بعد تهديد الكاظمي بترك منصبه.. ما الآليات الدستورية لشغور رئاسة الوزراء بالعراق؟

الكاظمي هدد بإعلان خلو منصب رئاسة الوزراء إذا استمرت ما وصفه بـ"الفوضى"(المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء)

في خضم التطورات المتلاحقة بالعراق، بعد ساعات على انتهاء المشهد الدامي الذي شهدته العاصمة بغداد إثر الاشتباكات بين فصائل مسلحة، وبعد أن سحب مقتدى الصدر مناصريه؛ هدد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بترك منصبه في حال تكرار ما حصل.

وقال الكاظمي "إذا أرادوا الاستمرار في إثارة الفوضى والصراع سأقوم بخطوتي الأخلاقية والوطنية بإعلان خلو المنصب وفقا للمادة 81 من الدستور". مما يعد تطورا قد يُفضي لمزيد من التعقيد في المشهد السياسي.

يشير تلميح الكاظمي لترك منصبه في هذا التوقيت الحساس الذي يمر به العراق إلى مزيد من المشكلات السياسية والقانونية التي تتمثل في تفسير المادة الدستورية التي ذكرها الكاظمي في خطابه ومدى إمكانية تولي رئيس الجمهورية المنصب بدلا منه.

ما المادة (81) من الدستور؟

تنص المادة الدستورية رقم 81 من الدستور العراقي المقر عام 2005 في الفقرة الأولى على أن "يقوم رئيس الجمهورية مقام رئيس مجلس الوزراء عند خلو المنصب لأي سبب كان". في حين تنص المادة ذاتها في الفقرة الثانية على أنه "عند تحقق الحالة المنصوص عليها في البند أولا من هذه المادة يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال مدة لا تزيد على 15 يوما، ووفقا لأحكام المادة 76 من هذا الدستور".

ولم تتطرق المادة الدستورية عن الحالة التي يشهدها العراق والمتمثلة في أن كلا من رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية قد انتهت ولايتاهما القانونية، حيث لم تفلح الكتل السياسية في اختيار رئيس للجمهورية وتكليف حكومة جديدة بعد نحو 11 شهرا على الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

تفسيرات متباينة للدستور

وتعليقا على إمكانية تطبيق المادة الدستورية التي ألمح الكاظمي باللجوء إليها في حال استمرار الخلافات، يقول الخبير القانوني علي التميمي إن المادة الدستورية رقم 81 أكدت في الفقرة الأولى أن رئيس الجمهورية يقوم مقام رئيس مجلس الوزراء عند خلو المنصب لأي سبب كان، في حين تحدثت الفقرة الثانية من المادة ذاتها عن انتخاب رئيس مجلس الوزراء الجديد وعن حكومة جديدة بوزرائها، وهو ما لا يمكن أن يطبق على حالة تصريف الأمور اليومية.

وتابع التميمي -في حديثه للجزيرة نت- أنه إذا طلب الكاظمي الإعفاء من منصبه، فإنه لا يترتب على ذلك إعفاء باقي الوزراء في "الكابينة الوزارية" للكاظمي كونها حكومة تصريف أعمال، وهذا بخلاف تقديم الإعفاء من المنصب في حال كانت الحكومة كاملة الصلاحية التي ينطبق عليها النص الوارد في المادة 76 من الدستور العراقي.

وعلل ذلك بأن حكومة تصريف الأمور اليومية تعد مستقيلة وفق المادة (64 ثانيا) من الدستور، وأن حكومة تصريف الأعمال تواصل تصريف الأمور اليومية للبلاد إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة، وبالتالي وفي خضم الواقع الحالي، فإنه وفي حال قدم الكاظمي إعفاء من منصبه، فإن ذلك سيشمل رئيس الحكومة من دون الوزراء لافتقاد الرابط الدستوري وفق الصلاحيات، وأن رئيس الجمهورية سيقوم مقام رئيس الوزراء مع بقاء "الكابينة الوزارية" من دون الكاظمي، مع استمرار رئيس الجمهورية بتسيير الأعمال للحكومة لحين تشكيل الحكومة الجديدة، مع عدم إمكانية رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة الأكبر كون ولايته منتهية دستوريا وفق المادة 42 من نظام مجلس الوزراء، حسب تعبيره.

على الجانب الآخر، يقول الخبير القانوني محمد السامرائي إن المادة 81 من الدستور تحدثت عن خلو منصب رئيس الوزراء الذي ما يزال يتمتع بثقة مجلس النواب، أما رئيس الوزراء الحالي فهو مستقيل حكما بموجب المادة 64 من الدستور، وهو ما ينطبق على رئيس الجمهورية أيضا الذي مدد له القضاء الدستوري عمله بعد تفسير المادة 72 من الدستور لغرض إكمال الاستحقاقات الدستورية لحين انتخاب رئيس جمهورية جديد.

وفي حديثه للجزيرة نت، يستدل السامرائي على تفسيره القانوني بالفقرة الثانية من المادة 81 من الدستور التي ترتبط بحكم المادة الدستورية 76، والتي بدورها تخص رئيس الجمهورية المنتخب الذي يجب عليه وخلال 15 يوما من انتخابه تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا، حيث إنه وبحسب النظام البرلماني والديمقراطية غير المباشرة في اختيار الرئاسات، فإن هذه الرئاسات تنتهي مع كل دوره انتخابية، حيث لا يجوز تجاوز هذا المبدأ الدستوري الذي نظمته نصوص الدستور، كما لا يجوز تحميل مصطلح تصريف الأمور أكبر من حجمه المؤقت ومحدود الصلاحية.

