في حوار للجزيرة نت.. رئيس جمعية القضاة التونسيين يتهم سعيد باستخدام الداخلية لضرب القضاء وتصفية حساباته مع الخصوم

الحمايدي قال إن نسبة الالتزام بإضراب القضاة بلغت 99%، وسيتم تجديده لأسبوع قادم، ودعا الرئيس إلى تحمل مسؤوليته التاريخية لإيقاف مجزرة العزل بحق القضاة، لاستئناف العمل في المحاكم.

رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمايدي اتهم الرئيس قيس سعيد بارتكاب "خروقات دستورية جسيمة" و"ابتلاع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية" (الصحافة التونسية)

تونس- قال رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمايدي إن تعليق العمل بكافة المحاكم التونسية سيتم تمديده الأسبوع المقبل إذا لم يتراجع الرئيس قيس سعيد عن قرار عزل 57 قاضيا بذريعة الفساد والتواطؤ مع الإرهاب.

واتهم الحمايدي، في حوار خاص مع الجزيرة نت، الرئيس سعيّد بارتكاب "خروقات دستورية جسيمة، لابتلاع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية"، وأنه "استعمل العزل لخدمة أجندته السياسية، وسعيا (منه) لضرب الجهاز القضائي، واستخدامه في تصفية حساباته مع خصومه السياسيين".

كما اتهم الحمايدي الرئيس التونسي بـ"الاستقواء بوزارة الداخلية"، مؤكدا أن "المؤسسة الأمنية تشوبها ملفات فساد كثيرة، لكن سعيّد لا ينظر إليها، لأنه يستقوي بها على مؤسسات الدولة".

نص الحوار:

رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي (وسط) اتهم الرئيس قيس سعيد باغتيال السلطة القضائية (الأناضول)
  • ما تعليقكم على الأمر الرئاسي بإعفاء 57 قاضيا وحديث الرئيس سعيّد عن تورطهم في ملفات فساد والتواطؤ والتستر على الإرهاب؟

هو أمر جائر وغير قانوني ومخالف للدستور، ولم يحترم المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية، ولم يحترم الإجراءات والضمانات المكفولة للقضاة عند تأديبهم أو تتبعهم جزائيا. وهذا الأمر لم يأت لمكافحة الفساد أو مقاومة الاختلالات الموجودة في القضاء؛ بل جاء لغايات سياسية للهيمنة عليه.

  • ما أبرز الإجراءات التي تعدونها خارقة للقانون وتستهدف القضاة؟

أول الخروقات التي شرع الرئيس في اقترافها كانت إهانة القضاة وترهيبهم والتشهير بهم في مجالس وزارية وخلال لقاءاته ووزيري العدل والداخلية وكبار القضاة. من هنا بدأ الضغط على القضاء، وبالرغم من ذلك تحلينا بالصبر ولم نشأ الدخول في مواجهة مع الرئيس؛ لكنه استمر في انتهاكاته، ثم شنت الصفحات المشبوهة -التي تدعي الموالاة له- حملات تشويه على القضاة والتحريض عليهم من دون تتبعها، رغم شكاياتنا.

وعمد قيس سعيد في السادس من فبراير/شباط 2022 إلى حلّ المجلس الأعلى للقضاء الشرعي والمنتخب، انطلاقا من مقر وزارة الداخلية التي يستقوي بها، موجها منها رسالة مفادها أنه يتحصن بالقيادات الأمنية ويتوعد القضاة إما بالاستجابة لبرنامجه وتعليماته أو تسليط أقصى درجات الجزاء عليهم.

وجاء هذا الجزاء بحل المجلس الأعلى للقضاء وتطويق مبناه بالقوى الأمنية، ومنع رئيسه وأعضائه من دخوله، ووضع اليد على وثائقه الإدارية، ثم تنصيب مجلس مؤقت غير شرعي ولا منتخب ولا يمثل القضاة وموالٍ لرئيس الجمهورية، وصلاحياته خاضعة له.

وحتى هذا المجلس لم يمكنّه الرئيس من الوقت الكافي للقيام بأعماله، لأنه مستعجل في تنفيذ أجندته؛ لذلك عقد مجلسا وزاريا صوريا في الأول من يونيو/حزيران الجاري للمصادقة على المرسوم (34) المتعلق بتنقيح قانون المجلس الأعلى للقضاء وإصدار الأمر الرئاسي (516) بعزل 57 قاضيا، وهو غصب للقانون وانحراف خطير بالسلطة، ولن يقبل القضاة اغتصاب سلطتهم، ومن حقهم الاحتجاج بكافة الأشكال دفاعا عن استقلاليتها.

