صورة عامة
مسارات

مطاع صفدي.. التجربة الفلسفية العروبية ج2

تستضيف الحلقة المفكر والأديب العربي مطاع صفدي أحد أشهر أعلام الفكر الفلسفي العربي المعاصر حيث نشأت على مؤلفاته ومقالاته أجيال من القراء.

– الحداثة بين غياب النقد وأصنام الماضي
– نقد الذات والعقل العربي


undefinedمالك التريكي: بمثل ما كان لسارتر دوراً كبير في نشأة المفكر العربي مطاع صفدي الفلسفية لاسيما في مجال التأكيد على واجب الإطلاع بمسؤولية الحرية ونحت المصير نحتاً بقوة الإرادة الإنسانية فإنه قد كان للمفكرين الفرنسيين ميشيل فوكو وجيل دولوز أثر بين في تطور مساره الفكري وقد كان من ثمرة ذلك أنه أشرف على الترجمة البحثية للأعمال الكاملة لفوكو بدءاً بكتابه الشهير الكلمات والأشياء كما أنه بدأ الإشراف على ترجمة الأعمال الكاملة لدولوز التي صدر منها حتى الآن كتابه الشهير ما هي الفلسفة، ذلك أن مطاع صفدي على قناعة بأن الفكر العربي هو في أمسّ الحاجة إلى الاستفادة من مفهوم النظام المعرفي الذي وضعه فوكو ومن منهجية الحفر الأركيولوجي في طبقات هذا النظام لكشف آليات تسخير المعرفة في خدمة السلطة، أما ما يثمنه مطاع صفدي في فكر دولوز فهو أنه قد أطلق للفلسفة العنان لاختراق ما لا يُحد من نصوص الأدب والفن مطالبا إياها حسب تعبيره بحصة السؤال الفلسفي من الناتج الإبداعي. وبما أن دولوز يُعرّف الفلسفة بأنها فن إنشاء المفاهيم فإن مطاع صفدي يصفه بأنه شاعر مفهومي يبدع المفاهيم بدل القصائد ومع أن مطاع صفدي يستخدم عن قصد مصطلح الشاعر المفهومي الذي وضعه الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة تمييزا للفلاسفة السابقين على الأفلاطونية إلا أنه يعترض على تسمية فوكو ودولوز وجاك دريدا بالنيتشويين الجدد وذلك رغم شيوع هذه التسمية بسبب من تمثيل هؤلاء لتيار نقد الحداثة الذي يمت إلى نيتشة بنسب فكري.

الحداثة بين غياب النقد وأصنام الماضي

مطاع صفدي – مفكر وأديب عربي: اسمح لي إذاً يعني أن أعترض على صفة أنهم فلاسفة نيتشويون، هم على علاقة مع نيتشة لكنهم ليسوا نتشويين لأنه كل واحد الحقيقة بنى فلسفة جديدة نعم مختلفة وربما لو كان نيتشة حياً لوافق عليها يعني لأنه فعلا فيه فرق بالعصر، نيتشة فيلسوف من نهاية القرن التاسع عشر بدايات القرن العشرين هؤلاء فلاسفة نهاية القرن العشرين وهناك قضايا جديدة وأساليب جديدة، مثلا فوكو فيلسوف كبير عمل على قضية السجون عمل على قضية الجنون إشتغل على قضية المعذبين.. إجمالا..

مالك التريكي [مقاطعاً]: الأقليات.

مطاع صفدي [متابعاً]: فإذاً يعني هناك التزام يحسه الفيلسوف تجاه مجتمعه تجاه المشاركة الفعالة في فهم القضايا وتنوير الآخرين عنها، يعني عندما قام فوكو ببحثه عن السجن تغيّرت قوانين السجون في فرنسا تغيّرت المعاملة تغيّر مفهوم السجين.

مالك التريكي: بكتابه الشهير المراقبة والمعاقبة.

