أيقونة فلسطين شيرين أبو عاقلة.. إرث 25 عاما بالجزيرة

أيقونة فلسطين شيرين أبو عاقلة إرث 25 عاما بالجزيرة (الجزيرة)

كان اسم الراحلة شيرين أبو عاقلة، الصحفية في الجزيرة، ركنا أساسيا حاضرا في كل منزل بالأراضي الفلسطينية، مما جعل فلسطين أقرب من أي وقت مضى للعرب والمسلمين إقليميا وعالميا.

1997

انضمت شيرين إلى قناة الجزيرة عام 1997 صحفية ميدانية، حيث قدمها على الهواء مدير مكتب القناة في فلسطين وليد العمري.

في ذلك الوقت، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الصحفيات يخضن مثل هذه التجربة، وشقت شيرين طريقا للعديد من الشابات الطموحات ليحملن المشعل، واستمرت في أداء مهامها حتى أنفاسها الأخيرة.

قبل ذلك بأربع سنوات، كانت اتفاقية أوسلو للسلام قد وُقعت. وفي عام 1995، أنشئت بموجبها السلطة الفلسطينية. وبعد فشل قمة كامب ديفيد (الثانية) عام 2000 وما تلاها من اندلاع الانتفاضة الثانية، انهارت اتفاقيات أوسلو.

كانت شيرين حينها في فلسطين لتسجيل وتوثيق هذه الأحداث التاريخية التي كان لها تأثير هائل على حياة الفلسطينيين، وعلى المنطقة.

1998

وفي عام 1998، وخلال الذكرى الخمسين للنكبة، كانت شيرين تغطي في مدن مختلفة بفلسطين الغضب المتصاعد ضد الاحتلال ووحشيته.

كانت شيرين حاضرة في أزمان الحرب والسلم عبر الجزيرة في الشاشات التي يتابعها العرب، حيث كانت تروي لهم قصص الغزو الإسرائيلي للضفة الغربية عام 2002، وبرز اسمها لدرجة أنه عندما فرضت القوات الإسرائيلية حظر التجول على الفلسطينيين في ذلك العام، كانوا يتجولون في سياراتهم ويقلدون أسلوب اختتامها لأي قصة أو لقطة حية، قائلين من خلال مكبر صوت "ابقوا في الداخل.. هذه شيرين أبو عاقلة، الجزيرة، رام الله".

ومع تصاعد عنف الاحتلال الإسرائيلي، كانت شيرين حاضرة في كل خطوة لتسليط الضوء على الجرائم المرتكبة. وخلال تغطيتها وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004، ورصدها عمليات القتل الجماعي وهدم المنازل -المستمر حتى يومنا هذا- عملت شيرين على نقل الصوت الفلسطيني للعالم.

أصبحت شيرين وجها مألوفا للجميع بهدوئها وحرفيتها وشجاعتها، فحتى عندما ألقيت عليها القنابل المسيلة للدموع، أو انهمر الرصاص حولها، كانت ثابتة ومدركة لما يحيط بها، فلم تكن تخوض مخاطر لا داعي لها.

كانت تعرف الضفة الغربية كما تعرف راحة يدها، وعملت في كل مناطقها، لقد أرادت فقط أن تكون صحفية تنقل قصص الفلسطينيين إلى العالم.

2007

كانت تدرك بشكل خاص محنة السجناء السياسيين الفلسطينيين وآلام عائلاتهم، وعندما أطلق سراح السجناء كانت هناك أيضا، ليس فقط لشرح معاناتهم خلف القضبان، ولكن لتسليط الضوء على نيلهم حريتهم وجمع شملهم مع أحبائهم. كما تحدثت إلى أمهات انتظرن عقودا حتى أطلق سراح أبنائهن.

2009

ولدت شيرين وترعرعت في القدس، وكانت مهتمة بشكل خاص بالصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون خلال محاولاتهم المتكررة للوصول إلى المدينة المقدسة التي تضم المسجد الأقصى وقبة الصخرة. وعلى مدى سنوات، سلطت الضوء على صعوبات الوصول إلى هذه المواقع الإسلامية المقدسة، حيث يحاول الفلسطينيون عبور نقاط التفتيش العسكرية التي كانت بمثابة وسائل للإذلال.

على الصعيد العالمي، حرصت شيرين على شرح التداعيات الكبيرة للسياسة الخارجية على الفلسطينيين في وطنهم. لذلك، عندما قررت الولايات المتحدة إضافة خيار جعل إسرائيل مكان ولادة للذين ولدوا في القدس، كانت شيرين -وهي تحمل أيضا الجنسية الأميركية- حاضرة بقوة لشرح تداعيات ذلك على الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأميركية.