  • ضمن القائمة المعفاة، قضاة -يقول البعض إنهم- سقطوا في شبهات فساد. ألا يُعد إعفاؤهم نهجا إصلاحيا وتماشيا مع المطالب الشعبية لتطهير القضاء؟

نقرّ بوجود بعض مظاهر الفساد في القضاء، وكنا من الذين كافحوا وناهضوا هذه المظاهر، والجميع يعلم الدور الذي قامت به جمعية القضاة في تتبع ملف الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وملف وكيل الجمهورية السابق وملفات 13 قاضيا مشمولين بالبحث في التفقدية العامة بوزارة العدل، لكن قيس سعيد اتخذ بعض هذه الأسماء ليغطي على الجرم الكبير الذي مارسه بحق العديد من القضاة النزهاء.

ووضع الرئيس جميع القضاة في سلة واحدة وروّج أن جميع المعزولين فاسدون ومرتشون وداعمون للإرهاب وأن لديهم قضايا أخلاقية، في حين أن 45 قاضيا من المعزولين ليس لهم أي ملفات فساد، ولم تتعلق شبهات الفساد بسوى 10 قضاة، وجزء من ملفاتهم أخذت مسارها الطبيعي في المحاسبة، ومن بينها ملف قاضية رُفعت الحصانة عنها وأوقفت عن العمل وفُتح تحقيق معها وتم سجنها.

بعزل القضاة، يقوم الرئيس بعملية سياسية لغاية برنامج معلوم، وليست له علاقة بمكافحة الفساد، لأن من يريد ذلك لا يتعامل مع الفاسدين، وعليه أن ينطلق في مكافحة الفساد في كامل أجهزة الدولة من دون استثناء.

ونعلم جيدا أن وزارة الداخلية فيها من الفساد الكثير، مع احترامنا لشرفاء هذه المؤسسة، ولكنها متورطة في الفساد، وملفات العدالة الانتقالية أكبر شاهد على ذلك سواء في قضايا الاغتصاب والاختفاء القسري والتعذيب وانتهاك الأعراض، لكن هذا كله لا ينظر إليه الرئيس لأنه يستقوي بهذه المؤسسة ويوفر لها الغطاء السياسي والقانوني.

كما نعلم أن هناك قضاة يتعاملون بطريقة مباشرة مع وزارة الداخلية، وهم ضالعون في ترتيب قائمة القضاة المعزولين رغم أنهم مشمولون بملفات فساد، ومن بينهم قاضية محكوم عليها بالسجن 5 سنوات، ولكن العزل لم يشملها وهي تتعامل مع الجهات الأمنية وتوفر لها المعلومات.

 

 

  • ولماذا لم تتم تنقية الجهاز القضائي من هؤلاء الفاسدين؟

لطالما دعونا إلى التنقية السليمة للقضاء وفقا للإجراءات والمبادئ والمعايير الدولية، وهناك آليات مضبوطة تقوي نزاهة القضاء واستقلاليته، ولكن مع احترام الحق في التقاضي وتوفير شروط المحاكمة العادلة واحترام حق الدفاع ومبادئ الشفافية والنزاهة.

جربنا آلية عزل القضاة عام 2012 بفترة وزير العدل السابق نور الدين البحيري (حركة النهضة)، الذي كان يدعي أنه يريد تطهير القضاء مثلما يقول الآن الرئيس سعيد، ولكن الآلية التي شملت آنذاك 82 قاضيا لم تصلح القضاء ولم تطهره.

وهذه الآلية التي يستعملها الرئيس سعيد -بعد كل الضمانات الدستورية التي جاءت في باب السلطة القضائية بدستور 2014- لن تصلح القضاء أو تنقيه، بل بالعكس ستدعم الفساد السياسي وتدعم موالاة القضاة لرئيس الجمهورية وتغذي خوفهم على أرزاقهم.

وهذا يعيد البلاد إلى مربع الدكتاتورية التي تنفي المؤسسات وتعلي الشخص الواحد ليضع يده على جميع السلطات ويحل محل المؤسسات. وأحد أكبر تجليات الدكتاتورية هو وضع اليد على السلطة القضائية، لأن مفهوم الديمقراطية لا يقوم إلا من خلال الفصل بين السلطات وبناء سلطة قضائية مستقلة.