مطاع صفدي: نعم يعني كان له أهم الأثر كما لو أن ثورة قامت من أجل تحسين حياة السجون هو بدون ثورة بهذا الكتاب وبالأبحاث الأخرى التي نشرها أستطاع أن يخلق رأياً عاماً جديداً لدى خبراء القانون والتشريع وإلى آخره فغيروا كثيرا من مفهوم السجن، من مفهوم السجين والسجين لا يعاقب ليس للمعاقبة فقط إلا أنه هو إنسان أخطأ ويجب أن يعود إلى إنسانيته وعلاقة الحاكم بالسجن وإلى آخره.. كل هذه القضايا تغيرت لدرجة أنه سجون في بعد في السبعينات هي في الواقع حققت قفزة عمّا كانت عليه سجون فرنسا في الفترة السابقة ومن ثم انتشر هذا في كل أوروبا، يعني هذا التغيير في طبيعة السجن في فهم السجن في فهم معنى المعاقبة وما المقصود من الأحكام التي تطلق على السجناء وكيف يجب أن يُعامل هذا السجين كإنسان.. يظل إنسان يعني إذا حُكِم لا يفقد إنسانيته بل يجب أن على العكس يعني يجب أن نبحث عن بذور إنسانيته ونعيد تغذيتها وإنشائها وجعله يتحكم في سلوكه في المستقبل لكي يقع في نفس الأخطاء أو نفس الذنوب أو الجرائم التي وقع فيها، فإذاً الفيلسوف فعّال هنا الفيلسوف فعّال في التغيير، سارتر.. سارتر قاد حركة.. الحركة التي أثمرت فيما بعد ثورة الطلاب ثورة 1968 الثورة الشهيرة التي هي في تاريخ الثورات هي الثورة الاجتماعية، ثورة العادات ليست فقط ثورة سياسية هي ليست ثورة سياسية بالمعنى السياسي، قلبت عادات المجتمع الفرنسي رأسا على عقب وأنهت كل ما يسمى بنموذج السلوك البرجوازي القديم التقليدي وأطلقت الحرية للحب وأطلقت الحرية للشبيبة وأطلقت الحرية وتغيرت معها المناهج الدراسية وعاشت فرنسا ما تسميه الآن فترة الثلاثين سنة الذهبية، يعني قسم من الستينات لأواخر التسعينات وبدأت الآن تشعر أن هذه المرحلة انتهت وعليها أن تقوم بثورة جديدة.. بتغيير جديد بهم وبدأ مفكرين يساهمون كل واحد بطريقته في تدمير هذه المرحلة وكيف يجب أن ننتقل إلى واقع اجتماعي.

مالك التريكي: كان مأتى الحديث عن فوكو ودولوز هو العلاقة بين الأدب والفلسفة فذكرتهما معاً على أنهم مثالان قويان على المزج بين الأدب والفلسفة في نصاعة الأسلوب واستعمال اللغة ثم ذكرت فوكو على كمثال على الفيلسوف الملتزم بقضايا عصره وقضايا مجتمعه والذي يؤثر في الرأي العام لبلده، فوكو كان له تأثير واضح في تطورك الفكري إلى درجة أن هنالك بحثاً أكاديمياً عن تأثير ميشيل فوكو كفيلسوف غربي في الفكر العربي درس فكرك مع فكر ثلاثة مفكرين عرب آخرين وهو معروف هذا البحث، ما هي النقاط باستثناء مسألة الاهتمام بالأقليات والاهتمام بأطراف الحضارة الغربية وليس بمركزها؟ يعني أنه ينقد المجتمع الغربي ليس من مركزه بل من أطرافه لأنه عندما يدرس مسألة الجنون مسألة السجون مسألة الأقليات فهو يريد أن يأتي قلبها من خارجها، باستثناء هذا الجانب ما هي العوامل التي جعلتك تعتبر أن في فكره ما يسمح بتطوير فكر عربي معاصر؟

"
أن ما نحتاج إليه في نهضتنا الفكرية العربية هو اكتشاف هذا النظام الذي أسميه نظام الأنظمة المعرفية
"

