ما وراء الخبر

الأزمة السياسية في تونس.. جدل حقوقي وسياسي متصاعد

قال الكاتب والمحلل السياسي أحمد الغيلوفي إن الحكم الصادر بحق الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي يؤكد أن البلاد تسير بخطى حثيثة نحو نظام يتحكم في كل شيء، من الاقتصاد إلى القضاء والصحافة.

وأضاف الغيلوفي -في حديث لحلقة (2021/12/23) من برنامج "ما وراء الخبر"- أن التحكم في كل مفاصل الدولة هو دأب الأنظمة الدكتاتورية، مشيرا إلى أن هناك قضايا تخص شهداء ومعتقلين عُذبوا في العهود السابقة، ولم يفصل فيها القضاء منذ نحو 30 عاما.

وأكد أن الحكم جزء من معركة سياسية واضحة أراد الرئيس قيس سعيد أن يصفي خصومه فيها بواسطة القضاء، مشددا على أن "سعيد يهدد القضاء منذ انقلاب 25 يوليو/تموز الماضي"، معتبرا أنه "إذا تحكم مستبد صغير في القضاء والصحافة والإعلام فإنه يصبح مستبدا كبيرا، وهذا ما حصل فعلا في تونس".

وقد شكّل الحكم القضائي بالسجن في حق الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي محطة جديدة في مسار الأزمة السياسية التي تعيشها تونس، فقد أثارت المحاكمة -بما تضمنته من حيثيات قانونية وما ترتبط به من سياق سياسي- ردودا واسعة لدى الطبقة السياسية.

واعتبرت أحزاب التيار الديمقراطي، والجمهوري، والتكتل من أجل العمل والحريات أن الحكم على المرزوقي يمثل سابقة خطيرة، وأنه كان بتوجيه مباشر ممن وصفته برئيس السلطة القائمة.

ووصف الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي الحكم على المرزوقي بالفضيحة بالنسبة للهيئة القضائية والسلطة القائمة التي توظف القضاء لتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين، حسب تعبيره.

ووصف رئيس كتلة حزب حركة النهضة في البرلمان عماد الخميري الحكم على المرزوقي بالباطل والظالم، أما حزب ائتلاف الكرامة فأعلن دعمه غير المحدود للمرزوقي.

قراءتان متضادتان

من جانبه، قال المحامي والعضو السابق في المجلس الوطني التأسيسي رابح الخرايفي إن الحكم الصادر بحق المرزوقي يُقرأ من جانبين: القانوني، وهو أمر عادي أن يصدر حكما غيابيا، لكن المثير في الحكم هو سرعة إصداره خلافا لبقية القضايا.

وأوضح أن القضية بحق المرزوقي استغرقت 4 أشهر فقط، وهو أمر غير مألوف في تونس، حيث تتسم الإجراءات القضائية بالبطء.

أما من الناحية السياسية فرأى الخرايفي أنه من الممكن استخلاص نتيجتين متناقضتين: الأولى: إمعان الرئيس قيس سعيد في التنكيل بمعارضيه والزج بهم في السجون، والسيطرة على القضاء، والثانية: أن القضاء التونسي أراد أن يحرج الرئيس سعيد باختياره شخصية معروفة محليا ودوليا ليصدر حكما بحقها، وإظهار أن القضاء قد استجاب للضغط الذي يمارسه سعيد عليه.

وتجيء هذه التطورات في وقت تراوح فيه الأزمة السياسية في تونس مكانها، فبعد أن طرح الرئيس سعيد ما اعتبرها خريطة طريق للمرحلة القادمة في البلاد إلا أن الجدل بشأنها داخل الساحتين السياسية والنقابية ما زال مستمرا، فقد أعرب الناطق باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري عن رفض فكرة الاستفتاء الإلكتروني التي طرحها الرئيس سعيد، مشيرا إلى أن تعديل الدستور ليس أمرا عاجلا، وأن الاتحاد لا يدعم فكرة إلغاء كل ما سبق.

وبرر المتحدث باسم الاتحاد التونسي للشغل موقفه بأن دستور عام 2014 -رغم نواقصه- تضمن إيجابيات يجب البناء عليها، مشددا على أن تعديله يجب أن يكون نتاج حوار وطني متروٍ، على حد تعبيره.

كما تطرقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى تطورات المشهد الحقوقي في تونس، منددة بما وصفتها بالملاحقات المتزايدة في البلاد للأصوات التي تنتقد سياسات وإجراءات الرئيس قيس سعيد.

وقالت المنظمة -في بيان- إن السلطات التونسية تحاكم المواطنين في المحاكم العسكرية والمدنية وتسجنهم، بسبب انتقادات عامة للرئيس قيس سعيد ومسؤولين آخرين.

وأضافت "هيومن رايتس" أن النيابة العمومية تستخدم قوانين قمعية سُنّت قبل الثورة التونسية، لملاحقة منتقدي سعيد ممن يصفون توليه سلطات استثنائية منذ 25 يوليو/تموز الماضي بالانقلاب، مشيرة إلى أنها راجعت 5 قضايا متعلقة بحرية التعبير في تونس، لتجد من يقضي عقوبة بالسجن بتهمة الإساءة إلى الرئيس، و3 آخرين بصدد المحاكمة بتهمة التشهير بالجيش والإساءة للرئيس، والأخير قيد التحقيق باتهامات مماثلة.

وخلصت المنظمة الحقوقية الدولية إلى أن الاعتراض العلني في تونس على الرئيس واستحواذه على سلطات واسعة قد يؤديان بصاحبه إلى المحاكمة، مضيفة أن إسكات المعارضين يعتبر خطرا مضاعفا عندما يكون الرئيس منشغلا بتركيز الكثير من السلطات في يده.