وبعدما استحوذ الرئيس على السلطة التشريعية وابتلع كامل السلطة التنفيذية، ها هو يغتصب السلطة القضائية بالكامل، ونحن القضاة من حقنا التصدي لهذا، دفاعا عن قيم الجمهورية والديمقراطية.

خطاب الرئيس التونسي
اتهامات للرئيس قيس سعيد باستخدام عزل القضاة لضرب السلطة القضائية واستعمالها لغايات سياسية (الجزيرة)
  • برأيك، من يستهدف الرئيس بهذا القرار؟ القضاء في حد ذاته أم خصومه السياسيين؟

إنه يستهدف ضرب السلطة القضائية واستخدامها في آن واحد، لأنه إذا لم يضربها في مؤسساتها التي تدافع عنها وفي أشخاصها ورمزيتهم ونزاهتهم، فلن يستطيع استعمال القضاء.

ويريد بهذه الخطوة نفي وجود السلطة القضائية؛ وقد عبّر عن ذلك مرارا بقوله إنه لا توجد سلطة قضائية، وإنما وظيفة قضائية. وهذا يتعارض مع كل مبادئ استقلال القضاء، بل أثبت عبر قائمة الإعفاءات وعزل القضاة أنه يريد قضاء أقل من الوظيفة، وبالتالي فإن الغاية من ضرب القضاء هي استعماله مجددا لغايات سياسية، ليست لها أي علاقة بدولة القانون أو حماية الحقوق والحريات.

  • كيف تنظرون للحصانة الممنوحة للقضاة، ألا تمثل شكلا من أشكال إفلاتهم من العقاب؟

بالعكس، الحصانة موجودة في كل الأنظمة، وحصانة القاضي تقوي استقلاليته وحياده وتغلق الأبواب لابتزازه أو تلفيق بعض القضايا والتهم الكيدية له. ولكن لا توجد حصانة مطلقة؛ بل تخضع لضوابط تحميها المؤسسات القضائية وتحديدا المجلس الأعلى للقضاء الشرعي والمنتخبين، وحدث هذا مع قاضية تم الإمساك بها وهي تتلقى أموالا من جهة أجنبية، ورُ فعت الحصانة عنها وفُتح بحث جزائي بحقها وهي الآن في السجن. وكذلك تم رفع الحصانة عن رئيس محكمة التعقيب (النقض) السابق وهو أعلى المناصب القضائية في القضاء العدلي، وهناك قضية يتم التحقيق معه فيها.

وهذا دليل على أنه لا حصانة لمن تتعلق بهم شبهات دامغة بالفساد، ولكن رفع الحصانة يتم بناء على مؤيدات وإخلالات جسيمة وبراهين، وليس بمجرد تقارير سرية وتنصت على القضاة خارج إطار القانون، وهو ما تقوم به حاليا وزارة الداخلية.

  • هل هناك قضاة أبرياء تم عزلهم من قبل الرئيس التونسي؟

من بين 57 قاضيا معزولا، هناك فقط 10 قضاة عليهم إجراءات تأديبية، في حين أن 45 قاضيا غير مشمولين بتاتا بأي نوع من أنواع التتبع التأديبي أو الجزائي، ومن بينهم رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي يوسف بوزاخر، والوكيل العام لمحكمة الاستئناف بتونس، والرئيسة الأولى لمحكمة الاستئناف بتونس، ووكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، وعميد قضاة التحقيق، و10 قضاة تحقيق و19 ممثل نيابة عمومية، وهي من أكثر المناصب حساسية وخطورة.

ومن بين القضاة المعزولين قاضية إدارية تعرضت لمجرد خلاف مع عون أمن، وفي حين أنها قاضية مشهود لها بالحياد والكفاءة والاستقلالية، لكن وقع إعفاؤها.

كما أن هناك قاضية إدارية أخرى تم تتبعها تأديبيا وتم تسليط عقاب عليها، بوقفها عن العمل لمدة 6 أشهر مع الخصم من راتبها. وقد قضت هذه القاضية عقوبتها ثم عادت إلى العمل، لكن الرئيس سلط عليها العقاب مجددا وعزلها، أي أنها عوقبت من أجل الفعل نفسه مرتين.