مطاع صفدي: الحقيقة فوكو صاحب منهج مهم جداً وثوري جداً وأعتقد أن الفلسفة كانت تبحث عن هذا المنهج منذ أيام أفلاطون وأرسطو وحتى كانط، هو اكتشافه بما يسمى بالنظام المعرفي اللي سماها دعاها بالأبيستمولوجيا، فهذه الأبيستمولوجيا نظام معرفي معيّن في كل عصر يصبح كالمركز الذي منه تنبثق المناهج والأفكار والعادات وحتى أنها تطبع شخصية العصر وتنصب شخصية العصر بكامله والهدف الأعظم للفلسفة هو اكتشاف هذه الأبيستمولوجيا، هذا النظام المعرفي الذاتي الداخلي الذي يمكن أن يسمى أيضاً بنظام الأنظمة المعرفية لأنه ينتج بقية الأنظمة المعرفية التفصيلية التي تقود جميع مختلف عناصر الحياة ومفاصلها، من هذه الناحية وجدت أن ما نحتاج إليه نحن في نهضتنا الفكرية العربية هو اكتشاف هذا النظام الذي أسميه أيضاً نظام الأنظمة المعرفية.

مالك التريكي: ولك كتاب شهير استراتيجية التسمية نظام الأنظمة.

مطاع صفدي: نعم وأنا في الواقع وراء هذا الهدف باستمرار لأنه عندما نشهد تجربة النهضة العربية الثانية التي هي في الواقع مسرح بارز لأحداث اليوم ولمفاهيم اليوم ولتجاربنا ولحروبنا الفاشلة وغير الفاشلة، لماذا نكرر ذات التبني لأيديولوجيا ثم التخلي عنها ثم الانتقال إلى أيديولوجيا أخرى إلى أيديولوجيا ثالثة دون أن نختلف مع ذاتنا وتظل هذه الذات كما هي دون أن تتأثر بهذه الأيديولوجيا التي تكتسبها؟ لا نعرف لماذا اكتسبتها ولماذا تخلت عنها وما هي المؤثرات التي خلفتها يعني مثلاً.

مالك التريكي: يعني الانتقال للاستيضاح أستاذ مطاع عند الانتقال مثلاً من القومية إلى الاشتراكية فالإسلاموية فالليبرالية الآن هذه..

مطاع صفدي: نعم هذا هو المقصود.

مالك التريكي: والذات هي ذاتها لم يتغير فيها شيء.

مطاع صفدي: هذا هو المقصود، إلا أنه هذا العقل الذي يتبنى هذه الأيديولوجية ويتخلى عنها ثم الثانية ثم الثالثة يظل هو نفسه، إذاً هنا نظام أنظمة معرفية ثابت في أعماق العقل العربي بالذات والذي يجب أن نخترق الحواجز التي تفصلنا عنه ونصل إلى اكتشافه، لماذا لا يتغير؟ هو يغير ولا يتغير، هو ينتقل من قناع إلى قناع إلى قناع ليظل بعيداً عن المُساءلة بعيداً عن المواجهة بعيداً عن أن يكشف آليته وكيفية عمله، فهذه النقطة هي فوكو وكان أشار إليها وطبعاً اشتغل عليها خاصة بالكتاب شهير رئيسي بكتاب العمدة الكلمات والأشياء وقبل الكلمات والأشياء حاول أن يدرسها كممارسة في تاريخ الجنون بين الجنون وكيف فُهِم هذا الجنون وكيف أن تاريخ الجنون دليل على وجود هذه الأبيستيمية الخاصة بما يسميها بالمعرفة الكلاسيكية، المعرفة الكلاسيكية يعني المقصود فيها خاصة القرنين السابع عشر والثامن عشر والتي بُنيّت عليها بقية الثقافات التي تلتها.

مالك التريكي: ولذلك عنوان الكتاب هو تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي.

