجب أن يكون هناك مواقف معدلة تتناسب مع قيم العدالة والمساواة وأنا أذكر تحديداً هنا قضية فلسطين ورفع الضغط عن الفلسطينيين وإعطاء ضغط موازي أو أكثر ضد الإسرائيليين حتى يكون هناك سلاماً على العالم العربي أن نأتي بأجندة قوية ومتماسكة وأميركا ستحاول الحفاظ على مصالحها والاستجابة بشكل إيجابي.

جمانة نمور: دكتور ونتر يعني بكلمة أخيرة هل تتفق مع ما قاله السيد عوض بأن ما يقوم به الغرب أو أميركا تحديداً هو حملة علاقات عامة أم أنك تلمس اتجاه غربياً جدياً ربما من وجهة نظر غربية لإدماج العالم الإسلامي في مكانه يتم التحديث عنهم مؤخراً في القرن الماضي بالعولمة والعالم الحديث؟

د. عبد الحكيم ونتر: يعني الله أعلم بنيتهم ولكن مسؤوليتنا كمسلمين هي مسؤولية دعوية وإعلامية بمعنى أننا ينقصنا القيادة والمؤسسات الناجحة وخاصة في أوروبا لتقديم وجهة نظر الإسلام لهؤلاء، ونحن لابد أن نقنعهم بأن مصالحهم لا تُخدم بمعارضة العالم الإسلامي ولا يمكن هذا، ولا يمكن لهم أن ينجحوا في مشاريعهم الاقتصادية في العالم إذا اكتسبوا عداوة خمس وخمسين دولة من دول العالم وهذا يدركونه في.. في المدى البعيد.

جمانة نمور: نعم في.. في النهاية شكراً لك دكتور ونتر في النهاية لا نملك إلا أن نتوجه بالشكر إلى ضيفينا نهاد عوض (مدير مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية)، من واشنطن، والدكتور عبد الحكيم ونتر (الأستاذ المحاضر بجامعة كامبريدج)، ونشكر معدي الحلقة أحمد الشولي وحسن إبراهيم وبالطبع مخرجها فريد الجابري وفريق العمل، ومني جمانة نمو، أطيب تحية.