وتم عزل الرئيسة الأولى لمحكمة الاستئناف بتونس المشهود لها بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية؛ لأنها رفضت استعمالها في القضية المتعلقة بإبطال المؤتمر غير الانتخابي بالاتحاد العام التونسي للشغل الصيف الماضي، وإحالة القضية لدى شخص معين أو دائرة معينة خارج الضوابط الموضوعية ومبادئ الشفافية في العمل القضائي.

واستهداف رئيس الجمهورية لهذه المناصب القضائية الحساسة غاياته وضع اليد على جهاز النيابة العمومية والتحقيق، بعد رفضهم الاستجابة لتعليمات السلطة التنفيذية لتصفية خصومها ووضع تونسيين في السجن ظلما. وعندما رفض القضاة الاستجابة للتعليمات غير القانونية، وجدوا أنفسهم معزولين.

 

 

  • هناك حديث عن انقسامات داخل الجمعية من معارضين للإضراب ومساندين للرئيس، ما صحة ذلك؟

نؤكد أنه ليس لدينا أي نوع من الانقسامات، لا داخل جمعية القضاة ولا في الجسم القضائي. وهذا تجلى بأبهى حلله في الاجتماع الحاشد بقصر العدالة، في الرابع من يونيو/حزيران الجاري، بحضور 1500 قاض وكل الهياكل القضائية الممثلة للقضاة، وتجسد في نسبة الاستجابة العالية للتحركات الاحتجاجية للقضاة مع تعليق العمل بكافة المحاكم لمدة أسبوع منذ الاثنين الماضي، التي بلغت 99%، وهي تحركات غير مسبوقة تجسد وحدة الصف القضائي، وبالتالي من يريد أن يلعب على وتر الانشقاقات والاختلافات نقول له مسبقا هذا باب مغلق.

  • أين يكمن أصل الداء في القضاء التونسي؟ وهل للسلطة التنفيذية آلية للإصلاح بعيدا عن العزل؟

طرأت إصلاحات عديدة على دستور 2014 وهي ممتازة، ويعد باب السلطة القضائية في هذا الدستور مفخرة لتونس، وقد تم إرساء وانتخاب المجلس الأعلى للقضاء، وسن القانون المتعلق بمحكمة المحاسبات، لكن للأسف لم يتم استكمال البناء القانوني والتشريعي للسلطة القضائية، بإخلال من السلطة السياسية.

وبقدر دعوتنا لأعلى درجات الضمانات للقضاة، ندعو إلى أعلى درجات المحاسبة ضد الفاسدين منهم، والمحاسبة لا بد أن تتم عن طريق جهاز التفقدية العام للشؤون القضائية المستقل، الذي نص عليه القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء، لكنه لم يحدث إلى الآن، ليبقى العمل مستمرا بالتفقدية التابعة لوزارة العدل، لأن السلطة السياسية ترفض إحداث هذا الجهاز الرقابي المستقل لتترك منافذ تتحكم بها في القضاة.

دعونا في جمعية القضاة مرارا لإصلاح القضاء واستبشرنا خيرا بقدوم رئيس الجمهورية، الذي كان يقول إن قضاء مستقلا خير من ألف دستور، ولكن للأسف هو الآن أكبر منتهك للسلطة القضائية، واليوم نجد قضاة يتم إعفاؤهم لمسائل تافهة جدا من دون تناسب بين الفعل والعقوبة.

Tunisian judges protest in Tunis
من احتجاجات قضاة تونس (رويترز)
  • كم مرة وقع عزل قضاة في تونس؟ ومتى ذلك؟ وما غاياته؟

من أكثر الحقب التي شهدت عزل قضاة كانت سنة 1985 بفترة الرئيس الحبيب بورقيبة؛ حين تم عزل مجموعة كبيرة جراء إعلان الإضراب من قبل جمعية القضاة الشبان حينها، ثم تم عزل قضاة بفترة الرئيس السابق زين العابدين بن علي بناء على ملفات قضائية، وفي ذلك العهد كانت تتم دعوة القضاة الذين لديهم تتبعات إلى الاستقالة، حفاظا على هيبة القضاء، ولكن تم عزل قضاة بشكل تعسفي ومن أشهرهم المرحوم مختار اليحياوي بناء على الرسالة الشهيرة التي وجهها لرئيس الجمهورية في يوليو/تموز 2001 وتم تتبعه وإحالته إلى مجلس التأديب وعزله.