مطاع صفدي: طبعاً نعم هذا هو، فبالنسبة للأبيستميات العربية أو الأبيستيمية العربية هذه لم تُمس حتى الآن ولم يجري تفحصها ولم يجري الكشف عنها، أن لفظ ذات الجيل مثلا جيلنا نحن الذي نادى بالقومية العربية ثم هذا الجيل نفسه انتقل إلى الماركسية ثم هذا الجيل انتقل من الماركسية إلى الإسلامويات طيب، لماذا هذا الانتقال دون أن يتغير هذا الجيل نفسه؟ هناك حالة عقلانية معينة لم نستطيع أن نكشف عنها حتى الآن هو أن العقل العربي بالذات يحتاج إلى إعادة نظر في ذاته وليس فقط في موضوعاته وهذا هو عمل الفيلسوف العربي الآن إذا كان هناك فيلسوف عربي وهو أن يشتغل على تحليل البنية العقلانية للعقل العربي بالذات، العقل العربي طبعاً عقل إنساني ليس هو عقل خاص لكنه ضمن تجربته التاريخية أصبحت لديه أنواع من العقد الباطنية التي يجب الكشف عنها من أجل أن يحدث في يوم من الأيام ثمة تغيير حقيقي، التغيير الحقيقي لم نعرفه نحن وذلك أنا اعتبرت مثلا النهضة أنها فشلت في إنتاج الحداثة، هل هناك نهضة تفشل في إنتاج حداثة؟ إذاً هي هذه النهضة ليست نهضة صحيحة..

مالك التريكي [مقاطعاً]: ليست نهضة..

مطاع صفدي [متابعاً]: ليست مستوفية في شروطها لم تستطع أن تخلق حداثة، لم تستطيع أن تنفض عن العقل العربي غطاءه السميك الذي بني بسبب ألف سنة من الانحطاط والتخلف والجمود عند النصوص المنقولة والمتناقلة والمحفوظة كألفاظ فقط وغير المكشوف عنها كمعاني، يعني افتقاد ما يسمى فعلا في الأخير بكلمة مبسطة القدرة على النقد وقدرة النقد لينقد ذاته أيضاً لأنه النقد ليس قوة مجرّدة هكذا يجب أن ينقلب على نفسه أيضا لينقد وسائله التي استخدمها في نقد نص كذا ونص كذا.

[فاصل إعلاني]

نقد الذات والعقل العربي

مالك التريكي: أنت تطرقت الآن إلى أهمية أن ينقد العقل ذاته وهنا نتحدث عن العقل العربي لكنك لم تأته المأتى المباشر نقدته عن طريق نقد العقل الغربي ولك كتاب شهير في نقد العقل الغربي، لماذا أتيته هذا المأتى غير المتوقع؟

مطاع صفدي: أنا انطلقت الحقيقة من هذا المبدأ وهو أن القصور الأساسي في النهضة العربية هي أنها تريد أن تنهض دون أن تفهم عصرها ودون أن تكون لها وسائل عصر ودون أن تكون لها تجارب النهوض العالمي، فقدان.. أولا نحن نمنا ألف سنة كنا غائبين عن التاريخ نهائيا.

مالك التريكي: يعني بالنسبة لك ألف سنة يعني منذ سقوط بغداد؟

"
منذ سقوط بغداد وانتهاء الدولة العباسية لم يعد هناك كيان عربي ولم يعد هناك عقل عربي يشتغل
"

مطاع صفدي: منذ سقوط بغداد منذ انتهاء الدولة العباسية لم يعد كيان عربي لم يعد هناك عقل عربي يشتغل، ألفنا لكن كانت تأليفات عبارة عن شروحات على شروحات الكتب القديمة يعني غير شخصية غريبة نشأت هكذا يعني في صميم هذا الظلام كشخصية ابن خلدون وهو حالة نادرة جداً وإلا ليس في عبر مئات من السنوات ما يشهد بقيام فكر حقيقي جديد أو ثقافة جديدة.

مالك التريكي: وكان ذلك بعد أقل من قرن من سقوط بغداد لأنه في القرن الرابع عشر..

