"المبصر لنور القرآن".. الداعية المقدسية نائلة صبري تتقفى مدرسة الأثر في التفسير

3-أسيل جندي، حي الصوانة، القدس فلسطين، الداعية المقدسية نائلة صبري تقف أمام مجلدات كتابها (المبصير لنور القرآن) لتفسير القرآن(الجزيرة نت) (الجزيرة نت).JPG
الداعية المقدسية نائلة صبري تقف أمام مجلدات كتابها "المبصر لنور القرآن" في التفسير (الجزيرة)

القدس المحتلة- تنحدر الداعية المقدسية نائلة صبري من عائلة متديّنة واسعة الاطلاع والعلم والمعرفة، وكان جدّ والدها الشيخ مصطفى صبري عالما حنبليا وإمام الجامع الكبير بمدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية. وفي طفولتها اعتادت سماع القرآن الكريم بصوته والإنصات لخطبه المنبرية من خلف نوافذ المسجد.

ووالدها الراحل هاشم صبري أيضا كان عالما أزهريا ومفتيا وواعظا وإماما وخطيبا ومعلما، وله الفضل في صقل موهبة نائلة في الكتابة والاطلاع والأدب، وهو ما أفضى إلى تأليفها لاحقا تفسيرا لكتاب الله بعنوان "المبصر لنور القرآن"، لتكون من بين قلة قليلة من النساء في العالمين العربي والإسلامي اللواتي تمكّن من تفسير القرآن الكريم. بل تقول نائلة "إنها أول امرأة فسّرت القرآن كاملا، وليس أجزاءً منه فقط".

خلال زيارة الجزيرة نت لها في منزلها بحي الصوانة في القدس المحتلة، كانت تجلس مع مجموعة من طالباتها اللاتي يتلقين العلم على يديها منذ أكثر من عقدين.

حاولنا سبر أغوار سيرة حياتها الحافلة بالاجتهاد والمثابرة والتي تربعت الكتب على عرش مراحلها كافة، لدرجة أنها كانت تدخر مصروفها اليومي لشرائها.

الداعية المقدسية نائلة صبري مع بعض مؤلفاتها في منزلها بحي الصوانة في القدس المحتلة (الجزيرة)

تعليم ذاتي لم يتوقف

تلقت نائلة صبري تعليمها الابتدائي والإعدادي في مدينة قلقيلية، ثم التحقت بالمدرسة العائشية بمدينة نابلس لدراسة المرحلة الثانوية، وكانت طوال هذه السنوات منكبة على الكتب الإسلامية القيّمة القديمة والحديثة.

وانتقلت إلى السعودية وعملت في مدارسها لـ3 أعوام، قبل أن تعود إلى فلسطين وتتزوج عام 1965 من خطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري.

تقول نائلة "نهلتُ من مكتبة زوجي الحافلة بالمصادر والموضوعات المتنوعة، وما شجعني على دراسة تفسير القرآن وتأليف مجلدات خاصة بي هو عملي بالسعودية الذي استعنتُ خلاله بأمهات الكتب لأصل إلى نبع المعرفة والحقيقة ثم تمرير المعلومات بطريقة سهلة ومميزة للطالبات".

موسوعة أسماء الله الحسنى من تأليف الداعية المقدسية نائلة صبري (الجزيرة)

تفسير عصري

لمست الداعية صبري أن التفاسير العصرية للقرآن الكريم قليلة، وأن الكتب القديمة كُتبت بأسلوب صعب دفع بالناس للانصراف عنها لأنها مليئة بالمصطلحات اللغوية الصعبة ولا يتمكن عامة الناس من فهمها.

وبالتالي، أرادت صبري أن تقدم تفسيرا عصريا بأسلوب سلس في 11 مجلدا، يتطرق إلى سبب نزول السورة والآية، وتفسير المفردات لغة واصطلاحا، وتفسير كل آية على حدة.