بعد الثورة في مطلع 2011، أعفت حكومة الباجي قايد السبسي 6 من أكثر القضاة ولاءً وارتباطا بالنظام السابق، ولكننا في الجمعية أصدرنا بيانا للتعبير عن رفضنا لآلية عزل القضاة.

ثم وبطبيعة الحال، عزل بعد ذلك وزير العدل السابق نور الدين البحيري (حركة النهضة) 82 قاضيا خارج كل المعايير والضوابط، في عملية سياسية لا تزال آثارها إلى اليوم. وأخيرا الخطوة الخطيرة التي قام بها رئيس الجمهورية بعد عزل 57 قاضيا.

  • كيف تنظرون إلى حرمان القضاة المعزولين من حق التقاضي إلا بعد صدور حكم بحقهم رغم طول إجراءات التقاضي؟

هذا أكبر خرق للمبدأ الدستوري وهو حق اللجوء للتقاضي، ولكن رئيس الجمهورية ينتهك كل فصول الدستور من توطئته إلى باب الحقوق والحريات، إلى باب السلطة التشريعية وباب السلطة التنفيذية وباب السلطة القضائية.

كما انتهك الرئيس مبدأ "قرينة البراءة" باعتبار أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، سواء في المسارات التأديبية أو الجزائية، وحرم القضاة من هذا المبدأ وعاملهم بطريقة أقل من المواطن العادي.

  • ماذا يعني عزل القضاة مهنيا واجتماعيا؟

يعني إعدامهم قانونيا ومجتمعيا وعائليا ونفسيا، وهو إعدام لا يقف عند أشخاصهم وإنما يصل إلى عائلاتهم. ويعني أيضا إعدامهم اقتصاديا؛ لأنه يحرمهم من مبدأ الأمان المكفول للقضاة وهو إحالتهم إلى البطالة طويلة الأمد مع حرمانهم من حق التقاضي، إلا بعد صدور حكم جزائي بعد 10 أو 15 سنة بسبب طول الإجراءات.

ينتقد رئيس الجمهورية طول آجال الإجراءات القانونية، ثم يحيل القضاة بعد عزلهم إلى هذه الإجراءات الطويلة ويحرمهم حق التوجه للمحكمة الإدارية للحصول على حكم ينصفهم في آجال معقولة.

هذا هو المعنى الحقيقي للإعدام الجماعي، ولا بد من إيقاف هذه المذبحة، ونحن مستعدون أن نوقف تحركاتنا الاحتجاجية بمجرد تعليق العمل بالمرسوم الرئاسي (35) والأمر الرئاسي (516) وفتح المجال لمحاسبة حقيقية وجدية تحترم الإجراءات والضوابط القضائية.

تونسي يحتج على حل المجلس الأعلى للقضاء فبراير/شباط الماضي (الأوروبية)
  • أعلنتم الإضراب رغم تداعيات ذلك على مصالح المواطنين؟ ما مدى نجاح هذا التحرك؟

نقيّم تعليق العمل بكافة المحاكم بكل إيجابية، ونسبة الاستجابة من الزملاء العدليين والماليين والإداريين بلغت 99% خلال الأسبوع الأول من الإضراب، ونعتقد أنه من واجب الرئيس تحمل مسؤوليته التاريخية لإيقاف هذه المجزرة، لنتمكن من العودة واستئناف العمل بالمحاكم.

  • ما مصير احتجاجاتكم في حال عدم تراجع الرئيس؟

قررنا -في اجتماع حاشد- تعليق العمل بالمحاكم لأسبوع قابل للتجديد في حال عدم رفع هذه المظلمة، وسيتم تجديده للأسبوع القادم. لذلك، أتوجه إلى رئيس الجمهورية ليكف عن إصدار قوائم إعفاءات ويتراجع عن الأمر (516) لمصلحة البلاد، حتى لا ننجر لمنزلقات خطيرة.

نحن لا نمارس السياسة، وعقيدتنا الحياد والاستقلالية، وليس لدينا خلاف مع الرئيس، وليس لدينا أي برنامج معه أو ضده، لذلك نتوجه له وكلنا آمال في أن يغلب مصلحة البلاد، ونحن مستعدون للجلوس لبحث أوجه إصلاح السلطة القضائية.

المصدر : الجزيرة