2014

لكن بالنسبة لشيرين، كان وجودها في فلسطين مصدرا لسعادتها على الرغم من كل الصعاب والآلام، وكان وجه فلسطين -بفرحها وألمها- شيئا جاهدت لتظهره للعالم. روت قصصا عن حياة الناس اليومية كما في الفيديو أدناه في هذه المناسبة الخاصة، حيث تزوج 430 فلسطينيا من ذوي الموارد المحدودة -ومعظمهم من اللاجئين- بشكل جماعي، بسبب ارتفاع التكاليف.

2016

بالنسبة للفلسطينيين، يحظى التعليم باهتمام بالغ، فقد وصل عدد مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية إلى 49 في الضفة الغربية وقطاع غزة، أشهرها جامعة بيرزيت.

تأسست الجامعة أولا مدرسة ابتدائية، وتطورت لتصبح مؤسسة مهمة تخرج أجيالا من الطلاب، لكنها أصبحت أيضا موطنا للعديد من النشطاء الذين قاوموا الاحتلال بالاحتجاجات وبالموسيقى وبالكلمات.

عرفت شيرين المكانة التي تحتلها بيرزيت في المجتمع الفلسطيني، فسعت إلى تسليط الضوء على وطأة الاحتلال فيها وتأثيره على التعليم، وعلى كيفية تحول الطلاب إلى ناشطين يتصدون للحكم العسكري الإسرائيلي.

2017

لطالما كانت أعياد الميلاد حدثا حلوا ومرا في ذات الوقت بالنسبة للفلسطينيين. ولسنوات طويلة، سلطت شيرين الضوء على هذه المناسبة المهمة التي عادة ما تكون وقتا للاحتفال ولقاء الأحباب، لكن القيود التي ظل يفرضها الاحتلال الإسرائيلي دائما أعاقت هذه المناسبة السعيدة التي يحتفل بها المسلمون والمسيحيون على حد سواء.

كما جعل جدار الفصل العنصري، وكذلك نقاط التفتيش التي انتشرت في الضفة الغربية، من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- على الفلسطينيين التنقل بين القدس وبيت لحم، مسقط رأس السيد المسيح. شيرين كانت هناك لتروي قصص الفلسطينيين ومعاناتهم.

2018

كان لدى شيرين اهتمام كبير بالثقافة الفلسطينية بأشكالها المختلفة: ومن بينها الرقص وسائر الفنون. وفي هذه القصة بالذات التي أعدتها عام 2018، تناولت التطريز الفلسطيني التقليدي.

فعلى مدى عقود، حاول الفلسطينيون الحفاظ على حكاياتهم وتراثهم حيا من خلال التطريز، وحرصت شيرين على تعريف المشاهدين بالنساء وبالرجال الذين امتهنوا التطريز، على الرغم من عجزهم الجسدي، أو حتى وجودهم داخل السجون الإسرائيلية.

2019

وتضمنت قصص شيرين عن الكفاح الفلسطيني حديثا عن ماراثون سنوي أقيم في بيت لحم، وقد اضطر منظموه إلى تغيير مساره لضيق مساحة المدينة التي يتخللها جدار الفصل الإسرائيلي.

وقد حرصت في تقريرها على الإنصات لجميع الأصوات، بما في ذلك الذين اجتازوا المسافة على الكراسي المتحركة وشاركوا في الحدث، لتسليط الضوء على القيود التي فرضتها إسرائيل، فضلا عمن ركضوا لأسباب صحية أو للمتعة فقط.

وتضمنت القصص التي تناولتها أيضا ملفا شخصيا عن امرأة فلسطينية تبلغ من العمر 80 عاما، اعتمدت وسائل التواصل الاجتماعي -بالرغم من ولادتها قبل عقود من ظهور الإنترنت- في حياتها اليومية، للبقاء على اطلاع وتواصل مع الأصدقاء والعائلة، وكذلك للتعرف على أشخاص جدد.

تجلى ذكاء شيرين وروح دعابتها عندما سألت عائشة الشحروري -التي لديها أكثر من ألف صديق على موقع فيسبوك- عما ستفعله إذا تعطل الإنترنت، فأجابت الحاجة عائشة بضحكة مكتومة: "أتصل بالشركة (مزودة الإنترنت) على الفور".

