المقدسية ماجدة صبحي.. الرضيعة المنسيّة في "نكسة 1967"

كبرت ماجدة صبحي وحملت في ذاكرتها دائما قصة نسيانها رضيعة في البيت، فانشغلت منذ طفولتها إلى اليوم في جمع الروايات الشفوية المتعلقة بحرب النكسة من نساء ورجال بيت صفافا، كما جمعت الأهازيج الشعبية التي ارتبطت بتلك المرحلة.

2-أسيل جندي، بيت صفافا، القدس، ماجدة صبحي تقف في فناء منزلها الخارجي(الجزيرة نت)
ماجدة صبحي في منزلها ببلدة بيت صفافا جنوبي القدس (الجزيرة)

القدس المحتلة- في بلدة بيت صفافا جنوبي القدس المحتلة، تقف المقدسية ماجدة صبحي بثوبها الفلسطيني المطرّز أمام منزلها تستقبل ضيوفها بابتسامة قلّما تتبدل إلى عبوس حتى عند حديثها عن أحلك ذكريات عائلتها في عام "النكسة".

وُلدت ماجدة في السابع من أبريل/نيسان عام 1967، أي قبل اندلاع الحرب التي احتلت فيها إسرائيل ما تبقى من فلسطين، بما فيها شرقي القدس، بأقل من شهرين.

وفي أولى ساعات ما سُمّيت "حرب الأيام الستّة" التي انطلقت في الخامس من يونيو/حزيران، بكت الرضيعة ماجدة طويلا في مهدها بعدما نزحت عائلتها من بيت صفافا ونسيت اصطحابها في جلبة الهروب.

وفي منزلها استقبلت ماجدة صبحي الجزيرة نت ونبشت معها ذكريات عائلتها الممتدة عن الحرب، والتي كان "نسيان الرضيعة في المهد" أقسى فصولها، بالنسبة لها.

وعندما وصل إطلاق النار إلى البلدة المقدسية، بدأ الأهالي بالنزوح جنوبا نحو مدينة بيت لحم، وقبل هروبهم خشية القصف أو الموت برصاص المحتلين الجدد، تقول ماجدة إن عائلتها تجمّعت في منزل جدّها، وهناك أوكلت للكبار مهمة حمل الاحتياجات الأساسية من فراش وملابس، بينما ألقيت على عاتق الأطفال مهمة حمل الرُضّع من أبناء العائلة.

5-أسيل جندي، بيت صفافا، القدس، ماجدة صبحي في زيارتها لإحدى مسنات البلدة التي تجمع منهن رواياتهن الشفوية عن النكسة(الجزيرة نت)
ماجدة صبحي في زيارتها لإحدى مسنات بيت صفافا التي تجمع منهن رواياتهن الشفوية عن النكسة (الجزيرة)

"ما أخبار ماجدة؟"

تقول ماجدة "وقعت مهمة حملي والسير بي على ولديّ عمي ربحي وربيحة.. لكن بعد ابتعاد القافلة عن منزلنا مسافة كيلومتر ونصف جنوبا، سألتهما والدتي التي حملت صُرّة كبيرة على رأسها: ما أخبار ماجدة؟ فصرخا وتذكّرا أنهما نسيا اصطحابي".

عاد الطفلان برفقة اثنين من أفراد العائلة إلى البيت، وكانت ماجدة قد بُحّ صوتها من البكاء المتواصل، فحملوها واتجهوا مجددا نحو بيت لحم.

كبرت الطفلة وترددت هذه الذكرى الأليمة بشكل مستمر على مسامعها، فانشغلت منذ طفولتها إلى اليوم في جمع الروايات الشفوية المتعلقة بالنكسة من نساء ورجال بيت صفافا، كما جمعت الأهازيج الشعبية التي ارتبطت بتلك المرحلة.