وعن الموقف الذي سينظم موقف حكومة تصريف الأعمال في حال خلو منصب رئيس مجلس الوزراء، أوضح السامرائي أن النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم 2 لعام 2019 نصّ على أن يتولى نواب رئيس الوزراء محل رئيس الوزراء في حالة غيابه، أو أن يتولى أحد الوزراء محل زميله الذي يترك المنصب، وبالتالي فإنه وفي حال أقدم رئيس الوزراء على هذه الخطوة فإنه لا يعد خلوا للمنصب يستوجب تطبيق المادة 81 من الدستور، وإنما يعد تركا للمنصب وغيابا عنه.

الانعكاسات السياسية

وتعقيبا على هذه الأزمة التي تلوح في الأفق، يقول القيادي في مشروع المواطنة العراقية غيث التميمي إن الكاظمي يدرك تماما أن قوى الإطار التنسيقي باتت تستقوي بالسلاح لتعطيل الدولة العراقية، بما يدفع تجاه مزيد من التصعيد والأزمات، بحسب تعبيره.

وتابع التميمي في حديثه للجزيرة نت أن الكاظمي لم يذكر الاستقالة في خطابه بقدر ما أوحى إلى إمكانية مغادرته مهمته، حيث إن الأطراف المقابلة تدرك أن مغادرة الكاظمي في هذه اللحظة تعني نهاية العملية السياسية برمتها، وأن الأطراف الأخرى ستكون الخاسر الأكبر، وأن هدف الخطاب والتلويح بخلو المنصب جاء من أجل حث جميع الأطراف على تهدئة الأوضاع للخروج بالبلاد من المأزق الذي تشهده، وأضاف "لا يمكن لأحد التكهن بسيناريوهات حل الأزمة السياسية، لكن من المؤكد أن المظاهرات الشعبية والمواجهات المسلحة قادمة، وأن الأيام القادمة على البلاد لن تكون سهلة، وأن النتائج قد تكون محسومة من خلال خسارة الإطار التنسيقي".

تباين الرؤى

على الجانب الآخر، يرى رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية عدنان السراج أن الأوضاع الأمنية في العراق بحاجة للتهدئة مع إيقاف التصعيد الإعلامي الخارج عن إرادة الطرفين، الذي يتبع ما وصفه "بالطرف الثالث" الذي يهدف إلى إحداث الفتنة وتأزيم الأوضاع.

وأوضح السراج في حديثه للجزيرة نت أن العراق بحاجة إلى ما وصفه "بالاتزان" في عرض البرامج القادمة بالاعتماد على القانون والدستور من دون الخضوع إلى مغريات تعرقل عمل الدولة في إعادة ترميم مؤسساتها التشريعية والقانونية، لافتا إلى أنه لا بد من إعادة فتح الباب للحوارات والمناقشات ودرء أي محاولة لإثارة الفتنة، متوقعا أن تشهد الأيام القادمة جولات حوار بين مختلف الكتل السياسية.

وفي حال عدم حصول ذلك وعدم اجتماع الكتل السياسية حول طاولة مستديرة، نبّه السراج إلى ضرورة تنشيط عمل المؤسسة التشريعية من خلال الاتفاق مع جميع القوى الوطنية لأجل انعقاد مجلس النواب وما يتبعه من خطوات، لافتا إلى أن دعوة الكاظمي للحوار كانت نتيجة للإخفاقات السياسية التي واجهها خلال فترة توليه منصبه وتلكئه في اتخاذ القرارات الحاسمة التي أدت إلى نقطة المواجهة.

واختتم السراج حديثه بالإشارة إلى أن الكاظمي لا يستطيع الاستمرار على هذا النهج، حيث إن ما حصل مؤخرا ومحاولة اقتحام المنطقة الخضراء بالسلاح كان سيؤدي إلى حرب أهلية لولا تدخل زعيم التيار الصدري وحكمة قادة الإطار التنسيقي والقوات المسلحة، مشيرا إلى أنه لا بد من انعقاد مجلس النواب، وأن يكون الأكراد على استعداد لتسمية رئيس الجمهورية ثم الذهاب للتوافق على شخصية المرشح لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني من أجل الاستعداد للانتخابات المبكرة بعد تعديل قانون الانتخابات وتعديل تشكيل مفوضية الانتخابات، حسب قوله.

صعوبة الحل السياسي

وبعيدا عن الآراء السابقة، يرى الباحث السياسي رعد هاشم أن مصطفى الكاظمي ومن خلال خطابه أمس يدرك تماما مدى صعوبة الحل السياسي، بدليل المناكفات وما وصفه بحالة "العناد" بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، حيث إن ما كشفت عنه الساعات التي تلت خطاب مقتدى الصدر وسحب أنصاره من المنطقة الخضراء يشير إلى عدم وجود ما وصفه "بحسن النية" من قبل الأطراف المقابلة، حسب تعبيره.

وعن مدى إمكانية الوصول لحلول مرضية لجميع الأطراف بعد تجربة الصدامات المسلحة، أضاف هاشم في حديثه للجزيرة نت أنه لا أمل في توصل الأطراف إلى حلول مقنعة، أيا كانت هذه الحلول، حيث إن الخلافات فيها العديد من الألغام التي لا يمكن تفكيكها بسهولة، وأنها تزداد يوما بعد آخر.

واختتم هاشم بأن الأزمات السياسية العراقية متجددة وتزداد تعقيدا وتشعبا، وأن جميع السيناريوهات ممكنة في الوضع العراقي، لافتا إلى أن خطاب الكاظمي لا يعد تهديدا؛ بل وسيلة ضغط إضافية من أجل حل الانغلاق السياسي الذي قد يطول كثيرا في ظل عدم تنازل أي من الطرفين أو كل منهما عن أي شرط.

المصدر : الجزيرة