مطاع صفدي: نعم وكان مازال الانحطاط في بدايته، الآن بالنسبة للنهضة العربية المعاصرة، النهضة العربية المعاصرة يجب أن تطلع على تجربة النهضات الحقيقية وأكبر نهضة لا شك فيها هي نهضة الغرب التي تفرض نفسها علينا شئنا أم أبينا، يعني نحن الآن لا ندرس النهضة الغربية لأنها هكذا يعني تتمتع هي بمزاياها بل هي تضمنا وتستوعبنا وتتدخل في شؤوننا دون أن نفهم أسرارها دون أن نعرف العقل الذي كان يغذيها وينشئها ويغير منها ويخترع المناهج ثم يثور على تلك المناهج هو بذاته وينتقل من مرحلة إلى مرحلة بحسب ما يسمى بالقطيعة، هناك قطيعات داخل تاريخ الفكر الإنساني المتمثل في الغرب قطيعات لو لم تحدث لما كان قادر على التطور وعلى التغيير، فقد النص الثقافي الحقيقي الذي هو النص الفلسفي لأنه عماد النهضة الغربية هي الفلسفة هو الفكر، غياب هذا غياب النص الفلسفي الغربي من النص العربي يشكل نقيصة كبرى يجعلنا نخبط خبطة عشواء في ظلام دامس دون أن نتعلم شيء من تجارب العقل الناجح، العقل الناجح العقل الذي أوصل أصحابه إلى ما وصلوا إليه الآن من هذه الحضارة الكبيرة الشاملة وكيف استطاعوا فعلا أن يتخلصوا من رواسب كل عصر والانفتاح على عصر آخر بصورة متنامية متطورة حتى ترى أن أمامك مشهد منتظم ومنسجم مع ذاته منذ بداية القرون الوسطى والتخلص من القرون الوسطى ثم نشوء ما يسمى بالعقل الكلاسيكي ثم بالعقل الحديث ثم بالعقل المعاصر، كل هذا غائبا.. مازال غائبا عن ثقافتنا، مازالت هذه التجربة الكلية غير معروفة وما نعرف عنها هي عبارة عن نثرات متناثرة من هنا من هناك، فإذاً نحن حاولنا أن نفعل شيئا نسميه تبيّئة الفكر العالمي في النص العربي إدخال هذه التجربة الكبرى..

مالك التريكي: التبيئة تقصد بها الإدخال إلى البيئة العربية.

مطاع صفدي: إدخالها إلى البيئة، إدخالها إلى البيئة الفكرية وجعلها تؤثر فيها وتتأثر.

مالك التريكي: تستنبط استنباط طبيعي؟

مطاع صفدي: نعم، تؤثر فيها.. يعني عندما بدأنا ننشر هذه الترجمات والنصوص عنها في مجلة الفكر العربي المعاصر ثم في الكتب التي ترجمت لفوكو ودولوز وإلى آخره لم تحدث صدمة سلبية بل العكس أحدثت صدمة إيجابية ولدينا الآن جيل كامل يقرأ هذا الإنتاج ويتفاعل معه وبدأ أيضا يغيّر من أساليب الكتابة العربية، الكتابة العربية الآن ما يكتبها الشباب وخاصة منهم الذين يطمحون بإنتاج فكري يختلف اختلاف كبير جداً عمّا كان يكتبه أستاذتهم وعن أساليبهم، فإذاً هذا التفاعل الطبيعي أنتج شيء إيجابياً في حق تلمس الفكر العربي الآن لذاته عبر الفكر الإنساني والتجربة التي مر بها الفكر الغربي كما لو أن العقل العربي هو الذي خاض هذه التجربة فيما لو كان أتيح له ظروف المدنية والحضارة التي.. نعم كانت من نصيب الغرب وكان من المفترض أن تكون هي فعلا امتداد الحضارة العربية لولا أننا يعني تعرّضنا لهذا الغزو البدائي من أقصى أسيا ودُمرت مدنية العرب وتحولت إلى أنقاض في حين الغرب أخذ هذه الشعلة واستفاد منها عن طريق ثقافات كثيرة وأهمها طبعاً ابن رشد وهذه المجموعة.

مالك التريكي: التجربة الأندلسية.

مطاع صفدي: وهذا له موضوع آخر.