كان عام 2021 شاقًا جدا على الفلسطينيين، فخلال شهر رمضان المبارك، توافد الآلاف منهم على المسجد الأقصى. لكن القوات الإسرائيلية جعلت من شبه المستحيل عبور نقاط التفتيش المختلفة التي تفصل الضفة الغربية عن القدس الشرقية. تحدثت شيرين إلى فلسطينيين من الذين تأثروا بالإجراءات المتطرفة التي فرضتها السلطات الإسرائيلية مع تفشي جائحة كوفيد-19.

ورغم وجود بطاقات التطعيم والتصاريح العسكرية اللازمة، منعت القوات الإسرائيلية الآلاف من دخول المدينة المقدسة. لقد كانت شيرين منبرا للفلسطينيين الذين حُرِموا من إحدى المكاسب القليلة في الأراضي المحتلة، والتي تتمثل في الوصول إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه.

في نفس العام، تضاعفت القيود على الراغبين بالوصول إلى المسجد الأقصى، وقُمع المصلون في حرمه بعد اعتقال عدد من الصحفيين والمدنيين في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية.

سلطت شيرين الضوء على كيفية هدم السلطات الإسرائيلية منازل الفلسطينيين في هذا الحي، وطردهم لإخلاء المكان لإيواء مستوطنين إسرائيليين، والسماح للمستوطنين بحمل السلاح ومهاجمة المدنيين. مهدت عملية التطهير العرقي هذه الطريق لهجوم عسكري مدمر لمدة 11 يوما على قطاع غزة المحاصر، وهي رابع حرب كبرى تشنها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية منذ 14 عاما.

2021

في عام 2021 أيضا، تحدثت شيرين -التي لم تكن تروي قصتها أو تسلط الضوء على نفسها- عن أسباب اختيارها العمل في مجال الصحافة، وقالت إنها كانت دائما تؤمن أن هذه المهنة تعني أن تكون أقرب إلى الناس.

لأجل ذلك، غيّرت شيرين تخصصها في الجامعة من الهندسة المعمارية إلى الصحافة، بعد أن دفعها شغفها بالمهنة لتصبح صحفية. تحدثت على وجه التحديد عن تغطية أحداث الضفة الغربية عام 2002، عندما اجتاحتها إسرائيل، وأحدثت الخراب ونشرت الدمار. تحدثت عن التجارب والمحن في ذلك الوقت، وعن الشعور بأن "الموت كان على مسافة قصيرة" منها هي وطاقمها.

قدّمت شيرين قصتها الإخبارية الأخيرة. كان الأمر يتعلق بذكرى النكبة، أو الكارثة، وقد بُث التقرير في 15 مايو/أيار بمناسبة ذكرى الطرد الجماعي للفلسطينيين من وطنهم عام 1948. وعلى الرغم من غيابها، حكت شيرين -التي يطلق عليها اسم "ابنة فلسطين"- مرة أخرى قصة تجريد الفلسطينيين من أرضهم وممتلكاتهم.

في 11 مايو/أيار 2022، أطلق قناص من قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على شيرين بين الساعة 6:30 و7:00 صباحا، فأصابها في مؤخرة رأسها أثناء تغطيتها غارة عسكرية على مدينة جنين بالضفة الغربية، وقد كانت ترتدي خوذة وسترة الصحافة الواقية من الرصاص.

كانت جنازتها -التي تعرضت لهجوم من قبل القوات الإسرائيلية- واحدة من كبرى الجنازات في فلسطين، وهي شهادة على شجاعتها وتوازنها والتزامها بسرد القصص التي لم يروها أحد خلال رحلتها التي استمرت 25 عاما مع قناة الجزيرة.

تم تداول الصور المروعة لحملة النعش وهم يتعرضون للضرب في جميع أنحاء العالم. ففي وفاتها، كما هي في تقاريرها، واصلت شيرين الكشف عن الحقائق الوحشية للاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري للشعب الفلسطيني.

قُتلت شيرين قبل 4 أيام فقط من ذكرى النكبة.

صورة لقبر شيرين بعدما وضعت عائلتها بجواره شجرة ميلاد صغيرة

شيرين أبو عاقلة، مراسلة الجزيرة وابنة فلسطين.

#العدالة_لشيرين

#الصحافة_ليست_جريمة

شيرين أبو عاقلة 1971-2022

أيقونة فلسطين شيرين أبو عاقلة إرث 25 عاما بالجزيرة
أيقونة فلسطين شيرين أبو عاقلة إرث 25 عاما بالجزيرة (الجزيرة)
أيقونة فلسطين شيرين أبو عاقلة إرث 25 عاما بالجزيرة (الجزيرة)

فريق العمل:

إعداد وتحرير :علياء شوغاتي وفريق AJLAB

ترجمة : أحمد حاموش

المصدر : الجزيرة