ثم تطبيق الآيات على أرض الواقع وربطها ببعض العلوم الحديثة التي أشار إليها القرآن الكريم مثل علوم الذرّة والكهرباء والأجنّة، وأسرار البحار، والطب الوقائي والنفسي والغذائي وتلقيح النباتات، وغيرها من العلوم التي ساعدت على إيضاح الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.

وتضيف "التزمتُ أيضا مدرسة الأثر للوصول إلى فهم الآيات بآيات أخرى أي تفسير القرآن بالقرآن، كما اتبعت طريقة فهم الآيات عبر الأحاديث الشريفة، وعن طريق الصحابة والتابعين وأقوال المفسرين واجتهاداتهم".

استخارة ورؤيا

بعد دراسة عميقة، بدأت نائلة عام 1982 بتفسير القرآن الكريم وقالت إن ما شرح صدرها للإقدام على هذه الخطوة هي استخارتها لله ورؤيتها للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في المنام وهو يحتضن كتابها مبتسما راضيا في ليلة القدر.

ثم رأته صلى الله عليه وسلم في منامها مرة أخرى عندما كانت في المدينة المنورة بعد أداء العمرة، وعن ذلك تقول "صليتُ عدة ركعات في الروضة الشريفة على بُعد خطوات من قبر الرسول، ثم غلبني النعاس بعد عبادة حافلة بالصلوات والدعوات وحينها تماثل أمامي الرسول محمد بثوب ناصع البياض وهو يتأبط كتابي ويردد على مسامعي (المبصر لنور القرآن) فاستيقظت وأنا أردد (كم أحبك يا رسول الله)، ومن هنا جاءت تسمية كتاب التفسير".

استمر نشاط نائلة صبري الدعوي في المسجد الأقصى لمدة 15 عاما، وما زالت تعقد دورات تدريس التفسير الخاص بها في مسجدين بالقدس وفي منزلها بهدف تأهيل داعيات مُفسّرات، وتخرج منهن العشرات حتى الآن بإجازة تصدر عن هيئة العلماء والدعاة في فلسطين.

8-أسيل جندي، حي الصوانة، القدس فلسطين، الداعية المقدسية نائلة صبري مع زوجها الشيخ عكرمة صبري يناقشان تفسيرها للقرآن (الجزيرة نت).JPG.JPG
 الداعية المقدسية نائلة صبري مع زوجها الشيخ عكرمة صبري يناقشان تفسيرها للقرآن (الجزيرة نت)

ومما يُحسب للداعية المقدسية أن 12 باحثا وباحثة اعتمدوا تفسير "المبصر لنور القرآن" موضوعا لرسائل الماجستير والدكتوراه حتى الآن.

كما يحسب لها حرصها على التنويع في مؤلفاتها التي حملت مضامين مختلفة ومنها "ومضة في ظلام" و"كواكب النساء" و"فلسطينية سأبقى" وكذلك "خواطر ندية وأفكار مقدسية" و"في ظلال آية"، وموسوعة "الأسماء الإلهية ودلالة معانيها في القرآن الكريم"، وغيرها.

في ختام حديثها للجزيرة نت تطرقت نائلة صبري للصعوبات التي واجهتها في تفسير القرآن الكريم قائلة إنه كان يمضي أسبوعان أحيانا لتفهم معنى آية صعبة، وكان الحل يأتي أحيانا من خلال الرؤيا؛ فتنهض من فراشها فورا لتكتب المعلومة التي حصلت عليها.

غادرنا منزلها العامر بعلوم القرآن الكريم وبالكتب الإسلامية القديمة والحديثة، على وقع نقاش دار بينها وبين زوجها في محتوى أحد مجلدات "المبصر لنور القرآن"، ومع تفقّدها أرشيف فعالياتها ونشاطاته الاجتماعية، وخاصة رئاستها لجمعية نساء الإسلام بالقدس على مدار 30 عاما حرصت خلالها على تقدم المرأة دينيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا.

المصدر : الجزيرة