مالك التريكي: نعم، إذاً للتعريف بمجلة الفكر العربي المعاصر التي يقارب عمرها الآن ثلاثة عقود وهي تصدر في بيروت، هذه المجلة التي تستقطب كتابات عدد كبير من المفكرين في المجال الفلسفي العربي وخاصة الشباب منهم تعتبر أنها نجحت في إحداث هذا التفاعل والتلاقح بين الفكر العربي المعاصر والفكر الغربي بما يمهّد لنشاط فكري حقيقي تعتبر أنه لا يمكن لأي نهضة تقوم عندنا بدونه.

مطاع صفدي: أشكرك على هذا التلخيص، يعني هذا هو القصد فالفكر العربي المعاصر هي مجلة تحريضية تُحرض عقلا نائما ويستيقظ وأثبتت التجربة أن هذا العقل كان نائما ولم يكن ميتاً والدليل أنه يستيقظ ويتربى ويغيّر من أساليبه والتغيير أصبح واضحاً الآن بمقارنة ما ينتجه الشباب مع ما ينتجه.. ما كان ينتجه الكتاب السابقون، هناك تغيير أساسي انتقلنا من الكتابة البلاغية إلى الكتابة المفهومية، هذا تغيير جذري جدا، كنا نكتب ألفاظا أصبحنا نكتب مفاهيم ونستخدم مفاهيم ونتعامل بالمفاهيم وعندما تقول مفهوم يعني معناها تقول عقل يُنتج يفكر ويفهم ويحاول أن يوجد صيغة ما لما فهمه وجعله نقطة انطلاق لمفهوم آخر وهكذا، فهذه النقلة نقلة أساسية جدا في تطور العقل الإنساني عندما ينتقل من كتابة سطحية تلامِس اللغة بالكلمات هذا ما يفعله الأدب العادي وتنتقل من الكتابة اللفظية إلى كتابة المفاهيم إلى إبداع المفاهيم كما يسميها دولوز..

مالك التريكي: دولوز نعم وهو يعرِّف الفلسفة بأنها إبداع المفاهيم.

مطاع صفدي: إنه تعريف الفلسفة في الأخير هي إبداع المفاهيم وهي تستطيع أن تسلّط نفسها على أي مجال كان على أي مجال فتكشفه.

مالك التريكي: كأشعة الليزر يعني..

مطاع صفدي: كأشعة تكشفه وتستخرج مفاهيمه وتناضل من أجل إظهاره وهذا النضال هو نضال الحرية يعني ينقلب إلى عمل حر ينقلب إلى عمل حر وخاصة في الأمم الحية والدليل على ذلك ما يحدث.. نحن أبناء مثلا تجربة صاحبناها في أوروبا نحن أنصاف المهاجرين، أنا لا أقول عن نفسي أني مهاجر تماما أنا نصف مهاجر لأنني نصفي هنا ونصفي الآخر في بلدي في بيروت التي هي بلدي الثاني أيضا.

مالك التريكي: في الشام نعم بالمعنى الواسع.

مطاع صفدي: أنا خلال الخمسين سنة شاهدت عجائب في المتغيرات.. متغيرات العقل الأوروبي والعقل الفرنسي، انتقالات متوالية متتالية جيل يبنى على جيل آخر من الأفكار ومن المفاهيم ومفاهيم أخرى وكل جيل من المفاهيم يؤثر في مختلف مظاهر الحياة العامة في البلد يعني لست تؤلف كتابا ليبقى في القوارير، الكتاب ينقلب إلى سلوك إلى مذهب حياة إلى طريقة رؤية، يعني الآن سارتر وبعد سارتر جاءت البنيوية فصار هناك في نمط بنيوي حتى في الملابس يا أستاذ في الموسيقى في.. في إلى آخره، بعد البنيوية جاء فوكو ودولوز وهؤلاء أيضا قاموا بكل هذه التغيرات تحرير العقل يعني هناك عملية التحرير لا تنتهي، لا تستطيع أن تقول أن هناك نهضة وما بعد النهضة؟ النهضة هي النهوض المتواصل والنهوض المتواصل وصل إليه الغرب.