ذكرتهم بحرب الخليج والغزو الأميركي للبلاد.. هكذا أججت الحرب الروسية على أوكرانيا مشاعر العراقيين
العراقي يبحث عن شيء في هذه الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا حين عاد بذاكرته إلى الوراء "كمحاولة للانتقام من الحرب والسخرية منها ونبش الماضي".
بغداد- يتذكر العسكري العراقي السابق فاضل المعموري وهو يرى عبر التلفاز الحرب الروسية على أوكرانيا تلك الأيام التي تعرض فيها العراق للقصف الأميركي عام 1991 بعد غزو الكويت، وكذلك الحرب التي شنّتها قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا على البلاد في عام 2003.
وقال المعموري إن "قسوة الحرب لا يعرفها إلا من عايشها، ولا يدرك معناها إلا من خاضها بكل قسوتها"، ويضيف "كنت جنديا عائدا من مأمورية سريعة من الكويت في سيارة عسكرية، أتصفح وجوه الجنود المتعبة من حربٍ شرسة بكل ويلاتها وخرابها وأحزانها". ويشير إلى أنه في تلك اللحظات الرهيبة كان يحزنه منظر "خراب المباني والسيارات المحترقة وتصاعد غيوم الدخان".
اقرأ أيضا
list of 2 itemsعراقيون فروا من ويلات الحروب ومآسيها في بلادهم فوقعوا في جحيم المعارك بين روسيا وأوكرانياعراقيون فروا من ويلات الحروب ...
في حين يستذكر المواطن تيسير سعيد تلك الأيام التي جعلتهم يبحثون عن الملاجئ أيام القصف الأميركي، ويقول "كنت أركض في الشوارع بين البحث عن ملجأ والبحث عن طعام والخوف من المجهول، كانت أياما عصيبة؛ أن تخاف على أهلك من القصف العشوائي في المعارك".
الصورة الأولى.. كييف ٢٠٢٢.
الصورة الثانية.. بغداد ٢٠٠٣. pic.twitter.com/fyKtAPzBuQ— ﮼ولد ﮼أبو ﮼شــِنـٌبٰ ﮼⁸¹⁸ (@MR50l0) February 27, 2022
عذابات الحرب
ويرى سعيد أن الحرب مرفوضة لأنها لا تجلب سوى الدمار ولا رابح فيها، ويقول عن عذابات الحرب وقصف المدن "إذا أراد أحد أن يسأل عن قسوة الحرب فليسأل أي عراقي وسيتحدث له عن معاناتها وقسوتها وهروب الناس بحثا عن ملجأ، والعراقيون هم أكثر شعب يدرك ويشعر بمعاناة الناس والأطفال أيام القصف والتفجيرات".
ويتحدث الموظف نعيم رجا وهو يطلق حسرة أليمة، مستذكرا تلك الأيام التي تعرض فيها العراق لحروب مدمرة، ويقول "حين أرى القصف أعود بذكرياتي إلى قصف بغداد وقصف البصرة وطرق المواصلات واستهداف المنشآت"، مستذكرا كذلك التعامل غير الإنساني لبعض جنود التحالف الذين تعاملوا بقسوة مع الناس بخاصة في محافظة واسط (جنوب بغداد) حيث كانوا "يحاسبون ويفتشون الناس بقسوة قلّ نظيرها". وأشار إلى أن "العالم يقف الآن مع أوكرانيا ولم يقف مع العراقيين في الحروب التي تعرضوا لها".
ولم تغب الحرب عن بال العراقيين، فهي تذكرهم دوما بكلّ المآسي التي مرّوا بها. أم تحرير تتذكّر تلك الأيام التي غزا فيها العراق الكويت وكيف جرت الحرب وحشّدت جيوش العالم، فتقول "كأن الصورة واحدة للحرب، كنت قد تخرّجت حديثا من كلية الآداب وكان العالم بهيجا في عيني وحصلت على وظيفة في إحدى الوزارات قبل أقل من 4 أشهر".
وأضافت "التحشيد ذاته والدول ذاتها وحتى الزمن ذاته"، لكنها تقول إن "الصورة معكوسة هنا؛ العراق مقابل روسيا، والكويت مقابل أوكرانيا، والعقوبات ذاتها كانت تتسارع على العراق"، واستدركت "لا نؤيد غزو الكويت لكننا أيضا لا نقبل بغزو العراق"، وتعتقد أن الحرب "برمتها حرب اقتصادية وتدمير قوى دولية وإسكات قوى ناشئة".