ولم تخلُ رحلة النزوح في ذلك العام من مواقف طريفة على خطورتها، وكانت جدّتها بطلة أحدها، وقالت "كانت جدتي مشغولة بطهي الطعام عندما قرر أهالي القرية النزوح فاضطرت لإطفاء النار والهرب من منزلها سريعا مع العائلة، وبعد سير على الأقدام استمر نحو ساعة تذكرت أنها نسيت مصاغها الذهبي في المنزل فخاطرت بالعودة وحدها لتستخرجه، وكان أن حملت أيضا الطعام المطهو واستأنفت رحلتها مجددا إلى بيت لحم ليتناول الجميع تلك الوجبة بعد رحلة النزوح القسرية".

حتى الأغاني تبدّلت

تذكر ماجدة صبحي أن الأغاني والأهازيج الشعبية تبدّلت مفرداتها بعد عام النكسة لتنسجم مع الظرف الجديد، فحملت معاني الرفض والغضب والحسرة على خسارة الوطن.

وتمحورت الكثير من الأهازيج حول رفض تدنيس المسجد الأقصى من الاحتلال، والاستعداد للانخراط في صفوف الفدائيين الفلسطينيين لتحريره. فرددت النساء:

"يا دمع عيني بلّل الحصيرة.. الصخرة والحرم راحت أسيرة

ويا دمع عيني بلل المخدّة.. الصخرة والحرم راحت من يدّي

لالبس طاقية ولله أتطوع.. وأروح مساعد للفدائية".

وفي كتابها "زفّة وزغرودة يا بنات" خصّصت ماجدة صبحي فصولا للحديث عن أغاني وحكايا أفراح بيت صفافا خلال وبعد عام النكسة، وورد فيه أن الأغاني الشعبية اتخذت اتجاها جديدا في خدمة القضية، وبرزت الأهازيج الحماسية التي تُحيي وتساند الثوار الفلسطينيين والعمليات الفدائية ضد الاحتلال.

وبعدما صمت صوت المدافع، أخذت المرأة الفلسطينية تردد في المناسبات أغنية شعبية تُحيي طلائع الثورة الفلسطينية وتدعو لهم بالنصر:

"على الجسرينِ ناصب رشاشه على الجسرينِ.. جيش فلسطيني يا ربي ينصر جيش فلسطيني

على المحطة ناصب رشاشه على المحطة.. جيش أبو حطّة يا ربي ينصر جيش أبو حطّة".

4-أسيل جندي، بيت صفافا، القدس، ماجدة صبحي تحمل كتابها _زفة وزغرودة يا بنات_ (الجزيرة نت)
ماجدة صبحي تحمل كتابها "زفة وزغرودة يا بنات" والتي وثقت فيه أغنيات الفلسطينيين وتبدلاتها بعد حرب 1967 (الجزيرة)

أغنيات باقية

تقول صبحي إن الفدائي الفلسطيني بات فارس أحلام الشابات اللاتي غنّين له وطلبن من أمهاتهن تزويجهن إياه عبر ترديد أهزوجة:

"يمّا أعطيني الفدائي ما منه خوف.. دخل الأرض المحتلة بكلاشنكوف

يمّا أعطيني الفدائي أبو السيفين.. دخل الأرض المحتلة عن الجسرين

يمّا أعطيني الفدائي أبو العصا.. يحرر القدس يا يمّا معها يافا

يمّا أعطيني الفدائي أبو اللّبس.. يحرر حيفا يا يمّا مع القدس".

ورغم مرور 55 عاما على حرب عام 1967؛ فإن نساء بيت صفافا ما زلن يرددن هذه الأهازيج وغيرها في أفراح البلدة حتى يومنا هذا، وفق ماجدة صبحي التي ذكرت أن الكثير من الأغاني انسابت على ألسنة النساء من وحي العمليات الفدائية كخطف الطائرات، والعمليات النوعية للجبهة الشعبية في سنوات الستينيات والسبعينيات.

المصدر : الجزيرة