أما أم حسن وهي مدرّسة متقاعدة فتقول "التاريخ علّمنا أن في بدايات كلّ قرن تقع حروب ومشاكل وأيضا في نهاياته"، وترى أن الحرب في أوكرانيا تذكرها بالحرب في البصرة، وكيف كان قلبها يتألم على أبيها وهو جندي ضمن ألوية الجيش العراقي في الكويت. وأفادت بأن "أياما كثيرة كانت فيها أعصابنا تتلف، ونبكي كلما سمعنا هدير الحرب وكيف دخلت قوات الغزو الأميركية إلى العراق".
كوميديا سوداء
ويقول الروائي والسيناريست شوقي كريم حسن -للجزيرة نت- إن الحروب حفرت عميقا في نفوس العراقيين، لهذا لم يجدوا غير طريق جلد الذات المستسلمة لمرارة الحروب وويلاتها، ويرى أن العراقي يبحث عن شيء في هذه الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا حين عاد بذاكرته إلى الوراء "كمحاولة للانتقام من الحرب والسخرية منها ونبش الماضي".
ولهذا فهو يعمد أحيانا حتى إلى توظيف السخرية اعتمادا على أمرين مهمين، "الأول موجّه إلى الجيل الحالي الذي لا يعرف ما وقع من حروب ومآسيها وفعالياتها التي أصبحت إرثا معرفيا"، أما الأمر الآخر فهو رسالة إلى "المتحاربين أن لا جدوى وستكون النتيجة واحدة لا فوز ولا خسارة، والمثال أمامكم شعوب حاربت وخسرت أعظم رأس مالها وهو الإنسان".
لكن الأمر لم يقتصر على الكلام، فقد عمد بعض العراقيين إلى منتجة أغاني الحرب العراقية مع أفلام روسية فبدا كأنه تساوق في مقاربة الحرب التي يعدّونها تشبه حرب غزو أميركا للعراق، وهو ما شكّل كثيرا من الاندفاع الساخر والمثير للمشاعر في الوقت نفسه.
ويقول الناقد والفنان مهدي هندو إنه "منذ القدم والجيوش لا تستغني عن الموسيقى حيث كانت تقرع الطبول للإيذان ببداية تقدم الجيوش في ساحة المعركة"، ويرى أن مثل هذه الموسيقى "تبعث روح الحماسة لدى المقاتل وهي التي تربك العدو"، لذا فهي في رأي هندو "قد تطوّرت بتطور مجريات الحروب كا تطوّرت تقنيات الموسيقى".
ولهذا فإن ما قام به بعض العراقيين من وضع أغاني الحرب العراقية على أفلام روسية يأتي لأنهم "ذاقوا ويلات الحرب وكانت الأناشيد تستغلهم"، ويزيد بالإجابة بقوله "ربما أرادوا القول إن التطبيل والغناء لكل الحروب لا يجلب سوى الويلات للشعوب، فالحروب لعنة ودمار وخراب للحاضر والمستقبل"، عدا أن الحرب "ستبقى تلاحقهم وربما لن يستطيع أحد معالجتها إلا بالسخرية ذاتها التي يقوم بها العراقيون".
مواجهة الكوارث
ويدرك العراقيون أن الكوميديا السوداء التي يمارسونها إنما هي رسالة تصل بسرعة إلى من يريدون إيصال رسالتهم إليه. ويقول القاص حمودي الكناني إن "الحرب لم تنته في العراق وإنهم تعايشوا معها، لذا فإن مفاجآت حرب روسيا على أوكرانيا ربما كانت خفيفة عليهم".
وأضاف الكناني في معرض رؤيته عن سخرية الواقع "لا شيء أمامنا سوى مواجهة الكوارث بالسخرية والسوداوية أيضا، فالضحكة هي السلاح الوحيد للمواجهة، وصور الحرب والدمار ما زالت ماثلة، لذا فإن صور حرب روسيا التي دخلت قواتها إلى أوكرانيا ستبقى ماثلة أيضا".